39/03/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/03/07
بسم الله الرحمن الرحيم
والكلام يقع في الدلالة وأخرى في السند:-
أما من حيث الدلالة:- فيمكن أن يقال إنّ الرجل قال ( إني قد أصبت مالاً ) ولم يبين الخصوصيات لذلك المال وأنه ما هو وأنه مجهول المالك أو غير ذلك والامام عليه السلام أجابه من دون استبيان منه فلا يبعد أن تكون القضية معهودة بين الامام وبينه ، يعني كان الامام يعرف أنّ ذلك المال الذي أصابه ما هي خصوصياته ولذلك لم يستفسر منه ، فعلى هذا الأساس نقول إنه كما يحتمل أن يكون هذا هو مجهول المالك يحتمل فيه أن يكون شيئاً آخر غير مجهول الملك وإنما يكون ملكاً خاصاً للإمام إما من باب أنه وارث من لا وارث له فهو خاص للإمام وقد أمر أن يقسمه بين اخوانه ، أو لأنه غنيمة في حرب من غير إذن الامام فأيضاً تكون الغنيمة للإمام عليه السلام ، أو لغير ذلك ، فإذن لا ينحصر أمر هذه الرواية بأن تكون من مصداق مجهول المالك ، فإذن لا ينحصر أمرها كما يريده المستدل بمجهول المالك حتى ينتفع بها وإنما نقول يحتمل - ويكفينا الاحتمال - أنه ملك خاص للإمام عليه السلام إما باعتبار أنَّ هذا المال لا وارث له وهو وارث من لا وارث له أو لأنه م غنيمة الحرب من دون إذن الامام أو لغير ذلك ، فإذن لا ينحصر أمر هذه الرواية بمجهول المالك حتى تصلح أن تكون شاهداً للمستدل.
ثانياً:- سلّمنا أنها من مجهول المالك لكن لم يجب الامام عليه السلام إلا بأنه هو لي ولا بأس بالالتزام بذلك يعني نلتزم بأن حكم مجهول المالك هو أنه للإمام ولذلك لأجل هذه الرواية ونظائرها يحتاط الفقيه في مسألة مجهول المالك بالاستئذان من الحاكم الشرعي ، فهو للإمام والامام يأمر بالقسمة بين الاخوان فإذن هذا لا يتنافى مع فكرة مجهول المالك.
نعم قد تقول في مجهول المالك يلزم الفحص وهنا الامام لم يأمر بالفحص وإنما ابتداءً قال ( هو لي ).
فنقول:- بما أن القضية معهودة بين الامام وبين السائل وكان الامام يعرف أن هذا المال له ولا يمكن العثور على صاحبه فلذلك لم يأمر آنذاك بالفحص.
وإذا قلت:- هذا مقبول ولكن تبقى مشكلة التصدق فإن الامام لم يأمر بالتصدق وإنما أمر بالقسمة ؟
فنقول:- إنَّ هذا أمر سهل أيضاً فإنه من باب الاطلاق والتقييد فهنا قال قسّمه أما بنحو التصدّق أو غير التصدق فهو مطلق فرواية التصدّق حينئذٍ تكون مقيّدة لها ، فلا مشكلة إذن من هذه الناحية.
وأما من حيث السند:- فسنأتي إلى الكلام فيه فيما بعد.
الرواية الثانية:- محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عباد بن سليمان عن سعد بن سعد عن محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن عليه السلام:- ( في رجل كان في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثاً كيف يصنع بالمال ؟ قال: ما أُعرِّفُك لمن هو يعني نفسه )[1] ، وفقرة ( يعني نفسه ) لا ينبغي أن نحتمل دورها من الامام فإنه لا معنى لذلك وإنما هي إما الراوي أو الشيخ أي هي من شخص آخر غير الامام ولا يحتمل كونها من الامام ، يبقى أنه قد تسأل وتقل لماذا لم يقل الامام ( أنا ) ؟ لعله أراد أن يجلَّ نفسه عن هذا المعنى وأنَّ هذا المال لي فإنه قد تختلف المواطن فلعلّه من هذه الناحية راد أن يبهم هذا المطلب والسائل بهذا الابهام يفهم المقصود وأنه للإمام عليه السلام لا أن يبقى المقصود خفياً عليه ، فإذن لا مشكلة في الرواية من هذه الناحية.
وأيضاً الكلام يقع في دلالتها وسندها:- وهذه الرواية واردة في مجهول المالك خلاف السابقة فإنه في السابقة احتملنا فيها أن يكون المال خاصاً بالإمام وليس من مجهول المالك والقرينة على أنها من مجهول المالك هو انه قال ( رجل كان في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثاً ) ، فإذن هذا المال ملك لرجل ميت لا انه لا يعرف أصل المالك بحيث يحتمل أنه ملكاً خاصاً للإمام كلا وإنما المالك هو شخص معين ولكنه ميت فإذن هو من مصاديق مجهول المالك لكن يبقى أن الامام عليه السلام حينما قال ( هو لي ) هذا لا يدل على أنَّ حكم مجهول الملك ذلك يعني أنه للإمام إذ يحتمل أن الامام قال هو لي لا من باب أنه مجهول المالك بل من باب أنه وارث من لا وارث له ، فصحيح أن المالك وهو لميت وهكذا لا وارثه لا اخبار عنه وبالتالي هذا كما يصح أن نقول هو مجهول المالك يصح أن نقول هو مصداق للمال الذي هو لميت لا يعرف له وراث فإذا لم يكن له وارث فالإمام يكون هو الوارث فهو قال لي باعتبار أنه ليس مجهول المالك بل باعتبار أنه وارث من لا وارث له ، فلا تعارض روايات مجهول المالك. هذا جواب اول
والجواب الثاني أن نقول:- سلّمنا أنها من مجهول المالك ولكن الامام عليه السلام قال أنا المالك وسكت ، ولكن ما هي الوظيفة فهل أعطيه لك ؟ سكت الامام ولم يبيّن ذلك ولعل الوظيفة هي التصدّق كما جاء في الروايات الأخرى ، فإذن هذه الرواية لا تنافي تلك الروايات الآمرة بالتصدق فإنَّ هذه الرواية تقول هو لي وجمعاً بينها وبين تلك نقول بعد كونه له يأمر بالتصدّق فلا تتنافى مع تلك الرايات ، فإذن هي من حيث الدلالة قابلة للمناقشة من ناحيتين.
