34-07-09
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/07/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ومن هذا يتبين الحال في المكيّ إذا أراد أن يحجّ حجّ التمتع فقد وقع الكلام في أنه هل يجوز له ذلك أو يتعين عليه حجّ الإفراد أو القران ولا يحق له التمتع ؟ إنه لو جوَّزنا له ذلك فالكلام يقع في أنه هل يجب عليه هدي التمتع أو لا - باعتبار أن الهدي واجب في حق المتمتع البعيد دون المتمتع القريب - ؟
إنه قد اتضح الجواب عن هذا السؤال:- فلو أخذنا بالوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها فينبغي التمسك بالقدر المتيقن فإن هذه أدلة لبيّة وليست لفظية حتى ينعقد لها اطلاق والقدر المتيقن هو المتمتع البعيد دون القريب فيجري أصل البراءة في حق القريب ، وهذا بخلاف ما إذا كان المدرك صحيحة زرارة فإنه دليل لفظي فيمكن أن يقال إنه يوجد فيه اطلاق فإن الامام عليه السلام قال ( وعليه الهدي ) - أي أن المتمتع عليه الهدي - ولم يخصَّص ذلك بالبعيد . إذن الجواب عن هذا السؤال يرتبط بالمدرك . وقد اختلف كلام صاحب الشرائع(قده) ففي باب أقسام الحج قال:- ( وهل يجوز اختياراً ؟ قيل نعم وقيل لا وهو أكثر ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هديٌ )
[1]
ولكنه عندما انتهى إلى بيان أفعال منى قال:- ( ولو تمتع المكي وجب عليه الهدي ) فهو قد ذهب هناك إلى عدم لزوم الهدي بينما هنا ذهب إلى لزومه.
والآية الكريمة - أعني قوله تعالى ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) - قد أختلف في مرجع اسم الإشارة فيها وأنه ما هو ؟ فإن قلنا إن مرجعها هو الهدي وليس حج التمتع فتصير دالة على أن المكي لو تمتع لا يجب عليه الهدي فإن الهدي وظيفة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، أما إذا قلنا إن مرجع اسم الإشارة هو حجّ التمتع - يعني أن حج التمتع هو وظيفة البعيد - فتكون دالة على أن المكيّ لا يجوز له حجّ التمتع فلا تصل النوبة إلى أن الهدي واجب عليه أو ليس بواجبٍ بعد فرض أن التمتع لا يجوز له ، اللهم إلا أن يقال إن اسم الإشارة يرجع إلى التمتع ولكن نقول إن المرجع هو تعيّن التمتع فتعيّن التمتع وظيفة من لم يكن حاضري المسجد الحرام وبالتالي لا تدل الآية على أن المكي لا يجوز له التمتع . وعلى أي حال هذه مسألة في حدِّ نفسها قد وقع الكلام فيها وقد أشرنا إليها في بداية كتاب المناسك. والمهم الذي أردنا الإشارة إليه هو أنه لو جوّزنا له التمتع فثبوت الهدي وعدم ثبوته يتبع المدرك.
النقطة الثانية:- يجب قصد القربة في ذبح الهدي وعلّل ذلك في المدارك بقوله:- ( لأنه عبادة وكل عبادة يشترط فيها النية )
[2]
، وتقدم منه شبيه هذا الكلام في رمي جمرة العقبة أو غير ذلك من أجزاء الحج وذكرنا هناك أن هذا التعليل مسامحيٌّ فإن الكلام هو في أن الذبح هو عبادة أو لا فلا معنى حينئذ لتعليل وجوب قصد القربة بكونه عباده فهذا مصادرة وتبديل المدّعى بلسان البرهان فالمناسب إثبات أنه عبادة في المرحلة الأولى فإذا ثبت ذلك فحينئذ يقال إن لازم العبادية اعتبار قصد القربة ، وكأن مقصوده(قده) هو أن العباديّة شيء مفروغٌ عنه وبعد كونه شيئاً مفرغاً عنه فحينئذ يكون اعتبار القربة لازماً باعتبار أنه لازم العباديّة المفروغ عنها وليس من البعيد أن صاحب المدارك(قده) يقصد هذا فالعبارة تكون جيدة وليس فيها مسامحة ، ولكن يبقى أنه عليك إثبات ذلك وكيف أنه عبادة بحيث يكون مفروغ عنه ؟
ونحن ذكرنا فيما سبق أن العبادية في العبادات لم تثبت بدليلٍ لفظيٍّ فلا توجد آية أو رواية تقول إن الصلاة عبادة يلزم فيها قصد القربة وهكذا الصوم .... وهكذا ولعله إذا أردنا أن نفحص لتمكنا أن نعثر على ذلك في بعض العبادات كالصلاة والصوم مثلاً ولكن بقيّة العبادات لا نحصل على دليلٍ لفظي فيها يدلُّ على العبادية فما هو الدليل على أن هذه الأمور عباديّة كالغسل والتيمم والاعتكاف والحج وهكذا بقية الأمور ؟
وواضح أن من يرى حجيّة الإجماع والشهرة فهو في راحةٍ حيث يقول إن هذه مسألة قد قام عليها الإجماع ولذلك لا يقع في مشقّة في مقام الاستدلال وإنما الذي يقع في المشكلة من لم يبنِ على ذلك .
