39/05/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/05/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.
ونسأل ونقول:- هل العلم الاجمالي يقتضي حرمة المخالفة القطعية بنحو المقتضي أو بنحو العلية[1] ؟
قال المشهور:- إنه بنحو العلّية ، يعني يستحيل أن يرخّص المولى في كليهما ويقول لي ( اِجر في هذا الطرف البراءة واشربة وكذلك الطرف الثاني ) فإنَّ هذا لا يمكن .
وخالف صاحب الكفاية(قده) وقال:- إنَّ حرمة المخالفة القطعية ثابتة بنحو المقتضي ، يعني يمكن أن يرخّص الشارع في ارتكابهما معاً ، فإذن العلم الاجمالي يقتضي حرمة المخالفة القطعية إن لم يمنع الشارع وللشارع الحق في أن يمنع ، وذلك لأنَّ موضوع الحكم الظاهري محفوظ في كلا الطرفين ، وأقصد من موضوع الحكم الظاهري هو الشك ، فيمكن لله عزّ وجلّ أن يقول طبق قاعدة الشك - يعني ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) - في هذا الطرف ، وأيضاً الطرف الثاني عندي شك فيه فالشارع يقول لي طبق فيه ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) وسوف تصير النتيجة هي جواز ارتكابهما معاً ، يعني سوف يثبت جواز المخالفة القطعية.
ثم أشكل على نفسه وقال:- إن قلت:- إنه يلزم من ذلك المناقضة بين تحريم الخمر الموجود حتماً في أحدهما وبين الترخيص فيهما معاً ، فإنه لا يمكن أن يجتمع الترخيص فيهما معاً مع حرمة أحدهما بنحو الجزم - لأنَّ حرمة واحدٍ منهما جزمية – فإنَّ هذا تناقض.
أجاب وقال:- إذا كانت المناقضة هنا مانعة من الترخيص فيهما معاً فسوف تكون مانعة في الشبهة البدوية أيضاً[2] ، فهل يمكن للشارع أن يقول لي طبق قاعدة ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ؟ نعم بلا إشكال ، فإنَّ البراءة تجري في الشبهة البدوية والحال أنه يلزم المناقضة أيضاً ، إذ يمكن أن يكون هذا الشيء خمر واقعاً ، فإذا جوّز لي الشارع ارتكابه فسوف يلزم اجتماع المتناقضين ، ولكن يلزم اجتماعهما على مستوى الاحتمال ، يعني يحتمل اجتماعهما ، بينما في محل كلامنا حيث يوجد علم اجمالي فيلزم اجتماعهما بنحو القطع.
وهو أجاب وقال:- إنَّ اجتماع المتناقضين كما هو مستحيل القطع هو مستحيل أيضاً بنحو الاحتمال ، فلا يمكن أن تقول ( أنا احتمل أني رابح وليس برابح ) أو ( إني احتمل الآن ليل وليس بليل ) فإن هذا غير ممكن ، فإنَّ احتمال المتناقضين مستحيل كالقطع بالمتناقضين ، فإذا جاز ذلك في صورة الشك يعني أنَّ الشارع يجعل حكماً ظاهرياً في صورة الشك فيمكن أيضاً في صورة العلم الاجمالي ، والمحذور اللازم - وهو اجتماع المتناقضين - مندفع حيث نقول هو لا يشكّل محذوراً وإلا لزم أن يكون الترخيص الظاهري في الشبهة البدوية مستحيل أيضاً.
إذن صاحب الكفاية انتهى إلى أنَّ الشرع في الشبهة المحصورة أن يرخّص في كلا الطرفين ومحذور المناقضة مرتفع كما اشرنا هذا معناه أنَّ العلم الاجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية بنحو المقتضي لا بنحو العلّية[3] .
ولكنه في بحث البراءة والاشتغال[4] ذكر كلاماً آخر لعله يغاير ما ذكره في مبحث القطع ، ولكني لا أذكره خوفاً من حصول التشويش فلذلك اقتصر على ما ذكرته هنا.
وفي المقابل ذهب المشهور إلى استحالة الترخيص في كلا الطرفين[5] وذلك بعدة بيانات:-
البيان الأوّل:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[6] - وربما ذكره غيره ولكن بلسان آخر - حيث قال:- مادمت أعلم أنَّ أحد الاناءين حتما هو خمر محرّم فالعقل سوف يحكم بلزوم تركه والاجتناب عنه ، فإذن لا يمكن الترخيص فيهما معاً فإنَّ الترخيص فيهما معاً يتنافى مع حكم العقل بلزوم الاجتناب عن ذلك الواحد الواقعي المحرّم.
وقد يصاغ هذا البيان بلسانٍ آخر وذلك بأن يقال:- إنَّ الترخيص فيهما معاً هو ترخيص في المعصية القطعية وهو لا يجوز عقلاً ، لأنه مادام واحد منهما حرام فحينئذٍ الترخيص في كليهما يكون ترخيصاً في ارتكاب المعصية القطعية وهي لا تجوز عقلاً ، إذ كيف يرخّص المولى في المعصية القطعية ؟!!
ويوجد تعبير للشيخ النائيني(قده) لا يخرج عن هذين البيانين حيث قال:- ( فإنَّ المخالفة العملية مما لا يمكن أن تنالها يد الاذن والترخيص لأنها عبارة عن المعصية ولا يعقل الإذن في المعصية لاستقلال العقل بقبح المعصية )[7] .
وبيت القصيد هو قوله: ( لأنها عبارة عن المعصية ولا يعقل الاذن في المعصية ) ، يعني أنَّ الإذن في ارتكابهما معاً هو إذنٌ في ارتكاب المعصية.