04-02-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/02/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 406 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 406 ) :- الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبّداً أو معقوصاً وإلا جمع بين التقصير والحلق ويقدمّ التقصير على الحلق على الأحوط.
هذه المسألة تتعرض إلى الخنثى ولا مشكلة في حكمها إذا بنينا على أن الصرورة مخيّر بين الحلق والتقصير إذ لو كانت رجلاً فيجوز له التقصير وإذا كانت أنثى فيتعيّن عليها التقصير فالتقصير مجزٍ على كل حال مادام بنينا على جواز التقصير للصرورة - كما هو رأي السيد الخوئي(قده) - أو فرض أن الحجّة كانت حجة ثانية فأيضاً لا مشكلة . إذن المشكلة هي فيما إذا حكمنا بأن الرجل الصرورة يتعيّن عليه الحلق والأنثى يتعيّن عليها التقصير ، وقد تعرّض صاحب الجواهر(قده) بشكل مختصر إلى حكم الخنثى حيث قال:- ( والخنثى المشكل تقصّر إذا لم تكن أحد الثلاثة وأن كانت على القول بالتخيير أيضاً[1]أما على القول بالوجوب فيتعيّن عليها فعلهما مقدمةً بناءً على أن حرمة الحلق على النساء تشريعية كما هو الظاهر فتسقط للاحتياط وإلا كأن المتّجه التخيير[2] والله العالم )[3].
ومحصّل ما أفاده(قده) هو أن هناك شقوقاً ثلاثة على الأول منها يتعيّن التقصير وعلى الثاني يتعيّن الجمع بين التقصير والحلق وعلى الثالث تكون مخيّرة بينهما فتفعل واحداً منهما ، أما الشق الأول الذي يتعيّن عليها فيه التقصير فهو فيما إذا لم تكن صرورة ولم تكن ملبّدة أو معقّصة أو كانت كذلك وبنينا على التخيير بين الحلق والتقصير في ذلك فإنه على هذين التقديرين يتعيّن عليها التقصير إذ لو كانت رجلاً فالمفروض أننا بنينا على جواز التقصير له وإن كانت امرأة فيجزيها ذلك أيضاً ، والشق الثاني الذي قال أنه يتعيّن عليها الجمع بينهما فهو فيما فرض أنها كانت صرورةً وبنينا على تعيّن الحلق للصرورة وبنينا على أن حرمة الحلق في حقّ المرأة كانت حرمة تشريعية لا حرمة ذاتية تكليفيّة لأن الروايات قالت ( ليس عليها الحلق وعليها - أو يجزيها - التقصير ) إن هذه العبارة ماذا نستفيد منها فهل نستفيد منها الحرمة التكليفية - يعني أنه يحرم عليها الحلق أو أنه لا يجزيها وإذا حلقت بنيّة التشريع يصير آنذاك حراماً من باب التشريع وأما إذا لم تكن قد قصدت التشريع فلا حرمة بل غاية ما يكون هو عدم الاجزاء ؟ فإذا بنينا على أن الحرمة تشريعية لا تكليفية ففي مثل هذه الحالة لابد من الجمع بين الحلق والتقصير لأنها تعلم إما أنه قد توجه إليها خطابٌ بتعيّن الحلق بناءً على كونها رجلاً أو خطاب تعيّن التقصير بناءً على أنها امرأة فتجمع بينهما آنذاك ولا يلزم محذور الحرمة التشريعية لأنها أتت بالحلق من باب الاحتياط وليس من باب التشريع فيلزم أن تجمع ينهما ، وأما الشق الثالث الذي تكون فيه مخيّرة بينهما ذلك فيما إذا فرض أنّا بنينا على تعيّن الحلق في حق الرجل الصرورة وبنينا على أن الحلق في حق المرأة محرّم تكليفيٌّ لا أنه لا يجزيها فقط فهنا يصير المورد من الدوران بين المحذورين فإما أن يكون التقصير عليها واجباً أو يكون محرّماً فبالتالي يدور الأمر بين الوجوب والحرمة التكليفية وفي مورد الدوران بين المحذورين يكون الحكم هو التخيير عقلاً ، هذا ما ذكره(قده).
