34-08-05
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/08/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) ، مسالة ( 382 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
استدراكان:- هناك استدراكان في هذا المجال نشير اليهما:-
الاستدراك الأول:- ذكرنا فيما سبق في مسألة الهدي أن صاحب الحملة إذا أراد أن يشتري الشياه للحجيج فلا يصح أن يشتري المجموع للمجموع فإنه في حدِّ نفسه شيء لا معنى له إذ المالك لهذا المجموع من هو ؟ فهل هو كل واحد وهذا على خلاف الواقع وهو باطل جزماً أو أن كل واحد يملك رأساً من الغنم من دون تعيين وهذا معناه أن المبيع سوف يكون غير معيّن فالحاج الأول يملك أي رأس ؟ هل هو هذا الرأس أو ذاك ؟ فهو غير معيّن فيقع باطلاً إذ يشترط في صحة البيع تعيّن المبيع ولذلك قلنا أنه من المناسب بطلان أصل الشراء قبل أن تصل النوبة إلى الذبح والتعيين بالذبح إذ البيع والشراء هو بنفسه باطل ولذلك اقترحنا أن تعيّن الشياه الأولى فالأولى بأن تقف الشياه صفاً فتكون الأولى للأوّل من الحجيج الذين سجلنا أسماءهم في قائمة والثانية للثاني ..... وهكذا ثم إذا حصل الاختلاف فهو لا يضر بعد ذلك لأنا نذبح كل شاة عن صاحبها الواقعي الذي هو معيّن في علم الله . واقترحنا طريقة ثانية وهي أن يشتري صاحب الحملة المجموع لنفسه ثم بعد ذلك حين الذبح يبيع الأولى للأوّل ويذبحها له ..... هكذا وهذه الطريقة لعلها أيسر من الأولى.
والذي نريد أن نستدركه هو أنه توجد طرقة ثالثة أيسر من السابقتين وهي أن يشتري صاحب الحملة رأساً كلياً لكل واحدٍ من الحجيج وبيع الكليّ أو شراؤه شيءٌ صحيح شرعاً فنحن الآن ندخل إلى صاحب المحل ونشتري كيلو سكر الذي هو من كيس معين أي موزون وأشتري كيلو آخر لصاحبي ولكن من دون أن أعيّن الكيلو الذي هو لي عن الكيلو الذي هو لصاحبي فمن البداية أنا أشتري كيلواً لي وكيلواً كلياً لصاحبي إن هذا الشراء صحيح ولا مشكلة فيه وبالتالي يصير صاحبي مالكاً للكيلو الكليّ غايته في هذا المعين - أي في هذين الكيلوين فهو له كيلو من الكيلوين وأنا كذلك وهذا شراء صحيح وبعد ذلك هو يرضى بما أعيّنه له ، وأيضاً نذهب إلى بائع الخضروات فنشتري كيلو طماطم أو باذنجان مثلاً من دون تعيينٍ للكيلو فإذا توافقنا على البيع صرت مالكاً للكيلو في مجموع هذه الصبرة - أو الصندوق - وهذا شراءٌ للكليّ في المعين وبعد أن يتم الشراء وأعطيه الثمن أقول له أنت عيّن الكيلو وسوف آخذه منك فيما بعد فيعيّن الكيلو في جزئيّ معيّن أن هذا صحيح ولا مشكلة فيه ، وعلى هذا الأساس يشتري صاحب الحملة كذلك - أي يشتري خمسين رأساً كل رأس كليّ هو يشتريه لأفراد الحجيج فكل واحد يصير مالكاً للكلي غايته في هذا المجموع من الخمسين - وحيث أن صاحب الحملة أخذ منهم الوكالة المطلقة فهو سوف يعيّن ذلك الكليّ ويذبحه بعد ذلك ولا مشكلة ، ولا يبعد أن صاحب الحملة يقصد هذا المعنى - أي يشتري الكليّ - وإن كان قد لا يعبِّر بهذا التعبير ولكن الواقع هو أن المقصود له هو هذا فلا مشكلة من هذه الناحية.
إن قلت:- إن رؤوس الغنم قد تكون مختلفة في الصغر والكبر والهزال والسمنة وغير ذلك فحينئذ كيف الحل من هذه الناحية ؟
قلت:- إن هذه الأوصاف ملغيّة في باب الحج فإنا أطلب من صاحب الحملة أن يشتري لي خروفاً أعم من أن يكون سميناً أو هزيلاً كبيراً أو صغيراً فهذا ليس مهماً عندي والمهم هو أن يكون سالماً من العيوب . فإذن أنا وكلّته في شراء الكليّ بهذا الشكل والثاني أيضاً وكلّه في شراء الكليّ بهذا الشكل وحينئذ لا مشكلة بعد ذلك في التعيين فقد أعين السمين لهذا والهزيل لذاك فهذا كلّه ليس بمهم مادام واجداً للأوصاف الشرعيّة المطلوبة.
