39/01/26
تحمیل
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه
39/01/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع/ شبهة عدم جباية الخمس فيما سبق/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس
ويرد عليه: انه يمكن معيشة فقراء بني هاشم من زكاة امثالهم وفطرة امثالهم, كما يمكن ان تكون المعيشة من الاوقاف والخيرات والصدقات العامّة المستحّبة غير الزكاة المفروضة وغير الفطرة.
كما يمكن معيشتهم من ميراث من لا وارث له الذي هو تحت يد الامام كما يمكن ذلك من الارتزاق من بيت مال المسلمين والانفال التي هي منصب للإمامة الذي يكون الامام مسؤولاً من إعالة الفقراء, كما ان الخمس لم يقتصر على الغنيمة الحربية اذ ثبت وجوب الخمس في المعدن والكنز والغوص, فيمكن اعاشتهم من هذا الخمس.
والخلاصة: سقوط هذا الدليل لا يؤثر على صحة الاجماع (السيرة المتشرعية) والاخبار الكثيرة الدالّة على وجوب الخمس في ارباح المكاسب.
شبهة: لو كانت آية الخمس في الغنيمة مطلقة لكل غنيمة تشمل ارباح المكاسب وكانت الروايات توجب الخمس حتى في ارباح المكاسب كما ذكرنا ذلك عن الامامية فلماذا لم يُعهد أخذه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله)
اذ لم يُنقل ان
النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو احد الائمة عليهم السلام قبل الباقرين عليهم السلام تصدّوا لأخذ الخمس كما تصدّوا لأخذ الزكاة.
والجواب: قد ذكر السيد الخوئي قدس سره جواباً على ذلك خلاصته هو: تدريجية تطبيق الاحكام, فان وجوب الخمس مشرّع, الاّ انه لم يطبّق لتقديم الاهم عليه. أو يقال انه مشرّع لم يبلَّغ بصورة عامّة وانما اودع النبي (صلى الله عليه وآله) تشريعه عليّاً والائمة عليهم السلام وسوف يقولها الامام عليه السلام ويبلّغها الامام المهدي عليه السلام في وقته[1] .
اقول: هذا الجواب باطل وان قبلنا تدريجيّة تطبيق الاحكام المشرَّعة أو تدريجية تبليغها, وقبلنا ان بعض الاحكام عند الحجّة سلام الله عليه لم تبلَّغ وان شرّعت للإمام وبُيّنت له, الاّ ان الخمس حكم مشرّع وقد بُلِّغ وطُبِّق في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكيف يقال بانّ تطبيقه أو تبليغه قد اودع عند الامامين الباقرين عليهما السلام وقد تقدّم ان النبي (صلى الله عليه وآله) طالب به بمكاتبته من اسلم من القبائل بدفع الخمس مع عدم احتمال وجود حرب غنيمة حربية.
وقد اجاب السيد الخوئي قدس سره بجواب آخر فقال بوجود فرق بين الزكاة والخمس, حيث ان الزكاة تكون للفقراء ولمصالح المسلمين, ويكون المعصوم عليه السلام مأموراً بأخذها لقوله تعالى: (خذ من اموالهم صدقة...)[2] وحينئذٍ مقدمة للأخذ الواجب لابدّ من بعث العّمال للجباية, أمّا الخمس فهو حقّ له ولأقربائه «فهو يشبه الملك الشخصي» لأنّ فائدته لا تعود لعامّة المسلمين[3] , ولهذا لم يُؤمر النبي (صلى الله عليه وآله) الاّ بتبليغه فلا امر على جبايته, بل جبايته لا تناسب مقام النبي (صلى الله عليه وآله) والامام عليه السلام.
اذن عدم بعث الاشخاص لجباية الخمس لا يدلّ على عدم وجوبه, على أنّ وجوب الخمس في المعادن (الركاز) ممّا اطبقت عليه الامامية واهل السنة[4] ومع هذا لم ينقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه ارسل جابياً لذلك.
وقد يقال: في ردّ السيد الخوئي قدس سره: بأنّ الخمس وان كان له ولأقربائه الاّ ان ما كان له ليس ملكاً شخصياً ولا شبيهاً به, لأنه ملك المنصب الذي لابّد من صرفه على ذلك المنصب العظيم ليقوى ويستتب ولا تقوية ولا استقامة له من دون تطبيق هذا الحكم, وتطبيق حكم الاسلام فيه نفع عام لكل المسلمين واهم من الزكاة.
وامّا حقّ السادات فهو لفقراء بني هاشم وليس له فكيف يفرّط به؟
ولكن يجاب: بأن الموارد الاخرى التي تكون للمنصب وهي كثيرة كالأنفال يمكن ان تقوم بهذا الأمر فيحصل
الاستقرار والتقوية للمنصب العظيم.
نعم الجواب الصحيح هو: انّه لم يتضح عدم جباية الخمس في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أو زمن الائمة عليهم السلام قبل الصادقين عليهم السلام, فعدم النقل لا يدّل على انه لم يحصل, ففي زمن الخلفاء الثلاثة حصلت معاداة لآل الرسول وللخطّ الذي انتهجه النبي (صلى الله عليه وآله) فمنعوا حق ذي القربى الصريح القرآني, ووضعوا حقّ السادات في فقراء المسلمين وأخذوا فدكاً وحصلت المضايقات التي أدّت الى عدم امكان ان يطالب علي امير المؤمنين عليه السلام بحقّه وعدم امكان ايصال الحقّ الشرعي الى صاحبه.
