39/08/12
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/08/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 51 ) - المكاسب المحرّمة.
بل ربما يقال:- إنَّ الاحتمال الأوّل ليس بمقصود - والذي هو النافع في مقام الاستدلال - لقرينة وهكذا الاحتمال الثاني وإن كان الاحتمال الثاني ليس من اللازم أنَّ نركّز عليه ، ولكن هذه القرينة التي سنذكرها هي تنفع لنفي الاحتمال الثاني أيضاً ، وحاصل تلك القرينة أن يقال:- لو ثبت أنَّ المقصود أنَّ الانسان مسلّط على ماله بشتى التصرفات ، فلازم ذلك إذا فرضنا أنه كان لشخص أرنباً مثلاً وقد وقع كلام في لحكم الأرنب هل هو حلال أو فقد يقول قائل أتمكن أن أتمسك لإثبات حلّيته فيما إذا كان ملكي فأقول أنا المالك أطبّق قاعدة السلطنة بإطلاقها وأقول الناس مسلطون على أموالهم بشتّى التصرفات كمّاً وكيفاً ومن ذلك أكله ، وهل نقبل بهذا ؟ إننا نشعر بوجداننا أنَّ هذا غير مقبول ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ هذه السعة ليست مرادة ومقصودة من الحديث وإلا لماذا رفضت نفسك الأمر ، وهذا منبه داخلي ، وهكذا لو شككنا أنَّ أكل الغدد جائز أو ليس بجائز فنقول هذا الخروف مثلاً ملكي وأشك هل يجوز أكل الغدد الموجودة فيه أو لا فنطبق حديث السلطنة بإطلاقه ونثبت حليتها للمالك عن طريق التمسّك بإطلاق الحديث ، ونضم مقدمة ثانية وهي أنه وبعدم الفصل بين المالك وغيره يجوز للبقية ، ولكن هذا لا يهمنا وإنما يكفينا أننا أثبتنا الجواز للمالك ، ولكن هذه الطريقة نشعر بوجداننا أنها مرفوضة، وهذا المنبه الداخلي إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ هذا الاحتمال ليس بمقصود ، ويكفينا أنه هناك إجمال ، يعني لا ظهور في خصوص الاحتمال الأول الذي يهمنا والاحتمالات الأخرى وجيهة كالاحتمال الذي ذكره الشيخ الخراساني(قده) وهو أنَّ التصرّف الجائز في نفسه لا يتوقف على إذن أحد مادام قد أحله الله له ، فهذا الاحتمال الذي ذكره الشيخ الخراساني(قده) جيد جداً ، ولا أريد أن أقول هو الظاهر وإنما يكفيني أنَّ الاحتمال الأول لا معيّن له في مقابل بقية الاحتمالات ، فلا يمكن التسمك بالحديث الشريف لإثبات صحة المعاطاة ، هذا من حيث الدلالة ، ويبقى الكلام من حيث السند.
ولعل قائل يقول:- إذا كانت الدلالة ليست بتامة فلماذا نبحث عن السند ؟
ولكن نقول:- إنَّ توجد نكات علمية نبينها من خلال هذا البحث ، وبالتالي لو تم سند الحديث فسوف نستفيد منه فنتمسّك بألفاظه وندور مدارها كما فعل بعض الفقهاء حيث أخذ يدور مدار ألفاظه في المورد الجائز كالاحتمال الثالث الذي ذهب إليه الشيخ الخراساني(قده) ، فهو تمسّك بألفاظ الحديث ، فلنلاحظ هل هذا الحديث صادر أو لا وهل هو حجة أو لا ، فإن كان حجة فسوف نتمّسك بألفاظه ، وإن لم يكن حجة فلا يجوز التمسّك بألفاظه ، فإذن ماذا نفعل ؟
نذهب إلى السيرة العقلائية ونلاحظها فإنها هي المدرك المهم كما سيأتينا لهذه القاعدة ، فاذهب إلى السيرة العقلائية ولاحظ هي ماذا تقتضي ، وحيث إنها دليل لبّي عادةً فهي مجمل عادة ، وحينئذٍ لا يجوز التمسّك بها ، وعلى أيّ حال طريقة التمسّك بالألفاظ لا تتم إلا إذا تم السند ، فلنلاحظ سند الحديث ، وهذه قضية لا بأس بها.أما من حيث السند:- فإنَّ هذا الحديث لم يرد في معاجمنا الحديثية ، فليس له سند في معاجمنا الحديثية المعتبرة ، نعم رواه ابن أبي جمهور الاحسائي في عوالي اللئالي[1] ، رواه مرّة عن الفاضل المقداد أو عن غيره.
