21-01-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/01/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال:- إن الرواية لم تذكر أنه صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك في منى ولعله كان يفعله في يوم النحر أعم من كونه حاجّاً أو لا فحتى إذا لم يكن حاجّاً هو كان يفعل ذلك في يوم النحر ومعه لا نستفيد الحكم الشرعي الذي نريده خصوصاً بعد أن نعرف أنه صلى الله عليه وآله قد حجّ حجةً واحدةً هي المعروفة بحجة الوداع ولم يعرف أكثر منها وكلمة ( كان ) الواردة في الرواية هنا تدل على العادة أي أن عادته صلى الله عليه وآله كانت ذلك فلو كان المقصود أنه يفعل ذلك في منى حاجاً لا يتناسب مع كلمة ( كان ) الدالة على معنى العادة بعد فرض أنه لم يحج إلا مرّة واحدةً ، اللهم إلا أن نضمّ تلك الرواية التي تقول أنه قد حجّ عشرين حجّة - أو عشر على اختلاف النسخة - وهو متستر وكان صلى الله عليه وآله يتبوّل حينما يصل إلى المأزمين وتعلّل الرواية ذلك بأنه كان يفعل ذلك باعتبار أنه الموضع الذي عبدت فيه الأصنام ومنه أخذ الحجر الذي صنع منه هُبَل وقد ذكرنا هذه الرواية في أبحاث سابقة وهي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( حجّ رسول الله صلى الله عليه وآله عشرين[1]حجّة متستراً كلّها يمرّ بالمأزمين فينزل فيبول )[2] ، وعلى منوالها رواية سليمان بن مهران[3] ، والتعليل بأنه موضع عبد فيه الأصنام صحيح أنه غير موجود في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ولكنه موجود في رواية سليمان.
وعلى أي حال إن روايتنا التي نتكلم عنها - أعني موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله - هي مجملة من هذه الناحية فكما يحتمل أنه صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك حينما يحج يحتمل أن الموثقة مشيرة إلى عادته بقطع النظر عن كونه في حجّ أو في غير حجّ فهي إذن مجملة من هذه الناحية فلا تنفعنا ومجرد أن صاحب الوسائل(قده) قد ذكرها في أبواب الحلق والتقصير فهذا لا يدلل على أنها واردة في هذا المجال وإنما هو فَهْمٌ منه(قده) ولعله فهمٌ بدويّ حصل له كما حصل لنا في البداية وكما يحصل لكل أحدٍ ، فالمقصود هو أن الرواية تبقى مجملة من هذه الناحية والاستدلال بها إذن يشكل من هذه الناحية الثانية فضلاً عن الناحية الأولى التي أشرنا إليها ، هذا كله بالنسبة إلى المدرك الثاني.
المدرك الثالث الذي قد يستدل به على أنه يلزم أن يكون الحلق والتقصير في نهار يوم العيد:- هو السيرة ، وقد تمسك السيد الخوئي(قده) بذلك فإنه لو كان يجوز الحلق أو التقصير في غير هذا الوقت - يعني ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر - لنقل وقوع ذلك ولو مرّةً واحدةً وعدم نقله يدلّ على أنه لم يقع وبالتالي التزم المسلمون في إيقاعه في يوم العيد فيثبت عدم الجواز في غيره.
وفيه:-إن عدم نقل التاريخ لذلك قد لا يمكن أن نفهم منه عدم الوقوع فإن ذلك قضيّة غير مهمّة والتاريخ إنما يلفت النظر إلى القضايا المهمّة دون غير المهمّة والآن نحن في زماننا نرى أن البعض يحلق في الليلة العاشرة في منى أو يحلق في اليوم الثاني ولكنّها ليست قضيّة ملفتة للنظر تستدعي النقل . إذن ليس دائماً عدم النقل يدلّ على عدم التحقق . ولو تنزلنا وسلمنا أن ذلك يدلّ على عدم التحقق فنقول إن ذلك لعله من جهة أن الحاج يريد أن يتحلّل بسرعة وطبع الحاج يقتضي ذلك فلا معنى لأن ينتظر إلى ليلة الحادي عشر أو اليوم الحادي عشر فلعل عدم وقوع الحلق في ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر نشأ من اقتضاء طبع الانسان التعجيل وقضيّة ( لو وقع لنقل ) هي في القضايا التي لا تقتضيها العادة أما إذا اقتضتها العادة كالتعجيل كانت لا تستحق النقل.
