38/06/28
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/06/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تشبه الرجال بالنساء وبالعكس– ملحق مسألة ( 34 ) – المكاسب المحرمة.
تشبه الرجال بالنساء وبالعكس.
أشار الشيخ الأعظم(قده) الى هذا المطلب في كلامه المتقدّم في مسألة لبس الرجال للذهب وكان قد دمج بين المسألتين، وعبّر بلفظ ( التزيين ) بلحاظ كلتا المسألتين، حيث عبّر في المسألة الأولى بلفظ التزيين وعطف المسألة الأخرى عليها بحيث توحي العبارة على أنَّ كلمة التزيين مقدّرة حتى في المسألة الثانية أي تزيين الرجال بملابس النساء وبالعكس ، ومن الواضح أن كلمة ( تزيين ) هنا لا داعي لها، نعم لها داعٍ في مسألة لبس الذهب أما في المسألة الثانية فلا داعي لها وهذه قضية فنية.
وعلى أي حال الروايات متعددة في هذه المسألة ، إلا أننا سوف نلاحظ أنَّ الطابع عليها هو الضعف في السند والدلالة معاً ، ونذكر أهم الروايات في المسألة وهي التي أشار إليها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب.
الرواية الأولى:- الطبرسي في مكارم الأخلاق - وقلنا إن الطابع على بعض الكتب أمثال مكارم الاخلاق وعوالي الآلي ودعائم الاسلام هو الارسال - عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام:- ( في الرجل يجرّ ثيابه ، قال: إني لأكره أن يتشبّه بالنساء )[1] .
ولابد من ضم عدم الفصل حتى تتم الدلالة كما يراد ، وذلك لأن موردها الرجل أما تشبه المرأة به فغير مذكور فلابد من ضمّ عدم الفصل حتى تعم الرواية كلا الموردين.
والمشكلة من حيث الدلالة من جهتين:-
الجهة الأولى:- إنه عليه السلام عبّر بقوله ( أني لأكره ) والكراهة تلتئم مع الجامع ، من قبيل ( أني لأبغض كذا ) - ولا أقول هي خاصة بالمعنى المصطلح - وحينئذ استفادة الحرمة منها يكون شيئاً مشكلاً بعدما كانت كلمة ( أكره ) موضوعة للجامع.
اللهم الا أن يقول أصحاب مسلك حكم العقل - كالشيخ النائيني والأصفهاني والسيد الخوئي وغيرهم - بأنَّ كلمة ( أكره ) تدل على البغض والكراهية، وما دام لا يوجد مؤشر على الرخصة في الفعل فالعقل يحكم باللزوم والحرمة ، وحيث أننا لا نبني على ذلك فسوف تكون دلالتها على الحرمة شيء مشكل.
الجهة الثانية:- إنَّ الوارد فيها عبارة ( في الرجل يجرّ ثيابه ) ومجرّد كون الثوب طويلاً كالجبّة مثلاً تلامس الأرض لا يحتمل أنه تشبّه بالنساء ، إلا اللهم إذا كان الثوب طويلاً جداً بحيث يصدق عليه أنه خاص بالنساء ، أما مجرد كونه يجرّ ثيابه فهذا لا يحتمل أنه تشبّه بالنساء حتى يكون بالتالي محرّماً ، فنحن لا نحتمل السعة في حرمة التشبّه الى هذا المورد ، لذا فلا يبعد أنَّ هذا يساعد على الكراهة بالمعنى الاصطلاحي.
هذا كلّه بقطع النظر عن السند وإلا فهي كما عرفت مرسلة لا يمكن التمسّك بها.
الرواية الثانية:- الطبرسي في مكارم الأخلاق أيضا عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام:- ( قال:- كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزجرّ الرجل أن يتشبّه بالنساء وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها )[2] .
وموردها هو التشبّه باللباس بين الطرفين كما ذكرت الرواية ذلك ، ولكن المشكلة الموجودة فيها هو التعبير بـ( يزجر ) في الفقرة الأولى والتعبير بـ( ينهي ) في الثانية والمقصود منهما واحد ولكنهما اخباريان وليسا انشائيين ، أي لم يقل أزجرك أو أنهاك بل قال يزجر وينهى فهو أعم من كون هذا النهي تحريمياً أو كراهتياً ، فتصير دلالتها محل إشكال من هذه الناحية ، مضافا الى أن سندها مرسل.
الرواية الثالثة:- محمد بن يعقوب ، عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن سالم ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن أحمد بن النضر ، وعن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن الحسين بن أبي قتادة جميعا ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله - في حديث - لعن الله المحلل والمحلل له ، ومن تولى غير مواليه ، ومن ادعى نسبا لا يعرف ، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال )[3] .
والمحتمل من قوله ( لعن الله المحلل والمحلل له ) ثلاثة احتمالات كما في هامش الكافي عن مرآة العقول للمجلسي رحمه الله:-
الاحتمال الاوّل:- أن يكون المقصود من ( المحلل ) هو المحلل في باب الطلاق ، فاذا حصلت ثلاث طلاقات فسوف نحتاج الى محلل، فاذا اشترط الزوج الأول على الزوج الثاني المحلل تحليل الزوجة بشرط أن يطلقها فهذا لا يجوز، فإذن لابد أن لا يشترط عليه ذلك، نعم يمكن أن يلتمس ذلك منه أما الاشتراط فلا.
