38/12/25
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/12/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- الفارق بين احترازية القيود ومقدمات الحكمة ، وجه تقدم المقيد على المطلق- الاطلاق ومقدمات الحكمة.
النكتة الثانية:- إنَّ الرواية جوزت الاستنباط بل علّمت على الاستنباط وقالت له ( قلت لك إن أن النبي عفى عما سوى ذلك ) يعني اطلاق فتمسَّك بالإطلاق وقل إنَّ ما سوى ذلك ليس فيه زكاة وهذا هو الاستنباط فإن الاستنباط هو أننا نتمسّك بإطلاق النص لإثبات العموم ، مثل ﴿ أحل الله البيع ﴾ فنقول هذا مطلق فإذن العقد بغير العربية وغير الماضوية صحيح تمسكاً بالإطلاق ، فالامام عليه السلام أمضاه بل علَّمه ، فهذه الرواية تستطيع أن تذكرها في بابٍ باسم ( باب جواز الاستنباط ) أو أنهم يأمرون بالاستنباط ويجوّزونه ، وتذكرها أيضاً في باب أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له السلطة التشريعية ، ومن الواضح أيضاً أنه توجد روايات تدل على أنَّ الأئمة عليهم السلام لهم السلطة التشريعية أيضاً ، وتذكرها أيضاً في باب الزكاة لأنَّ الزكاة تجب على أمور تسعة.
فإذن هي رواية واحدة نستفيد منها ثلاثة أحكام ، وربما بعض الروايات نستفيد منها أكثر من ثلاثة أحكام فمن المناسب أن تذكر في جميع تلك الأبواب ، وصاحب الوسائل(قده) أحياناً حينما تكون الرواية يستفاد منها حكماً ثانياً يقول ( وتقدّم ما يدلّ عليه ويأتي ) يعني أنه ذكرها في بابٍ آخر تدل على هذا الحكم ، ولكن كلّ الأحكام التي يبيّنها صاحب الوسائل(قده) هي أحكام شرعية ولا توجد عنده مساحة أسع.
إذن القضية الجانبية الأولى هي أنَّ الاطلاق حجة ويجوز التمسك به للسرية العقلائية بل امضاء الائمة وأمرهم بذلك.
القضية الجانبية الثانية:- هي أنَّ استعمال المطلق وارادة المقيد به أمرٌ ثابت عند العقلاء في مساحة ضيقة ، من قبيل أنا أحياناً حينما نبيّن المسائل الشرعية نقول ( كل من أفطر في شهر رمصان ولم يصم متعمداً فعليه كفارة الاطعام أو العتق أو الصيام ) ولم نذكر المقيّد المنفصل هنا وهو من يتمكن أن يدفع الكفارة تجب عليه أما من كان فقيراً ولا يتمكن أن يدفعها فلا تجب عليه بل عليه الاستغفار فقط ، وهذا في الحقيقة اطلاق والحال أنه يوجد مقيّد له ولكن أنت أطلقت ولم تذكر المقيد فإنَّ هذه القضية متداولة عند العقلاء في الجملة لا أنَّ العقلاء يذكرون جميع المخصّصات في آنٍ واحد ، ولعله بالتأمل نحصل على أمثلة أخرى من هذا القبيل ، ولكن شرعاً القضية أوسع من ذلك فهناك لسان من الروايات يدل على أنَّ الطريقة الشرعية هي الاستعانة بالمخصّصات المنفصلة فإنَّ بعض الروايات تبيّن هذا المعنى بالصراحة ، وهناك لساناً ثانياً يستعمل الامام المطلق ثم يبيّن ويقول إنَّ مرادي هو المقيد ، وهناك لساناً ثالث وهو الشائع وهو استفادة المقيد المنفصل من روايات أخرى.
أما اللسان الأوّل:- فهو من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قلت له:- ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه ، قال:- إنَّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن )[1] ، فهنا ليس من البعيد أنَّ المقصود من النسخ ليس النسخ الاصطلاحي وإنما هو المقيّد والمخصّص.