ثم إنه اتضح من خلال ما ذكرناه أنه لم يتم دليلٌ على عدم جواز التقديم في ليلة العاشر كما لم يقم دليلٌ على عدم الجواز في ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر وإذا لم يقم دليل فماذا نصنع أي كيف نثبت الجواز مثلاً ؟ إنه لابد من الرجوع إلى الأصل وقد يخطر إلى الذهن بادئ الأمر أنه يقتضي البراءة كما في الموارد التي نشك فيها في التقييد الزائد وهنا أيضاً نشك في أنه هل اشتغلت ذمتنا بالحجّ المقيّد بأن يكون الحلق فيه في نهار يوم العيد إنه شكٌ في تقييدٍ زائدٍ فنحن نعلم أن الذمة قد اشتغلت بالحج وبالحلق أما قيد أن يكون يوم العيد فهو شيءٌ مشكوكٌ فنجري البراءة عنه وبذلك يثبت جواز أن يكون ليلة العاشر وهكذا ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر ، هكذا قد يقال.
بيد أن المناسب هو التفصيل بين ليلة العاشر وهكذا ليلة الحادي عشر والمناسب عدم جريان البراءة بل يجري الاستصحاب وبين اليوم الحادي عشر فتجري البراءة آنذاك ، أما أنه في لية العاشر وهكذا ليلة الحادي عشر لا تجري البراءة فباعتبار أن المكلف يشك في أنه لو قصّر ليلة العاشر هل يحصل له التحلّل من المحرمات أو لا ؟ ففي البداية كانت تحرم عليه المحرمات جزماً قبل أن يقصّر فإذا قصّر ليلة العيد هل تحلّ له المحرمات أو لا فالمورد إذن من موارد الشك في ارتفاع حرمة المحرّمات فيجري استصحاب بقاء المحرّمات السابقة لو قصّر ليلة العيد وهكذا لو قصر في ليلة الحادي عشر فإنه يشك فيجري الاستصحاب . نعم بناءً على مسلك السيد الخوئي(قده) الذي يرى أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكميّة - يعني في الأحكام الكليّة - فهنا لا يمكن جريان الاستصحاب لأن الشك هنا في الحكم الكلّي فنشك أن الحكم الكلّي الشرعي هل هو بقاء تلك المحرّمات أو لا ؟ إنه شكّ في الحكم الكلّي الشرعي فاستصحاب الحرمة الفعليّة السابقة مُعارَضٌ بأصالة عدم الجعل الزائد فهذا الذي كان يذكره يجري هنا أيضاً ولذا يتعيّن له أن يتمسك بالبراءة ، وواضح أن ذلك يكون لو وصلت النوبة إلى الأصول العملية ، أما نحن الذين نسلّم بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فالمناسب حينئذٍ جريان الاستصحاب ، إذن بالتالي لا ينفعه الحلق أو التقصير ليلة العاشر أو ليلة الحادي عشر . نعم البراءة تنفعه من حيث رفع الحكم التكليفي ولكن المشكلة هي من ناحية المحرّمات وهذا هو المهّم فهل تحلّ له أو لا فمقتضى الاستصحاب هو بقاء حرمة المحرّمات . هذا من حيث ليلة العيد أو ليلة الحادي عشر.
وأما إذا فرض أنه أخّره إلى اليوم الحادي عشر فهنا لا إشكال في صحّة ذلك وكفايته لأن الاستصحاب لا يجري آنذاك بل لعلنا لا نحتاج إلى البراءة أيضاً لأننا نجزم آنذاك بحصول التحليل فلو أخّره إلى اليوم الحادي عشر فالتحليل به يحصل جزماً إذ لا يحتمل أن التحليل لا يحصل ويبقى مُحرِماً إلى السنة الثانية.
