39/01/20
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/01/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.
الصورة الثالثة:- أن يعلم الآخذ للجائزة تفصيلاً بغصبية الجائزة وأنها محرّمة ، وهنا تارة يفترض أنَّ هذا العلم بالغصبية ثابت قبل الأخذ وأخرى يكون ثابتاً ومتحققاً بعد الأخذ:-
العلم بالغصبية قبل الأخذ من الجائر:- وهنا لا يجوز الأخذ جزماً إذا لم يكن بنيّة الردّ على المالك لأنَّ هذا بلا إشكال تصرف بما لا يرضى صاحبه ، ولا إشكال في جواز الأخذ إذا فرض أنه كان بنيّة الردّ على المالك مع العلم برضا المالك فإنَّ هذا جائز لأنه تصرف بما يرضى به صاحب المال.
وإنما الكلام فيما إذا أخذ الشخص الجائزة بنيّة الردّ ولكن لا يعلم بأنَّ المالك يرضى بذلك أو لا ، ولا تقل إنه عادة المالك يرضى بذلك فهذا الكلام لا بأس به , فإذا حصل عندك اطمئنان برضاه فلا بأس بذلك أيضاً إنما كلامنا في البحث العلمي وإلا قد أساعدك وأقول إنه عادة يرضى مادام بنيّة الردّ عليه ، ولكن كلامنا كلاماً علميا ًإذا فرضنا أننا لا نحرز رضاه فهل يجوز الأخذ ؟
أجاب الشيخ الأعظم(قده) بالجواز:- باعتبار أنَّ ذلك نحو من الاحسان للمالك وقد قال تعالى ﴿ ما على المحسنين من سبيل ﴾ وبالتالي يكون أمانة شرعية ، ونصّ عبارته:- ( وإن أخذه بنيّة الرد كان محسناً وكان في يده أمانة شرعية)[1] .
ويمكن أن يشكك في صدق الاحسان مادام لا يحرز رضا المالك وإلا يلزم توالي يصعب الالتزام بها ، من قبيل أنه توجد عندك قطعة قماش وأنا لا أعلم بأنك ترضى بالتصرّف فيها أو لا وأنا آخذها وأعطيها إلى الخياط فيخيطها ثوباً ولكني لا أعلم أنك ترضى أو لم ترض فهل يقال بأنَّ هذا إحسان ؟ إنه إذا لم نجزم بكونه احساناً فلا أقل يشك في صدق الاحسان ، ولو فرض أنه كانت توجد عندك داراً قديمة لكنها من آبائك واجدادك وتعتزّ بها بما أنها منهم وقد سافرت وأنا أتي وأهدم الدار وأبنيها لك بناءً جديداً جيداً بالمجان ولكن لا أدري هل ترضى أو لا ترضى ، ومن الواضح أنَّ الاستصحاب يقتضي عدم رضاه فإنه أوّلاً لم يكن عنده رضا ثم نشك هل تولد الرضا أو لم يتولد فنستصحب عدم تولده وهذا عدم نعتي بلا حاجة إلى العدم الأزلي ، فلو سألك شخص أن هذه الدار سوف أقوم بتخريبها وبنائها فهل يعدّ هذا احساناً وهو يجوز ؟ إنَّ هذا أوّل الكلام.
وأنقل قصّة تنفع في هذا الموضوع:- وهي أنني كنت في مدرسة القزويني وكان في أيام الخميس تقام تعزية أيام الوفيات ويوزّع فيها الشاي وفي بعض المرات قمت بغسل الأقداح فانكسر أحدها من دون تفريط فقلت هل أنا ضامن أو ليس بضامن ؟ فأنا حللت المسألة مع نفسي وقلت أنا محسنٌ ﴿ وما على المحسنين من سبيل ﴾ ، ولكن حينما استفتيت السيد الخوئي(قده) فأجاب بأنه إذا كان هذا الغسل بإذن من المتولي الشرعي فلا ضمان وإلا يكون الضمان ثابتاً ، وأنا عرفت أنَّه من دون احراز إذن الولي الشرعي من قال إنَّ هذا احسان فإنَّ هذا أوّل الكلام فيثبت حينئذٍ الضمان ، ولكن الشيخ الأنصاري(قده) لو سألناه على الفتوى التي بينها فمن المناسب أن يقول لا ضمان لأنه محسنٌ ، بل نفس السيد الخوئي(قده) كما سوف ننقل عنه أنه ذهب أيضاً إلى ذلك وهو أنَّ هذا احسان ولا ضمان ، ولا نعلم هل غيّر رأيه في مسألة وكيف ذلك ؟ فهذا ما سوف نبيّنه فيما بعد.
والخلاصة:- إنه يشك في صدق الاحسان من دون احراز رضا المالك فالتصرّف حينئذٍ لا يجوز.