وأما من حيث السند:-
فأما الرواية الثانية فإن الشيخ يرويها بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى صاحب كتاب وادر الحكمة من ثقات أصحابنا وطريق الشيخ إليه صحيح ، عن عبّاد بن سليمان عن سعد بن سعد وهو سعد بن سعد ابن الأحوص وهو من الثقات عن محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار وهو ثقة وقد قال النجاشي في حقه ( هو وأبوه وعمّه وجدّه من الثقات ) فوثقهم جميعاً ، وأيضاً لهذا الرجل ميزة أخرى وهي أن جدّه الفضيل بن يسار يقول مغسله للإمام الصادق عليه السلام - وهذه الرواية منقولة في رجال الكشي إني لأغسل الفضيل بن يسار وإنَّ يده لتسبقني إلى عورته ، وهناك رواية ثانية عن الصادق عليه السلام يقول فيها ( إنَّ الأرض لتسكن إلى الفضيل بن يسار ) فيتبين أنّ الأرض لها نحو من الحياة والتي هي تسكن وترتاح إلى بعض الأشخاص منهم الفضيل ، ويشير إليه الامام حينما يراه يقول ( بشّر المخبتين من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الفضيل بن يسار ).
إذن لا توجد مشكلة من هذه النحية ، وإنما المشكلة في عبّاد بن سليمان فإنه قد ذكره النجاشي والشيخ من دون توثيق فإن كان هناك إشكال فهو من ناحية عبّاد.
وأما سند الرواية الأولى وهو المهم وهي قد رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى الأشعري القمّي الثقة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن عمرو عن الحجّال المزخرف وهو من الثقات وداود بن يزيد هو من الثقات إنما المشكلة في موسى بن عمرو فإنه مشترك بين الثقة وغيره وتشخيصه صعب فلذلك تصير الرواية محل إشكال من هذه الناحية.
ورب قائل يقول:- هناك طريق للتخلص من هذه المشكلة ، وهي أن الشيخ الصدوق يروي نفس هذه الرواية ولكن يرويها عن الحجال عن داود بن يزيد ، وتعبيره هكذا ( وروى الحجّال بن داود بن أبي يزيد )[2] وذكر نفس الرواية وحينئذٍ نستعين بطريق الصدوق وتنهي المشكلة.
والجواب:- إنه مع الأسف لم يذكر الشيخ الصدوق طريقاً له إلى الحجال في المشيخة ، فإذن لا توجد فائدة في الاستعانة بما نقله أنه رواها في الفقيه إنما هذا فرع أن يكون له طريق.
هذا ولكن قد يقال:- إنه يمكن أن نحصل على طريقين صحيحين إلى الحجال حتى نتجاوز موسى بن عمرو:-
الطريق الأول:- ما رواه الصدوق في المشيخة في طريقه إلى صفوان بن مهران فنذهب إلى صفوان بن مهران ونقول إنّ للشيخ الصدوق طريق إلى صفوان يمرّ بالحجّال ، فإذا كان طريق الصدوق إلى الحجّال في هذا المورد - يعني في طريقه إلى صفوان - فإذا كان معتبراً فقد حصلنا على طريق معتبر للشيخ الصدوق إلى الحجّال فنضمّه إلى الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في الفقيه ولكن ليس من طريقه إلى الحجّال مباشرة بل من طريقه إلى صفوان ، فإنه في طريقه إلى صفوان مرّ بالحجّال حيث قال ( وما كان فيه عن صفوان بن مهران الجمّال فقد روته عن ..... عن ... ورويته عن أبي رضي الله عنه عن محمد بن يحيى العطّار عن محمد بن احمد بن يحيى عن موسى بن عمر عن عبيد الله بن محمد الحجال عن صفون بن مهرن الجمال )[3] [4] ، ففي مثل هذا المورد نقول إذن طريق الصدوق إلى صفوان يمر الحجّال ، فإذن حصلنا على طريق.
ويردّه امران:-
الأول:- من أن نفس موسى بن عمرو موجود فلابد من الاتيان بطريق ليس فيه موسى بن عمرو.
ثانياً:- إنه بغضّ النظر عن ورود موسى بن عمرو وفرضنا أنَّ موسى بن عمرو لم يرد في السند وكان الكل ثقات نقول لعلّ هذا الطريق لا يروي به الشيخ الصدوق كلّ روايات الحجّال بل يروي به خصوص روايات الحجال التي عن صفوان لا أنَّ كل ما يرويه عن الحجّال ، إذن هو يرويه بهذا الطريق وبذلك لا يثبت أنَّ جميع روايات الحجّال هي كذلك من قبيل الرواية التي رواها في الفقيه فإنه رواها عن الحجال عن داود بن يزيد ولم يروها عن صفوان فإذن لا ينفعنا هذا الطريق حتى لو غضضنا النظر عن الجواب الأوّل.