نعم البراءة نحتاج إليها بلحاظ اليوم العاشر بمعنى أنه لو كان في اليوم العاشر يشك هل يتعيّن عليه أن يحلق في هذا اليوم أو يجوز له أن يتأخر إلى نهار اليوم الحادي عشر فهنا يكون المورد من موارد البراءة . إذن البراءة لا بأس بإجرائها عن تعيّن اليوم العاشر مادام هو بَعدُ في اليوم العاشر فالبراءة هنا لها مجالٌ أما بعد أن تأخّر إلى اليوم الحادي عشر فآنذاك لا يحتاج في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر إلى البراءة فلا الاستصحاب يجري ولا البراءة نحتاج إليها للجزم بأنه يحصل التحليل آنذاك بعد عدم احتمال أنه يبقى على المحرمات إلى السنة الثانية . هذا بالنسبة إلى ما يقتضيه الأصل وينبغي الالتفات إلى ذلك . وهذا كلّه بناءً على ما نحن اخترناه من عدم الدليل على تعيّن اليوم العاشر.
أما بناءً على ما اختاره السيد الخوئي(قده) من قيام الدليل على تعيّن نهار اليوم العاشر فهو لا يحتاج حينئذٍ إلى التمسك بالأصل فلا تصل التوبة إليه بل نحن حينما قلنا أنه لا دليل على تعيّن اليوم العاشر نحن نحتاج إلى التمسك بالأصل أما هو فلا يحتاج إلى ذلك.
النقطة الخامسة:- قال(قده) أنه لا فرق بين العالم والجاهل ، يعني إن الأحوط إيقاع الحلق أو التقصير في نهار يوم العيد من دون فرقٍ بين العالم والجاهل.
وفي البداية نلفت النظر إلى أنه قد يقال:- إنا نعرف أن الجاهل معذورٌ لصحيحة جميل وغيرها التي دلّت على أنه ( جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وآله وقدموا ما أخروا واخروا ما قدموا فقال:- لا حرج ) فإن هذه الرواية وغيرها تدلّ على أن الجاهل معذورٌ فكيف يقول(قده) الآن أنه لا فرق بين العالم والجاهل إنه كان من المناسب تخصيص هذا الحكم بالعالم وعدم تعميمه إلى الجاهل ؟
والجواب:- إن الجاهل معذورٌ لو فرض أنه أخلّ بالترتيب ولكن مع افتراض أنه جاء بالفعل في وقته المناسب شرعاً أما إذا فرض أنه لم يأتِ به في وقته المناسب فحينئذٍ عدم الإجزاء يكون لا من ناحية الإخلال بالترتيب بل من ناحية الإخلال بشرطية الوقت المناسب فلو فرض أننا قضينا على أن الحلق يلزم أن يكون في نهار يوم العيد إما للسيرة أو لغير ذلك - كما هو(قده) بنى على ذلك - فحينئذٍ لو أوقعه في ليلة العيد كان ذلك باطلاً لا من جهة الإخلال بالترتيب بل من جهة أنه جاء به في الوقت غير المناسب ، فأذن الجاهل أيضاً لا يكون معذوراً ولكن لو فرض أن تلك الأدلة الثلاثة التي تقدمت لإثبات تعيّن نهار يوم العيد هي مطلقة وتشمل الجاهل بإطلاقها فيتمسك آنذاك بإطلاقها ، أما إذا لم تكن مطلقة فلابد من المصير آنذاك إلى الأصل وهو(قده) حيث أنه يراها مطلقة وأن السيرة مثلاً كافية لإثبات شرطيّة نهار يوم العيد فعلى هذا الأساس يكون عدم الإجزاء في حق الجاهل على طبق القاعدة ، نعم هو لم يصر إلى ذلك بنحو الفتوى باعتبار أنه لا يجزم بسعة دلالة السيرة من هذه الناحية ولا الأدلة الاخرى فصار إلى الاحتياط وهو شيءٌ جيدٌ ، وأما على رأينا فقد اتضح أنه لا دليل والمناسب هو الرجوع إلى الأصل وقد أوضحنا ما يقتضيه الأصل وأن الجاهل لو قدّم الحق ليلة العيد أو ليلة الحادي عشر وشكّ في حصول الإحلال فيستصحب بقاء المحرّمات عليه ، هذا ما يقتضيه الأصل . نعم لو أخّره إلى اليوم الثاني عشر أو الحادي عشر جهلاً فيصحّ منه بنحو الجزم ولا نحتاج حتى إلى التمسك بالبراءة . بهذا انتهت هذه المسألة.
هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال:- إن الرواية لم تذكر أنه صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك في منى ولعله كان يفعله في يوم النحر أعم من كونه حاجّاً أو لا فحتى إذا لم يكن حاجّاً هو كان يفعل ذلك في يوم النحر ومعه لا نستفيد الحكم الشرعي الذي نريده خصوصاً بعد أن نعرف أنه صلى الله عليه وآله قد حجّ حجةً واحدةً هي المعروفة بحجة الوداع ولم يعرف أكثر منها وكلمة ( كان ) الواردة في الرواية هنا تدل على العادة أي أن عادته صلى الله عليه وآله كانت ذلك فلو كان المقصود أنه يفعل ذلك في منى حاجاً لا يتناسب مع كلمة ( كان ) الدالة على معنى العادة بعد فرض أنه لم يحج إلا مرّة واحدةً ، اللهم إلا أن نضمّ تلك الرواية التي تقول أنه قد حجّ عشرين حجّة - أو عشر على اختلاف النسخة - وهو متستر وكان صلى الله عليه وآله يتبوّل حينما يصل إلى المأزمين وتعلّل الرواية ذلك بأنه كان يفعل ذلك باعتبار أنه الموضع الذي عبدت فيه الأصنام ومنه أخذ الحجر الذي صنع منه هُبَل وقد ذكرنا هذه الرواية في أبحاث سابقة وهي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( حجّ رسول الله صلى الله عليه وآله عشرين[1]حجّة متستراً كلّها يمرّ بالمأزمين فينزل فيبول )[2] ، وعلى منوالها رواية سليمان بن مهران[3] ، والتعليل بأنه موضع عبد فيه الأصنام صحيح أنه غير موجود في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ولكنه موجود في رواية سليمان.
وعلى أي حال إن روايتنا التي نتكلم عنها - أعني موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله - هي مجملة من هذه الناحية فكما يحتمل أنه صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك حينما يحج يحتمل أن الموثقة مشيرة إلى عادته بقطع النظر عن كونه في حجّ أو في غير حجّ فهي إذن مجملة من هذه الناحية فلا تنفعنا ومجرد أن صاحب الوسائل(قده) قد ذكرها في أبواب الحلق والتقصير فهذا لا يدلل على أنها واردة في هذا المجال وإنما هو فَهْمٌ منه(قده) ولعله فهمٌ بدويّ حصل له كما حصل لنا في البداية وكما يحصل لكل أحدٍ ، فالمقصود هو أن الرواية تبقى مجملة من هذه الناحية والاستدلال بها إذن يشكل من هذه الناحية الثانية فضلاً عن الناحية الأولى التي أشرنا إليها ، هذا كله بالنسبة إلى المدرك الثاني.
المدرك الثالث الذي قد يستدل به على أنه يلزم أن يكون الحلق والتقصير في نهار يوم العيد:- هو السيرة ، وقد تمسك السيد الخوئي(قده) بذلك فإنه لو كان يجوز الحلق أو التقصير في غير هذا الوقت - يعني ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر - لنقل وقوع ذلك ولو مرّةً واحدةً وعدم نقله يدلّ على أنه لم يقع وبالتالي التزم المسلمون في إيقاعه في يوم العيد فيثبت عدم الجواز في غيره.
وفيه:-إن عدم نقل التاريخ لذلك قد لا يمكن أن نفهم منه عدم الوقوع فإن ذلك قضيّة غير مهمّة والتاريخ إنما يلفت النظر إلى القضايا المهمّة دون غير المهمّة والآن نحن في زماننا نرى أن البعض يحلق في الليلة العاشرة في منى أو يحلق في اليوم الثاني ولكنّها ليست قضيّة ملفتة للنظر تستدعي النقل . إذن ليس دائماً عدم النقل يدلّ على عدم التحقق . ولو تنزلنا وسلمنا أن ذلك يدلّ على عدم التحقق فنقول إن ذلك لعله من جهة أن الحاج يريد أن يتحلّل بسرعة وطبع الحاج يقتضي ذلك فلا معنى لأن ينتظر إلى ليلة الحادي عشر أو اليوم الحادي عشر فلعل عدم وقوع الحلق في ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر نشأ من اقتضاء طبع الانسان التعجيل وقضيّة ( لو وقع لنقل ) هي في القضايا التي لا تقتضيها العادة أما إذا اقتضتها العادة كالتعجيل كانت لا تستحق النقل.
