36/01/16
تحمیل
الموضوع:
الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
خلاصة ما تقدم
ذكرنا طوائف من الاخبار استدل بها على عدم جواز البقاء على الجنابة الى طلوع الفجر متعمدا وانه مبطل للصوم وموجبا للمفطرية .
وهذه الطوائف هي :-
الطائفة الاولى : ما دل على ذلك صريحا من قبيل صحيحة ابي بصير وصحيحة الحلبي ورواية المروزي ورواية ابراهيم بن عبدالحميد.
الطائفة الثانية : الروايات الواردة في مسألة النوم وانه يجب القضاء اذا استيقظ من الجنابة ثم نام حتى اصبح من قبيل موثقة سماعة وصحيحة محمد بن مسلم .
الطائفة الثالثة : ما ورد في من بقي على الجنابة ناسيا[1].
ونضيف الى هذه الطوائف طائفة رابعة سيأتي التعرض لها .
الطائفة الرابعة :وهي الطائفة[2] الدالة على مفطرية البقاء على الجنابة متعمدا في قضاء شهر رمضان .
وفي المقابل ذكرنا عدة روايات تدل على الجواز وصحة الصوم بالرغم من البقاء على الجنابة متعمدا حتى طلوع الفجر وعمدة هذه الروايات _ كما تقدم _ صحيحة الخثعمي , وقد تقدم النقاش فيها ؛ وكذلك تقدم الكلام في الروايات الاخرى .
وقد نوقش في الروايات الاخرى في المقام كما في صحيحة العيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر ؟ فقال : يتم صومه ولا قضاء عليه . )[3]
وقد نوقش فيها على انها لا تدل على الجواز في صورة العمد وانما تدل على الجواز مطلقا, وحينئذ يقيد الاطلاق بأدلة الطائفة الاولى الدالة على المنع والبطلان في صورة العمد , فتحمل هذه الصحيحة على غير صورة العمد .
السيد الخوئي (قد) يقول لو ان الرواية قالت ( حتى يطلع الفجر) بالفعل المضارع وليس ( حتى طلع الفجر) بالماضي لكان لها ظهور في حال التعمد , وبما ان الرواية تقول (حتى طلع الفجر) فأن هذا يجعلها رواية مطلقة تدل على الجواز وعدم المانعية في صورة التعمد وعدمه, فتقيد بروايات الطائفة الاولى على غير صورة العمد بمقتضى الصناعة .
ويلاحظ على هذا الكلام ان هناك نسخة اخرى ( كما في التهذيب) المذكور فيها (حتى يطلع الفجر) بالفعل المضارع ؛ وبناء على كلام السيد الخوئي يكون ظهور الرواية حينئذ بحالة العمد وليست مطلقة ؛ فتكون معارضة لأخبار الطائفة الاولى, لا ان الطائفة الاولى اخص منها مطلقا .
الرواية الثالثة التي نوقش فيها هي صحيحة العيص بن القاسم الاخرى (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس )[4].
وقد نوقش فيها بأنها اجنبية عن محل الكلام فليس لها علاقة بمسألة تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر, وليس فيها عبارة طلوع الفجر اصلا ؛ وكأن السؤال عمن اجنب بالاحتلام هل يجب عليه المبادرة الى الغسل او انه يجوز له ان ينام قبل ان يغتسل فيجيبه الامام عليه السلام بجواز النوم قبل الاغتسال.
الرواية الرابعة معتبرة سليمان بن أبي زينبه (قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر ؟ فكتب ( عليه السلام ) إلي بخطه أعرفه مع مصادف : يغتسل من جنابته، ويتم صومه ولا شيء عليه )[5]
وهذه الرواية يأتي فيها كلام السيد الخوئي المتقدم لأن الموجود فيها عبارة( حتى طلع الفجر) وليس فيها دلالة قصد التأخير الى طلوع الفجر , فهي مطلقة تدل على الجواز مطلقا (تشمل التعمد وعدمه) , وحينئذ يمكن علاجها بتقييدها بالأخبار السابقة (الدالة على المنع في صورة التعمد).