وفي تحقيق الحال نقول:- الكلام يقع تارةً في غير الصرورة وأخرى في الصرورة:-
حكم غير الصرورة:- أما غير الصرورة فالمناسب لها تعيّن التقصير لأنها لو أتت به تيقّنت بفراغ ذمتها بينما لو أتت بالحلق فيشكل في فراغ ذمتها فيتعيّن عليها التقصير وهذا مطلب واضح.
بيد أنه يوجد هنا إشكال علمي:- وحاصله هو أنه لماذا لا ننتقل إلى مرحلة شغل الذمة قبل أن نذهب إلى مرحلة الامتثال ونحن قد أكّدنا مراراً أنه ما دام يمكن الذهاب إلى عالم شغل الذمة فيتعين المصير إليه ولا نذهب آنذاك إلى عالم الامتثال فأن عالم الامتثال فرع عالم شغل الذمة فإذا تعيّن شغل الذمة كيف هو فسوف يكون الامتثال آنذاك على طبقه ، وفي المقام نقول:- صحيحٌ أن الذمة في حقّ الخنثى قد اشتغلت جزماً بالتقصير فإنها سواءً كانت رجلاً أو امرأةً فقد اشتغلت ذمتها بذلك ولكن يشكّ أن ذمتها هل اشتغلت به بقيد التعيّن وأنه متعيّن ولا يجزي الحلق أو أنها اشتغلت به بنحو التخيير فأصل اشتغال الذمة به شيءٌ جزميٌّ وقيد كونه بنحو التعيّن شيء مشكوكٌ فننفي التعيّن بأصل البراءة وبذلك تكون النتيجة هي كفاية الاتيان بالحلق أيضاً لأن قيد تعيّن التقصير قد نفيناه بأصل البراءة باعتبار أنه قيدٌ مشكوكٌ وكلفة زائدة فتنفيه بالبراءة . إذن يكفيها أيّ واحدٍ منهما ولا يتعيّن عليها التقصير . هذا اشكال علميٌّ لا بأس به فكيف الجواب عنه ؟ويظهر من السيد الخوئي(قده)[4]
التمسك بفكرة العلم الاجمالي:- يعني أنه أدخل المقام تحت باب العلم الاجمالي ومن الطبيعي أنه إذا دخل المورد تحت باب العلم الاجمالي فيجب آنذاك الاحتياط ولا تصل النوبة إلى البراءة ، أما كيف هي تدخل تحت باب العلم الاجمالي ؟ ذلك باعتبار أنها تعلم إما أنه قد توجّه إليها خطاب الرجال أو خطاب النساء فيتعيّن عليها أن تحتاط ويتحقّق الاحتياط بفعل التقصير قال(قده):- ( مقتضى العلم الاجمالي المذكور لزوم اختيار التقصير وعدم جواز ارتكاب الحلق فأنه لو حلق خالف العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط لاحتمال كونه امرأة في واقع الأمر بخلاف ما لو قصّر فقد امتثل على كلّ تقدير ) إن ظاهر هذه العبارة التمسّك بفكرة العلم الاجمالي لإثبات وجوب الاحتياط.
وفي الجواب نقول:- كيف نصّور العلم الاجمالي ؟ إنه ذكر في صدر عبارته أنها تعلم إما بتوجّه خطاب الرجال أو خطاب النساء إليها وهذا في الحقيقة ليس مقبولاً فإن هذا أشبه بالخطابة ونحن نريد في باب العلم الاجمالي العلم بالتكليف فضع إصبعك على التكليف ولا تذهب إلى أنه خطاب رجالٍ أو أنه خطاب نساء فهذا لا يولّد علماً إجمالياً بالتكليف فأين التكليف ؟ ومعلومٌ أنها لو كانت امرأة فهي تعلم بأن الخطاب الموجّه إليها هو ( يتعيّن عليكِ التقصير ) ولو كانت رجلاً فالخطاب الموجّه إليها هو ( لا يتعيّن عليكِ التقصير ) ومعلومٌ أن مثل هذين الحكمين لا يتحقق بلحاظهما العلم بالتكليف إذ أنه على أحد التقديرين يوجد تكليفٌ وعلى التقدير الثاني يوجد رخصة وعدم تكليف . إذن لم يثبت التكليف على كلا التقديرين وإنما يكون التكليف ثابتاً . إذن لو كان يتعيّن الحلق في حق الرجل فنعم هذا علمٌ بالتكليف على كلا التقديرين فعلى تقدير كونها أنثى فهناك تكليفٌ جزماً وهو تعيّن التقصير وإذا كانت رجلاً فهناك تكليفٌ وهو تعيّن الحلق أما إذا قلنا بأن الرجل مخيّر ومعنى أنه مخيّر أي أنه ليس ملزماً بالتقصير فإذن هي تعلم على أحد التقديرين أنها ملزمة بالتقصير - يعني إذا كانت أنثى - وعلى التقدير الثاني ليست ملزمة بالتقصير - يعني إذا كانت رجلاً - فكيف يصير علماً إجمالياً ؟!