ثم إنه اتضح من خلال ما ذكرناه أنه لم يتم دليلٌ على عدم جواز التقديم في ليلة العاشر كما لم يقم دليلٌ على عدم الجواز في ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر وإذا لم يقم دليل فماذا نصنع أي كيف نثبت الجواز مثلاً ؟ إنه لابد من الرجوع إلى الأصل وقد يخطر إلى الذهن بادئ الأمر أنه يقتضي البراءة كما في الموارد التي نشك فيها في التقييد الزائد وهنا أيضاً نشك في أنه هل اشتغلت ذمتنا بالحجّ المقيّد بأن يكون الحلق فيه في نهار يوم العيد إنه شكٌ في تقييدٍ زائدٍ فنحن نعلم أن الذمة قد اشتغلت بالحج وبالحلق أما قيد أن يكون يوم العيد فهو شيءٌ مشكوكٌ فنجري البراءة عنه وبذلك يثبت جواز أن يكون ليلة العاشر وهكذا ليلة الحادي عشر أو في اليوم الحادي عشر ، هكذا قد يقال.
بيد أن المناسب هو التفصيل بين ليلة العاشر وهكذا ليلة الحادي عشر والمناسب عدم جريان البراءة بل يجري الاستصحاب وبين اليوم الحادي عشر فتجري البراءة آنذاك ، أما أنه في لية العاشر وهكذا ليلة الحادي عشر لا تجري البراءة فباعتبار أن المكلف يشك في أنه لو قصّر ليلة العاشر هل يحصل له التحلّل من المحرمات أو لا ؟ ففي البداية كانت تحرم عليه المحرمات جزماً قبل أن يقصّر فإذا قصّر ليلة العيد هل تحلّ له المحرمات أو لا فالمورد إذن من موارد الشك في ارتفاع حرمة المحرّمات فيجري استصحاب بقاء المحرّمات السابقة لو قصّر ليلة العيد وهكذا لو قصر في ليلة الحادي عشر فإنه يشك فيجري الاستصحاب . نعم بناءً على مسلك السيد الخوئي(قده) الذي يرى أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكميّة - يعني في الأحكام الكليّة - فهنا لا يمكن جريان الاستصحاب لأن الشك هنا في الحكم الكلّي فنشك أن الحكم الكلّي الشرعي هل هو بقاء تلك المحرّمات أو لا ؟ إنه شكّ في الحكم الكلّي الشرعي فاستصحاب الحرمة الفعليّة السابقة مُعارَضٌ بأصالة عدم الجعل الزائد فهذا الذي كان يذكره يجري هنا أيضاً ولذا يتعيّن له أن يتمسك بالبراءة ، وواضح أن ذلك يكون لو وصلت النوبة إلى الأصول العملية ، أما نحن الذين نسلّم بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فالمناسب حينئذٍ جريان الاستصحاب ، إذن بالتالي لا ينفعه الحلق أو التقصير ليلة العاشر أو ليلة الحادي عشر . نعم البراءة تنفعه من حيث رفع الحكم التكليفي ولكن المشكلة هي من ناحية المحرّمات وهذا هو المهّم فهل تحلّ له أو لا فمقتضى الاستصحاب هو بقاء حرمة المحرّمات . هذا من حيث ليلة العيد أو ليلة الحادي عشر.
وأما إذا فرض أنه أخّره إلى اليوم الحادي عشر فهنا لا إشكال في صحّة ذلك وكفايته لأن الاستصحاب لا يجري آنذاك بل لعلنا لا نحتاج إلى البراءة أيضاً لأننا نجزم آنذاك بحصول التحليل فلو أخّره إلى اليوم الحادي عشر فالتحليل به يحصل جزماً إذ لا يحتمل أن التحليل لا يحصل ويبقى مُحرِماً إلى السنة الثانية.
