39/03/03
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/03/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.
ورواية علي بن مهزيار هي:- ( ..... فأما الغنائم[1] والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى " وعلموا أن ما غنمتم من شيء فإنَّ لله خمسة وللرسول ولذي القربى " والغنائم والفوائد يرحمك الله هي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر[2] والميراث الذي لا يحتسب من غير أبٍ ولا ابنٍ[3] مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مالٍ يؤخذ لا يعرف له صاحب[4] ....... )[5] ، فهنا يمكن أن يقال إنَّ المستفاد من قوله عليه السلام ( ومثل مالٍ لا يعرف له صاحب ) يعني مجهول المالك حينما يأخذه فعليه أن يدفع خمسه وأما الباقي فهو له فكما أنك دفعت الخمس والباقي لك هنا أيضاً كذلك ، حتى أنَّ الميرزا الايرواني(قده) قال هذه صريحة في ذلك ، ونصّ عبارته:- ( هذه الصحيحة صريحة في جواز تملك مجهول المالك بعد اخراج خمسه )[6] .
وقبل أن نبيّن النظر في هذا نبيّن شيئاً:- وهو أنه قد يقال إنَّ لهذين العلمين إنه توجد رواية معارضة تدل على أنَّ الحكم ليس ما ذكر وهي ورادة في مسألة الدار فيوجد شخص عنده دار تلقّاها من آبائه وأجداده وهم لا يعلمون أنها لمن تكون فإذن هذه مجهولة المالك فقال للإمام عليه السلام هل أبيعها وآخذ ثمنها فقالله الامام كلا ، ثم فقال للإمام هل لي اجارتها فتبقى الدار كما هي حتى يتبيّن الحال فقال له الامام عليه السلام يجوز ذلك ، وهي موثقة اسحاق بن عمّار:- ( الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة[7] عن علي بن رئاب وعبد الله بن جبلة عن اسحاق بن عمّار عن عبد صالح عليه السلام قال:- سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها ؟ قال: ما أحبّ أن يبيع ما ليس له ، قلت: إنه ليس يعرف صاحبه ولا يدري لمن هي ولا أظن يجيء لها ربّ أبداً ؟ ما أحب أن يبيع ما ليس له ، قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي[8] ؟ قال: نعم يبيعها على هذا )[9] .
فقد يرد ما أفاده العلمان بأنه توجد رواية معارضة دلت على أن مجهول المالك حكمه ليس دفع الخمس وتملك الباقي وإنما حكمه أن يبقى في يده غايته يؤجر السكنى.
ولكن بإمكانهما أن يجيبا:- بأنَّ هذه القضية مختصة بالدار فلعل الدار لها خصوصية لا مطلق مجهول المالك ، بخلاف صحيح عليّ بن مهزيار المتقدّمة فإنها واردة في مطلق مجهول المالك فبالتخصيص يخرج هذا الفرد.
أو يجاب:- بأنه يوجد تخيير يعني بعبارة أخرى يجوز هذا ويجوز ذاك نظير ما لو سأل الامام عمن أفطر في نهار شهر رمضان عمداً فقال اعتق رقبة ثم سئل عنه فقال ( صيام شهرين ) فماذا نصنع ؟ نحمله على التقييد كذلك نا نحمله على التخيير.
فالمقصود أنَّ للعلمين الحقّ في الجواب إما بهذا الشكل أو بذاك الشكل ، فالمعارضة ليست مستقرة.
والأجدر في الردّ على العلمين أن يقال:- إنَّ الرواية قالت ( ومثل ما يؤخذ لم يعرف له صاحب ) ولم تقل ( لم يعرف صحبه ) ومن المحتمل أن يكون القصود أنَّ هذا المال قد حصلت عليه ومن المحتمل أن لا يكون له صاحب أصلاً كما لو كنت أمشي في صحراء النجف فوجدت درّة نجفية فهذه الدرّة ليس لها صاحب وإنما هي رزق ساقه الله تعالى ، أو الصياد يصيد سمكة فيجد في بطنها درّة فهذه الدرّة ليست مجهولة المالك ..... وما كان من هذا القبيل ، فالمال الذي تحصل عليه ولا يعرف له صاحب مثل هذا المال يعدّ غنيمةً وفائدة كسائر الفوائد فعليك أن تخمّسه والباقي يكون لك ، فإذن الرواية أجنبية عن مسألة مجهول المالك.
