39/02/04
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/02/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.
الرواية الثالثة:- أحمد بن محمد البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن منصور بن حازم قال:- ( سأل بعض أصحبنا أبا [ أبو ] عبد الله عليه السلام عن مسألة ، فقال هذه نخرج بالقرعة ، ثم قال:_- فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا امرهم إلى الله عز وجل أليس الله يقول " فساهم فكان من المدخضين" )[1] .
وصدر الرواية وإن كان يحكي قضية في واقعة ولا يمكن الاستفادة منه حيث ورد فيه: ( سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عن مسالة فقال هذه تخرج بالقرعة ) وهم لم يبين ما هي المسألة ولعل مسألة حجية القرعة خاصة بالسؤال ، لكن بعد ذلك قوله عليه السلام في الذيل ( فأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا أمرهم إلى اله عزّ وجلّ ) ربما يستفاد منها التعميم وأنه لا خصوصية للمورد ، وعلى أي حال ربما يقال باستفادة العموم منها.
إنما الكلام في سندها:- وهناك مشكلتان في السند - أو السند بالمعنى الأعم كما سيتضح -.
المشكلة الأولى:- ما أشرنا إليه أكثر من مرّة ، وهي أنَّ صاحب الوسائل ينقل هذه الراية من كتاب المحاسن يعين لا ينقلها من التهذيب أو الاستبصار فإنها ليست موجودة وإنما ينقلها عن المحاسن وصاحب الوسائل كما هو نبّه في بداية الوسائل أنَّ بعض أصول الأصحاب قد وصلت إليه وهو ينقل عنها بالمباشرة ، وحينئذٍ تصير النتيجة هي أنه ينقل عن بعض الأصول بتوسّط واسطةٍ كالشيخ الطوسي أو الشيخ الصدوق كما هو الغالب وبعض الأصول الأخرى ينقل عنها بالمباشرة فإنها وقعت في يده مثل كتاب علي بن جعفر فيبتدئ السند به فيقول ( علي بن جعفر في كتابه ) ، وهنا أيضاً قال ( أحمد بن محمد بن خالد في المحاسن ) فهو ينقل بالمباشرة عنه ، وحينئذٍ يأتي السؤال:- ما هو سند صاحب الوسائل إلى هذا الأصل ؟
إنه ذكر في آخر الوسائل[2] جملة من الطرق إلى كتب الأصحاب التي ينقل منها وهذه الطرق تنتهي بمحطات المحطة الأولى الشهيد الأوّل ثم إلى العلامة الحلي مثلاً ثم منه إلى الشيخ الطوسي وهو المحطة الأخيرة ، فهو ينهي جميع ما يرويه أو جميع هذه الكتب التي ينقل عنها إلى الشيخ الطوسي ، وحيث إنَّ هذه الطرق التي ذكرها ليس فيها إشكال عادةً لأنهم من صاحب الوسائل إلى الشهيد الأوّل هم من علمائنا المتأخرين الذين لا يوجد في حقهم قال وقيل ، وكذلك من الشهيد الأوّل إلى العلامة الحلّي ، وهكذا من العلامة الحلي إلى الشيخ الطوسي حيث لا يوجد أحد فيه تأمل ، فعادةً هذه الطرق سليمة ، إنما المشكلة هي احتمال أنَّ هذه الطرق تبركية ، بمعنى أنها ليست على نسخةٍ معينة ، مثل طرق الأغا بزرك الطهراني فهو يعطي اجازات للبعض وغرضهم منها التبرك ولكن هذه الاجازة ليست على نسخة معينة بل يقول له ( أجيز لك أن تروي كتب الأصحاب كالتهذيب والاستبصار وغيرهما بطرقي المنتهية إلى مشايخي وأساتذتي ) ويقوم بتعداد مشايخه واساتذته وطرقه ، كأن يقول ( الشيخ النوري عن الشيخ الأنصاري عن .... العلامة عن .... ) ، فهذه اجازات تبرّكية ، ومن المحتمل أنَّ طرق صاحب الوسائل هي من هذا القبيل ولا توجد مؤشرات تساعد على أنها طرق على نسخة معينة ، فلأجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليها.
