39/03/30
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/03/30
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.
إعادة لمناقشتنا للسيد الخوئي(قده) ولكن بصياغة جديدة فنقول:- ويردّه:-
أوّلاً:- إنَّ الموجب للضمان ليس هو وجوب التصدّق وحده بل بشرط حصول التصدّق وإلا إذا لم يحصل التصدّق والشيء بعد موجود فلا موجب لضمانه .
إذن الضمان إذا أردنا أن نقول به لا بمجرّد وجوب التصدّق بل بوجوب التصدّق بإضافة حصول التصدّق الفعلي ، ثم نقول: إنَّ التصدّق الفعلي يحصل بلحاظ العين ، فالعين قد تصدّق بها فيلزم ضمانها بالمثل وأما المثل فلم يتصدّق به وعادةً لا يُتَصدَّق به فحينئذٍ انقطع التسلسل ، لأنه ما دام لا يتصدّق به فلا يحصل حينئذٍ وجوب ضمان ثانٍ وثالثٍ .... وهكذا.
وإذا قيل:- هذا صحيحٌ ولكن إذا كان الواجد لمجهول المالك مؤمناً وحينئذٍ إذا عرف أنَّ وجوب التصدّق بإضافة التصدّق يوجب الضمان فسوف يتصدّق بالعين وحيث إنه حصل تصدّق بالعين فيحصل ضمان المثل وهذا المثل بما أنه ملك للغير فيجب التصدّق به فتصدّق به وبعد ذلك عرف أنَّ هذا المثل هو ملك للغير فحصل الضمان ووجب التصدّق به ..... وهكذا فبالتالي يلزم التسلسل في حق المؤمن الملتفت المطيع ، نعم لا يلزم التسلسل في حق سائر المؤمنين لعدم التفاتهم ، أما إذا كان المؤمن وملتفتاً فسوف يلزم التسلسل بلحاظه ويكفي للإشكال ولو في دائرة ضيقة ومساحة صغيرة ، فإشكال التسلسل يتحقق ولو في حقّ هذا المؤمن الواحد.
قلنا:- بالتالي إنَّ هذا المؤمن سوق يموت في يوم من الأيام وكذلك وذريته التي تقوم مقامه سوف تموت أيضاً حيث يرث الله عزّ وجلّ الأرض ومن عليها فانقطع التسلسل ، وهذه نكتة لطيفة ينبغي الالتفات إليها.
هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن ينقطع التسلسل قبل أن يرث الله الأرض ومن عليها ، باعتبار أنَّ هذه التصدّقات الزائدة سوف تُنهِي أموال المتصدّق فبقاعدة لا ضرر يرتفع وجوب التصدّق ، فانقطع التسلسل[1] .
ثانياً:- يمكن أن نقول: إنَّ الموجب للضمان ليس هو وجوب التصدّق بإضافة التصدّق بالفعل ، بل الموجب للضمان هو ظهور المالك بعد التصدّق والمطالبة بالضمان ، فإنَّ روايات التصدّق يفهم منها أنَّ المالك مادام لم يظهر وحصل التصدّق فهو مبرئ للذمّة وإنما يحتمل الضمان لو ظهر المالك وطالب بالضمان ، وحينئذٍ نقول: إنَّ المالك لو ظهر فهو عادةً يطالب بضمان العين ولا يطالب بأكثر من ذلك[2] فينقطع حينئذٍ التسلسل ، إذ هو يطالب فقط وفقط بالعين فإذا دفع له ذلك سكت فاقطع التسلسل ولا تسلسل إذ لا مطالبة بضمان ما زاد على ذلك فينقطع التسلسل.
إن قلت:- إنَّ قاعدة الاتلاف تدل على أنَّ الاتلاف بما هو اتلاف يوجب الضمان لا بشرط مطالبة المالك ، ونحن نتساير مع قاعدة الاتلاف تسايراً حرفياً وهي تقتضي أنّ الاتلاف بما هو اتلاف موجبٌ للضمان لا بشرط المطالبة.
قلت:- صحيحٌ هي تقتضي ذلك ولكن المدرك لها كما سيتضح هو السيرة والدليل دلّ على أنه مادام حصل التصدّق ولم يظهر المالك ويطالب استفدنا منه عدم الضمان فيكون هناك ردع عن السيرة مادام لم يظهر المالك وإنما يوجد لها إمضاء لو ظهر المالك وطالب فإذا فرضنا أنه لم يطالب إلا بالعين فلا ضمان حينئذٍ إذ قاعدة الاتلاف قد ردع عن نصفها فسقطت عن الحجية وتبقى على الحجية بمقدار النصف الثاني أي لو ظهر وطالب والمفروض أنه لم يظهر أو ظهر ولكنه يطالب بضمان العين فقط أما بأكثر من ذلك فلا يطالب ، فانقطع التسلسل.
ثالثاً:- إنه ذكر أنَّ المنصرف من دليل قاعدة الاتلاف أنَّ الاتلاف موجب للضمان إذا كان على المالك لا ما إذا كان للمالك.