يبقى شيئان في هذا المجال ارشد إليها ينفعان في هذا المجال:-
الأوّل:- المقصود من رضا المالك ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ، فما المقصود من طيب النفس ؟
لطيب النفس والرضا ثلاثة أشكال:-
الشكل الأوّل:- أن يفترض أنَّ رضا موجود بنحو الفعلية وهذا هو القدر المتيقن من طيب النفس والرضا الذي يجوز التصرّف.
والشكل الثاني:- أن يفترض أنه يوجد طيب نفس ارتكازي لا فعلي يعني مثل ما نحن أحياناً يوجد عندنا صديق يأتي إلى البيت ويدخل إلى مكان الضيوف ويجلس فيوجد طيب نفس ولكنه ليس طيب نفس فعلي لأن الفعلية فرع الالتفات والالتفات ليس موجوداً لكنه طيب نفسي ارتكازي بحيث لو التفت فحتما تكون نفسه طيبة.
الشكل الثالث:- وهو أن يتولّد طيب النفس بعد ذلك - أي بعد أن نسأله يحصل له طيب النفس - فطيب النفس يحصل بعد ذلك لا أنه موجود بنحو الفعلية ولا أنه موجودٌ بنحو الارتكاز ، وحينما تقول الرواية ( لا يحلّ مال امرئ مال مسلم إلا بطيبة نفس منه ) فهل تشمل هذه الثلاثة أو أنها تشمل بعضها ؟ إنَّ القدر المتيقن هو الأوّل أي طيب النفس الفعلي ، وتشمل الثاني أيضاً وهو طيب النفس الارتكازي لأنه بالتالي هو طيب نفس وقد جرت السيرة المتشرعية على ذلك أيضاً وهذا لا كلام فيه ، وأما الثالث فشمول الحديث له محلّ إشكال ، فطيب النفس لابدّ وأن يكون بأحد النحوين الأوّلين لا بالنحو الثالث الذي يتولّد بعد الالتفات والسؤال فإنه هنا لا يوجد طيب نفسٍ ، فحتى لو فرض أنه رضي الآن ولكن الحرمة موجودة فتحتاج إلى توبة مثلاً ، فالتفت إلى طيب النفس الذي نحتاجه في الأخذ بنيّة الردّ لابد أن يكون بالنحو الأوّل أو الثاني لا طيب النفس بالنحو الثالث فإنه لا ينفع شيئاً.
الثانية:- يمكن أن يقال صحيح إنه يمكن التشكيك في أنَّ هذا احسان مادام لا يحرز برضا المالك فيحصل شك في أنَّ هذا احسان خلافاً للشيخ الأعظم(قده) ولكن كيف نثبت حرمة الأخذ ؟ إنه لابد أن نثبت ذلك بحديث ( لا يحل مال امرئ مسلم ).
ورب قال يقول:- إنَّ هذا الحديث منصرف عن مثل هذه الحالة التي يكون فيها التصرّف في مصلحة المالك ، وهل تقبل بهذا الانصراف ؟ فإذا قبلنا بهذا الانصراف فبها ونعمت ، ولكن لا أرى وجهاً لدعوى الانصراف فإنَّ الجزم بها مشكل.
ثم إنه من خلال ما أوضحناه يتضح التأمل في كلمات الأعلام:-
من قبيل:- ما أفاده الشيخ محمد تقي الشيرازي(قده) في حاشيته على المكاسب[2] فإنه قال:- إنَّ ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) صادقٌ ولكنه معارض بحديثي ( عونك الضعيف من أفضل صدقة )[3] و ( كلّ معروف صدقة )[4] فيحصل التعارض والتساقط فنرجع إلى أصالة الحلّ.
إذن هو جعل المعارضة بين هذين الحديثين وبين ( لا يحل مال امرئ ) وليس الآية الكريمة ، ولعلّه لم يجعل الآية الكريمة لأنَّ اطلاق الآية مقدّم على الحديث عند المعارضة فإنَّ الاطلاق القرآني يكون مقدّماً لذلك هو جعل المعارضة بين الحديثين فقال يتعارضان فيتساقطان وبالتالي نرجع إلى أصالة الحل.
والتأمل قد اتضح:- ووجه التأمل هو أنه كما أنَّ عنوان الاحسان شككنا في صدقه إذا فرض عدم احراز رضا لمالك كذلك الحال بالنسبة إلى المعروف وإلى عنوان عون الضعيف فإنه يشك في صدقهم إذا لم يحرز رضا الطرف فإنه إذا لم يحرز رضاه فأوّل الكلام هو هذا معروف وعون للضعيف وإلا قلنا يرد عليه في مسألة قطعة القماش وهدم الدار وبنائها من جديد أيضاً نطبق ( عون الضعيف صدقة ) أو ( كل معروف من أفضل الصدقة ) ، فكما أنَّ الاحسان يشك في صدقه مع رضا المالك نفس الكلام نذكره بالنسبة إلى عنوان المعروف وعون الضعيف ، فهذا إشكال يسجّل على الشيخ محمد تقي الشيرازي(قده).