الرواية الخامسة مرسلة المقنع ويعبر عنها ايضا برواية حماد بن عثمان وعلى كلا التقديرين فهي غير تامة سندا،( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل حتى يطلع الفجر ؟ فقال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب[6]: يقضي يوما مكانه)[7]
وهذه الرواية مضافا الى ضعفها السندي فهي اولى من رواية الخثعمي بعدم التصديق , لأنها تصرح بأن النبي صلى الله عليه واله كان يجنب في اول الليل ويبقى على جنابته حتى يطلع الفجر, وهذا غير قابل للتصديق في حقه صلى الله على واله لأن صلاة الليل واجبة في حقه , فرواية الخثعمي كانت تقول بأنه يجنب بعد صلاة الليل , بينما هذه الرواية تقول بأنه يجنب في اول الليل حتى طلوع الفجر .
السيد الخوئي حمل هذه الرواية _حملا بعيدا_ على الاستفهام الاستنكاري (كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر؟؟؟؟؟)
الرواية السادسة : رواية إسماعيل بن عيسى (قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح، أي شيءٍ عليه ؟ قال : لا يضره هذا ( ولا يفطر ولا يبالي )، فان أبي ( عليه السلام ) قال : قالت عائشة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصبح جنبا من جماع غير احتلام، قال : لا يفطر ولا يبالي، ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح، أي شيء يجب عليه ؟ قال : لا شيء عليه، يغتسل . . . الحديث)[8]
وقد اجابوا عنها بأنها صادرة تقية, مضافا الى ضعفها السندي بسعد بن اسماعيل وبأبيه فأن كل منهما لم تثبت وثاقته .
الرواية السابعة : صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[9]
وقد نوقش فيها بأنها ليست فيها دلالة على محل الكلام, فليست فيها دلالة واضحة على تعمد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر , فيمكن ان تكون ناظرة الى غلبة النوم عليه حتى اصبح ؛ وحينئذ لا اشكال في عدم بطلان صومه فيما اذا كان في النومة الاولى , او على الخلاف في النومة الثانية والاولى .
ومن هنا يظهر ان عمدة الروايات بلحاظ السند والدلالة هي صحيحة الخثعمي ؛ وهي كما قلنا غير قابلة للتصديق .
قد يقال بأن الظرف الذي قال الامام عليه السلام فيه هذا الكلام كان يقتضي بيان حكم التقية بهذا اللسان _ أي لسان الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه واله _ وذلك اذا لاحظنا ان الادلة التي يستدل بها العامة على جواز البقاء على الجنابة متعمدا حتى الصباح تستدل بفعل الرسول صلى الله عليه واله وما قالته عائشة من ان الرسول كان يجنب في اول الليل ويبقى حتى الصباح فلعل الظرف الذي قال الامام فيه هذا الكلام كان يقتضي ان يكون بهذا الشكل وفاقا لهم لأنهم يذكرون هذه الروايات في كتبهم ويستدلون بها على عدم بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة وعليه فأحتمال التقية موجود في هذه الرواية وحينئذ يكون افضل المحامل لها ولغيرها من الروايات هو الحمل على التقية .
كما انه قد يستشكل على دلالة بعض الروايات المانعة _ ادلة القول الاول _ فأن اصحاب القول الثاني يناقشون اصحاب القول الاول بموردين الاول ان حمل رواية الخثعمي على التقية بعيد؛ والثاني ان الادلة التي استدللتم بها على المنع محل مناقشة .
فصحيحة ابن ابي يعفور (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .)[10]
يُناقش فيها بأن قوله عليه السلام (يتم صومه) دليل على صحة الصوم وحينئذ يحمل قوله (يقضي يوما اخر) على ان القضاء للعقوبة كما تصرح به الرواية الاخرى فتكون الرواية من ادلة الجواز لا من ادلة المنع .
وصحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[11]
فيظهر منها ان قضاء ذلك اليوم من باب العقوبة لا من باب افساد الصوم , فلتكن الرواية الاولى _ صحيحة ابن ابي يعفور _ من هذا الباب ايضا .