والاشكال فيه واضح:- وهو أنَّه ما هو سند الفاضل المقداد مثلاً أو غيره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه مجهول ، وعليه يكون الحديث مرسلاً . هذه صورة مجملة عن سند الحديث.
فإذن كيف نثبت أنه معتبر ؟والجواب:- إننا نحتاج إلى بعض الوجوه:-
الوجه الأول:- دعوى أنه منجبرٌ بالشهرة.
وفي التعليق نقول:- ما المقصود من الشهرة هل هي الشهرة الرواية أو الشهرة الفتوائية - يعني الفتوى على طبقة التي هي قد تكون عملية يعني العمل به - ؟ فإن كنت تقصد الشهرة الروائية فقد اتضح أنَّ هذه الرواية ليست موجودة في الكتب الروائية وإنما الذي نقلها فقط هو عوالي اللئالي بها الشكل المرسل ، فشهرة روائية ليست متحققة.
وأما من حيث الشهرة الفتوائية على طبق الرواية فيرد على ذلك منع صغرىً:- يعني لم يثبت أنَّ الفقهاء من المشهور أفتوا على طبق هذه الرواية ، ومقصودنا من المشهور هو مشهور المتقدمين قبل العلامة والمحقق وغيرهما ، فإنَّ الذي يوجب انجبار السند هو عمل المتقدّمين بالحديث ، فعلى هذا الأساس لم يثبت أن المتقدّمين استندوا في عملهم قد إلى هذا الحديث وعملوا به ، نعم سوف نذكر أسماء بعضهم ، ولكن هذا لا يشكّل شهرة فتوائية على طبقه.
وربما يناقش في الكبرى دون الصغرى فقط وذلك بأن يقال:- إنه حتى لو ثبت استناد المشهور إليه ولكن نناقش في الكبرى ونقول من قال إنَّ الخبر الذي عمل به المشهور يصير حجة ، بل يمكن يناقش في ذلك ببيانين:-
البيان الأوّل:- أن يقال: إنَّ هذه الشهرة الفتوائية التي نريد أن نجعلها داعمة للخبر وترفعه إلى مستوى الحجية هل هي حجة فنفسها أو ليست حجة في نفسها ، فإن كانت حجة في نفسها فهي تكفينا ، وإذا فرضنا أنها ليست حجة فمعلوم أنَّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فإذا كانت هي ليست حجة كيف تجعل غيرها حجة فإنَّ هذا غير مقبول؟!!