إن قلت:- إنَّ ما ذكرته وجيه ولكن التدقيق في تعابير الرواية بهذا الشكل لعل لا يكون محبّباً ونحن لا نوافق على هذه الطريقة وهي أن نقول إنَّ الرواية عبرت بالفيء ولم تعبّر بالواو فهذه دقّة زائدة لا تحمّلها على الرواية فالراوي ينقل بالمعنى ولا ينقل نصّاً والائمة عليهم السلام جوّزوا النقل بالمعنى فإنه توجد أكثر من رواية يجوّز فيها الامام عليه السلام النقل بالمعنى ، بل لا نحتاج إلى رواية وإنما سيرة العقلاء جارية على ذلك ، فلو سمعت شخصاً يتكلّم بكلامٍ وأردت نقله فهل يلزم أن أنقل نصّ ما صدر منه أو أنّي أنقل المضمون ؟ إنّي أنقل المضمون والسيرة جارية عليه ، ولكن لابد أن يكون المضمون الذي أقوله ليس مغيّراً لجوهر المضمون الذي قاله الشخص بل لابد أن أكون متحفّظاً على المضمون الذي قاله الشخص أمّا تغيّر الألفاظ كزيادة كلمة فيئ أو واو أو ثمَّ أو غير ذلك فهذا لا يؤثر ، وحينئذٍ يقال إنه بناءً على هذا لا معنى للتدقيق في الرواية بهذا الشكل.
قلت:- ولكن من حقي أن أقول: إنَّ واقع المضمون الذي ينقله عليّ بن مهزيار بالتالي يصير مردّداً بين احتمالين ، فنحن لا نريد أن نستظهر ما ذكرناه وإنما نقول إنَّ ما ذكرناه احتمال وما ذكرته أنت احتمال ، فتصير مجملة ، وإذا صارت مجملة كفانا ذلك ، فتبقى تلك الروايات بلا معارض ، وهذه طريقة ظريفة يمكن الاستعانة بها للتخلص من مثل هذه الاشكالات.
الاحتمال الثاني:- ما ذهب إليه ابن ادريس(قده)[10] وحاصله: إنه يبقى أمانة بيدك ، فعليك أن تحتفظ به ثم توصي به وارثك ثم هو يوصي لوارثة فالوظيفة هي الوصية به ، وتمسّك لذلك بصحيحة هشام بن سالم ، وسندها:- محمد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن محمد بن موسى بن عبيد عن يونس عن هشام بن سالم قال:- ( سأل أبو الخطاب الأعور[11] أبا إبراهيم أنا جالس فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه وبقي من أجره شيء ولا يعرف له وارث ، قال: فاطلبوه ، قال: قد طلبناه فلم نجده ، قال: فقال: مساكين وحرّك يده[12] ، قال: فأعاد عليه ، قال: طلب وأجهد فإن قدرت عليه وإلا فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب فإن حدث بك حدث فأوصِ به: إن جاء له طالب أن يدفع إليه )[13] ، فهي قد دلت بوضوح على أنَّ الحكم هو الفحص في المرتبة الأولى ومع عدم العثور فالحكم هو الوصية به لا التصدّق.
أقول:- إنَّ مضمون هذه الرواية - وهو أنَّ الوظيفة هي الوصية - لعله حكم يطابق القاعدة ، فإنه في أموال الغير القاعدة تقتضي أنك تتحفّظ عليها لا أنك تتصرّف فيها بالتصدّق ، فإذن هذه الرواية توافق القاعدة فعليك أو تطلب صاحب المال أوّلاً ثم بعد الطلب تحتفظ به ، ولكن إذا دلت رواية صحيحة على أنَّ الحكم هو التصدّق فسوف نرفع اليد عن القاعدة فإنَّ القاعدة لا يتمسّك بها عند وجود رواية صحيحة مخالفة وإنما يتمسّك بها مع عدم وجود رواية ، ولعلّ في بعض كلمات المتقدّمين ما يوحي بالخلاف - يعني أنهم يردّون الرواية بمخالفتها للقاعدة - وهذا ليس بصحيح ، وعلى أيّ حال الرواية دلت على أنَّ الحكم هو الفحص ثم الوصية به.
ومن الغريب أنَّ الشيخ الأعظم(قده)[14] ذكرها في مكاسبه في عِداد الروايات الدالة على وجوب التصدّق هذا من سهو القلم.
وعلى أيّ حال قلنا إنَّ الرواية دلت على أنه يحتفظ به بعد الفحص فإذن ماذا نصنع ؟
وقبل أن نبيّن ماذا نصنع نلفت النظر إلى قضية:- وهي أنَّ هذه الرواية نقلت في الوسائل بنقلين آخرين - يعني لها ثلاثة نقول - وبين كلّ نقلٍ وصاحبيه اختلاف ، فلنلتفت أوّلاً إلى هذه القضية ثم نعود إلى الرواية ونبيّن كيفية الاجابة عنها.