ولعل مقصوده شيئاً آخر:- وهو أنه لا يريد إدخالاً للمورد تحت العلم الاجمالي حقيقةً وذلك بأن يكون المقصود هو أنه إذا أتت الخنثى بالتقصير جزمت بفراغ الذمة بينما لو أتت بالحلق لا تجزم بفراغ الذمة فعلى هذا الأساس يحكم العقل بلزوم الاتيان بما يجزم بفراغ الذمة معه ، فمقصوده أنه يريد بيان هذا ولكن خانته العبارة.
ولكن يرد عليه:- إننا قلنا قبل قليل إن الذهاب إلى عالم الامتثال يكون صحيحاً لو لم يمكن الذهاب إلى عالم شغل الذمة وهنا يمكننا الذهاب إلى عالم شغل الذمة وننفي تعيّن التقصير بأصل البراءة فعلى هذا الأساس تكون النتيجة هي أنه لا يوجد بأحدهما من دون تعيين حتى يكون هناك شغل يقيني من دون تعيين متعلقه بل هناك شغل للذمة في الجملة - يعني بالجامع أي بأحدهما - وأما خصوص التقصير فمشكوكٌ فننفيه بالبراءة فإذا أتينا بالحلق فقد تحقق الجامع وما زاد عليه - أي تعيّن التقصير - لا علم باشتغال الذمة به ، إذن ما اشتغلت به الذمة يقيناً - وهو الجامع - قد أتينا به وما زاد فلا شغل يقيني به حتى نحتاج إلى الاحتياط في عالم الامتثال . هذا إشكال علميّ واضح فكيف الجواب عنه ؟
وقبل أن أذكر الجواب أقول:- أني أشرت مطلبٍ وهو أن العلم الاجمالي لابد وأن يكون دائماً بين تكليفين أما أن يكون بين تكليفٍ ورخصةٍ فلا يكون علماً إجمالياً وهذا من الأمور الواضحة الجليّة ، وعلى هذا الاساس لو شككنا في أن التدخين هل هو حرام أو هو مباح فقد يتصوّر شخصٌ في البداية أن هذا علماً إجمالياً فهو إما حرامٌ أو هو مباحٌ . وجوابه:- إن هذا ليس علماً إجمالياً بالتكليف فعلى أحد التقديرين يوجد تكليفٌ ولكن على التقدير الثاني لا يوجد تكليف ، إذن هذا شكّ في التكليف ولكن صيغ لفظاً صياغة العلم الاجمالي ولكن في الواقع لا يوجد علم اجمالي .
وهكذا لو دار الأمر بين كون هذا الشيء طاهراً أو نجساً فهنا لا يوجد علم بالتكليف ، نعم من حيث الصياغة يوجد صياغة علم إجمالي أما في الواقع فلا فأنه إذا كان نجساً فيجب الاجتناب عنه وإذا كان طاهراً فهو مرخّص في ارتكابه لا أنه يجب ارتكابه ، فإذن لا يتكّون هنا علم إجمالي وهذا من الأمور الواضحة . إذن صياغة لعلم الاجمالي في المقام لا يمكن تطبيقها وحينئذٍ كيف ندفع هذه الشبهة ؟
مسألة ( 406 ) :- الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبّداً أو معقوصاً وإلا جمع بين التقصير والحلق ويقدمّ التقصير على الحلق على الأحوط.