ومن قبيل صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام حيث جاء في جملتها:- ( ..... قلت:- فما بالهم اختلفوا ؟ فقال:- أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيسأله عن لمسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً )[2] ، فهنا أيضاً يكون المقصود من النسخ هو التخصيص والتقييد وإلا فمن البعيد أن يكون المقصود هو النسخ بالمعنى الاصطلاحي.
وأما ما يدل على اللسان الثاني:- فهو من قبيل موثقة سماعة:- ( سألته عن رجل كذب في شهر رمضان ، فقال:- قد افطر وعليه قضاؤه ، فقلت:- ما كذبته ؟ فقال:- يكذب على الله وعلى رسوله )[3] ، إنه في هذه الرواية سأل سماعة وقال الرجل يكذب واطلق والامام عليه السلام حكم بأنه قد أفطر ثم كرر سماعة السؤال ثانية وقال:- ( ما كذبته ؟ فقال:- يكذب على الله وعلى رسوله ) ، يعني أنَّ الامام عليه السلام أطلق أوّلاً وحينما استدرجه السائل وأخذ يلحّ عليه قال إنَّ مقصودي هو الكذب على الله وعلى رسوله.
ومن قبيل:- صحيحة أبي بصير:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم، قال:- قلت هلكنا ، قال:- ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام )[4] ، فهنا الامام عليه السلام أطلق في البداية ثم بعد ذلك بين أن المقصود هو المقيد.
ومن قبيل ما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام :- ( يا علي:- من اطاع أمرأته أكبه الله عز وجل على وجهه في النار ، فقال علي عليه السلام:- وما تلك الطاعة ؟ قال:- يأذن لها في الذهاب إلى الحمامات والعرسات والنائحات ولبس الثياب الرقاق )[5] ، إنَّ النبي صلى الله عليه وآله هنا أطلق وقال ( من أطاع امرأته أكبه الله ... ) ولكن حينما سأله الامام عليه السلام مرّة ثانية بيّن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المقصود هو هذه الحصّة الخاصة لا المطلق على اطلاقه.
إذن نستفيد من هذا اللسان أنهم يستعملون المطلق ثم يبيّنون بعد ذلك أنَّ المقصود هو المقيّد.
وأما اللسان الثالث:- وهو الشائع ، وهو ما نلمسه في الروايات حيث يستعملون الكثير من المطلقات وتأتي المقيدات في روايات أخرى ، من قبيل ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ثم تأتي المخصّصات بأنَّ بيع الصبي باطل وأنَّ البيع مع الجهالة باطل وأنَّ بيع الغرر باطل وأنَّ البيع الربوي باطل .... وهكذا.
القضية الجانبية الثالثة:- إنَّ الروايات أحياناً تستعمل الكلام ولا تقصد ظاهره بل تقصد خلاف ظاهره من دون قرينة وأيضاً ليس على مستوى مطلق ومقيد وعام وخاص بل بشكلٍ آخر ، وهذه قضية مختصّة بالروايات ، من قبيل حديث شعيب العقرقوفي:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام :- شيء يروى عن أبي ذر أنه كان يقول ثلاثة يبغضها الناس وأنا أحبها أحبّ الموت وأحبّ الفقر وأحبّ البلاء ، فقال:- إنَّ هذا ليس على ما يروون ....... إنما عنى الموت في طاعة الله أحبّ إليّ من الحياة في معصية الله والفقر في طاعة الله أحبّ إليّ من الغنى في معصية الله والبلاء في طاعة الله أحبّ إليّ من الصحة في معصية الله )[6] .[7]
إذن الرواية هنا استعملت اللفظ الظاهر في معنىً ورادت منه لا المقيّد ولا المخصّص وإنما أرادت معنىً آخر مخالف للمعنى الأوّل ، وهذه طريقة موجودة عند أهل البيت عليهم السلام.