34-03-25
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/03/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 371 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
والكلام تارةً يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند:-
أما من حيث الدلالة:- فقد قرّبناه فيما سبق وأنه يستفاد منها أن المدار في هذه الأمور هو على الطابع العام للناس فلابد وأن يسير المكلف وفق الطابع العام لهم وحيث إنهم يمثلون الطابع العام للناس فلابد من التساير معهم .
ولكن هذه الدلالة قد يشكل عليها ببعض الاشكالات نذكر ثلاثة منها:-
الاشكال الأول:- إن كلمة ( الناس ) لو كان يُقصد منها أفراد الاتجاه المقابل لكانت الدلالة تامَّة فانها تدل آنذاك على أن المدار على ما عليه هؤلاء ، ولكن يمكن أن يقال إن المقصود من الناس ما يعمّ هؤلاء والشيعة لا أن نأخذ هؤلاء بمفردهم فـ( ما عليه الناس ) يعني ما عليه الاتجاه المقابل منضمّاً إليه الشيعة ، وعلى هذا الأساس تدلنا الرواية على أن المدار على أن نلاحظ الموقف عند المجموع من الاتجاه المقابل ومن اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبالتالي لا نأخذ بالنظرة وبالرأي الشخصي للمكلف فالمكلف إذا شك في الهلال فعليه أن يتساير مع ما عليه الطابع العام من الناس بما يشمل الشيعة لا أن المقصود أن عليه متابعة أفراد الاتجاه المقابل كما هو المقصود في المقام.
وفيه:- إنه في نفس الرواية قد فرض أبا الجارود أنه حينما دخل على الإمام عليه السلام قال:- ( كان بعض أصحابنا يضحّي ) يعني أن معنى ذلك هو أن شريحةً من الشيعة كانوا يرون أن هذا اليوم هو يوم الأضحى - أي شريحة منهم كانوا موافقين وشريحة أخرى كانوا مخالفين - فالإمام عليه السلام قال لابد من متابعة الطابع العام ولا يقصد آنذاك أفراد الاتجاه المقابل زائداً أفرادنا فإن المفروض أن أفرادنا قد وقع بينهم اختلاف ، فإذن هذا الاحتمال يكون مدفوعاً بهذه القرينة ، مضافاً إلى أن كلمة ( الناس ) يمكن أن يقال إنه يفهم منها الاتجاه العام الرسمي وهم يمثلون طوال فترة الأئمة هذا الاتجاه.
الاشكال الثاني:- سلمنا بأن المقصود من ( الناس ) هم الاتجاه المقابل لكن من قال إن جميع أفراد الاتجاه المقابل رأيهم هو هذا ؟ فيحتمل أنه يوجد بينهم خلاف وبالتالي لا يمكن أن نحرز أن هذا هو الرأي الذي هم عليه بل لعله رأي لشريحةٍ منهم ، يعني بالتالي هو رأي لبعض الناس وليس هو رأيٌ للناس والمهم أن الإمام قال ( المدار على ما عليه الناس ) وعادةً لا يُحرَز أن هذا رأي الناس - يعني جميع أفراد الاتجاه المقابل -.
وفيه:- إن كلمة ( الناس ) يقصد منها الطابع العام لا أنه لابد وأن لا يشذّ منهم أحد فالغالبية إذا كانت على ذلك يكون هو ما عليه الناس.
الاشكال الثالث:- إن هذه الرواية ناظرة إلى الأضحى والفطر والصوم ولا تشمل موقف عرفة ، وعلى هذا الأساس كيف نثبت أن المدار في عرفة هو ما عليه الناس ؟ إنه لا يثبت إلا بالملازمة غير الشرعية بأن نقول:- إذا نُزِّل ( غد ) منزلة الأضحى باعتبار أن الناس يرون الأضحى يوم غدٍ مثلاً فلازمه أن هذا اليوم نُزِّل منزلة اليوم التاسع - يعني يوم عرفة - وهذا كما ترى ملازمة غير شرعية فلا تكون نافعة.
وفيه:- إن المفهوم من الرواية هو أن المناسبات المهمة لابد فيها من متابعة الطابع العام ولا توجد خصوصية لهذه الموارد الثلاثة ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.
وأما من حيث السند:- فلا مشكلة إلا من حيث أبي الجارود وهو زياد بن المنذر فإن الشيخ والنجاشي قد ذكراه ولكن لم ينصّاً على توثيقه ومعه كيف نثبت وثاقة الرجل ؟
وفي هذا المجال يمكن التمسك بما ذكره الشيخ المفيد في الرسالة العددية
[1]
، وفي جملة تلك الرسالة ذكر بمناسبةٍ أن هناك جماعة من الأعلام الرؤساء الذين يؤخذ عنهم الحلال والحرام والفتيا ولا طعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحدٍ منهم وأخذ يذكر بعض المصاديق ومن جملة من ذكره أبو الجارود ، وعلى هذا الأساس سوف تثبت وثاقة الرجل من خلال شهادة الشيخ المفيد(قده) في الرسالة العددية.
وقد يشكل على ذلك:- بأنه قال ( لا طعن عليهم ) وعدم الطعن لا يلازم التوثيق ، أي أنه يلتئم مع كون الشخص مجهول الحال ، وعلى هذا الإساس لا يمكن استفادة الوثاقة من العبير المذكور.
