38/06/13
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/06/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.
ولك أن تقول في وجه تقديم الضمان وعدم الاكتراث بأصالة عدم تحقق سبب الضمان:- إنك حينما تريد أن تجري أصالة عدم تحقق سبب الضمان هل تلحق سبب الضمان بنحو المرآتية نحو واقع السبب - وواقع سبب الضمان هو اليد على مال الغير كما قلنا زائداً عدم التسليط المجاني - أو تأخذه بنحو الموضوعية وأنه هو سبب الضمان فأنا أشك بالتالي أنَّ سبب الضمان تحقق أو لم يتحقق ؟ فألحظ السبب بما هو سبب لا إني ألاحظه بنحو المرآتية فأقول سابقاًً لم يكن متحققاً والآن أشك هل تحقق أو لا ، فأنت ماذا تقصد ؟
فإن قصدت الأوّل- يعني بما هو مرآتية إلى واقع سبب الضمان -:- فقد عرفنا أنَّ واقع سبب الضمان ثابت بكلا جزأيه وليس عندك شك من هذه الناحية حتى تجري أصالة عدم تحقق سبب الضمان ، فإنَّ واقع سبب الضمان هو عبارة عن اليد على مال الغير وهو محرزٌ بالوجدان بإضافة عدم التسليط المجاني وهو ثابت بالاستصحاب ، فواقع سبب الضمان إذن هو متحقّقٌ حتماً ، وحينئذٍ لا معنى لإجراء أصالة عدم تحقق سبب الضمان بعدما فرض أنَّ موضوع الضمان قد جزمنا به ، فلا يعود هناك شكّ في تحقق سبب الضمان حتى نجري أصالة عدم تحقق سبب الضمان.
وإذا لوحظ بنحو الموضوعية - يعني نلاحظ السبب بما هو سبب - فنقول:- إنَّ هذا لا يترتب عليه أثر شرعي حتى يكون صالحاً للجريان ، فإنَّ عدم الضمان تابع إلى تحقق السبب الواقعي وعدم تحققه لا أنَّ عنوان السبب بما هو عنوان السبب هو محلّ الأثر ، وإنما محل الأثر هو واقع السبب ، وواقع سبب الضمان نحن قد أحرزناه ، فإنه توجد يدٌ على مال الغير بالوجدان وعدم التسليط المجاني أحرزناه بالاستصحاب ، فإنَّ واقع سبب الضمان محرزٌ فلا يعود هناك شكّ حتى يجري أصل عدم تحقق سبب الضمان.
إن قلت:- إنَّ هذا وجيه إذا لم نجرِ أصالة عدم تحقق سبب الضمان في المرحلة الأولى بل أجرينا ابتداءً وأوّلاً الأصول والقواعد بلحاظ الضمان ، فإذا أجرينا القواعد بلحاظ الضمان أوّلاً وقلنا يدٌ على مال الغير بالوجدان وعدم التسليط المجاني بالاستصحاب فإذا صنعنا هكذا أوّلاً فصحيحٌ أنه لا تصل النوبة إلى أصالة عدم تحقق سبب الضمان ، ولكن لم لا تعكس فأنت أوّلاً أَجرِ أصالة عدم تحقق سبب الضمان قبل أن تجري القواعد المرتبطة بالضمان ، وحينئذٍ إذا لاحظنا ذلك الأصل الثاني أوّلاً وهو أصالة عدم تحقق سبب الضمان وأجريناه فلا يتم ما ذكرت ، هذه شبهة قد تأتي إلى الذهن.
قلت:- إنَّ واقع الحال يقتضي ما ذكرناه ، لا أننا أجرينا القواعد المرتبطة بالضمان أوّلاً ثم دفعنا المعارض - وهو أصالة عدم تحقق سبب الضمان - ، كلا بل واقع الحال يقتضي ما ذكرناه ، فإنه إذا أردنا أن نجري أصالة عدم تحقق سبب الضمان أوّلاً فأنا نسألك ونقول: ما هو مقصودك من سبب الضمان فهل أخذته بنحو المرآتية أو بنحو الموضوعية ؟ فإن كان بنحو الموضوعية فلا أثر له ، وإذا كان بنحو المرآتية فواقع الحال يقتضي أنَّ سبب الضمان متحقق فإنَّ اليد متحققة سواء التفتّ بعيني إلى اليد على مال الغير أو لم ألتفت فإنَّ هذا غير مهم ، بل واقع الحال أنَّ اليد على مال الغير ثابتة بالوجدان وعدم التسليط المجاني ثابت بالاستصحاب سواء أردت أن أجريه أو أردت أن لا أجريه ، فواقع الحال أنَّ السبب الواقعي للضمان ثابت سواء أجريت الاستصحاب أم لم أجريه ، فإذا كان واقع سبب الضمان ثابتاً فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم تحقق سبب الضمان.