والظاهر ان هاتين الروايتين واردتان في غير محل الكلام فأن موضوعهما هو النوم بعد الاحتلام ؛ فهاتان الصحيحتان ان دلتا على عدم بطلان الصوم وان القضاء عقوبة كما هو غير بعيد فأنهما تدلان على ذلك في موردهما (النومة الاولى بعد الاحتلام )؛ ولكنهما لا ينافيان الادلة الدالة على المنع والبطلان في محل الكلام (تعمد البقاء على الجنابة ) ؛ ولذا فالأولى حذفهما من ادلة المنع لأنهما يتكلمان في غير الموضوع الذي نتكلم فيه ؛ ومن هنا تندفع هذه المناقشة بما ذكرناه.
والتركيز ينبغي ان يكون في صحيحة الخثعمي فهي العمدة في هذه الروايات , فهي ان امكن حملها على التقية, والا يقع التعارض بينهما وبين الادلة السابقة الدالة على المنع , وحيث ان تلك الادلة اشهر رواية واشهر عملا بين الاصحاب فأن الترجيح يكون لها حينئذ لأن الشهرة في الرواية من جملة المرجحات , وعمل الاصحاب بتلك الروايات يعني اعراضهم عن صحيحة الخثعمي (في حالة فهمهم الدلالة على عدم الجواز منها ).
ثم بناء على ما انتهينا اليه _وفاقا للمشهور_ نقول ان مقتضى اخبار الطائفة الاولى_ الدالة على المنع والمفطرية _ لزوم الكفارة بتعمد البقاء على الجنابة حتى الصباح فضلا عن القضاء ؛ وحينئذ اما ان نستفيد من الروايات ان الصائم كلما افسد صومه متعمدا يلزمه الكفارة ويكون ذلك اصلا في افساد الصوم عمدا_ وسيأتي تحقيق هذا المطلب لاحقا_ فلابد من الالتزام بالكفارة في المقام, لأننا فرغنا عن كون البقاء على الجنابة مفطرا في حال التعمد؛ وبقطع النظر عن ذلك يمكن الاستدلال بلزوم الكفارة في المقام بأخبار الطائفة الاولى كما صُرح بذلك في صحيحة ابي بصير ورواية المروزي وغيرها ويكفينا صحيحة ابي بصير لأثبات الكفارة مضافا الى القاعدة المتقدمة .
قد يقول البعض بأن اختصار بعض روايات المنع على القضاء _ حيث ان هناك روايات تقول فقط ( يقضي يوما اخر) _ من دون تنبيه على الكفارة موجب لظهورها في عدم وجوب الكفارة وهذا ينافي ما تقدم من القول بوجوبها مضافا الى القضاء .
ويجاب
اولا: ان هذا الظهور يتوقف على افتراض ان هذه الروايات التي اختصرت على القضاء في مقام بيان كل ما يجب على الصائم عندما يفعل ذلك .
ثانيا : لو سلمنا بهذا الظهور فهو لا يزيد على الاطلاق, بل هو في الحقيقة مستند الى الاطلاق المقامي (سكوت المتكلم عن ذكر الكفارة وهو في مقام بيان ما يجب على هذا الصائم الفاعل لذلك) ؛ والاطلاق المقامي ادون واسوء حالا من الاطلاق اللفظي , فحينئذ يقيد هذا الاطلاق بصحيحة ابي بصير فهي صريحة بوجوب الكفارة ولا مشكلة في ذلك.
ومن هنا يظهر ان ما نسب الى ابن ابي عقيل ورجحه بعض فقهائنا كما في المدارك من ان الواجب هو القضاء دون الكفارة ليس تاما.
خلاصة ما تقدم
ذكرنا طوائف من الاخبار استدل بها على عدم جواز البقاء على الجنابة الى طلوع الفجر متعمدا وانه مبطل للصوم وموجبا للمفطرية .
وهذه الطوائف هي :-
الطائفة الاولى : ما دل على ذلك صريحا من قبيل صحيحة ابي بصير وصحيحة الحلبي ورواية المروزي ورواية ابراهيم بن عبدالحميد.
