1440/03/25
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/03/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.
والمناسب أن يقال في مناقشته الدلالية:- إنَّ ما يدل عليه هو التخفيف على غير البالغ ، فإنَّ كلمة ( رفع ) تستبطن هذا المعنى ، يعني رفع الثقل والهدف هو الخفيف ، ومعلومٌ أنَّ سلب الاعتبار عن عبارات الصبي هو ليس نحو تخفيف عليه ، بل هو نحوٌ من الضغط عليه ، وبالتالي لا يتمكن أن يجري العقد بشكلٍ صحيح ، وهذا نحو تضيقٍ عليه.
والخلاصة:- إنَّ حديث الرفع بقرينة كلمة ( رفع ) يقصد منه التخفيف ، ولا تخفيف في سلب الاعتبار عن عبارات الصبي ، ولا أقل بشكلٍ عام لا يعدّ هذا تخفيفاً ، فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بحديث رفع القلم.
بيد أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر ثلاث مناقشات غير ما أشرنا إليه والمهم منها هو المناقشة الأولى ، وهي :-المناقشة الأولى:- إنَّ ظاهر الحديث رفع المؤاخذة والعقوبة لا رفع الحكم الوضعي أو الحكم التكليفي - الصحة - ومن هنا نحن بنينا على أنَّ عبادات الصبي شرعية.
وما هو ربط هذا المطلب بمقامنا ؟إنه إذا كان حديث الرفع يرفع الحكم فهذا معناه أنه لا حكم بوجوب الصلاة ولا استحباب ولا غير ذلك ، فالأحكام ليست ثابتة في حق الصبي ، وحينئذٍ لا تكون عباداته شرعية ، فإنه لا مثبت لشرعيتها ، بل هي صورية تمرينية شكلية ، وهذا بخلاف على ما انتهى إليه من أنَّ الحديث يرفع العقوبة ، يعني أنَّ الحكم موجودٌ ، وحينئذٍ تصير عباداته شرعية.وكيف يستفيد الشيخ الأعظم من هذا الجواب ؟إنه يستفيد:- أنه بالتالي سوف تكون أحكام المعاملات وسببيّة اللفظ في تحقق النقل والانتقال ثابتة في حقة ، فكل الأحكام ثابتة في حقه ومنها الوضعية ، فإذا كانت ثابتة في حقه فالعقد يكون صحيحاً.
ونحن الآن لا نريد أن نناقش الشيخ الأعظم(قده) ولكن نريد أن نتمم ونصلح كلامه فنقول:- إنَّ الشيخ ادّعى أنَّ ظاهر الحديث هو رفع المؤاخذة ، قال(قده):- ( أما حديث رفع القلم ففيه أولاً أنَّ الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام وإذا بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبي )[1] ، والذي نريد أن نصلح به كلامه هو أننا نقول: إنَّ الشيخ ادّعى أنَّ ظاهر الحديث هو رفع المؤاخذة ، وهذا لا داعي إليه ، إذ لعل البعض يقول من أين أنَّ ظاهر الحديث هو رفع المؤاخذة ، فلذلك كان بإمكانه التغلّب على القال والقيل الذي يتوجه إليه بأن يدّعي أنه من المحتمل أن يكون المقصود من الحديث هو رفع العقاب دون الحكم ، يعني أنَّ كلا الاحتمالين موجود في الحديث ، فلا ظهور له في هذا المعنى بخصوصه ولا في ذاك المعنى بخصوصه ، بل هو مجملٌ ، ويكفينا الاجمال ، فتبقى مطلقات ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ على حالها فنتمسّك بها لأنَّ المانع مجمل.
المناقشة الثانية:- إنه قال لو سلّمنا أنَّ حديث الرفع شامل للأحكام ولكنه يختصّ برفع الأحكام التكليفية دون الوضعية ، فسببيّة ( بعتُ واشتريت ) - يعني الايجاب - لتحقق النقل والانتقال هذه السببية التي هي حكم وضعي لا تكون مرفوعة في حقّ الصبي وإنما المرفوع هو خصوص الأحكام التكليفية فقط ، فإنَّ المشهور قالوا إنَّ الأحكام الوضعية ثابتة في حق الجميع بما فيهم الصبي ، قال:- ( وثانياً:- إنَّ المشهور على الألسنة إنَّ الأحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين فلا مانع من أن يكون عقده سبباً لوجوب الوفاء بعد البلوغ أو على الولي إذا وقع بإذنه أو اجازته كما تكون جنابته سبباً لوجوب غسله بعد البلوغ وحرمة تمكينه من مس المصحف )[2] ، فالمهم أنَّ المشهور على الألسن هو هذا ، فالمرفوع هو الحكم التكليفي فقط دون الوضعي ، فإذاً سببية العقد للنقل الانتقال باقية في حق الصبي.