ويمكن أن يعلّق على ذلك:- بأنه يمكن أن نختار الثاني ، يعني بمعنى أنها هي ليست بحجة في حد نفسها ولكنها تجبر غيرها - يعني تجبر الرواية الضعيفة كما في موردنا وهو حديث السلطنة - لو ثبتت الصغرى ، ولكن نحن قلنا إنَّ الصغرى ليست بثابتة ، ولكن لو ثبتت الصغرى فمن حيث الكبرى يمكن أن يقال لا مناقشة ، وذلك باعتبار أنَّ هذه الشهرة التي فرضناها بين المتقدمين - يعني من الشيخ الطوسي ومن قبله - فإذا فرض أنه توجد شهرة ثابتة عندهم على العمل به فيمكن أن نقول إنَّ هذه الشهرة جابرة فيما إذا فرض أنها كانت شهرة على العمل لا مجرّد شهرة على فتوى تتطابق مع مضمون الرواية من دون أن يثبت الاستناد إليها ، لأنه يوجد شكلان لفتوى المشهور على طبق الرواية فتارة هم لهم فتوى تتطابق اتفاقاً مع الحديث كما في موردنا فإنه يحتمل أنه فتواهم تتطابق مع الرواية من باب الاستناد إلى القضية العقلائية فإن العقلاء بانون على أنَّ الناس مسلطون على أموالهم ، فإنه توجد سيرة عقلائية أو ارتكاز عقلائي على هذا فهم أفتوا لا من باب الاستناد إلى الرواية وإنما الفتوى في حدّ نفسها لمستند آخر لكن بالتالي صارت الفتوى تتطابق مع مضموم الرواية ، ومرّة توجد فتوى على طبق الرواية واستناداً إليها بحيث يتمسّكون بها ويستدلّون بها ويذكرونها ، وكلامنا في هذا الثاني ، فإذا ثبت أنَّ الطبقة المتقدّمة قد عملوا بالرواية واستندوا إليها - كما إذا ذكروها في كماتهم كدليلٍ - ففي مثل هذه الحالة يحصل الانجبار ، إذ يحصل للفقيه آنذاك اطمئنان بصدورها فيما إذا قلنا عمل بها مشهور المتقدمين والعكس بالعكس إذا اعرضوا عنها فإعراضهم يسقطها عن الاعتبار ، فتلك الشهرة التي تحصيلها ليس بالأمر الهيّن إن حصلت بشكلٍ موافق فسوف تكون جابرة وحجة ، وإن حصلت بشكلٍ يخالف كانت كاسرة وتسقط الخبر عن الحجية ، ولكن أنّى نحرز حصول تلك الشهرة ؟!!
فإذن من حيث الكبرى اتضح أنه يمكن أن نقول بأنَّ الشهرة جابرة فيما إذا كانت بين المتقدّمين وقد استندوا إلى الرواية فإنه لا بأس بذلك ، فإذن لا مشكلة من ناحية هذا البيان.البيان الثاني:- هو أنها لو كانت تجبر السند فيلزم أن تجبر الدلالة الضعيفة أيضاً إذ لا فرق من هذه الناحية والحال أنكم لا تلتزمون بأنَّ الشهرة الفتوائية جابرة للدلالة الضعيفة فإذا لم تكن جابرة لها فلا تكون جابرة لضعف السند.
والجواب:-أوّلاً:- نقول: لا مانع من الالتزام بذلك ، يعني هي تجبر الدلالة الضعيفة ، فلو فرضنا أنَّ رواية كانت دلالتها ضعيفة لكن فهم منها مشهور المتقدّمين فإذا تمسّكوا بالرواية وكانت دلالتها ضعيفة فسوف ترقى إلى مستوى الاعتبار ، لأنهم قريبو عهد من النصّ ولهم خلطة بالروايات ، فيمكن أن نقول يحصل انجبار آنذاك ولا مانع من ذلك ، والعكس بالعكس ، فإذا فرض أنه كانت الدلالة موجودة ولكن القدماء لم يعملوا بها وأعرضوا عنها فيمكن أن يقال بأنها سوف تسقط عن الاعتبار ، ولكني أبقى أؤكد على أنَّ تحصيل هكذا شهرة على وفق الدلالة أو على خلاف الدلالة من الشيخ الطوسي(قده) فصاعداً شيءٌ صعب لأنَّ كلمات المتقدمين ليست موجودة عندنا عادةً ، فإنَّ الكثير منهم ليس له كتاب حتى نفهم أنه عمل بالرواية أو أعرض عنها ، فإذن لا مانع من أن نلتزم بأنَّ الدلالة الضعيفة تنجبر.