نعم البراءة نحتاج إليها بلحاظ اليوم العاشر بمعنى أنه لو كان في اليوم العاشر يشك هل يتعيّن عليه أن يحلق في هذا اليوم أو يجوز له أن يتأخر إلى نهار اليوم الحادي عشر فهنا يكون المورد من موارد البراءة . إذن البراءة لا بأس بإجرائها عن تعيّن اليوم العاشر مادام هو بَعدُ في اليوم العاشر فالبراءة هنا لها مجالٌ أما بعد أن تأخّر إلى اليوم الحادي عشر فآنذاك لا يحتاج في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر إلى البراءة فلا الاستصحاب يجري ولا البراءة نحتاج إليها للجزم بأنه يحصل التحليل آنذاك بعد عدم احتمال أنه يبقى على المحرمات إلى السنة الثانية . هذا بالنسبة إلى ما يقتضيه الأصل وينبغي الالتفات إلى ذلك . وهذا كلّه بناءً على ما نحن اخترناه من عدم الدليل على تعيّن اليوم العاشر.
أما بناءً على ما اختاره السيد الخوئي(قده) من قيام الدليل على تعيّن نهار اليوم العاشر فهو لا يحتاج حينئذٍ إلى التمسك بالأصل فلا تصل التوبة إليه بل نحن حينما قلنا أنه لا دليل على تعيّن اليوم العاشر نحن نحتاج إلى التمسك بالأصل أما هو فلا يحتاج إلى ذلك.
النقطة الخامسة:- قال(قده) أنه لا فرق بين العالم والجاهل ، يعني إن الأحوط إيقاع الحلق أو التقصير في نهار يوم العيد من دون فرقٍ بين العالم والجاهل.
وفي البداية نلفت النظر إلى أنه قد يقال:- إنا نعرف أن الجاهل معذورٌ لصحيحة جميل وغيرها التي دلّت على أنه ( جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وآله وقدموا ما أخروا واخروا ما قدموا فقال:- لا حرج ) فإن هذه الرواية وغيرها تدلّ على أن الجاهل معذورٌ فكيف يقول(قده) الآن أنه لا فرق بين العالم والجاهل إنه كان من المناسب تخصيص هذا الحكم بالعالم وعدم تعميمه إلى الجاهل ؟
والجواب:- إن الجاهل معذورٌ لو فرض أنه أخلّ بالترتيب ولكن مع افتراض أنه جاء بالفعل في وقته المناسب شرعاً أما إذا فرض أنه لم يأتِ به في وقته المناسب فحينئذٍ عدم الإجزاء يكون لا من ناحية الإخلال بالترتيب بل من ناحية الإخلال بشرطية الوقت المناسب فلو فرض أننا قضينا على أن الحلق يلزم أن يكون في نهار يوم العيد إما للسيرة أو لغير ذلك - كما هو(قده) بنى على ذلك - فحينئذٍ لو أوقعه في ليلة العيد كان ذلك باطلاً لا من جهة الإخلال بالترتيب بل من جهة أنه جاء به في الوقت غير المناسب ، فأذن الجاهل أيضاً لا يكون معذوراً ولكن لو فرض أن تلك الأدلة الثلاثة التي تقدمت لإثبات تعيّن نهار يوم العيد هي مطلقة وتشمل الجاهل بإطلاقها فيتمسك آنذاك بإطلاقها ، أما إذا لم تكن مطلقة فلابد من المصير آنذاك إلى الأصل وهو(قده) حيث أنه يراها مطلقة وأن السيرة مثلاً كافية لإثبات شرطيّة نهار يوم العيد فعلى هذا الأساس يكون عدم الإجزاء في حق الجاهل على طبق القاعدة ، نعم هو لم يصر إلى ذلك بنحو الفتوى باعتبار أنه لا يجزم بسعة دلالة السيرة من هذه الناحية ولا الأدلة الاخرى فصار إلى الاحتياط وهو شيءٌ جيدٌ ، وأما على رأينا فقد اتضح أنه لا دليل والمناسب هو الرجوع إلى الأصل وقد أوضحنا ما يقتضيه الأصل وأن الجاهل لو قدّم الحق ليلة العيد أو ليلة الحادي عشر وشكّ في حصول الإحلال فيستصحب بقاء المحرّمات عليه ، هذا ما يقتضيه الأصل . نعم لو أخّره إلى اليوم الثاني عشر أو الحادي عشر جهلاً فيصحّ منه بنحو الجزم ولا نحتاج حتى إلى التمسك بالبراءة . بهذا انتهت هذه المسألة.