هذه المسألة تتعرض إلى الخنثى ولا مشكلة في حكمها إذا بنينا على أن الصرورة مخيّر بين الحلق والتقصير إذ لو كانت رجلاً فيجوز له التقصير وإذا كانت أنثى فيتعيّن عليها التقصير فالتقصير مجزٍ على كل حال مادام بنينا على جواز التقصير للصرورة - كما هو رأي السيد الخوئي(قده) - أو فرض أن الحجّة كانت حجة ثانية فأيضاً لا مشكلة . إذن المشكلة هي فيما إذا حكمنا بأن الرجل الصرورة يتعيّن عليه الحلق والأنثى يتعيّن عليها التقصير ، وقد تعرّض صاحب الجواهر(قده) بشكل مختصر إلى حكم الخنثى حيث قال:- ( والخنثى المشكل تقصّر إذا لم تكن أحد الثلاثة وأن كانت على القول بالتخيير أيضاً[1]أما على القول بالوجوب فيتعيّن عليها فعلهما مقدمةً بناءً على أن حرمة الحلق على النساء تشريعية كما هو الظاهر فتسقط للاحتياط وإلا كأن المتّجه التخيير[2] والله العالم )[3].
ومحصّل ما أفاده(قده) هو أن هناك شقوقاً ثلاثة على الأول منها يتعيّن التقصير وعلى الثاني يتعيّن الجمع بين التقصير والحلق وعلى الثالث تكون مخيّرة بينهما فتفعل واحداً منهما ، أما الشق الأول الذي يتعيّن عليها فيه التقصير فهو فيما إذا لم تكن صرورة ولم تكن ملبّدة أو معقّصة أو كانت كذلك وبنينا على التخيير بين الحلق والتقصير في ذلك فإنه على هذين التقديرين يتعيّن عليها التقصير إذ لو كانت رجلاً فالمفروض أننا بنينا على جواز التقصير له وإن كانت امرأة فيجزيها ذلك أيضاً ، والشق الثاني الذي قال أنه يتعيّن عليها الجمع بينهما فهو فيما فرض أنها كانت صرورةً وبنينا على تعيّن الحلق للصرورة وبنينا على أن حرمة الحلق في حقّ المرأة كانت حرمة تشريعية لا حرمة ذاتية تكليفيّة لأن الروايات قالت ( ليس عليها الحلق وعليها - أو يجزيها - التقصير ) إن هذه العبارة ماذا نستفيد منها فهل نستفيد منها الحرمة التكليفية - يعني أنه يحرم عليها الحلق أو أنه لا يجزيها وإذا حلقت بنيّة التشريع يصير آنذاك حراماً من باب التشريع وأما إذا لم تكن قد قصدت التشريع فلا حرمة بل غاية ما يكون هو عدم الاجزاء ؟ فإذا بنينا على أن الحرمة تشريعية لا تكليفية ففي مثل هذه الحالة لابد من الجمع بين الحلق والتقصير لأنها تعلم إما أنه قد توجه إليها خطابٌ بتعيّن الحلق بناءً على كونها رجلاً أو خطاب تعيّن التقصير بناءً على أنها امرأة فتجمع بينهما آنذاك ولا يلزم محذور الحرمة التشريعية لأنها أتت بالحلق من باب الاحتياط وليس من باب التشريع فيلزم أن تجمع ينهما ، وأما الشق الثالث الذي تكون فيه مخيّرة بينهما ذلك فيما إذا فرض أنّا بنينا على تعيّن الحلق في حق الرجل الصرورة وبنينا على أن الحلق في حق المرأة محرّم تكليفيٌّ لا أنه لا يجزيها فقط فهنا يصير المورد من الدوران بين المحذورين فإما أن يكون التقصير عليها واجباً أو يكون محرّماً فبالتالي يدور الأمر بين الوجوب والحرمة التكليفية وفي مورد الدوران بين المحذورين يكون الحكم هو التخيير عقلاً ، هذا ما ذكره(قده).
وفي تحقيق الحال نقول:- الكلام يقع تارةً في غير الصرورة وأخرى في الصرورة:-
حكم غير الصرورة:- أما غير الصرورة فالمناسب لها تعيّن التقصير لأنها لو أتت به تيقّنت بفراغ ذمتها بينما لو أتت بالحلق فيشكل في فراغ ذمتها فيتعيّن عليها التقصير وهذا مطلب واضح.