ثانياً:- إنَّ هذا قياس مع الفارق باعتبار أنه في باب الدلالة المدار على الظهور وعمل المشهور لا يولد ظهوراً ، وهذا بخلافة بالنسبة إلى السند فإنَّ المهم أن يثبت الصدور ، وإذا استند المشهور إلى الرواية فهذا قد يوجب الاطمئنان للفقيه بصدور الرواية فتكون حجة من حيث حصول الاطمئنان.
فإذن لا مانع من كون الشهرة الفتوائية جابرة للسند الضعيف كما اتضح من خلال ما ذكرنا ، إنما المشكلة كما تضح من حيث الصغرى حيث لم يثبت أنَّ الطبقة المتقدّمة قد استندت إلى هذا الحديث ، فإنَّ هذا الحديث جاء في كلمات ابن الجنيد على ما نقل عنه العلامة في المختلف[2] ، ولكن يبقى أنه كيف حصل العلامة على رأي ابن الجنيد وهل أنَّ عبارة ابن الجنيد يفهم منها وهذا أو لا ولكن هذا مطلب آخر ، لكن العلامة لابد أنه عثر على كتب ابن الجنيد التي لم نعثر عليها ، وكما أن الشيخ الطوسي استند إليها في المبسوط[3] ، وكذلك ابن إدريس[4] ، والعلامة في التذكرة[5] ، والأردبيلي في جمع الفائدة والبرهان[6] ، والشهيد الثاني في المسالك[7] ، وغيرهم من المتأخرين.
والمهم في هؤلاء هو ابن الجنيد والشيخ الطوسي وصاحب السرائر ، ولكن هؤلاء ثلاثة لا يشكلون شهرة ، وإنما نحتاج إلى أكثر من ذلك أما هذا العدد فلا يولّد الاطمئنان ، فإذن من هذه الناحية الأمر مشكل في سند الحديث من حيث عدم تحقق الشهرة على العمل به ، إذ لو كانت هناك شهرة من المتقدّمين على العمل به لكنّا نرضخ له ولحصل لنا الاطمئنان.الموضوع:- مسألة ( 51 ) - المكاسب المحرّمة.
بل ربما يقال:- إنَّ الاحتمال الأوّل ليس بمقصود - والذي هو النافع في مقام الاستدلال - لقرينة وهكذا الاحتمال الثاني وإن كان الاحتمال الثاني ليس من اللازم أنَّ نركّز عليه ، ولكن هذه القرينة التي سنذكرها هي تنفع لنفي الاحتمال الثاني أيضاً ، وحاصل تلك القرينة أن يقال:- لو ثبت أنَّ المقصود أنَّ الانسان مسلّط على ماله بشتى التصرفات ، فلازم ذلك إذا فرضنا أنه كان لشخص أرنباً مثلاً وقد وقع كلام في لحكم الأرنب هل هو حلال أو فقد يقول قائل أتمكن أن أتمسك لإثبات حلّيته فيما إذا كان ملكي فأقول أنا المالك أطبّق قاعدة السلطنة بإطلاقها وأقول الناس مسلطون على أموالهم بشتّى التصرفات كمّاً وكيفاً ومن ذلك أكله ، وهل نقبل بهذا ؟ إننا نشعر بوجداننا أنَّ هذا غير مقبول ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ هذه السعة ليست مرادة ومقصودة من الحديث وإلا لماذا رفضت نفسك الأمر ، وهذا منبه داخلي ، وهكذا لو شككنا أنَّ أكل الغدد جائز أو ليس بجائز فنقول هذا الخروف مثلاً ملكي وأشك هل يجوز أكل الغدد الموجودة فيه أو لا فنطبق حديث السلطنة بإطلاقه ونثبت حليتها للمالك عن طريق التمسّك بإطلاق الحديث ، ونضم مقدمة ثانية وهي أنه وبعدم الفصل بين المالك وغيره يجوز للبقية ، ولكن هذا لا يهمنا وإنما يكفينا أننا أثبتنا الجواز للمالك ، ولكن هذه الطريقة نشعر بوجداننا أنها مرفوضة، وهذا المنبه الداخلي إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ هذا الاحتمال ليس بمقصود ، ويكفينا أنه هناك إجمال ، يعني لا ظهور في خصوص الاحتمال الأول الذي يهمنا والاحتمالات الأخرى وجيهة كالاحتمال الذي ذكره الشيخ الخراساني(قده) وهو أنَّ التصرّف الجائز في نفسه لا يتوقف على إذن أحد مادام قد أحله الله له ، فهذا الاحتمال الذي ذكره الشيخ الخراساني(قده) جيد جداً ، ولا أريد أن أقول هو الظاهر وإنما يكفيني أنَّ الاحتمال الأول لا معيّن له في مقابل بقية الاحتمالات ، فلا يمكن التسمك بالحديث الشريف لإثبات صحة المعاطاة ، هذا من حيث الدلالة ، ويبقى الكلام من حيث السند.
