34-03-22
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/03/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- تتمة مسألة ( 370 ) ، مسألة ( 371 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما بالنسبة إلى الحكم الثالث:- فذلك باعتبار حديث الرفع - أعني فقرة ( ما لا يعلمون ) - فإنه مشمول لها ، مضافاً إلى ذلك يكفينا صحيحة مسمع المتقدمة حيث قالت ( إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ) والحكم من هذه الناحية لا كلام فيه . إنما الكلام بالنسبة إلى الناسي فقد ذكر صاحب الحدائق أن صحيحة مسمع واردة في الجاهل فهو قد رفعت عنه الكفارة دون الناسي ولا تقل إن الناسي يساوي الجاهل في العذريّة بل لعل الناسي أشد عذراً فإنه يقال إن الجاهل هو الأشد عذراً باعتبار أنه لا علم له من البداية وهذا بخلاف الناسي فإنه كان له علم من البداية ثم نتيجة تسامحه حصل له النسيان ، فالجاهل إذن هو الأشد عذرية ، ومن هنا نجد الروايات في باب الصلاة دلت على أن الجاهل بالنجاسة معذور فلا تجب عليه الاعادة بخلاف الناسي فإنه تجب عليه الاعادة
[1]
.
وجوابه واضح:- فإنه حتى لو تم ما ذكره - يعني أن الجاهل أشد عذرية ولكن هذا لا يضرنا باعتبار أنه يمكن التمسك بحديث رفع النسيان ، فصحيح أن صحيحة مسمع لا تشمله ولكن حديث الرفع يشمله - أي فقرة رفع النسيان - مضافاً إلى أن صحيحة مسمع يمكن أن يقال بشمولها له لأنها قالت ( إن كان جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان متعمداً فعليه بدنة ) فجعلت المقابل للجاهل هو المتعمد فالمتعمد هو الذي عليه الكفارة ومعلوم أن الناسي ليس مصداقاً للمتعمد ، فما ذكره(قده) يتم لو فرض أن الصحيحة لم تذكر هذا الشق واقتصرت على الشق الأول - يعني ( إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ) - أما بعد تصريحها بالشق الثاني فيفهم أن المقصود من الجاهل ما يعمّ الناسي باعتبار أنه حالة نسيانه هو جاهل بعدم جواز الإفاضة ، وعليه فلا ينبغي التشكيك من هذه الناحية.
مسألة ( 371 ):- إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة وحكم على طبقه ولم يثبت عند الشيعة ففيه صورتان الأولى ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع فعندئذٍ وجبت متابعتهم والوقوف معهم ........الخ.
..........................................................................................................
محصل المسألة هو أن الحاكم في الديار المقدسة إذا حكم بالهلال ولم يثبت ذلك عندنا فهل يجزي الوقوف طبقاً لحكمه ويكون مبرئاً للذمة ؟
فصّل(قده) بين ما إذا احتملت المطابقة واقعاً - أي أحتمل أن يكون أمر الهلال كما حَكَمَ - وبين ما إذا جزم بالمخالفة كما لو كان الاختلاف بيننا وبينهم بمقدار يومين مثلاً ، ففي الأولى يجزي الوقوف معهم بل لا تجوز المخالفة وأما في الصورة الثانية فلا يحكم بالإجزاء إلا إذا فرض أنه أدرك اضطراري المشعر على الخلاف في أن اضطراري المشعر يكفي وحده أو لا في الإجزاء وهو(قده) يبني على ذلك فلو أدرك ذلك أجزأ أما إذا لم يدركه فلا يحكم بصحة حجّه وعليه إكمال الإحرام عمرة مفردة كما يجب عليه الحج في العام المقبل إن استطاع إلا إذا فرض أن الحج كان مستقراً عليه مما سبق فإنه يلزمه الذهاب ولو متسكعاً كما هو واضح . هذا محصّل المسألة المذكورة وإن كان فيها بعض الأمور الجزئية نذكرها فيما بعد انشاء الله تعالى.
وقبل أن نذكر الوجه للإجزاء في الصورة الأولى نبين ثلاث قضايا جانبية:-
القضية الأولى:- إن القاعدة بقطع النظر عن الأدلة الخاصة تقتضي عدم الإجزاء وبالتالي يكون مدعي الإجزاء هو الذي يحتاج إلى دليل وأما من يقول بعدم الإجزاء فقوله مطابق للقاعدة ولا يحتاج إلى دليل ، ولماذا القاعدة تقتضي عدم الإجزاء ؟ وذلك باعتبار أن المكلف لم يأت بالمأمور به بالكامل ومعلوم أن إجزاء الناقص عن الكامل يحتاج إلى دليل.
القضية الثانية:- لو رجعنا إلى الروايات لم نجد رواية ولو ضعيفة السند تتعرض إلى هذه القضية - يعني لو حصل اختلاف أو شك في مسألة الهلال - فلا يوجد سؤال وحوار منعكس على الروايات وهذه ظاهرة يجدر الالتفات إليها ، أما هل ننتفع بها من هذا الجانب أو من ذاك ؟ فهذه قضية ثانية والمهم الذي أريد أن أقوله هو أن واقع الحال هو كذلك.