والسيد الخوئي(قده) على ما أشرنا إليه سابقاً سلك طريقاً خاصاً حيث قال:- حيث إن الحج أمرٌ عبادي فيلزم أن تكون جميع أجزائه عبادة إذ المركب ليس إلا عين أجزائه فما دام المركب عبادة فأجزاؤه يلزم أن تكون عبادة ، هكذا ذكر(قده) في باب الحج وهكذا يذكر في مورد آخر . أما كيف نثبت أن الحج هو بنفسه عبادة ؟ قال:- إن ذلك مما بُنِيَ عليه الإسلام ولا يحتمل أن الإسلام يبنى على أمرٍ توصليٍّ . هذا ما يستفاد من بعض كلماته(قده).
وتقدم إمكان المناقشة في ذلك:-
أولاً:- إن الإسلام لا يبني إلا على الأمر العبادي قد يتوقف فيه فهي قضية ليست برهانية وإنما هي قضية وجدانية وقد يشكّك في هذا الوجدان.
ثانياً:- ولو تنزلنا عن ذلك فنقول إنه لا يلزم أن يكون الحج الذي بني عليه الإسلام يكون عبادياً بأجمعه فإنه لا يلزم ذلك فإن ابتناء الإسلام عليه لا يقتضي أن يكون عبادياً بكامل أجزائه بل يكفي أن يكون عبادياً بشواخصه البارزة أما بجميع أجزائه فهذا أوَّل الكلام.
وثالثاً:- إن هذا يحتاج إلى إثبات أن الهدي جزءٌ ونحن لا نريد أن ننكر جزئيته ولكن نقول لابد وأن يثبت أن الهدي جزءٌ منه فهذا لابد من اثباته فنيّاً.
وعلى هذا الأساس فهذا الكلام قابل للمناقشة ولو تمّ فهو يتمُّ في مساحةٍ ضيقةٍ - أعني في مثل الحج وبعض الأمور الأخرى التي بني عليها الإسلام في تلك الرواية المعروفة -.
والأنسب أن يستدل على ذلك بالارتكاز المتوارث الذي أشرنا إليه فمثلاً في باب الغسل أو التيمم أو الصوم أو الصلاة هناك ارتكاز واضح في أذهان الجميع - ولا أقول خصوص طبقة عوام الناس كلا بل حتى الفقهاء مرتكز في اذهانهم ذلك أنها من الأمور العبادية وهذا الارتكاز ينبغي أن تكون له علّه فإن لكلِّ معلولٍ علّة ولا يحتمل أن العلّة هي رواية واردة في بعض الأبواب مثلاً أو آية فإنه لو فرض وجود آيةٍ أو روايةٍ فدلالتهما أضعف من وضوح الارتكاز ، فلا يحتمل إذن استناد الارتكاز إلى آية أو رواية هي أخفى دلالةً فيتعين أن يكون هذا الارتكاز قد وصل يداً بيد وطبقةٍ عن طبقة من معدن العصمة والطهارة فيثبت بذلك عباديَّة هذه الأمور.
ولكن هذا الطريق هل يمكن تطبيقه في المقام - يعني بالنسبة إلى الذبح - ؟ إنه يحتاج إلى إثبات الصغرى - أي إثبات أنه من المرتكز بشكلٍ واضح في أذهان الجميع اعتبار قصد القربة في الذبح - فهذا قد يكون أوّل الكلام فالصغرى ليست بواضحة وعلى هذا الأساس يصير تطبيق هذه الكبرى على المقام مشكلاً من ناحية عدم وضوح الصغرى وإلا فلو كانت الصغرى واضحة لطبقنا تلك الكبرى . فإذن يبقى تردّدٌ لهذا السبب الذي أشرنا إليه.
ولكن الذي يهون الخطب أمران:-
الأمر الأول:- إن المكلف حينما يأتي بالذبح يأتي به لأجل كونه واجباً وأكثر من هذا المقدار لا نحتاج إليه في باب العبادة ، يعني أن قصد التقرب ليس بلازمٍ فمادام قد أتيت به لأجل أن الله تعالى أوجبه فهذا يكفي فالمكلف عادة حينما يأتي بالذبح فهو يأتي به بقصد الوجوب وهذا يغنينا عن اعتبار قصد القربة . نعم إذا فرض أن المكلف قد تحقق منه الذبح لأنه رأى الناس يذبحون فذبح ولكنه لا يدري أنه واجب فهنا لا يكون قصد القربة متحققاً منه لأنه لم يقصد الوجوب فنسلك حينئذ الأمر الثاني ونأخذ به.
الأمر الثاني:- وهو أن من يُحرِم يقصد حين الإحرام أنه يأتي بكامل الحج عن قربةٍ وهذا موجودٌ بلا إشكالٌ حينما يحرم وهذا المقدار يكفي بلا حاجة إلى أن يأتي بكل جزءٍ جزء بقصد القربة كما هو الحال في الصلاة فنحن حينما نقف لتكبيرة الإحرام ننوي الإتيان بالصلاة بكاملها لأجل الله عز وجل وهذا المقدار يكفينا ولا يلزم أن نأتي بل واجبٍ واجب أو مستحبٍ مستحب بقصد القربة ، وعلى هذا الأساس يخفُّ الإشكال من هذه الناحية باعتبار أن المكلف قد قصد القربة من البداية ، وهذا إشكال فنيٌّ أو علميّ ربما يرد على الفقهاء حيث ذكروا ذلك في باب الحج.
[1] يعني في بداية كتاب الحج.
[2] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص18.