ولعل قائل يقول:- إذا كانت الدلالة ليست بتامة فلماذا نبحث عن السند ؟
ولكن نقول:- إنَّ توجد نكات علمية نبينها من خلال هذا البحث ، وبالتالي لو تم سند الحديث فسوف نستفيد منه فنتمسّك بألفاظه وندور مدارها كما فعل بعض الفقهاء حيث أخذ يدور مدار ألفاظه في المورد الجائز كالاحتمال الثالث الذي ذهب إليه الشيخ الخراساني(قده) ، فهو تمسّك بألفاظ الحديث ، فلنلاحظ هل هذا الحديث صادر أو لا وهل هو حجة أو لا ، فإن كان حجة فسوف نتمّسك بألفاظه ، وإن لم يكن حجة فلا يجوز التمسّك بألفاظه ، فإذن ماذا نفعل ؟
نذهب إلى السيرة العقلائية ونلاحظها فإنها هي المدرك المهم كما سيأتينا لهذه القاعدة ، فاذهب إلى السيرة العقلائية ولاحظ هي ماذا تقتضي ، وحيث إنها دليل لبّي عادةً فهي مجمل عادة ، وحينئذٍ لا يجوز التمسّك بها ، وعلى أيّ حال طريقة التمسّك بالألفاظ لا تتم إلا إذا تم السند ، فلنلاحظ سند الحديث ، وهذه قضية لا بأس بها.أما من حيث السند:- فإنَّ هذا الحديث لم يرد في معاجمنا الحديثية ، فليس له سند في معاجمنا الحديثية المعتبرة ، نعم رواه ابن أبي جمهور الاحسائي في عوالي اللئالي[1] ، رواه مرّة عن الفاضل المقداد أو عن غيره.
والاشكال فيه واضح:- وهو أنَّه ما هو سند الفاضل المقداد مثلاً أو غيره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه مجهول ، وعليه يكون الحديث مرسلاً . هذه صورة مجملة عن سند الحديث.
فإذن كيف نثبت أنه معتبر ؟والجواب:- إننا نحتاج إلى بعض الوجوه:-
الوجه الأول:- دعوى أنه منجبرٌ بالشهرة.
وفي التعليق نقول:- ما المقصود من الشهرة هل هي الشهرة الرواية أو الشهرة الفتوائية - يعني الفتوى على طبقة التي هي قد تكون عملية يعني العمل به - ؟ فإن كنت تقصد الشهرة الروائية فقد اتضح أنَّ هذه الرواية ليست موجودة في الكتب الروائية وإنما الذي نقلها فقط هو عوالي اللئالي بها الشكل المرسل ، فشهرة روائية ليست متحققة.