الاستدراك الثاني:- ذكرنا فيما سبق أنه لو شككنا في مكان أنه من منى أو لا فالمناسب ما هو ؟ وأجبنا عن ذلك بأن الشبهة إذا كانت مصداقية - أعني إذا كان المفهوم محدّد والشك في المصداق - فالمورد مجرى لأصالة الاشتغال كما هو واضح وإذا كانت مفهوميّة فيمكن إجراء الأصل اللفظي والأصل العملي بالبيان المتقدم غايته أني ذكرت أن جريان الأصل موقوف على أن يكون عوان منى قد أخذ بنحو المرآتية إلى المكان فيصير المكان مردّداً بين الأقل والأكثر فننفي خصوصيّة الأقل بأصالة البراءة فإنه تضييق وتقييد زائد لا نعلم به وأما إذا كان عنوان منى قد أخذ بنحو الموضوعيّة فذلك يعني أن الذمة مشغولة بهذا العنوان فلابد من إحراز تحققه وذلك لا يكون إلا إذا أحرزنا أن هذا المكان هو من منى فينقلب الأصل إلى الاشتغال بناءً على اشتغال الذمة بالعنوان بنحو الموضوعية.
ثم قلنا إن المناسب هو ماذا فهل المناسب هو أن العنوان مأخوذاً بنحو الموضوعية أو بنحو الطريقية ؟ وقد أجبنا عن ذلك بما تقدم وقلنا إنه لو سلمنا أن ظاهر كل عنوان هو الموضوعيّة - كما هو المعروف - وقلنا بصحة هذا الظهور ولكن في باب الأمكنة قد يشكك في هذا الظهور وأنه لا يبعد أن تكون العناوين مأخوذة في باب الأمكنة مأخوذة بنحو المرآتية وإذا شككنا فيكفينا الشك كما تقدم.
والذي أريد أو أقوله الآن هو:- قد يقول قائل إن انشغال الذمة بعنوان منى بنحو الموضوعيّة يتنافى مع بحثٍ أشير إليه في علم الأصول وهو أن الأحكام هل تتعلق بالعناوين أو تتعلق بالمعنونات والوجودات الخارجية ؟ وهناك من قال إنها تتعلق بالعناوين وهناك من قال بأنها تتعلق بالوجودات الخارجية كما ذهب إلى ذلك الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية في مبحث الأمر والنهي ، ولكن ذكرنا وفاقاً لغير واحدٍ من الأعلام أن المناسب هو تعلّق الأحكام بالعناوين ولكن لا بما هي عناوين ذهنيّة بل بما أنها عين الخارج فإن الله عز وجل أعطى قدرةً للذهن البشري أن يلحظ الواقع الخارجي بالعنوان ويرى بالعنوان المعنونَ الخارجي فإن الخطيب الحسيني يقرأ ونحن نبكي والحال أن الخارج ليس بموجود الآن فواقعة الطف ليست موجودة أمامنا ولكن هذه المفاهيم التي يطرحها الخطيب الحسيني نرى بها الخارج وكأنها عين الخارج ... إلى آخر الشواهد التي ذكرناها.
إذن الأحكام تتعلق بالخارج لكن بهذا المعنى - أي بالعناوين بما أنها عين الخارج - فإذا قبلنا هذا في بحث الأصول فكيف نقول الآن إن عنوان منى قد يكون مأخوذاً بنحو الموضوعيّة يعني أن الذمة تنشغل به أليس هذا منافياً لما ذكرناه من أن الأحكام لا تتعلق بالعناوين بما هي عناوين ولا تنشغل الذمة بها إن هذا ينافي ذلك ؟
والجواب:- إنا نسلم أن الحكم بالوجوب قد تعلق بعنوان الوقوف والكون في منى لا بما هو عنوان بل بما هو عين المعنون الخارجي فبالتالي يكون الحكم متعلقاً بالمعنون بهذا الشكل - أو بالعنوان بهذا الشكل - وبعدما كان الوجوب متعلقاً بالوقوف الخارجي - أو بالأحرى بالوقوف الذهني بما هو عين الخارج - نقول هكذا:- ( إنه هل أخذ إحراز كون الوقوف في منى الجغرافيّة قيداً في المأمور به أو أن المهم هو الوقوف في واقع منى الجغرافيّة وأما ذاك فليس بقيد ) ، وعلى هذا الأساس لا يحصل تنافٍ بين الموضعين فبلحاظ الموضوع الأوّل - يعني تعلق الأحكام بالعناوين أو بالمعنونات - قلنا إن الوجوب متعلق بالكون والوقوف في منى ولكن أيّ وقوف ؟ إنه الوقوف الذهني بما هو عين الخارج . ثم نأتي إلى بحثنا وهو أنه هل يوجد شرطٌ وقيدٌ في المأمور به وهو إحراز كون الوقوف وقوفاً في منى الجغرافيّة أو أن هذا ليس بشرط ؟
إذن لا يحصل تنافٍ بين هذا الموضوع وبين سابقة بل كلٌ ناظرٌ إلى موضعه المناسب.
