39/06/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/06/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 49 ) اشتراط الموالاة بين الايجاب والقبول - المكاسب المحرّمة.
الوجه الثاني لإثبات الموالاة:- ما ربما يظهر من صاحب الجواهر(قده) وحاصله: إنَّ العقد المتعارف هو ما كان فيه توالي بين الايجاب والقبول ، والاطلاقات دائماً تنزّل على ما هو المتعارف ، والنتيجة هي أنَّ الامضاء يختص بالمتعارف والمتعارف هو ما كان فيه توالياً ، فإذن يصير التوالي معتبراً ، قال ما نصه:- ( وأما الاتصال فعن جماعة منهم الفاضل في النهاية والشهيد والمقداد والمحقق أنه يشترط أن لا يتأخر القبول بحيث لا يعدّ جواباً . ولا يضر تخلل آنٍ أو تنفسٍ أو سعالٍ . قلت: المدار في هذه الموالاة على العرف فإنه الحافظ للهيئة المتعارفة سابقاً في العقد الذي نزّلنا الآية عليه فإن الظاهر عدم تغيرها )[1] ، والشاهد هو أنه قال ( الذي نزّلنا الآية عليه ) أي على المتعارف ، فهو يريد أن يقول إنَّ المتعارف هو الاتصال والموالاة ونحن نزلّنا الآية على ذلك ، يعني والاطلاق ينصرف إلى ما هو المتعارف ، فيمكن أن تكون عبارته مشيرة إلى هذا إمكاناً وجيهاً.
وفيه:- إنه لو تمت المقدّمة الأولى - أعني أن المتعارف هو حالة الاتصال والموالاة - ولكن يمكن أن يناقش في المقدمة الثانية - وهي أنَّ الاطلاق والعموم ينزّل على المتعارف - فإنَّ هذا أوّل الكلام ، فليس من مقدمات الحكمة أن لا يكون هناك متعارف أو غير ذلك ، نعم ما ذكره يتناغم مع ما تبنيناه في باب مقدّمات الحكمة حيث قلنا من المناسب أن نضيف مقدمة جديدة إلى مقدّمات الحكمة وهي أن يستهجن الاطلاق على تقدير ارادة المقيد واقعاً ، يعني العرف لا يعذر المتكلم لو كان مراده المقيّد واقعاً لو أطلق ولكن مراده كان هو المقيد واقعاً ، أما إذا أعذره العرف فالإطلاق سوف لا ينعقد ، كما مثلنا بقاعدة التجاوز في صحيحة زرارة ( يا زرارة كل ما شككت في شيء وخرجت منه .... ) ، فالحديث كله كان يدور حول الصلاة والامام عليه السلام قال:- ( يا زرارة كل ما شككت فيه وخرجت منه ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ) فهنا تمسك الكثير من الفقهاء والأصوليون بالإطلاق وقالوا إنَّ القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يمنع من الاطلاق ، ونحن قلنا لو ظهر المتكلم وقال إنَّ مقصودي هو المقيّد واقعاً - يعني خصوص باب الصلاة - فهل يقال له إذن لماذا لم تقيد ؟ ، كلا ، لأنه يتمكن أن يجيب ويقول إنَّ حوارنا كله عن باب الصلاة فلماذا أقيد ؟!! ، فهنا لا يستهجن الاطلاق لو كان المراد هو المقيد واقعاً ، فلا ينعقد آنذاك الاطلاق.
ومن باب الكلام يجر الكلام نقول:- قد يقول قائل فإّن انت لا تقبل قاعد التجاوز في غير باب الصلاة كباب الحج ؟
قلت:- إذن هذه قضية ثانية ، وإنما بإلغاء خصوصية المورد من قبيل ما إذا سأل زرارة وقال ( ثوبي أصابه بول ، فقال: اغسله ) فنتعدى من الثوب إلى العباءة وغير ذلك وهذا ليس تمسكاً بالإطلاق وإنما هو تسمك بإلغاء الخصوصية ، فهذا أيضاً إلغاء خصوصية المورد ، فإذا جزمنا بذلك وقلنا لا توجد خصوصية كون ذلك ركوع وسجود وغير ذلك فنتعدّى من باب الخصوصية لا من باب التمسّك بالإطلاق .