واما عند تمكّن الامام امير المؤمنين عليه السلام بعد خمسة وعشرين عاماً على تربية الناس على تلك الحالة لم يتمكن الامام عليه السلام من ان يغيّر حتى لم يتمكن من تغيير صلاة التراويح.
وامّا في زمان الامامين الحسن والحسين عليهما السلام فلم يستتب الامر حتى يتمكنا من ان يغيّرا, ايضاً بالاضافة الى معاداة بني امية لأهل البيت عليهم السلام.
واما في زمن الامام علي بن الحسين عليه السلام فكان مراقباً من قبل السلطة من ان يقوم بعمل عدائي لها والانتقام منها فكيف يتمكن ان يجبي الاخماس وينصب الوكلاء لجبايته والمطالبة به ومن يستجيب له اذا اراد ان يصرح بجبي الخمس؟
نعم في زمن الصادقين عليهما السلام حصلت فرصة لضعف الدولة الاموية وعدم استتباب الدولة العباسية فتمكّن الامامان الباقران عليهما السلام من التصريح بالخمس والمطالبة به وجبيه بواسطة الوكلاء.
اذن مع مجيء بني امية وبني العباس بعدهم الذين عادوا اهل البيت عليهم السلام وأعادوها جاهلية بحيث لم يعرف كثير من الناس وجوب الفطرة وعدد الفرائض (كما عليه اهل الشام) ووجوب الزكاة ومناسك الحج فليكن الخمس كذلك خصوصاً مع انه حق خاص لقرابة النبي (صلى الله عليه وآله) وقد عمل ما بوسعهم لمحاربته فكيف مع كل هذا يطالب أهل البيت عليهم السلام بحقهم.
اذن عدم الجباية للخمس في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يدلّ على عدم وجوبه, وعدم وصول اخبار الجباية, لا يلازم عدم تشريع الخمس بعد ان نطق بالتشريع الكتاب الكريم والاخبار المتواترة ولو اجمالاً.
كما انه لا خلاف بين المسلمين في ان الزكاة قد حرّمت على بني هاشم وان الصدقة عليهم حرام وجعل في مقابلها الخمس إكراماً لهم وتنزيهاً عن اوساخ ما في ايدي الناس كما وردت بذلك كله الاخبار الصحيحة[5] .
والخلاصة: ان المنصف يرى محاربة اهل البيت من اول يوم فُقِدَ فيه النبي (صلى الله عليه وآله) فحتى الخمس
الذي شرّع في الكتاب الكريم وقالوا بأن آية الخمس[6] مختصة بالغنيمة الحربية, فاسقطوا سهم الله وسهم الرسول اللذين
هما للقرابة, بل اسقطوا سهم القرابة الصريح فجعلوه في السلاح والمصالح العامّة.
اذن لا يتمكن فقيه ان يقول بعدم وجود جباة للخمس ايام النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يمكن ان يشكل بعدم وجود جباة ايام علي عليه السلام والحسن والحسين والسجاد عليهم السلام اذا نظرنا الى جملة أُمور:
الاول: منع الخليفة الاول والثاني من كتابة الحديث بحجّة المحافظة على النص القرآني وعدم خلطه به.
الثاني: المعاقبة على مَن نقل شيئاً من فضائل اهل البيت عليهم السلام والتنكيل بهم كما حصل في زمن معاوية, فكيف بمن ينقل حديثاً أو قصة تثبت حقّاً شرعياً مالياً لأهل البيت عليهم السلام؟!!.
وبعبارة اوضح: اذا خالفت السلطة شريحة من المجتمع وسلبتهم حقهم المادي الصريح في القرآن الكريم وهو سهم ذوي القربى ووضعوه في السلاح والمصالح العامّة, واخذوا فدكاً وهي الارض التي كانت عامرة وفيها عمّال للصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها وهي منحة النبي (صلى الله عليه وآله) لها وقد تصرّفت فيها مدّة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وجعلت السلطة سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل الذي هو لبني هاشم في فقراء المسلمين, وسلبت السلطة حتى الحقوق المعنوية وهي الروايات التي فيها فضائل لتلك الشريحة التي عادتها السلطة, خصوصاً سلطة بني امية.
فهل يتمكن افراد المجتمع ان يقدّموا لتلك الشريحة اموالاً وتخشى السلطة ان توظّف تلك الاموال لصالح الشريحة التي عارضتها السلطة؟
والجواب: ان المجتمع في كل افراده سوف يحجم عن نقل الفضائل وتقديم حقهم الشرّعي لهم, بل الشريحة نفسها تغضي عن حقّها في هذا الجو المشحون بالتعدّي عليها, ولهذا سوف تعرف سبب عدم كتابة اكثر الروايات التي شرّعت الخمس الذي يكون لأهل البيت عليهم السلام في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) واقتصر تاريخ الاسلام على كتابة ما ينسجم مع السلطة الحاكمة وترك ما كان يخالفهم وتعرف سبب عدم جباية الخمس من قبل السلطة لأنه يكون في صالح الشريحة التي عارضتها السلطة.
نعم وصلت الينا رشحات وهي كافية لإثبات الحقّ وان الخمس[7] واجب على غير الغنيمة الحربية التي لم يعمل
بإعطاء سهم القربى من الغنيمة الحربية, فلاحظ.