34-07-30
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/07/30
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وتلك الروايات هي:-
الرواية الأولى:- صحيحة أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام:- ( سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم ؟ قال:- بل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت )
[1]
، ومورد السؤال هو وإن كان لعله يختلف عن مورد صحيحة حريز - أي أن صحيحة حريز كانت ناظرة إلى من كان واجداً للثمن وفاقداً للهدي وهذه على العكس فالهدي موجود بيد أن الثمن لم يكن عنده وحصل في يوم النفر إذن من هذه الناحية المورد مختلف - ولكن هذا لا يؤثر بعد إلغاء الخصوصية فإن صحيحة حريز لم يمكننا التمسك بها لمقامنا إلا بعد إلغاء الخصوصيّة فإذا كان البناء على إلغاء الخصوصيّة فهذه الرواية وتلك تصير حينئذ من وادٍ واحدٍ.
وبغض النظر عن ذلك فلو تنزّلنا وسلّمنا أن احتمال الخصوصيّة موجودٌ بيد أن الامام عليه السلام علّل بقوله ( فإن أيام الذبح قد مضت ) وهذا معناه أن التأخير عن أيام التشريق أمر غير جائز فتحصل المعارضة كما هو واضح.
الرواية الثانية:- وقد يستفاد ذلك أيضاً من صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سمعته يقول:- النحر بمنى ثلاثة أيام فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام ، والنحر بالأمصار يومٌ فمن أراد أن يصوم صام من الغد )
[2]
فإنها دلت على أن أيام النحر ثلاثة ولا تمتدّ إلى آخر ذي الحجّة.
الرواية الثالثة:- صحيحة كليب الأسدي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النحر ، فقال:- أما بمنى ثلاثة أيام وأما في البلدان فيومٌ واحد )
[3]
، وعلى هذا المنوال صحيحة محمد بن مسلم
[4]
.
وعلى أي حال هذه الروايات ظاهرة في أن الذبح لا يمتدّ وقته إلى نهاية ذي الحجّة فتعارض صحيحة حريز الدالة على الامتداد وبالتالي يشكل الأمر من هذه الناحية ولابد من علاج هذه المشكلة.
وسادساً:- أن السيد الخوئي(قده) ذكر أنه يعجّل بالتقصير ويحلّ من كل شيءٍ والحال أنه يمكن أن نقول إنه توجد بعض الروايات التي تدلّ على أن الإحلال لا يحصل بالتقصير وحده بل بالتقصير الذي يتعقّب ويأتي بعد الذبح - يعني إذا ذبح ثم قصَّر فيحلّ من كل شيء - أما إذا قصَّر ولم يذبح بَعدُ فعمليّة الاحلال لا تحصل من قبيل صحيحة معاوية:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلَّ من كلِّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب )
[5]
فإنها دلت بوضوح على أن الإحلال يحصل بالحلق المقيّد بقبليّة الذبح وإذا كانت عندنا روايات مطلقة تدلّ على أن من قصّر يحصل له الإحلال ولم تشِر إلى الذبح فتكون هذه صالحة لتقييدها ، وهذه ثغرة أيضاً يلزم أن يعالجها(قده).
وعلى أي حال اتضح من خلال ما ذكرناه أن ما أفاده(قده) في كلا الشقين قابلٌ للمناقشة.
والأجدر أن يقال:-
أما بالنسبة إلى الشق الأول
[6]
:- فالمناسب أن يقال أنه إذا لم يمكنه الذبح في منى وأمكن في وادي محسِّر فقد اتضح أن المناسب الذبح فيه لما أشرنا إليه من أن منى إذا ضاقت بالناس ارتفعوا إلى وادي محسِّر بعد أن نحمل الضيق على المرآتية إلى عدم الإمكان كما أن تخصيص الرواية بخصوص المبيت والنظر إلى خصوص المبيت أمرٌ لا داعي إليه فينتقل إلى وادي محسِّر فإن لم يمكن ففي مكّة فإنها منحرٌ كلها كما جاء في الرواية فإن لم يمكن ذلك ففي المكان الذي قررته السلطة - أيّ مكانٍ كان - فإن المحافظة على وحدة المكان التي نحتمل أن الشرع المقدّس يهتم بها هي أجدر بالملاحظة والمحافظة ، ولكن لا نفتي بذلك فإن هذا يحتاج إلى مستندٍ علميٍّ ولا يوجد عندنا ذلك وإنما نصير إليه من باب الاحتياط فالاحتياط يقتضي الاقتصار على المكان الذي قرّرته السلطة بعد تعذّر منى ووادي محسِّر.