الطائفة الثانية : الروايات الواردة في مسألة النوم وانه يجب القضاء اذا استيقظ من الجنابة ثم نام حتى اصبح من قبيل موثقة سماعة وصحيحة محمد بن مسلم .
الطائفة الثالثة : ما ورد في من بقي على الجنابة ناسيا[1].
ونضيف الى هذه الطوائف طائفة رابعة سيأتي التعرض لها .
الطائفة الرابعة :وهي الطائفة[2] الدالة على مفطرية البقاء على الجنابة متعمدا في قضاء شهر رمضان .
وفي المقابل ذكرنا عدة روايات تدل على الجواز وصحة الصوم بالرغم من البقاء على الجنابة متعمدا حتى طلوع الفجر وعمدة هذه الروايات _ كما تقدم _ صحيحة الخثعمي , وقد تقدم النقاش فيها ؛ وكذلك تقدم الكلام في الروايات الاخرى .
وقد نوقش في الروايات الاخرى في المقام كما في صحيحة العيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر ؟ فقال : يتم صومه ولا قضاء عليه . )[3]
وقد نوقش فيها على انها لا تدل على الجواز في صورة العمد وانما تدل على الجواز مطلقا, وحينئذ يقيد الاطلاق بأدلة الطائفة الاولى الدالة على المنع والبطلان في صورة العمد , فتحمل هذه الصحيحة على غير صورة العمد .
السيد الخوئي (قد) يقول لو ان الرواية قالت ( حتى يطلع الفجر) بالفعل المضارع وليس ( حتى طلع الفجر) بالماضي لكان لها ظهور في حال التعمد , وبما ان الرواية تقول (حتى طلع الفجر) فأن هذا يجعلها رواية مطلقة تدل على الجواز وعدم المانعية في صورة التعمد وعدمه, فتقيد بروايات الطائفة الاولى على غير صورة العمد بمقتضى الصناعة .
ويلاحظ على هذا الكلام ان هناك نسخة اخرى ( كما في التهذيب) المذكور فيها (حتى يطلع الفجر) بالفعل المضارع ؛ وبناء على كلام السيد الخوئي يكون ظهور الرواية حينئذ بحالة العمد وليست مطلقة ؛ فتكون معارضة لأخبار الطائفة الاولى, لا ان الطائفة الاولى اخص منها مطلقا .
الرواية الثالثة التي نوقش فيها هي صحيحة العيص بن القاسم الاخرى (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس )[4].
وقد نوقش فيها بأنها اجنبية عن محل الكلام فليس لها علاقة بمسألة تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر, وليس فيها عبارة طلوع الفجر اصلا ؛ وكأن السؤال عمن اجنب بالاحتلام هل يجب عليه المبادرة الى الغسل او انه يجوز له ان ينام قبل ان يغتسل فيجيبه الامام عليه السلام بجواز النوم قبل الاغتسال.
الرواية الرابعة معتبرة سليمان بن أبي زينبه (قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر ؟ فكتب ( عليه السلام ) إلي بخطه أعرفه مع مصادف : يغتسل من جنابته، ويتم صومه ولا شيء عليه )[5]
وهذه الرواية يأتي فيها كلام السيد الخوئي المتقدم لأن الموجود فيها عبارة( حتى طلع الفجر) وليس فيها دلالة قصد التأخير الى طلوع الفجر , فهي مطلقة تدل على الجواز مطلقا (تشمل التعمد وعدمه) , وحينئذ يمكن علاجها بتقييدها بالأخبار السابقة (الدالة على المنع في صورة التعمد).
الرواية الخامسة مرسلة المقنع ويعبر عنها ايضا برواية حماد بن عثمان وعلى كلا التقديرين فهي غير تامة سندا،( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل حتى يطلع الفجر ؟ فقال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب[6]: يقضي يوما مكانه)[7]
وهذه الرواية مضافا الى ضعفها السندي فهي اولى من رواية الخثعمي بعدم التصديق , لأنها تصرح بأن النبي صلى الله عليه واله كان يجنب في اول الليل ويبقى على جنابته حتى يطلع الفجر, وهذا غير قابل للتصديق في حقه صلى الله على واله لأن صلاة الليل واجبة في حقه , فرواية الخثعمي كانت تقول بأنه يجنب بعد صلاة الليل , بينما هذه الرواية تقول بأنه يجنب في اول الليل حتى طلوع الفجر .