بيد أنه يوجد هنا إشكال علمي:- وحاصله هو أنه لماذا لا ننتقل إلى مرحلة شغل الذمة قبل أن نذهب إلى مرحلة الامتثال ونحن قد أكّدنا مراراً أنه ما دام يمكن الذهاب إلى عالم شغل الذمة فيتعين المصير إليه ولا نذهب آنذاك إلى عالم الامتثال فأن عالم الامتثال فرع عالم شغل الذمة فإذا تعيّن شغل الذمة كيف هو فسوف يكون الامتثال آنذاك على طبقه ، وفي المقام نقول:- صحيحٌ أن الذمة في حقّ الخنثى قد اشتغلت جزماً بالتقصير فإنها سواءً كانت رجلاً أو امرأةً فقد اشتغلت ذمتها بذلك ولكن يشكّ أن ذمتها هل اشتغلت به بقيد التعيّن وأنه متعيّن ولا يجزي الحلق أو أنها اشتغلت به بنحو التخيير فأصل اشتغال الذمة به شيءٌ جزميٌّ وقيد كونه بنحو التعيّن شيء مشكوكٌ فننفي التعيّن بأصل البراءة وبذلك تكون النتيجة هي كفاية الاتيان بالحلق أيضاً لأن قيد تعيّن التقصير قد نفيناه بأصل البراءة باعتبار أنه قيدٌ مشكوكٌ وكلفة زائدة فتنفيه بالبراءة . إذن يكفيها أيّ واحدٍ منهما ولا يتعيّن عليها التقصير . هذا اشكال علميٌّ لا بأس به فكيف الجواب عنه ؟ويظهر من السيد الخوئي(قده)[4]
التمسك بفكرة العلم الاجمالي:- يعني أنه أدخل المقام تحت باب العلم الاجمالي ومن الطبيعي أنه إذا دخل المورد تحت باب العلم الاجمالي فيجب آنذاك الاحتياط ولا تصل النوبة إلى البراءة ، أما كيف هي تدخل تحت باب العلم الاجمالي ؟ ذلك باعتبار أنها تعلم إما أنه قد توجّه إليها خطاب الرجال أو خطاب النساء فيتعيّن عليها أن تحتاط ويتحقّق الاحتياط بفعل التقصير قال(قده):- ( مقتضى العلم الاجمالي المذكور لزوم اختيار التقصير وعدم جواز ارتكاب الحلق فأنه لو حلق خالف العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط لاحتمال كونه امرأة في واقع الأمر بخلاف ما لو قصّر فقد امتثل على كلّ تقدير ) إن ظاهر هذه العبارة التمسّك بفكرة العلم الاجمالي لإثبات وجوب الاحتياط.
وفي الجواب نقول:- كيف نصّور العلم الاجمالي ؟ إنه ذكر في صدر عبارته أنها تعلم إما بتوجّه خطاب الرجال أو خطاب النساء إليها وهذا في الحقيقة ليس مقبولاً فإن هذا أشبه بالخطابة ونحن نريد في باب العلم الاجمالي العلم بالتكليف فضع إصبعك على التكليف ولا تذهب إلى أنه خطاب رجالٍ أو أنه خطاب نساء فهذا لا يولّد علماً إجمالياً بالتكليف فأين التكليف ؟ ومعلومٌ أنها لو كانت امرأة فهي تعلم بأن الخطاب الموجّه إليها هو ( يتعيّن عليكِ التقصير ) ولو كانت رجلاً فالخطاب الموجّه إليها هو ( لا يتعيّن عليكِ التقصير ) ومعلومٌ أن مثل هذين الحكمين لا يتحقق بلحاظهما العلم بالتكليف إذ أنه على أحد التقديرين يوجد تكليفٌ وعلى التقدير الثاني يوجد رخصة وعدم تكليف . إذن لم يثبت التكليف على كلا التقديرين وإنما يكون التكليف ثابتاً . إذن لو كان يتعيّن الحلق في حق الرجل فنعم هذا علمٌ بالتكليف على كلا التقديرين فعلى تقدير كونها أنثى فهناك تكليفٌ جزماً وهو تعيّن التقصير وإذا كانت رجلاً فهناك تكليفٌ وهو تعيّن الحلق أما إذا قلنا بأن الرجل مخيّر ومعنى أنه مخيّر أي أنه ليس ملزماً بالتقصير فإذن هي تعلم على أحد التقديرين أنها ملزمة بالتقصير - يعني إذا كانت أنثى - وعلى التقدير الثاني ليست ملزمة بالتقصير - يعني إذا كانت رجلاً - فكيف يصير علماً إجمالياً ؟!