فإذن هنا لا ينعقد اطلاق لأجل أنه لا يستهجن الاطلاق عندما يكون مراد المتكلم هو المقيد فلا ينعقد الاطلاق ، فإذا كان المتعارف في موردنا وهو الموالاة إذا كانت قضية متعارفة جداً بحيث لا يستهجن الاطلاق لو كان مراده حالة الموالاة فقط وفقط فلا ينعقد اطلاق لغير حالة الموالاة ويتم ما أراد صاحب الجواهر(قده) ، إلا أنَّ الحكم في أنَّ الأمر كذلك وأنَّ هذه الحالة متعارفة بحيث لا يستهجن الاطلاق إذا كان مراده خصوص هذه الحالة المتعارفة وهي حالة الموالاة فهذا كلام صغروي . هذا ما يرجع إلى ما أفاده صاحب الجواهر(قده).الوجه الثالث لاعتبار الموالاة:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده) وحاصله:- إنَّ العقد المعاوضي[2] يشتمل على خلعٍ ولبس ، يعني البائع يخلع عنه ملكية المبيع ويُلبِسُها للمشتري ، فالعقد المعاوضي يشتمل على خلع المبيع وإلباسه للمشتري ، فإذا حصل توانٍ وفاصل بين الايجاب والقبول فسوف يلزم تحقق الخلع دون اللبس فيبقى المبيع معلّق ، ولا يمكن أن تكون ملكية بلا مالك ، فإذن يلزم ارتباط القبول بالإيجاب حتى لا يلزم هذا المحذور وهو تحقق الخلع بلا لبس قال(قده):- ( إنه لما كان فيها خلع ولبس أو ايجاد علقة فلابد أن يكون مقارناً للخلع لبسٌ وهكذا مقارناً لإيجاد العلقة قبولٌ وإلا تقع الاضافة أو العلقة بلا محل ومضاف إليه )[3] ، وإذا حذفنا الزوائد من عبارته تكون العبارة هكذا: ( إنه لما كان فيها خلع ولبس فلابد أن يكون مقارناً للخلع لبسٌ ) ، وإلا لزم بقاء الخلع بلا لبس ومملوك بلا مالك وهذا لا يمكن.
ويرد عليه:-أولاً:- إنَّ هذا يتم في الأمور الحقيقية دون الأمور الاعتبارية والملكية أمر اعتباري ولا مانع من تحققها بخلع بلا لبس أما في الأمور الحقيقية صحيح إذا خلعت هذا الشيء يحتاج إلى مكان فأين مكانه ؟! فلا يمكن ذلك ، أما في الأمور الاعتبارية فهي سهلة المؤونة.
ثانياً:- إنَّ اللبس لا يتأخر عن الخلع باعتبار أنَّ الخلع الشرعي للملكية لا يتحقق بمجرد الايجاب وإنما يتحقق بعد القبول لا قبله ، نعم في اعتباره هو قد خلع ولكنه في نفس الوقت ألبسه للمشتري قبل القبول ، فقبل القبول لو قال البائع ( بعت هذا بهذا ) فهنا خلع عن ملكيته عن هذا الشيء وألبسه إلى الطرف الثاني ، فحتى ولو فرض أنَّ المشتري لم يقل ( قبلت ) بعدُ ولكن في اعتبار الموجِب هو قد خلع ملكية هذا الشيء عن نفسه وألبسها للمشتري ، فإذا فرض أننا نظرنا إلى اعتبار البائع وايجابه فقد تحقق الخلع واللبس في آنٍ واحد ، أما إذا نظرنا إلى الخلع الشرعي فهو لا يتحقق إلا بعد القبول ، وآنذاك حتى لو تأخر القبول لا يلزم انفكاك الخلع عن اللبس ، وإنما سوف يتحقق الخلع الشرعي واللبس الشرعي بعد قبول المشتري في آنٍ واحد ، فلا يوجد حينئذٍ انفكاك.
ثالثاً:- سلّمنا أنَّ الموالاة معتبرة ولكن حينما يقول البائع ( بعت ) فالمشتري حتماً إلى أن يقول ( قبلت ) يحتاج إلى ثانية أو ربع ثانية فهنا حصل الفاصل ، فتحقق إذن الخلع في هذه الثانية بلا لبسٍ ، وإذا امكن الخلع بلا لبسٍ في لحظةٍ أمكن في الزمان الطويل عقلاً ، إذ لا فرق من هذ الناحية بين الزمان القصير والزمان الطويل.
رابعاً:- لو فرض أنَّ المشتري حاول أن لا يحقق هذه اللحظة أيضاً ، يعني بمجرّد أن قال البائع ( بعت ) فقبل أن يكمل تاء ( بعت ) قال المشتري ( قبلت ) ، فبالتالي صار تأخر إلى أن تتم تاء ( قبلت ) ، فتأخر اللبس بمقدار لفظ ( قبلت).
خامساً:- نقول: هل يمكن للشارع أن يقول إني لا أعتبر المولاة أو لا يمكن ذلك أو يقول العقد صحيح أو ليس بصحيح ؟ فعلى رأي الشيخ النائيني(قده) لا يمكن ذلك ، وهذا كلام غير مقبول.
فإذن حيث إنَّ الشيخ النائيني(قده) لا يمكنه أن يقول للشارع ليس لك الحق في ذلك - لأنك إذا جوزت عدم الموالاة والتراخي فلازمه الفصل بين الخلع واللبس وهو لا يمكن عقلاً - فمعنى ذلك أنَّ المدار على الشرع ، فالمناسب الرجوع إلى الأدلة الشرعية ، فإن استفدنا منها اعتبار المولاة فنقول بالموالاة ، وأما إذا لم يكن هناك دليل والاطلاقات كانت تنفي اعتبار الموالاة فالمناسب عدم اعتبارها تمسّكاً بالإطلاقات ، وإذا فرضنا أنَّ الاطلاقات كانت مجملة فالمناسب اعتبار الموالاة من باب استصحاب عدم ترتب الأثر من دون الموالاة ، هكذا ينبغي أن يقال لا أن نذهب إلى قضايا الخلع واللبس فإنَّ هذا لا تأثير له ، بل القيمة كلّ القيمة هي للدليل الشرعي.