السيد الخوئي حمل هذه الرواية _حملا بعيدا_ على الاستفهام الاستنكاري (كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر؟؟؟؟؟)
الرواية السادسة : رواية إسماعيل بن عيسى (قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح، أي شيءٍ عليه ؟ قال : لا يضره هذا ( ولا يفطر ولا يبالي )، فان أبي ( عليه السلام ) قال : قالت عائشة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصبح جنبا من جماع غير احتلام، قال : لا يفطر ولا يبالي، ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح، أي شيء يجب عليه ؟ قال : لا شيء عليه، يغتسل . . . الحديث)[8]
وقد اجابوا عنها بأنها صادرة تقية, مضافا الى ضعفها السندي بسعد بن اسماعيل وبأبيه فأن كل منهما لم تثبت وثاقته .
الرواية السابعة : صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[9]
وقد نوقش فيها بأنها ليست فيها دلالة على محل الكلام, فليست فيها دلالة واضحة على تعمد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر , فيمكن ان تكون ناظرة الى غلبة النوم عليه حتى اصبح ؛ وحينئذ لا اشكال في عدم بطلان صومه فيما اذا كان في النومة الاولى , او على الخلاف في النومة الثانية والاولى .
ومن هنا يظهر ان عمدة الروايات بلحاظ السند والدلالة هي صحيحة الخثعمي ؛ وهي كما قلنا غير قابلة للتصديق .
قد يقال بأن الظرف الذي قال الامام عليه السلام فيه هذا الكلام كان يقتضي بيان حكم التقية بهذا اللسان _ أي لسان الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه واله _ وذلك اذا لاحظنا ان الادلة التي يستدل بها العامة على جواز البقاء على الجنابة متعمدا حتى الصباح تستدل بفعل الرسول صلى الله عليه واله وما قالته عائشة من ان الرسول كان يجنب في اول الليل ويبقى حتى الصباح فلعل الظرف الذي قال الامام فيه هذا الكلام كان يقتضي ان يكون بهذا الشكل وفاقا لهم لأنهم يذكرون هذه الروايات في كتبهم ويستدلون بها على عدم بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة وعليه فأحتمال التقية موجود في هذه الرواية وحينئذ يكون افضل المحامل لها ولغيرها من الروايات هو الحمل على التقية .
كما انه قد يستشكل على دلالة بعض الروايات المانعة _ ادلة القول الاول _ فأن اصحاب القول الثاني يناقشون اصحاب القول الاول بموردين الاول ان حمل رواية الخثعمي على التقية بعيد؛ والثاني ان الادلة التي استدللتم بها على المنع محل مناقشة .
فصحيحة ابن ابي يعفور (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .)[10]
يُناقش فيها بأن قوله عليه السلام (يتم صومه) دليل على صحة الصوم وحينئذ يحمل قوله (يقضي يوما اخر) على ان القضاء للعقوبة كما تصرح به الرواية الاخرى فتكون الرواية من ادلة الجواز لا من ادلة المنع .
وصحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[11]
فيظهر منها ان قضاء ذلك اليوم من باب العقوبة لا من باب افساد الصوم , فلتكن الرواية الاولى _ صحيحة ابن ابي يعفور _ من هذا الباب ايضا .
والظاهر ان هاتين الروايتين واردتان في غير محل الكلام فأن موضوعهما هو النوم بعد الاحتلام ؛ فهاتان الصحيحتان ان دلتا على عدم بطلان الصوم وان القضاء عقوبة كما هو غير بعيد فأنهما تدلان على ذلك في موردهما (النومة الاولى بعد الاحتلام )؛ ولكنهما لا ينافيان الادلة الدالة على المنع والبطلان في محل الكلام (تعمد البقاء على الجنابة ) ؛ ولذا فالأولى حذفهما من ادلة المنع لأنهما يتكلمان في غير الموضوع الذي نتكلم فيه ؛ ومن هنا تندفع هذه المناقشة بما ذكرناه.