نعم لا يشكل مشكل ويقول:- بأنه إذا صار البناء على هذا فحتى ما ذكره الشيخ الطوسي من طرق في المشيخة والصدوق يلزم فيه ذلك وبالتالي سوف يلزم انسداد باب العلم بالروايات فيصير المدار على الظن ، فيحصل ظن بأنَّ هذه الرواية قد وصلت من الأصحاب - يعني يصير باب الانسداد فيصير المدار على الظن - ، وسوف لا ينفعنا البحث عن الطريق وأنه هذا الطريق صحيح أو أنَّ ذاك ثقة مادامت الطرق تبركية ؟
والجواب:- قد ذكرنا أنَّ هناك مؤشرات تدل على أنَّ الشيخ الطوسي مثلاً كان يتعب نفسه على النسخة ، فمثلاً في كتاب العلاء بن رزين يقول ( لكتابه أربع نسخ وكل نسخة أرويها بطريق ) ، فإذا كانت تبرّكية فلا تحتاج إلى كلّ هذا التعب والبحث ، كما أنه يذكر في مقدّمة كتابه ( ذكرتها لتخرج الروايات من الارسال إلى الاسناد ) ، وغير ذلك من القرائن ، وهذا بحث من الأبحاث ولابد أن تتخذ رأياً في هذه القضية.
فلاحتمال أنَّ طرق صاحب الوسائل تبركية فسوف لا تنفعنا طرقه إلى كتاب المحاسن.
أجل استعنّا أحياناً بفكرة البديل وهي تجدي في بعض الموارد ، كما لو فرض أنَّ صاحب الوسائل قال ( ورواه فلان أيضاً ) كما في هذه الرواية حيث إنه بعدما نقل هذه الرواية من المحاسن قال ما نصّه:- ( ورواه ابن طاووس في أماني الأخطار وفي الاستخارات نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن مسند جميل[3] عن منصور بن حازم قال سمعته ..... ) ونقل نصّ الرواية ، إنَّ توافق نقل السيد ابن طاووس مع نقل صاحب الوسائل وكل منهما له سند ليس من البعيد أنه يوجب الاطمئنان بأنَّ هذه الرواية موجودة وثابتة في كتاب المحاسن حقاً ، فإن حصل لك الاطمئنان بهذا فبها ونعمت ، فالمقصود إنَّ هذه وسيلة من الوسائل للتغلب على المشكلة ، فإذن الرواية لا مشكلة فيها من هذه الناحية.
المشكلة الثانية:- إنه في خصوص كتاب المحاسن توجد مشكلة وهي أنَّ النجاشي والشيخ حينما يترجمان للبرقي يقولان ( له كتب كثيرة منها المحاسن وهو يشتمل على كتاب كذا وكذا ) ، والمحاسن مثل كتاب بحار الأنوار مصغر أو وسائل الشيعة مصغر حيث يشتمل على أبواب مختلف ، فهما يقولان يشتمل على كتاب كذا وكتاب كذا ثم يقولان ( وقد زيد فيه ونقص ) ، ومادام قد زيد فيه ونقص فيحصل علم اجمالي بوجود زيادة أو نقيصة في بعض كتاب المحاسن ويسقط بذلك عن الاعتبار بأجمعه لأنَّ كل رواية تريد أن تأخذها هي طرف من أطراف العلم الاجمالي فيسقط عن الاعتبار ، ونصّ عبارة الشيخ الطوسي حينما يذكر البرقي يقول:- ( وصنّف كتباً منها المحاسن وغيرها وقد زيد في المحاسن ونقص كتاب التبليغ والرسالة كتاب التراحم والتعارف كتبا التبصرة )[4] ثم يذكر مجموعة كتب إلى أن قال ( هذا الفهرست الذي ذكره محمد بن جعفر بن بُطَّة[5] من كتب المحاسن وذكر بعض أصحابنا أن له كتباً أخرى منها كتاب التهاني كتاب التعازي كتاب أخبار الأمم ) ، فالمهم أنَّ الطوسي قال ( قد زيد فيه ونقص ) ، وقال النجاشي:- ( وصنّف كتباً كثيرة منها المحاسن وغيرها وقد زيد في المحاسن ونقص فمّما وقع إلي منها كتاب الابلاغ كتاب التراحم والتعاطف كتاب أدب النفس ........ وزاد محمد بن جعفر بن بطة على ذلك كتبا طبقات الرجال كتاب الأوائل كتاب الطب .... )[6] ، هذه مشكلة في خصوص كتاب المحاسن وكلّ رواية تنقل من المحاسن تأتي هذه المشكلة فيها فما هو الحلّ ؟