الاحتمال الثاني:- أن يكون اشارة الى النسيء في زمان الجاهلية، لأنَّه في زمن الجاهلية كانت هناك ظاهرة النسيء التي اشارة لها الآية الكريمة وتعني أن الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال يقدّمونها تارةً ويؤخرونها تارةً أخرى فيحلل المحرّم لهم.
الاحتمال الثالث:- أن نأخذ العبارة على اطلاقها ، فكل من يحلّل شيئاً قد حرّمه الله عزّ وجلّ بغير ما أنزل ، فالمحلِّل والمحلَّل له كلاهما ملعون.
والشاهد من الرواية في قوله ( والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) فهذه عبارة مطلقة فنتمسّك بإطلاقها ، ومن جملة الأفراد لهذا الاطلاق هو التشبه باللباس ، وممّن ذهب الى ذلك الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) في حاشيته والسيد اليزدي ، وهي أقوى الروايات من حيث المتن.
اذن مقتضى العموم والاطلاق العموم والاطلاق لكل تشبّه ومن جملة ذلك التشبّه باللباس. كما نحتاج الى متمّم وهو أنَّ اللعن يدل على التحريم، أما لو قلنا بأن اللعن لا يدل على ذلك بل هو أعم فحينئذ لا ننتفع من هذه الرواية.
يبقى الكلام من حيث السند:- فهو ينحل في بدايته الى ثلاثة أسانيد ( محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن سالم ) فهذه هي القطعة الأولى ، أما القطعة الثانية فهي ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه ) ، وكلا السندين ينقل عن أحمد بن النضر.
فيصير السند الأوّل بعد الاضافة هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن سالم عن أحمد بن النضر ).
ويصير السند الثاني هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن النضر ).
وأما السند الثالث فهو ( محمد بن يعقوب عن[4] محمد بن يحي عن محمد بن القاسم عن الحسين بن أبي قتادة ) ، وبه تمت الأسانيد الثلاثة الأولى.
ثم إنَّ هذه الاسانيد الثلاثة كلّها تشترك في روايتها عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام ،وفي مثل هذه الحالة ما دام يوجد في البداية أكثر من سند فيكفي صحّة أحدها ولا حاجة الى صحة جميعها ، ومن حسن الحظ أنَّ السند الثاني معتبر وهو ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن النضر) ، وأحمد بن النضر قد وثقه النجاشي . بل ليس من البعيد أنَّ السند الأوّل تام أيضاً ، نعم يبقى الثالث إذ يشتمل على بعض المجهولين.
نعم المشكلة في عمرو بن شمر الذي قد ضعّفه النجاشي وهو الذي يروي في كثير من الأحيان عن جابر ، بل حتى جابر فقد تبني على توثيقه وقد لا تبني عليها لوجود القال والقيل فيه ، والمهم أنَّ عمرو بن شمر قد ضعّفه النجاشي فلذلك تكون الرواية محل إشكال من حيث السند.
أما من حيث الدلالة:- فقد قلنا قد قبلها بعض الأعلام ولكن بعد ثبوت كون اللعن يدل على التحريم.
الرواية الرابعة:- علي بن إبراهيم عن ابيه عن علي بن القاسم ، عن جعفر بن محمد ، عن الحسين بن زياد ، عن يعقوب بن جعفر قال:- ( سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام أو أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تساحق المرأة ...... قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء )[5] .
وهي من حيث الدلالة كسابقتها حيث إن قوله عليه السلام ( لعن الله المتشبهات بالرجال ) اشارة الى السّحاق أي تصير المرأة مثل الرجل ، فتكون الرواية ناظرة الى تأنث الرجل وتذكّر الأنثى وتكون أجنبية عن المقام الذي هو اللبس.
وقد يقول قائل:- نحن نتمسّك بإطلاقها وذكر جملة السحاق لا يؤثر على الاطلاق بل هو مصداقٌ للإطلاق.
والجواب:- هذا وجيه لكن في نفس الوقت قد اتصل به ما يصلح للقرينية فلذلك يكون انعقاد الاطلاق مشكلاً. هذا مضافا الى مسألة اللعن فهي على المبنى.
أما السند فهو يشتمل على مجموعة من المجاهيل مثل علي بن القاسم والحسين بن زياد ويعقوب بن جعفر، ولعل جعفر بن محمد - الوارد في السند - من هذا القبيل.
الرواية الخامسة:- عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن علي بن عبدالله و عبد الرحمان بن محمد ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال:- ( لعن رسول الله صلى الله عليه وآله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال ، وهم المخنثون واللاتي ينكحن بعضهن بعضا )[6] .
وهذه كسابقتها إذ بقرينة ذيلها تكون مما أتصل بها ما يصلح للقرينية ، فالمتشبّه من الرجال بالنساء وبالعكس أي في هذا المعنى والمجال الضيق ، فدلالتها تكون ضعيفة من هذه الناحية، مضافاً الى أنَّ السند يشتمل على مجاهيل أمثال محمد بن علي وعلي بن عبد الله وعبد الرحمان بن محمد ، أما أبو خديجة فلعله سالم بن مكرم وهو قد يوثق إلا أنَّ البقية من قسم المجاهيل.