ولعل مقصوده شيئاً آخر:- وهو أنه لا يريد إدخالاً للمورد تحت العلم الاجمالي حقيقةً وذلك بأن يكون المقصود هو أنه إذا أتت الخنثى بالتقصير جزمت بفراغ الذمة بينما لو أتت بالحلق لا تجزم بفراغ الذمة فعلى هذا الأساس يحكم العقل بلزوم الاتيان بما يجزم بفراغ الذمة معه ، فمقصوده أنه يريد بيان هذا ولكن خانته العبارة.
ولكن يرد عليه:- إننا قلنا قبل قليل إن الذهاب إلى عالم الامتثال يكون صحيحاً لو لم يمكن الذهاب إلى عالم شغل الذمة وهنا يمكننا الذهاب إلى عالم شغل الذمة وننفي تعيّن التقصير بأصل البراءة فعلى هذا الأساس تكون النتيجة هي أنه لا يوجد بأحدهما من دون تعيين حتى يكون هناك شغل يقيني من دون تعيين متعلقه بل هناك شغل للذمة في الجملة - يعني بالجامع أي بأحدهما - وأما خصوص التقصير فمشكوكٌ فننفيه بالبراءة فإذا أتينا بالحلق فقد تحقق الجامع وما زاد عليه - أي تعيّن التقصير - لا علم باشتغال الذمة به ، إذن ما اشتغلت به الذمة يقيناً - وهو الجامع - قد أتينا به وما زاد فلا شغل يقيني به حتى نحتاج إلى الاحتياط في عالم الامتثال . هذا إشكال علميّ واضح فكيف الجواب عنه ؟
وقبل أن أذكر الجواب أقول:- أني أشرت مطلبٍ وهو أن العلم الاجمالي لابد وأن يكون دائماً بين تكليفين أما أن يكون بين تكليفٍ ورخصةٍ فلا يكون علماً إجمالياً وهذا من الأمور الواضحة الجليّة ، وعلى هذا الاساس لو شككنا في أن التدخين هل هو حرام أو هو مباح فقد يتصوّر شخصٌ في البداية أن هذا علماً إجمالياً فهو إما حرامٌ أو هو مباحٌ . وجوابه:- إن هذا ليس علماً إجمالياً بالتكليف فعلى أحد التقديرين يوجد تكليفٌ ولكن على التقدير الثاني لا يوجد تكليف ، إذن هذا شكّ في التكليف ولكن صيغ لفظاً صياغة العلم الاجمالي ولكن في الواقع لا يوجد علم اجمالي .
وهكذا لو دار الأمر بين كون هذا الشيء طاهراً أو نجساً فهنا لا يوجد علم بالتكليف ، نعم من حيث الصياغة يوجد صياغة علم إجمالي أما في الواقع فلا فأنه إذا كان نجساً فيجب الاجتناب عنه وإذا كان طاهراً فهو مرخّص في ارتكابه لا أنه يجب ارتكابه ، فإذن لا يتكّون هنا علم إجمالي وهذا من الأمور الواضحة . إذن صياغة لعلم الاجمالي في المقام لا يمكن تطبيقها وحينئذٍ كيف ندفع هذه الشبهة ؟
[1]يعني بل وأن كانت صرورة من أحد الثلاثة ، ولكن أي ثلاثة ؟ أي الصرورة بناءً على التخيير وهكذا في الملبّد والمعقّص بناءً على التخيير لأن المشهور ذهبوا إلى التخيير في المعقّص والملبّد رغم أن الروايات دلتّ على تعيّن الحلق.
[2]أي من باب العلم الاجمالي فهو من باب المقدمة العلمية لأنها تعلم أنها إما أن تكون رجلاً فيتعيّن عليها الحلق أو أنها امرأة فيتعيّن عليها التقصير فتجمع بينهما.
[4] المعتمد، الخوئي، ج5، ص322، ط قديمة.