مسألة(382):- الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد . ولكن إذا تركهما يوم العيد لنسيانٍ أو لغيره من الأعذار أو لجهلٍ بالحكم لزمه التدارك إلى آخر أيام التشريق وإن استمر العذر جاز تأخيره إلى آخر ذي الحجّة فإذا تذكر أو علم بعد الطواف وتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف وإن كانت الاعادة أحوط وأما إذا تركه عالماً عامداً فطاف فالظاهر بطلان طوافه ويجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح.
..........................................................................................................
تشتمل المسألة على نقاط اربع:-
النقطة الأولى:- الأحوط أن يكون الهدي في منى في يوم العيد - أي في اليوم العاشر - من دون تأخّر إلى اليوم الحادي عشر وما بعده . وقد تعرضنا فيما سبق إلى هذا الحكم وقلنا إنما يستدل عليه بأمور ثلاثة الأول التأسي وهو كما ترى ، والثاني صحيحة محمد بن حمران حيث سئل عليه السلام:- ( عن الحاج غير المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:- كلُّ شيءٍ إلا النساء والطيب )
[1]
بدعوى أن حكم الإمام عليه السلام بأنه يحلّ من كلّ شيءٍ في يوم العيد إلا النساء والطيب يدلّ على أن الذبح يلزم وقوعه في اليوم العاشر وإلا فكيف يحلّ من كلّ شيءٍ ما عدى النساء والطيب ؟! وجبنا عن ذلك ما تقدّم من أن ذلك لعله إشارة إلى الحالة المعهودة المتعارفة فأن المتعارف هو أن الحجيج يذبحون في اليوم العاشر ولا يؤخرون ذلك فبهذا الاعتبار عبّر بهذا التعبير كما أن التعبير بيوم النحر أيضاً يمكن أن يكون من هذه الناحية - يعني تعبير الرواية عن اليوم العاشر يوم النحر لعله من هذا الباب أي تعارف الذبح في اليوم العاشر وليس من جهة وجوب ذلك بنحو التعيين فيه - والمهم هو الوجه الثالث كما ذكرنا أي أن الحلق بما أن الأحوط - كما سياتي - إيقاعه في اليوم العاشر والمفروض أن الروايات دلّت على أن دور الحلق يأتي بعد الذبح فهذا يعني أن الذبح يلزم إيقاعه في اليوم العاشر دون اليوم الحادي عشر ، ولكن ذكرنا أن هذا نصير إليه من باب الاحتياط لأن إيقاع الحلق في اليوم العاشر مبنيٌّ على الاحتياط . إذن ما ذكره(قده) في النقطة الأولى شيءٌ جيّدٌ وقد اتضح مدركه.
النقطة الثانية:- إذا ترك الحاج الذبح يوم العيد لنسيانٍ ونحوه تداركه في أيام التشريق.
وهذا مطلب واضح أيضاً والوجه فيه هو أن أيام التشريق هي أيام الذبح على ما دلت عليه الروايات المتقدمة - والتي سنشير إليها أيضاً فيما بعد انشاء الله تعالى - وحيث لم يتحقق الذبح في اليوم العاشر فلا بأس بإيقاعه في اليوم التالي مادام هو من أيام النحر . نعم ذكر(قده) أن العذر إذا استمر إلى آخر ذي الحجّة جاز له التأخير إلى آخر ذي الحجّة وهذا ما تأملنا وتوقفنا فيه سابقاً وقلنا بأنه يمكن المناقشة من هذه الزاوية وسوف تأتي المناقشة بعد ذلك إنشاء الله تعالى.
النقطة الثالثة:- إذا التفت بعد الطواف أنه لم يذبح ونسى الذبح أو جهله فلا تلزمه إعادة الطواف بل يذبح بعد الطواف والمدرك في ذلك ما تقدم هو صحيحة جميل وغيرها الحاكية عن القوم اللذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله.
النقطة الرابعة:- إذا كان ترك الذبح قبل الطواف ناشئاً عن عمدٍ فأتى الحاج بالطواف أوّلاً ثم أراد أن يذبح فهنا وقع طواف باطلاً وذلك لنفس صحيحة جميل لأنها دلّت على أنه لا ينبغي أن يكون ذلك عن عمدٍ ولا يبعد أن نفي الانبغاء ظاهر في الحكم الوضعي لا مجرد الحكم التكليفي وعليه يلزمه بعد أن يذبح إعادة الطواف.
[1] وسائل الشيعة، الحر العامل، ج14، ص236، ب14 من أبواب الحلق والتقصير، ح1، آل البيت.