وأما من حيث الشهرة الفتوائية على طبق الرواية فيرد على ذلك منع صغرىً:- يعني لم يثبت أنَّ الفقهاء من المشهور أفتوا على طبق هذه الرواية ، ومقصودنا من المشهور هو مشهور المتقدمين قبل العلامة والمحقق وغيرهما ، فإنَّ الذي يوجب انجبار السند هو عمل المتقدّمين بالحديث ، فعلى هذا الأساس لم يثبت أن المتقدّمين استندوا في عملهم قد إلى هذا الحديث وعملوا به ، نعم سوف نذكر أسماء بعضهم ، ولكن هذا لا يشكّل شهرة فتوائية على طبقه.
وربما يناقش في الكبرى دون الصغرى فقط وذلك بأن يقال:- إنه حتى لو ثبت استناد المشهور إليه ولكن نناقش في الكبرى ونقول من قال إنَّ الخبر الذي عمل به المشهور يصير حجة ، بل يمكن يناقش في ذلك ببيانين:-
البيان الأوّل:- أن يقال: إنَّ هذه الشهرة الفتوائية التي نريد أن نجعلها داعمة للخبر وترفعه إلى مستوى الحجية هل هي حجة فنفسها أو ليست حجة في نفسها ، فإن كانت حجة في نفسها فهي تكفينا ، وإذا فرضنا أنها ليست حجة فمعلوم أنَّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فإذا كانت هي ليست حجة كيف تجعل غيرها حجة فإنَّ هذا غير مقبول؟!!
ويمكن أن يعلّق على ذلك:- بأنه يمكن أن نختار الثاني ، يعني بمعنى أنها هي ليست بحجة في حد نفسها ولكنها تجبر غيرها - يعني تجبر الرواية الضعيفة كما في موردنا وهو حديث السلطنة - لو ثبتت الصغرى ، ولكن نحن قلنا إنَّ الصغرى ليست بثابتة ، ولكن لو ثبتت الصغرى فمن حيث الكبرى يمكن أن يقال لا مناقشة ، وذلك باعتبار أنَّ هذه الشهرة التي فرضناها بين المتقدمين - يعني من الشيخ الطوسي ومن قبله - فإذا فرض أنه توجد شهرة ثابتة عندهم على العمل به فيمكن أن نقول إنَّ هذه الشهرة جابرة فيما إذا فرض أنها كانت شهرة على العمل لا مجرّد شهرة على فتوى تتطابق مع مضمون الرواية من دون أن يثبت الاستناد إليها ، لأنه يوجد شكلان لفتوى المشهور على طبق الرواية فتارة هم لهم فتوى تتطابق اتفاقاً مع الحديث كما في موردنا فإنه يحتمل أنه فتواهم تتطابق مع الرواية من باب الاستناد إلى القضية العقلائية فإن العقلاء بانون على أنَّ الناس مسلطون على أموالهم ، فإنه توجد سيرة عقلائية أو ارتكاز عقلائي على هذا فهم أفتوا لا من باب الاستناد إلى الرواية وإنما الفتوى في حدّ نفسها لمستند آخر لكن بالتالي صارت الفتوى تتطابق مع مضموم الرواية ، ومرّة توجد فتوى على طبق الرواية واستناداً إليها بحيث يتمسّكون بها ويستدلّون بها ويذكرونها ، وكلامنا في هذا الثاني ، فإذا ثبت أنَّ الطبقة المتقدّمة قد عملوا بالرواية واستندوا إليها - كما إذا ذكروها في كماتهم كدليلٍ - ففي مثل هذه الحالة يحصل الانجبار ، إذ يحصل للفقيه آنذاك اطمئنان بصدورها فيما إذا قلنا عمل بها مشهور المتقدمين والعكس بالعكس إذا اعرضوا عنها فإعراضهم يسقطها عن الاعتبار ، فتلك الشهرة التي تحصيلها ليس بالأمر الهيّن إن حصلت بشكلٍ موافق فسوف تكون جابرة وحجة ، وإن حصلت بشكلٍ يخالف كانت كاسرة وتسقط الخبر عن الحجية ، ولكن أنّى نحرز حصول تلك الشهرة ؟!!
