38/05/27
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/05/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.
وههنا سؤالان:- السؤال الأوّل يرتبط بالصورة الأولى ، والسؤال الثاني يرتبط بالصورة الثالثة:-
أما السؤال الأوّل:- وهو أنه لنقل إنه يستحق الأجرة المسمّاة باعتبار أنَّ أصل العقد صحيح وقد تكرر منّا أنَّ عقد الاجارة وحده هو يوجب بمجرّده هو الذي يوجب استحقاق الأجرة أتيت بمتعلّق الاجارة أو لم تأتِ به فإنَّ هذا لا يؤثر ، فأنت بمجّرد العقد تستحق الأجرة المسمّاة ، فعلى هذا الأساس يبقى الاستحقاق وإن لم يأتِ بمتعلّق الاجارة لأنه لم يغسل الثوب بالمباح وإنما غسله بالمغصوب ، فبالتالي هو لم يأتِ بمتعلّق الاجارة ، وعدم الاتيان بمتعلق الاجارة ليس معناه أنه لا يستحق الأجرة ، فهو يستحق الأجرة بمجرّد العقد ، فتعال فلنقُل إنه يستحق الأجرة المسمّاة في الحالة الأولى بعد فرض كون العقد عقداً صحيحاً.
والجواب:-
أوّلاً:- يمكن أن نقول إن العقد هنا قد انحلّ بشكلٍ قهري ، حيث إنه بعد ما غسل بالمغصوب فقد تحققت الطهارة فلا يمكن حينئذٍ الاتيان بمتعلّق الاجارة وهو التطهير بالمباح ، فينحلّ عقد الاجارة بشكلٍ قهري ، وإذا انحلّ فلا يمكن المطالبة بأجرة المثل.
وهذا نظير أن نؤجر شخصاً لتغسيل الميت وعندما أراد أن يغسّله عاد هذا الميت إلى الحياة فهنا لا يمكن تحقيق متعلّق الاجارة لأنَّ متعلّق الاجارة قد فات ، أو حجزت عند الطبيب وأعطيت أجور الحجز لغرض قلع سنّي ولكن في الأثناء وقع السنّ فهنا انتفى متعلّق الاجارة فتكون الاجارة باطلة بشكلٍ قهري ، وهذا من موارد فساد عقد الاجارة ، وموردنا من هذا القبيل ، فأنا حينما آجرته للتطهير بالمباح والمفروض أنه طهّره بالمغصوب فالتطهير قد حصل ومادام قد حصل التطهير فقد تحقق متعلّق الاجارة ، وبعدما تحقق متعلّق الاجارة فالتطهير حينئذٍ قد تحقق ، وعليه فقد فات متعلّق الاجارة ، وإذا فات متعلق الاجارة فقد انحلّت الاجارة بشكلٍ قهري ، ومعه فلا يستحق الأجرة المسمّاة لانحلال العقد.
ثانياً:- ولو سلّمنا أنَّ العقد لا ينفسخ لكن مع ذلك لا يحقّ له أن يطالب بالأجرة المسمّاة ، وذلك لأنَّ عقد الاجارة وإن أوجب الاستحقاق إلا أنّ حق المطالبة يكون بعد تحقيق متعلّق الاجارة ، ولذلك قلنا فيما سبق إنَّ الذي يصلّي صلاةً استيجارية صحيح أنه بمجرّد العقد يستحقّ الأجرة كاستحقاقٍ ولكن لا يحقّ له المطالبة بالأجرة إلا بعد الاتيان بمتعلّق الاجارة.
فإذن لا نخلط بين القضيتين قضية الاستحقاق يعني الملكية فهو يصير مالكاً بالعقد ، لكن ليس له حقّ المطالبة إلا بعد أن يؤدّي حقّ الاجارة ، ولكن هنا قلنا يجوز أن يكون هذا شرط ضمني باعتبار أنَّ هذا الشخص الذي يأخذ الصلاة الاستيجارية فقير ويريد أن يصرف هذه الأموال على نفسه وعياله فتأخير الأجرة عليه سوف يضرّه ، فهنا يوجد شرط ضمني بأن يعطى المال قبل الاتيان بمتعلّق الاجارة ، ولكن هذه قضية ثانية دعنا عنها ، ولكن بقطع النظر عن مسألة الشرط الضمني بعقد الاجارة يوجد استحقاق فقط وجواز المطالبة يكون بعد أداء متعلّق الاجارة ، وحيث إنَّ من غسل الثوب بالماء المغصوب لم يسلّم له متعلّق الاجارة فلا يسلّم له الأجرة.
وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني الذي يرتبط بالحالة الثالثة وهي أن تقع الاجارة على الغسل الأعم حيث قلنا لا يستحق الأجرة المسماة بل يستحق أجرة المثل:- فربّ قائل يقول بل يستحق الأجرة المسمّاة ، وذلك ببيان إنَّ المورد من باب المطلق والمقيّد فيلزم إعمال عملية التقييد ، إذ الأمر والطلب وإن كان المتعلّق فيه أعم فهو يشمل الاثنين الغسل بالمباح والغسل بالمغصوب إلا أنه بعد النهي الشرعي بالتصرف في المغصوب يصير هذا النهي مقيداً لذلك الأمر المطلق فيتقيد ذلك الأمر المطلق بخصوص الغسل بالمباح ، فعلى هذا الأساس لو غسل بالمباح كنّا نقول سابقاً هو يستحق أجرة المثل لقاعدة ( الأمر بالعمل يوجب الضمان ) أما الآن فنقول هو يستحق الأجرة المسمّاة لأنا نقول إنَّ الأمر والطلب هو من الأوّل ينصب على الحصّة المقيّدة.
والجواب:- ماذا تقصد من وجود المطلق ؟ فهل تقصد أنَّ الآية الكريمة - أعني ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ - تأمر بالوفاء بشكلٍ مطلق ولم تقيد بأن يكون العقد على المباح فهو مطلق ثم يحصل بعد ذلك تقييد بسبب النهي عن الحصّة المحرّمة ، أو أنَّ مقصودك هو أنَّ أمر الآمر وطلب الآمر مطلق يعني أنَّ الآمر حينما جاء وقال ( اغسل لي هذا الثوب ) فحينما قلت له بأيّ ماء اغسله ؟ فقال لي: إنَّ المهم لي هو أن تغسله بأيّ ماءٍ سواء كان مباحاً أو فامر الآمر وطلبه كان مطلقاً ، فالمطلق ما هو هل أنَّ أمر الشارع بالوفاء مطلق أو أنَّ طلب الآمر هو المطلق ؟
فإذا كان مقصودك أنَّ أمر الشارع هو مطلق فنحن نقول:- كلا بل أمر الشارع هو من الأوّل مقيّد ، إذ لا يمكن أن يأمر الشارع بالحرام ، فإنه لا يحتمل أن يوجب الشارع الوفاء بالحرام ، وهنا القرينة على ذلك متصلة بل أكثر من المتصلة – وهذا من باب المبالغة - ، يعني يوجد ارتكاز واضح بأنَّ الشارع حينما يأمر بالوفاء فهو لا يأمر بالوفاء بالأشياء التي حرّمها ، فمن الواضح أنَّ الأمر من الأوّل مقيّد ، فيجب الوفاء بالمباح بالعقد على المباح لا بالعقد على المطلق أو الحرام ، فأصلاً الآية الكريمة لا يوجد فيها إطلاق من البداية .
ولو تنزّلنا وقلنا:- إنَّ الآية الكريمة فيها إطلاق فنحن نريد أن نثبت التقييد في أي شيء ؟ إننا نريد أن نثبت التقييد في عقد الآمر الطالب وهو صاحب الثوب الذي قال للشخص الآخر طهّر ثوبي ، فهذا الشخص نحن نريد أن نثبت أنَّ طلبه هو طلب مقيّد ولا ينفعنا أنَّ أمر ( أوفوا ) هو مقيّد ، بل المهم أن يكون طلب هذا الآمر مقيّد حتى يمكن أن يقع العقد صحيحاً ، والمفروض أنَّ طلبه ليس بمقيّد وإنما هو مطلق ويقول اغسله لأنَّ المأمور سأله وقال له بأيِّ شيءٍ أغسله فقال اغسله ولو بالمغصوب فإنَّ المهم لي هو الطهارة ، فإذن اثبات أنَّ الأمر الشرعي مقيّد لا ينفع فيما نريد ، فنحن نريد أن نثبت أنَّ العقد هو جارٍ على المقيد والمفروض أنَّ العقد في محل كلامنا قد جرى على المطلق وهو أيضاً يصرّح أكثر من المطلق حيث يقول اغسله بايّ ماء ، فإذن التقييد في الكلام الشرعي لا يثبت التقييد في كلام الانسان العرفي الآمر خصوصاً بعد تصريح هذا الانسان العرفي بأن اغسله ولو بالمغصوب ، فهذا لا معنى له.
وإذا كان مقصودك هو أنَّ أمر الآمر هو مطلق:- فهذا وجيه ، ولكن كيف نقيّده ؟ نقيده بالنهي الشرعي عن الانتفاع المحرّم ، ومن الواضح أنَّ المقيِّد حتى يكون مقيِّداً لابد وأن يكون صادراً ممّن صدر منه الكلام المطلق ، فكلا المطلق والمقيّد يلزم أن يصدرا من جهةٍ واحدة حتى يصير كلامه المقيّد قرينة على تقييد كلامه المطلق ، أما أن يكون المقيّد صادراً من جهةٍ والمطلق صادراً من جهة أخرى فهذا لا يمكن ، خصوصاً وأنه في محلّ الكلام قد فرضنا أنَّ هذا الآمر يصرّح ويقول اغسله ولو بالمغصوب ، فأصلاً لا يمكن التقييد هنا فإنَّ التقييد لا معنى له بعد تصريحه.
فإذن هذه الشبهة واهية من الأساس ، والصحيح ما أشرنا إليه سابقاً وكلا هذين السؤالين ليسا في محلهما.
هذا كله بالنسبة إلى الحرمة الوضعية.