والجواب:- هناك حلّان:-
الحل الأوّل:- وهو مبني على رأي السيد الخوئي والسيد الشهيد فإنهما لم يبرزا احتمال التبرّكية ، وهذا من الغرائب ، فأصلاً في كلمات السيد الخوئي لا يوجد ابداء لهذا الاحتمال وكان من المناسب ابداءه ثم ردّه وكذلك السيد الشهيد ، وعلى هذا الأساس كتاب عليّ بن جعفر الذي ينقل منه صاحب الوسائل(قده) صحَّحه العلمان حيث قالا إنه حيث إنَّ لصاحب الوسائل إلى الشيخ الطوسي طريقاً معتبراً مذكور في السوائل وللشيخ الطوسي إلى كتاب علي بن جعفر طرقاً معتبرة مذكورة في الفهرست ، فبضمّ هذا إلى ذاك تثبت صحة الكتاب ، ولذلك روايات علي بن جعفر المنقولة في قرب الاسناد وفيها حفيد عليّ بن جعفر الذي هو مجهول الحال ، فصاحب الوسائل حينما يروي عن قرب الاسناد يقول بعد ذلك ( ورواه عليّ بن جعفر في كتابه ) فهنا يأتي العلمان ويقولان لو فرض أنَّ قرب الاسناد رواياته ضعيفة بسبب حفيد علي بن جعفر ولكن نعوض بما ذكره صاحب الوسائل حيث يقول ( ورواه عليّ بن جعفر في كتابه ) ، وحيث إنَّ صاحب الوسائل له طريق معتبر إلى الشيخ الطوسي والشيخ الطوسي له طريق معتبر إلى علي بن جعفر مذكور في الفهرست فإذن بضمّ هذه القطعة من السند إلى تلك القطعة نحصل على طريق معتبر.
ومن كلامهما هذا نستشف أن طرق صاحب الوسائل ليست تبركية في نظرهما ، فبناءً على رأيهما تكون مشكلة الزيادة والنقصان مندفعة حيث نقول إنَّ صاحب الوسائل ينقل عن شيخة وشيخة ينقل عن شيخة إلى أن نصل إلى الشيخ الطوسي ثم إلى علي بن جعفر فيصير هناك طريق معتبر من صاحب الوسائل إلى عليّ بن جعفر وبذلك تنحلّ المشكلة ، لأنَّ صاحب الوسائل يقول توجد عندي طرق معتبرة إلى المحاسن ، فإذا كانت عندي طرق معتبرة على المحاسن والمفروض على رأي العلمين أنها ليست طرقاً تبركية ، فكأنَّ صاحب الوسائل سمع - بالوساطة - من البرقي وحينئذٍ لا معنى للزيادة والنقيصة مادام هناك طريق معتبر يصل إلى البرقي.
وأما على ما ملنا إليه من احتمال التبرّكية فيمكن دفع الاشكال بأن كلمة ( زيد ونقص ) لا يقصد منها الزيادة في الكلمات أو الانقاص فيها وإنما الزيادة والنقيصة في كتب المحاسن ، فهو يريد أن يقول إنَّ كتب المحاسن زيد فيها ونقص فبعضهم جعلها عشرة مثلاً وبعضهم جعلها خمسة عشر مثلاً ، والقرينة على ذلك قول الشيخ الطوسي(قده):- ( وصنف كتباً كثيرة منها المحاسن وغيرها وقد زيد في المحاسن ونقص فمما وقع إلي منها كتاب الابلاغ وكتبا التراحم والتعاطف .... وزاد محمد بن جعفر بن بطة على ذلك كتاب طبقات الرجال ) ، فالزيادة والنقيصة هي في الكتب ، ونفس الشيء في عبارة النجاشي إذ لو قرأناها فهذا يستشف منها أيضاً حيث قال:- ( هذا الفهرست الذي ذكره محمد بن جعفر بن بطة من كتب المحاسن وذكر بعض أصحابنا أنَّ له كتباً أخر[7] منها كتاب التهاني وكتاب التعازي ).
فإذن المقصود هو الزيادة والنقيصة في الكتب لا الزيادة والنقيصة في الكلمات ، فإذن المشكلة تكون مرتفعة من الأساس.