وأما ما أفاده في الشق الثاني:- فالمناسب هو نفس ما ذكرناه في الشقّ الأوّل فإن أمكن أن يذبح في اليوم الأوّل ولا نتعدى عنه في منى فبها وإلا ففي وادي محسِّر وإلا ففي مكّة وإلا ففي المكان الذي تقرره السلطة ، والوجه في ذلك هو أن منى وإن كانت شرطاً في صحّة الذبح والهدي ولكن هذه الشرطية لا إطلاق فيها يعني إن دليل الشرطيّة على ما تقدم سابقاً إما هو صحيحة منصور بن حازم الواردة فيمن فقد الهدي وأن من وجده إذا ذبحه في غير منى لا يجزي أو أن المستند هو سيرة المسلمين على الإتيان بذلك بنحو اللزوم أو أن المستند هو أن المسألة عامّة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً ، ومن الواضح أن جميع هذه الأدلة هي - بل حتى الادلة التي تمسك بها الغير كالآية الكريمة التي تمسك بها السيد الخوئي(قده) هي لا إطلاق فيها بل غاية ما تدلّ عليه هو أن منى شرطٌ في صحة الذبح والتحلّل أما أنها شرط مطلقاً فهي لا إطلاق فيها من هذه الناحية - إما أنها أدلّة لبيّة كالسيرة أو أنّها واردة في مقام بيان حكمٍ آخر كصحيحة منصور إذ أنها ناظرة إلى مسألة أن الذي عثر على الهدي يلزم أن يذبحه في منى وقد كان في ذلك الزمان كما نعرف أن الذبح متيسراً فهي ليست ناظرة إلى حالة ما إذا لم يمكن الذبح في منى فالتمسك بالإطلاق مشكلٌ فنقتصر على القدر المتيقن - أعني حالة التمكن - وما زاد نرجع فيه إلى مقتضى الأصل إما الأصل اللفظي أو الأصل العمليّ ، وأقصد من الأصل اللفظي هو اطلاقات أدلّة وجوب الذبح لو كانت موجودة وثابته فإنا نتمسك بإطلاقها ومقتضاه جواز الذبح في أي مكانٍ ولكن احتطنا بأن يكون في مكانٍ واحدٍ تحفظاً على النكتة التي أشرنا إليها رغم أنا نعترف بأن القاعدة تقتضي بعد تعذّر منى جواز الذبح في كلِّ مكانٍ ولكن لأجل هذه النكتة نحتاط من هذه الناحية ، وعلى هذا الأساس فإما أن نتمسك بالإطلاق اللفظي أو نتمسك بالأصل العملي إذا لم يكن هناك إطلاق لفظي فنقول إن ذمتنا قد اشتغلت بالحجّ مع الذبح المقيّد بكونه في منى عند القدرة على ذلك في اليوم العاشر وأما إذا لم نقدر على ذلك في اليوم العاشر فنشكّ هل أن شرطيّة منى وقيديها بَعدُ باقية أو لا ؟ فالمورد يكون من موارد الشك في سعة دائرة الشرطيّة وضيقها فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو حالة القدرة وأما في غيرها فيرجع إلى البراءة فيجوز الذبح في أي مكانٍ ولكن على الأحوط كما قلنا مراعاة وحدة المكان . هذا كله بالنسبة إلى ما يرتبط بهذا المتن.
وقبل أن ننتقل إلى المتن الآخر هناك بعض القضايا والأحكام الابتلائية التي ترتبط بهذا الموضوع يجدر الإشارة إلى بعضها:-
القضية الأولى:- هل يجوز أن نقول بجواز أو لزوم الذبح في أيّ مكانٍ كان ؟ بمعنى أن كلّ مكلف له الحق في أن يذبح في بلده أو في مكانٍ آخر جوازاً بل قد نقول لزوماً ووجوباً خوفاً من قضيّة التبذير فإن هذه اللحوم تذهب هدراً والتبذير محرّم فالذبح في منى إذن بل في طلق مكة والأرض المقدسة لا يجوز ؟ أو أنه لا يجب من ناحية محذور التبذير أو من ناحية أخرى في زماننا إذ لعلّ هذه اللحوم تذهب إلى بعض الجهات التي يُحذَر منها وتقوِّيها فهل هذا شيءٌ وجيه ونصير إليه وبالتالي نحكم بذلك ؟
والجواب:- إنه كان من المناسب لأصحاب هذه المقالة أن ينظروا لما أشرنا إليه بالعين الأخرى وهو أن من المحتمل قويّاً أن الشرع المقدّس يراعي مسألة وحدة المكان فإن الحجّ قد روعيت فيه هذه القضية - أي إداء المشاعر في مكان موحّد - حتى تظهر للعيان عظمة الإسلام وهذه قضيّة من الجدير ملاحظتها وبالتالي يكون المصير إلى لزوم التحفظ على وحدة المكان على مستوى الاحتياط.
وأما ما ذكر من المعارض - أعني أنه يلزم محذور التبذير أو أنه يذهب إلى الجهات غير الصحيحة - فهذا في الحقيقة ناشئٌ من تقصيرنا وكان من المناسب للجهة التي تتمكن من ذلك أن تقوم بمسؤوليتها وعدم قيامها بمسؤوليتها لا يعني أن الحكم الشرعي ينبغي أن يتغيّر وإلا فيلزم أن نلتزم بأنه حتى لو فرض أنه أمكن الذبح بسهولةٍ في منى نقول إنه لا يجوز لأن الذبائح تذهب كلّاً أو بعضاً هدراً !! إنه لا يحتمل أن نعطّل الحكم الإسلامي نتيجة هذه القضيّة وينبغي تحميل المسؤولية على الجهة التي يمكنها أن تستفيد من هذه اللحوم لا أن نغيّر الحكم الشرعي.
[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص17، ب44 من أبواب الذبح، ح3، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص93، ب5 من أبواب الذبح، ح5، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص93، ب6 من أبواب الذبح، ح6، آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص94، ب6 من أبواب الذبح، ح5، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص232، ب13 من أبواب الحلق والتقصير، ح1، آل البيت.
[6] والذي هو موضع الابتلاء ومن المناسب تسليط الأضواء عليه - أعني ما إذا لم يمكن الذبح في منى إلى نهاية ذي الحجة -.