فإذن ما أفاده الشيخ(قده) وجيه ، وما ذكره في عبارته لعلّه إشارة لما ذكرنا فإنه قال:- ( لأنَّ عموم خبر على اليد يقضي بالضمان إلا مع تسليط المالك مجاناً والأصل عدم تحققه وهذا حاكمٌ على أصالة عدم سبب الضمان )[1] .
إن قلت:- إنَّ ما ذكر وجيه إذا فرض أنَّ موضوع الضمان مركّب من جزأين بالشكل الذي ذكرناه ، يعني أنَّ موضوع الضمان هو يد على مال الغير وعدم التسليط المجاني ، فإذا فرض أنَّ الموضوع للضمان كان بهذا الشكل فالحقّ معك أيها الشيخ الأعظم(قده) ويثبت الضمان يعني القول قول الدافع.
ولكن نقول:- إنَّ الجزء الثاني في موضوع الضمان ليس هو عدم التسليط المجاني بنحو العدم المحمولي وإنما بنحو العدم النعتي.
وبتعبيرٍ آخر:- مرّةً نشير إلى يد القاضي ونقول ( يد القاضي هي يدٌ على مال الغير وهي متّصفة بعدم التسليط المجاني ) ، فالعدم هنا يسمّى بالعدم النعتي لأننا أخذنا اتّصاف هذه اليد بعدم التسليط المجّاني ، فالجزء الثاني صار هو الاتّصاف بالعدم والذي يسمّونه في المنطق بمعدولة المحمول - وليس سالبة محصّلة - حيث يجعل المحمول ليس ذات العدم بل الاتصاف بالعدم مثل ( زيد متّصف بأنه ليس بعالم أو ليس بشجاع ) بحيث نأخذ الاتصاف بالعدم هو المحمول ، وفي علم الأصول يعبّر عنه بالعدم النعتي لأنَّ العدم أخذ نعتاً للموضوع حيث قيل ( هي يدٌ على مال الغير ) وهذه اليد متّصفة بعدم التسليط المجاني فأخذ الاتصاف بعدم التسليط المجاني وصفاً لليد الموضوعة على مال الغير فهو عدم نعتي .
ومرّة يكون الجزء الثاني ليس هو الاتصاف بالعدم بل يكون هو واقع العدم من دون أخذه وصفاً ، يعني نقول هكذا ( يدٌ على مال الغير ) ، والثاني هو ( عدم وجود التسليط المجاني ) وليس الاتصاف بعدمه وإنما هو السلب المحصّل الذي يعبّر عنه بالمنطق وبالأصول بالعدم المحمولي ، فإذا فرض أنَّ الجزء الثاني كان هو العدم المحمولي - يعني السلب المحصّل - فما ذكرتموه يكون وجيهاً ، يعني نقول إنَّ الجزء الأوّل لموضوع الضمان - وهو اليد على مال الغير - ثابت بالوجدان والثاني - وهو عدم التسليط المجاني - ثابت بالاستصحاب ، ولكن إذا كان الجزء الثاني هو الاتّصاف بالعدم فلا يجري الاستصحاب في الجزء الثاني ، لأنَّ الاتّصاف بالعدم ليست له حالة سابقة ، إنما الذي له حالة سابقة هو عدم الاتّصاف لا الاتصاف بالعدم وهذا من البديهيات ، لأنَّ الاتّصاف بالعدم فرع وجود الموضوع ، فلابد من وجود موضوعٍ في زمانٍ وأنت تشير إليه ، والموضوع في موردنا هي يد القاضي فتشير إليها وتقول هي موجودة ومتّصفة بعدم التسليط المجّاني ، ونحن لا توجد عندنا حالة سابقة يقينية حتى نجري الاستصحاب بلحاظها ، نعم يوجد عندنا عدم الاتّصاف فهو ثابتٌ قبل اليد ، ولا يحتاج إلى أن نذهب إلى الأزل وإنما قل هكذا:- إنه قبل أن يضع القاضي يده على هذا المال ويعطيه الدافع له لم يكن الاتصاف بالتسليط المجّاني موجوداً لأنه لم يكن هناك تسليط أصلاً فبالتالي هو سالبة بانتفاء الموضوع ، فأستطيع أن أقول إنه قبل أن يضع يده عدم الاتصاف بالتسليط المجّاني كان ثابتاً فأشك هل تحوّل هذا العدم تحوّل إلى وجودٍ أو لا ؟ فأستصحب العدم.