ونحن نقول:-
أوّلاً:- إنَّ الاستعانة بتعبير الانصراف مرفوض وغير صحيح فإنه يختص بالأدلة اللفظية ومدرك قاعدة الاتلاف هو السيرة العقلائية ولا يوجد دليل لفظي ، فما معنى الانصراف ودعوى الانصراف ؟! إنَّ هذا ليس مجرّد تسامح قد صدر منه وإنما هو أكثر من تسامح ، وهذا إشكال فنّي ، إذ أنَّ كلامه يوحي بأنَّ الدليل دليلاً لفظياً والمصرف منه ذلك ، ولكن قد قلنا إنَّ الدليل هو السيرة ، فلا معنى لدعوى الانصراف.
ثانياً:- مادام المدرك هو السيرة فنقول إنَّ السيرة مختصة بالعين فهي تدل على ضمان العين أما ما زاد على العين فلا تدل على ضمان حتى يلزم آنذاك التسلسل إنما يلزم التسلسل إذا فرض أن قاعدة الاتلاف فيها سعة واطلاق لمثل المثل وما شاكله والمفروض أنَّ المدرك هو السيرة والحال أنها جارية على أنه يلزم أن يضمن العين التي تصدّق بها أما ما زاد[3] على ذلك - يعني المثل - فلم تنعقد السيرة على ضمانه.
فإذن من هذه الناحية اتضح أنَّ التعبير بالانصراف ليس بصحيح ، يعني أنَّ المدرك هو السيرة وهو ليس لفظياً ، واتضح أيضاً أنه مادام المدرك هو السيرة فهي تدل على أنه يلزم الضمان بمقدار العين أما ما زاد عليها فلا ، فإذن انقطع التسلسل؟
إن قلت:- إنه يوجد مدرك لفظي لقاعدة الاتلاف ، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية التي ذكرها صاحب الوسائل(قده) عن عدّة من صحابنا عن أحمد[4] عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن بكير عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة مالة كحرمة دمه )[5] ، فحيث إنَّ الدم له حرمة وحرمته أنه يوجب الضمان وهي الدية لا أنه يكون هدراً فعلى هذا الأساس يكون مال المؤمن له حرمة أيضاً ولو أُتلف فإنه يوجب الضمان ، فإذن هذا التعبير يدل على الضمان لا أنَّ المستند هو السيرة فقط.
والجواب:- إنَّ غاية ما يستفاد من هذه الفقرة هو أنه كما أنَّ نفس المؤمن لها حرمة بمعنى أنه لا يجوز التجاوز عليه وقتله كذلك لا يجوز اتلاف ماله فإنَّ له حرمة كحرمة دمه ، أما أنه يوجب الضمان فهذه قضية مسكوت عنها.
اللهم إلا أن تقول:- نتمسّك بالإطلاق .
فنقول:- إنَّ تنزيل حرمة المال منزلة حرمة النفس بمقتضى الاطلاق بلحاظ جميع الآثار لا خصوص الحرمة التكليفية ومن أحد الآثار هو الضمان ، غايته في النفس يكون الضمان بالشكل الخاص وهي والدية أما في المال فيكون بشكلٍ آخر وهو ضمان المثل أو القيمة ، فحينئذٍ ثبت المطلوب بعد التمسّك بالإطلاق.
قلت:- قد ذكرنا مرّة أو كثر أنَّ الاطلاق إذا لم يكن مراداً بدائرته الوسيعة جزماً لسببٍ وآخر ودار الأمر بين أن يكون المراد هو الدائرة المتوسطة أو الدائرة الضيّقة فالاطلاق في مثل ذلك لا يمكن الاستعانة به لإثبات الدائرة المتوسطة ، بل يتعيّن الأخذ بالقدر المتيقن وهي الدائرة الضيقة ، وهنا كذلك ، فإنَّ دم المؤمن له آثار كثيرة وأحد آثاره أنه لو أريق ولم يُعرَف من أراقه فالدية تكون من بيت المال لروايةٍ دلت على ذلك ، ففي صحيح عبد الله بن سنان وصحيح وعبد الله بن بكير جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل وجد مقتولاً لا يدرى من قتله قال إن كان عثر له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم )[6] .
فإذن من آثار دم المسلم أنَّ ديته تكون من بيت المال ، والحال أنَّ هذا ليس بثابتٍ لمال المسلم ، فلو فرض أنَّ المسلمون استيقظوا صباحاً فوجدوا أنَّ بيت أحدهم قد سُلِب ولا يعرفون السالب فهل يكون الضمان من بيت المال ؟ كلا إنَّ الأمر ليس كذلك ، وهناك آثار أخرى لدم المسلم فإذا أردنا أن نعمل بالدائرة الوسيعة فيلزم أن نطبّق هذا الأثر والحال أنه لا يحتمل أحد ذلك ، فإذن يدور الأمر بين أن نقتصر على كون المراد هو أصل الحرمة التكليفية[7] ، أو يكون المراد الدائرة الوسطى[8] ، وتعيّن الدائرة الوسطى لا مثبت له ، بل يلزم الاقتصار على القدر المتيقن.