وما ذكره من تمسكه بقول المشهور ركيك.ورب قائل يقول:- لِـمَ لا نتمسّك بالإطلاق فنقول إنَّ كلمة ( القلم ) تشمل الجميع ، فإنها مطلقة فلماذا تخصّصها بالحكم التكليفي فقط ؟
والجواب:- إنَّ هذا التعبير هو تعبير مجازي كنائي وليس حقيقياً ، وفي باب التعابير المجازية والكنائية يتعذّر التمسّك بالإطلاق ، وهذه قاعدة لم نأخذها في مبحث الأصول في باب المطلق والمقيد ، ولكن توجد بعض النكات وبعض المباحث تذكر في موضع آخرٍ يلزم الالتفات إليها ، فتعبير رفع القلم كناية عن رفع المؤاخذة والعقوبة ، فإذا كان تعبيراً كنائياً ففي باب التعبير الكنائي ليس معلوماً أنَّ السيرة قد اعقدت على التمسّك بالإطلاق ، إنما نتمسّك بالاطلاق في التعابير الحقيقية ، مثل ( اعتق رقبة ) فحينئذٍ نقول هو لم يقيدها بالمؤمنة ، أما في المجاز والكناية فليس من المعلوم ذلك ، ويكفينا هذا ، فإنَّ هذا مجازٌ والمقصود منه هو المعنى الآخر ، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق بهذا المعنى ، أما ذاك المعنى فهو ليس مذكوراً في العبارة حتى تتمسّك به.
المناقشة الثالثة:- إنه قال: سلّمنا أنَّ حديث الرفع يرفع الأحكام الوضعية أيضاً لكنه يرفعها رفعاً مادامياً وليس رفعاً مطلقاً ، يعني هو يرفعها مادام لا يوجد بلوغ فإذا حصل البلوغ فسوف تشمله الأدلة المطلقة وحينئذٍ هذا الرفع يقف مفعوله لأنه يرفع القلم عن الصبي مادام صبياً أما إذا ارتفعت عنه الصباوة وصار بالغاً فحينئذٍ تشمله الأدلة المطلقة ، قال(قده):- ( وثالثاً: لو سلّمنا اختصاص حتى الأحكام الوضعية بالبالغين لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعاً للأحكام المجعولة في حق البالغين فيكون الفاعل كسائر غي البالغين خارجاً عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ )[3] .
فإذاً الشيخ(قده) لم يرتضِ التمسّك بحديث رفع القلم لهذه الوجوه الثلاثة ، وحينئذٍ تصير النتيجة هي أنَّ عقد الصبي يمكن الحكم بصحته بمقتضى المطلقات.ولكن تراجع بعد ذلك وقال:- ( فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة وإلا فالمسألة محل إشكال ).
والمهم كما قلنا هو المناقشة الأولى وأنَّ المرفوع هو المؤاخذة.وقد أجاب السيد الخوئي(قده) عن المناقشة الأولى فقال[4] :- إنّ الشارع شأنه رفع الأحكام لا رفع المؤاخذة والعقوبة ، قال(قده):- ( إنَّ الرفع يتعلّق بما يكون أمر رفعه ووضعه بيد الشارع وليس هو إلا الأحكام دون المؤاخذة ) ، وبهذا أبطل جواب الشيخ الأعظم(قده).
ونحن نقول:- إنَّ تسجيل العقوبة واثباتها من متمّمات الحكم ، فمن أراد جعل حكمٍ يلزم أن يجعل العقوبة حفاظاً على لحكم ، فلابد أن يسجل العقوبة ويثبتها ، فإثبات العقوبة من تتمّات جعل الحكم ، وإلا فجعل الحكم من دون جعل العقوبة يعني جعل الحكم من دون وسيلة حفظٍ تنفيذيةٍ لينفَّذ هذا الحكم ويُمتثَل ، وهذا هو شأن العقلاء ، فالآن مجلس النوّاب مثلاً حينما يشرّع حكماً يشرّع بعده العقوبة على مخالفته فيقول إنَّ من خالف هذا القانون فسوف يحبس كذا مثلاً ، فهذه القضية من شؤون التشريع فإنَّ المناسب هو هكذا حفظاً على التشريع ، بل الآيات القرآنية تدل على ذلك ، كقوله تعالى ﴿ والسارق والساقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ﴾[5] ، وهكذا قوله تعالى ﴿ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف.... ﴾[6] ، إنّ هذا اثبات للعقوبة على مخالفة الحكم بحرمة السرقة أو على مخالفة الحكم بحرمة الافساد في الأرض ، فإذاً جعلت العقوبة والمؤاخذة تبعاً لجعل الحرمة.
فعلى هذا الأساس لا يمكن أن يقال إنَّ شأن الشارع هو اثبات الحكم ورفعه فقط لا اثبات العقوبة أو رفعها ، وبهذا بطل جواب السيد الخوئي(قده) عن الوجه الأوّل.