فإذن من حيث الكبرى اتضح أنه يمكن أن نقول بأنَّ الشهرة جابرة فيما إذا كانت بين المتقدّمين وقد استندوا إلى الرواية فإنه لا بأس بذلك ، فإذن لا مشكلة من ناحية هذا البيان.البيان الثاني:- هو أنها لو كانت تجبر السند فيلزم أن تجبر الدلالة الضعيفة أيضاً إذ لا فرق من هذه الناحية والحال أنكم لا تلتزمون بأنَّ الشهرة الفتوائية جابرة للدلالة الضعيفة فإذا لم تكن جابرة لها فلا تكون جابرة لضعف السند.
والجواب:-أوّلاً:- نقول: لا مانع من الالتزام بذلك ، يعني هي تجبر الدلالة الضعيفة ، فلو فرضنا أنَّ رواية كانت دلالتها ضعيفة لكن فهم منها مشهور المتقدّمين فإذا تمسّكوا بالرواية وكانت دلالتها ضعيفة فسوف ترقى إلى مستوى الاعتبار ، لأنهم قريبو عهد من النصّ ولهم خلطة بالروايات ، فيمكن أن نقول يحصل انجبار آنذاك ولا مانع من ذلك ، والعكس بالعكس ، فإذا فرض أنه كانت الدلالة موجودة ولكن القدماء لم يعملوا بها وأعرضوا عنها فيمكن أن يقال بأنها سوف تسقط عن الاعتبار ، ولكني أبقى أؤكد على أنَّ تحصيل هكذا شهرة على وفق الدلالة أو على خلاف الدلالة من الشيخ الطوسي(قده) فصاعداً شيءٌ صعب لأنَّ كلمات المتقدمين ليست موجودة عندنا عادةً ، فإنَّ الكثير منهم ليس له كتاب حتى نفهم أنه عمل بالرواية أو أعرض عنها ، فإذن لا مانع من أن نلتزم بأنَّ الدلالة الضعيفة تنجبر.
ثانياً:- إنَّ هذا قياس مع الفارق باعتبار أنه في باب الدلالة المدار على الظهور وعمل المشهور لا يولد ظهوراً ، وهذا بخلافة بالنسبة إلى السند فإنَّ المهم أن يثبت الصدور ، وإذا استند المشهور إلى الرواية فهذا قد يوجب الاطمئنان للفقيه بصدور الرواية فتكون حجة من حيث حصول الاطمئنان.
فإذن لا مانع من كون الشهرة الفتوائية جابرة للسند الضعيف كما اتضح من خلال ما ذكرنا ، إنما المشكلة كما تضح من حيث الصغرى حيث لم يثبت أنَّ الطبقة المتقدّمة قد استندت إلى هذا الحديث ، فإنَّ هذا الحديث جاء في كلمات ابن الجنيد على ما نقل عنه العلامة في المختلف[2] ، ولكن يبقى أنه كيف حصل العلامة على رأي ابن الجنيد وهل أنَّ عبارة ابن الجنيد يفهم منها وهذا أو لا ولكن هذا مطلب آخر ، لكن العلامة لابد أنه عثر على كتب ابن الجنيد التي لم نعثر عليها ، وكما أن الشيخ الطوسي استند إليها في المبسوط[3] ، وكذلك ابن إدريس[4] ، والعلامة في التذكرة[5] ، والأردبيلي في جمع الفائدة والبرهان[6] ، والشهيد الثاني في المسالك[7] ، وغيرهم من المتأخرين.
والمهم في هؤلاء هو ابن الجنيد والشيخ الطوسي وصاحب السرائر ، ولكن هؤلاء ثلاثة لا يشكلون شهرة ، وإنما نحتاج إلى أكثر من ذلك أما هذا العدد فلا يولّد الاطمئنان ، فإذن من هذه الناحية الأمر مشكل في سند الحديث من حيث عدم تحقق الشهرة على العمل به ، إذ لو كانت هناك شهرة من المتقدّمين على العمل به لكنّا نرضخ له ولحصل لنا الاطمئنان.