38/05/24
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/05/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أصالة البراءة
إلى هنا قد تبين أن الفرق بين الأمارات الشرعية وبين الأصول العملية الشرعية إنما هو بالذات فإن كاشفية الأمارات ذاتية بدرجة الكاشفية الناقصة وطريقيتها تكوينية وغير قابلة للجعل وأما الأصول العملية فليست بكاشفة ولو بدرجة قليلة وما هو المعروف بين الأصوليين من أن الاستصحاب من الأصول المحرزة وله درجة من الكاشفية غير تام لأنا ذكرنا في محله وسوف يأتي الكلام فيه من أنه كباقي الاصول العملية وليس هو من الأصول المحرزة بل هو من الأصول غير المحرزة كأصالة البراءة وأصالة الطهارة وما شاكل ذلك، وأما الأصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية كقاعدة الفراغ والتجاوز وما شاكلهما فقد ذكرنا ان قاعدة الفراغ قاعدة عقلائية وهي من الأمارات وكذلك التجاوز وأما الأصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية كأصالة البراءة وأصالة الطهارة والاستصحاب فليس فيها أي درجة من الكشف.
وليس الفرق بينهما بالجعل والاعتبار كما هو المعروف بين الأصوليين، وذلك حيث تبنت مدرسة المحقق النائيني(قده) على أن الفرق بينهما في سنخ المجعول إذ المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والكاشفية والعلم التعبدي وأما المجعول في باب الأصول العملية فهو الجري العملي على طبقها خارجا، وأما الفرق بينهما استنادا إلى ما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قده) من أن المجعول في باب الأمارات هو الأحكام الظاهرية المماثلة للأحكام الواقعية في صورة المطابقة والمخالفة في صورة عدم المطابقة فهو أن المجعول في باب الأمارات هو الأحكام الطريقية بينما المجعول في باب الأصول العملية فهو الأحكام الظاهرية التي لا تكون طريقا إلى الواقع لأن الشارع في الأصول العملية يعين وظيفة المكلف في مقام العمل فليس المجعول فيها الأحكام الظاهرية الطريقية، وأما على ضوء مختار المحقق الخراساني(قده) يكون الفرق بينهما إنما هو في مصب الحجية ذلك لأنه(قده) قد فسر حجية الأمارات بالمنجزية والمعذرية ومصبها طريقية الأمارات وقوة الاحتمال بدرجة الكشف وأما الأصول العملية فهي أيضا منجزة ومعذرة كما في الاشتغال والاستصحاب المثبت للتكليف والبراءة والاستصحاب المثبت لعدم التكليف ولكن هذه المنجزية والمعذرية كائنة في ظرف الجهل بالواقع وتحيّر المكلف.
ولكن ذكرنا أنه لا جعل في باب الأمارات أصلا لا جعل الطريقية والكاشفية ولا جعل الحكم الظاهري ولا جعل المنجزية والمعذرية، نعم المنجزية والمعذرية إنما هي بحكم العقل فإن سيرة العقلاء إذا جرت على العمل بأخبار الثقة وظواهر الالفاظ والشارع أمضاها فهذا الامضاء ليس جعلا منه لأنه قلنا إنه يكفي في تحصيل الامضاء سكوت الشارع عن الردع عن هذه السيرة ومع امضاء الشارع لهذه السيرة يحكم العقل بأن الأمارة منجزة عند الاصابة وعند المخالفة للواقع معذرة، وأما في باب الأصول العملية الشرعية فإنه يوجد فيها جعل من قبل الشارع لأنها مجعولة شرعا لتعيين وظيفة المكلف في مقام التحيّر.
وعلى هذا يكون الفرق بين نظريتنا وبين سائر النظريات حاصل في التفصيل التالي:
أما الفرق بين نظريتنا وبين نظرية مدرسة المحقق النائيني(قده) فهو من وجوه:
الأول: أنه على ضوء نظرية مدرسة المحقق النائيني(قده) يكون الفرق بين الأمارات وبين الأصول العملية كائن في سنخ المجعول وعلى ضوء نظريتنا يكون الفرق بينهما ذاتي لا بالجعل لتقوم الأمارات بقوة الاحتمال بدرجة من الكشف الذاتي التكويني وإلا فلا يصدق عليها عنوان الأمارة وليس كذلك الأصول العملية فلا يوجد فيها أي كشف لأنه المنظور فيها قوة المحتمل واهميته بدون النظر إلى قوة الاحتمال.
الثاني: وفق نظرية مدرسة المحقق النائيني تكون مثبتات الأمارات حجة مطلقا أي سواء كان لسان الأمارة لسان الحاكية والإخبار عن الواقع أم لم يكن كذلك، واما مثبتات الأصول العملية فلا تكون حجية مطلقا. ولكن وفق نظريتنا إنما تكون مثبتات الأمارات حجة في خصوص الأمارات التي يكون لسانها لسان الحاكية والإخبار عن الواقع دون غيرها ومنه يتضح ان مثبتات الأصول العملية لا تكون حجة مطلقا.
الثالث: الملازمة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي في موارد الأمارات إنما هي بالتعبد على ضوء نظرية مدرسة المحقق النائيني ولكن الملازمة بينهما على ضوء نظريتنا تكويني لأن الإخبار والحكاية عن الشيء إخبار وحكاية عن لوازمه تكوينا.
وأما الفرق بين نظريتنا ونظرية المحقق الخراساني(قده) فهو في ان المجعول في باب الأمارات على ضوء نظريته(قده) هو المنجزية والمعذرية وقد قلنا إنه لا يمكن جعل المنجزية والمعذرية لأنها معلولة للمنجز سواء كان المنجز هو العلم التفصيلي ام العلم الإجمالي او احتمال التكليف كما في الشبهات قبل الفحص ولا يمكن التفكيك بين العلة ومعلولها لأنه تفكيك بين الأثر والمؤثر وهو مستحيل وعليه لا يمكن أن تكون المنجزية والمعذرية مجعولة بل هي بحكم العقل.
وأما ما نسب إلى شيخنا الأنصاري(قده) - من أن المجعول في باب الأمارات هو الأحكام الظاهرية – فهو مما لا أصل له ولذا لا نهتم ببيان الفرق بينه وبين نظريتنا.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى إذا بني على عدم حجية مثبتات الأمارات فهل يوجد فرق بين الأمارات والأصول العملية او لا يوجد فرق بينهما؟
قد يقال كما قيل: إنه لا فرق بينهما فإن الفرق بينهما في أن مثبتات الأمارات حجة ومثبتات الأصول العملية لا تكون حجة وأما مع الإغماض عن ذلك وتسليم ان مثبتات الأمارات لا تكون حجة فلا يوجد فرق بينهما.
ولكن هذا القيل: غير صحيح إذ الفرق بينهما موجود ذاتا فإن الأمارات مبنية على قوة الاحتمال بدرجة الكاشفية وإن قلنا إنها لا تكون حجة إلا في إثبات مدلولها المطابقي ولا تكون حجة في إثبات مدلولها الالتزامي وأما الأصول العملية فهي مبنية على قوة المحتمل وعلى أهميته من دون النظر إلى قوة الاحتمال وهذا الفرق بينهما موجود تكوينا سواء قلنا بحجية مثبتات الأمارات أم لم نقل، نعم حجية مثبتات الأمارات بحاجة إلى نكات أخرى. كما ان القول بتقديم الأمارات على الأصول العملية بالتخصيص او بالحكومة او بالورود بحاجة إلى نكات أخرى.