والتركيز ينبغي ان يكون في صحيحة الخثعمي فهي العمدة في هذه الروايات , فهي ان امكن حملها على التقية, والا يقع التعارض بينهما وبين الادلة السابقة الدالة على المنع , وحيث ان تلك الادلة اشهر رواية واشهر عملا بين الاصحاب فأن الترجيح يكون لها حينئذ لأن الشهرة في الرواية من جملة المرجحات , وعمل الاصحاب بتلك الروايات يعني اعراضهم عن صحيحة الخثعمي (في حالة فهمهم الدلالة على عدم الجواز منها ).
ثم بناء على ما انتهينا اليه _وفاقا للمشهور_ نقول ان مقتضى اخبار الطائفة الاولى_ الدالة على المنع والمفطرية _ لزوم الكفارة بتعمد البقاء على الجنابة حتى الصباح فضلا عن القضاء ؛ وحينئذ اما ان نستفيد من الروايات ان الصائم كلما افسد صومه متعمدا يلزمه الكفارة ويكون ذلك اصلا في افساد الصوم عمدا_ وسيأتي تحقيق هذا المطلب لاحقا_ فلابد من الالتزام بالكفارة في المقام, لأننا فرغنا عن كون البقاء على الجنابة مفطرا في حال التعمد؛ وبقطع النظر عن ذلك يمكن الاستدلال بلزوم الكفارة في المقام بأخبار الطائفة الاولى كما صُرح بذلك في صحيحة ابي بصير ورواية المروزي وغيرها ويكفينا صحيحة ابي بصير لأثبات الكفارة مضافا الى القاعدة المتقدمة .
قد يقول البعض بأن اختصار بعض روايات المنع على القضاء _ حيث ان هناك روايات تقول فقط ( يقضي يوما اخر) _ من دون تنبيه على الكفارة موجب لظهورها في عدم وجوب الكفارة وهذا ينافي ما تقدم من القول بوجوبها مضافا الى القضاء .
ويجاب
اولا: ان هذا الظهور يتوقف على افتراض ان هذه الروايات التي اختصرت على القضاء في مقام بيان كل ما يجب على الصائم عندما يفعل ذلك .
ثانيا : لو سلمنا بهذا الظهور فهو لا يزيد على الاطلاق, بل هو في الحقيقة مستند الى الاطلاق المقامي (سكوت المتكلم عن ذكر الكفارة وهو في مقام بيان ما يجب على هذا الصائم الفاعل لذلك) ؛ والاطلاق المقامي ادون واسوء حالا من الاطلاق اللفظي , فحينئذ يقيد هذا الاطلاق بصحيحة ابي بصير فهي صريحة بوجوب الكفارة ولا مشكلة في ذلك.
ومن هنا يظهر ان ما نسب الى ابن ابي عقيل ورجحه بعض فقهائنا كما في المدارك من ان الواجب هو القضاء دون الكفارة ليس تاما.
[1]كما
ورد في الباب السابع عشر من ابواب ما يمسك عنه الصائم.
[2]كما
ورد في الباب التاسع عشر من ابواب ما يمسك عنه الصائم.
[3]وسائل
الشيعة, الحر العاملي, ج10, ص58, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك, باب13, ح4,
ط آل البيت.
[4]وسائل الشيعة, الحر العاملي,
ج10, ص57, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك, باب13, ح2, ط آل البيت.
[5]وسائل الشيعة, الحر العاملي,
ج10, ص58, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك, باب13, ح5, ط آل البيت.
[6]الاقشاب : جمع قشب، وهو من
لاخير فيه من الرجال.
[7]وسائل الشيعة, الحر العاملي,
ج10, ص57, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك, باب13, ح3, ط آل البيت.
[8]وسائل الشيعة, الحر العاملي,
ج10, ص59, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك, باب13, ح6, ط آل البيت.
[9]وسائل الشيعة, الحر العاملي,
ج10, ص57, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك, باب13, ح1, ط آل البيت.