القضية الثالثة:- لو رجعنا إلى كلمات الأصحاب المتقدمين لم نجد تعرضاً منهم لهذه المسألة أيضاً فالمحق في الشرائع مثلاً والذي قد يعدُّ من متأخري المتقدمين إن صحَّ التعبير لم يتعرض إلى ذلك بل ولا صاحب المدارك ولا صاحب الحدائق ، نعم مرَّ عليها صاحب الجواهر مرور الكرام وذكر أن هناك مسألة يجدر التعرض إليها ثم أشار إليها وحكم بالإجزاء من جهة قضية الحرج - يعني أنه لو لم نقل بالإجزاء ويجب عليه القضاء يلزم الحرج على المكلف - ونصّ عبارته:- ( نعم بقي شيء مهم تشتد الحاجة إليه وكأنه أولى من ذلك
[2]
كله بالذكر وهو أنه لو قامت البيّنة عند قاضي العامة وحكم بالهلال على وجه يكون يوم التروية عندنا عرفة عندهم فهل يصح للإمام الوقوف معهم ويجزي لأنه من أحكام التقية ويعسر التكليف بغيره أو لا يجزي لعدم ثبوتها في الموضوع الذي محل الفرض منه كما يومئ إليه وجوب القضاء في حكمهم بالعيد في شهر رمضان الذي دلت عليه النصوص التي منها " لإن أفطر يوماً ثم أقضيه أحب إليَّ من أن يضرب عنقي
[3]
" لم أجد لهم كلاماً في ذلك ولا يبعد القول بالإجزاء هنا الحاقاً له بالحكم للحرج واحتمال مثله في القضاء
[4]
وقد عثرت على الحكم بذلك منسوباً إلى العلامة الطباطبائي ولكن مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه والله لعالم )
[5]
، وعلى أي حال مقتضى القاعدة عدم الإجزاء والإجزاء هو الذي يحتاج إلى دليل.
ويمكن أن يستدل بالأدلة الثلاثة التالية:-
الدليل الأول:- عمومات التقية كصحية معمر بن خالد:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاة
[6]
، فقال:- قال أبو جعفر عليه السلام :- التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له )
[7]
.
وذكر السيد الحكيم(قده)
[8]
:- أنه يستفاد من هذه الرواية وما شاكلها جواز ترتيب الآثار في حالة التقية يعني ترتب عليها أثار أنه يوم عرفة وآثار الوقوف الواقعي أي الإجزاء ونصّ عبارته ( إنه إذا حكم القاضي للمخالفين بثبوت الهلال ثبت حكمه وجاز ترتيب الآثار عليه ).
وأشكل عليه السيد الخوئي(قده)
[9]
:- بأن غاية ما يستفاد من هذه العمومات هو الوجوب التكليفي - يعني وجوب السير على مقتضى التقية وعدم جواز المخالفة - أما أن ذلك يجزي عن الواقع وترتب آثار الواقع فلا يستفاد.
وفيه:- إنه يمكن أن نقرب دلالة العمومات المذكورة
[10]
بالشكل التالي:- إن الحديث المذكور وما شاكله جعل التقيّة من الدين وحيث أن التقيَّة لا تتحقق إلا بالفعل المتقى به وإلّا فمن دون الإتيان به لا يكون المورد مصداقاً للتقيَّة فبالتالي الذي يكون من الدين هو الفعل المتَّقى به وإذا صار الفعل المتقى به من الدين فلازمه الإجزاء إذ كيف يكون من الدين ولا يكون مجزياً ؟! إنه تناقض أو قريب منه.
إن قلت:- إن التقية تارة ينظر إليها بما هي عين ونفس الفعل المتّقى به وأخرى ينظر إليها بما هي حدث ومصدر فتصير مصدراً أو أسم مصدر بخلاف ما إذا لوحظت بما هي عين المتّقى به فإنها تصير اسم ذات لا اسم معنى وحدث وإذا قبلنا أنه يمكن النظر إليها بالنظرين المذكورين فكيف تثبت أن الملحوظ في هذه العمومات النظر الأوّل - أعني النظر إلى التقية بما هي عين المتقى به - بل لعله نظر إليها بما هي اسم حدث - أعني الاتقاء - وهذه الملاحظة قضية ممكنة وعليه تصبح العمومات المذكورة مجملة وبالتالي لا يصح التمسك بها في المقام لإثبات الإجزاء.
قلت:- إن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي تعيّن النظر الأوّل - يعني بما أنها عين الفعل المتقى به - إذ من دون فعل المتقى به لا معنى لكون الاتّقاء من الدين وإنما يصير الاتقاء من الدين باعتبار الاتيان بالفعل المتّقى به وإلا فمن دونه لا يكون من الدين كما هو واضح ، وعليه فلاجل المناسبات المذكورة يثبت المطلوب وهذه قضية مهمة يجدر الالتفات إليها إذ لو تمت فسوف نثبت الإجزاء في جميع موارد التقيّة بلا حاجة إلى دليل خاص وتكفينا العمومات المذكورة كالوضوء مثلاً الذي يؤتى به بنحو التقية يثبت كونه مجزياً لأجل العمومات المذكورة وكذلك الصلاة ، إذن هذه القضية جديرة بالنظر والتأمل فيها.
[1] هذا ما أفاده في ج 16 383.
[2] من الفروع التي تعرض لها صاح الشرائع وغيره.
[3] الوسائل 10 131 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح4 ، ولعل نص الحديث فقيه بعض الالفاظ ليست بالشكل الذي تنقله ولكن الروح كما نقل.
[4] اي انه إذا أراد ان يقضي في العام القابل فيحتمل ان يكون الحال في السنة الثانية كذلك وهكذا فيلزم التسلسل.
[5] الجواهر 19 32.
[6] يعني التصدي للأمور التي يكلفونه بها.
[7] الوسائل 16 204 24 من أبواب الامر والنهي ح4.
[8] دليل الناسك 353.
[9] المعتمد 5 153 ط قديمة.
[10] والسيد الحكيم(قده) لم يقرب الدلالة وإنما قال ( يستفاد منها ترتيب الآثار ) أما كيف يستفاد ذلك ؟ فهذا لم يذكره ، فكلامه كان مجرد دعوى.