والخلاصة:- إذا كان الموضوع هو العدم المحمولي فحينئذٍ يجري الاستصحاب ويثبت الضمان ، أما إذا كان الجزء الثاني للموضوع هو العدم النعتي فلا يمكن اثباته بالاستصحاب ، اللهم إلا أن تجري الاستصحاب في العدم المحمولي وتثبت به العدم النعتي وهذا أصلٌ مثبت.
وعلى هذا الأساس إنه عرفاً لا يمكن أن تشير إلى حوض الماء إذا أخذنا منه قليلاً من الماء وشككنا هل سقط عن الكرّية أو لا ، فإذا أردت أن تجري الاستصحاب كيف تجريه ؟
لا تقل:- كان في الخزّان كرّاً وبالاستصحاب الآن هو باقٍ على الكرّية فإنَّ هذا باطل ، لأنَّ هذا الاستصحاب أقصى ما يثبته لك هو أنه يوجد كرّ في الحوض وهذا لا ينفع ، وإنما أنا أريد أن تثبت لي أنَّ الماء في الحوض هو بمقدار كرّ ، فعليك أن تثبت لي أنَّ الماء متّصف بمقدار الكرّ ، أما أنك تثبت لي أنَّ هناك كرّ في الحوض فهذا لا ينفعني ، إنما الذي ينفعني هو أن يكون الماء بمقدار الكرّ ، وحينئذٍ هذا يكون أصلاً مثبتاً ، فأنت تتمسّك باستصحاب وجود الكرّ في الحوض لإثبات أنَّ هذا الماء بمقدار الكرّ وهذا باطل.
وإنما قل:- إنَّ هذا الماء الموجود في الحوض كان متّصفاً بمقدار الكرّ وأشك هل سقط عن الكرّية فاستصحب اتصافه بمقدار الكرّية ، هذا هو الصحيح وليس ذاك فإنَّ ذاك هو بعبارة أخرى وجودٍ محمولي ، أي كان الكرّ موجوداً في الحوض وهذا لا ينفع وأنا أريد الاتصاف أي الوجود النعتي وهو أنَّ الماء متّصف بالكرّية فلذلك لابدّ من إجراء الاستصحاب بهذا الشكل.
وهكذا لو فرض أنه ولد مولود ولا نعلم أنه هاشمي أو ليس بهاشمي ، فإذا أردت أن تجري الاستصحاب لإثبات عدم هاشميته فقد يقول قائل أنا أجري الاستصحاب هكذا:- وهو إنه قبل أن تلده أمّه لم يكن هاشمياً موجود في البيت وحينما ولدت الأم هذا الطفل نقول لا يوجد هاشمي أيضاً بالاستصحاب ، وهذا لا ينفع لأنَّ هذا أقصى ما يثبته هو أنه لا يوجد هاشمي ، أما أنا فأريد أن أثبت أنَّ هذا الطفل ليس بهاشمي وأنت لم تثبت أنه ليس بهاشمي ، نعم لابد وأن تقول:- هذا لم يكن متّصفاً بالهاشمي ، وهذا ليست له حالة سابقة من هذا القبيل فلا يجري الاستصحاب.
والخلاصة:- إنه في موردنا حيث إنَّ الجزء الثاني هو السلب النعتي - العدم النعتي - لا العدم المحمولي فإجراء استصحاب عدم التسليط المجّاني لا ينفع ، لأنه لا يثبت أنّ هذه يدٌ على مال الغير.
وهذا إشكال سجّله الحاج الميرزا علي الايرواني(قده)[2] حيث قال:- إذن موضوع الضمان نشكّ فيه ، فهو غير ثابت فنجري البراءة من الضمان.