وفيه ما ترى:- فإن المقصود من ( لا طعن عليهم ) أنه لا مجال لأن يُطعّن عليه لعلوِّ مقامه لا أنه يتلاءم مع جهالة الحال وإذا كان هناك تردّد من هذه الناحية فإنه يرتفع بضمّ الفقرات الأخرى إذ قد ذكر فيها بأنهم يؤخذ عنهم الحلال والحرام ومن الأعلام الرؤساء فإن هذا لا يتلاءم مع كون الشخص مجهول الحال ، فمقصوده أنه لا مجال إلى أن يطعن عليه فإنه ذو منزلةٍ عالية.
وقد يشكل:- بأن الشيخ المفيد(قده) لم يوثق هؤلاء وديدن الرجالي هو التوثيق فإذا سكت عن إثبات الوثاقة فهذا معناه أنه لم تثبت وثاقته وإلا لنصّ عليه بالوثاقة ؟
وفيه:- إن التعابير التي يستعملها الرجالي لا تنحصر بكلمة ( ثقة ) بل هناك بعض التعابير هي أعلى دلالةً على عظمة الرجل من كلمة ( ثقة ) من قبيل ( وجه من وجوه أصحابنا ) فإن فيه دلالةً على العظمةٍ أكثر وأكبر من الوثاقة . إذن لم يثبت أن كل من هو ثقة فهم ينصّون على وثاقته وإذا لم ينصّوا عليها فهذ معناه أنه ليس بثقة ، إن هذا الكلام لا يقوم على أساس مقبول.
وقد يشكل:- بأن القضية إذا كانت واضحة بهذا الشكل حقاً - يعني هناك رؤساء من الأعلام يؤخذ الحلال والحرام منهم ولا طعن فيهم - فلماذا اختص الاطلاع على ذلك بخصوص الشيخ المفيد(قده) ولم يذكر ذلك غيره ؟ إن الأمور الواضحة يلزم أن يطّلع عليها الجميع لا خصوص فرد من قبيل الشيخ المفيد(قده) ؟
وفيه:- إنه بناءً على هذا يلزم التشكيك في توثيق بعض من شُهِدَ بوثاقته فالنجاشي مثلاً إذا قال ( فلان ثقة ) ولم ينصّ على الوثاقة الشيخ الطوسي فيأتي هذا الاشكال فنقول إنه لو كان هناك وضوح حقاً في وثاقة الرجل واستند الشيخ المفيد إلى هذا الوضوح والأجواء الواضحة فلماذا لم يشهد الشيخ الطوسي بالوثاقة ؟ إن عدم شهادته يكشف عن عدم تحقق هذا الوضوح ، إن هذا إشكال سيّال وهو نقضٌ.
وحلُّه:- إن بعض مراتب الوضوح قد يطّلع عليها شخص ولا يطلع عليها شخص آخر وهذا واقع لا يمكن تكذيبه فمثل الشيخ الانصاري(قده) الآن فإن جميع أفراد الحوزة مطلعين على وثاقته ويشهدون بها وهذا وضوح بدرجة 100% ، ولكن هناك بعض المراتب الأخرى أدون مثل الشيخ عبد الخضر شلّال فلعل بعضكم غير مطلع على حاله فلا يشهد بوثاقته ولكنّي نتيجة الاطلاع على ما ورد في حقه من قبل الأعلام فأشهد عن حسٍّ بوثاقته . إذن مراتب الوضوح لا يلزم أن يطلع عليها الجميع وهذه مطلب ينبغي أن يكون واضحاً . إذن الاشكال على أبي الجارود لا مجال له.
نعم هناك إشكال آخر:- وهو أن أصل الرسالة العددية - وهذا لم يذكره أحد - لا إشكال في صحة نسبتها إلى الشيخ المفيد(قده) فإن النجاشي ذكر في ترجمته أن له رسالة في العدد - أو ما هو بالمضمون المذكور - وإنما الشك في أنه من قال إن هذه الرسالة المطبوعة في زماننا والتي نقلت فيها هذه العبارة هي نفس تلك الرسالة التي ألفها الشيخ المفيد(قده) ؟ فلعلها نسخة حصل فيها زيادة وتحريف ؟ وواضح أن هذا إشكال لو فتحنا بابه فهو سيّال ولكن ذكرنا في بعض المحاضرات أنه لا يأتي في الكتب المعروفة التي يتداولها غالب أهل العلم كالكتب الأربعة وما هو بمثابتها فإنه لو كان هناك اختلاف فيها بزيادة أو نقيصة لاشتهر وذاع لأن المفروض أنها كتب منذ الصدر الأول كانت محلاً للأنظار فيندفع هذا الاحتمال ، وهذا بخلافه بالنسبة إلى مثل الرسالة العددية التي لم ينقل عنها صاحب الوسائل(قده) - في حدود اطلاعي - فعلى هذا الأساس كيف نقول إن هذه النسخة هي تلك النسخة التي كتبها الشيخ المفيد(قده) ؟ ومجرد الطباعة والتداول في الأسواق لا يصلح كشاهدٍ على صحّة النسبة وهذه قضية علمية يجدر الالتفات إليها ، اللهم إلا أن نُحصِّل الاطمئنان من هنا وهناك على صحّة النسخة وإلّا فالإشكال يكون وارداً ولابد من مزيد التأمل من هذه الناحية
هذا كله بالنسبة إلى ما يمكن التمسك به لإثبات الإجزاء وكما اتضح أنها أدلة ثلاثة ، نعم الأخير قد يتأمل فيه.
[1] التي ألفها لإثبات أن شهر رمضان قد يزيد وقد ينقص وأن العدد لا يلزم أن يكون تاماً.