38/04/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/04/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
ذكرنا بعض التعليقات في الاستصحاب، ونقلنا كلام صاحب الكفاية المحقق الخراساني (قدّس سرّه) حيث ذكر أنّ هذه التعريفات المتعددة المختلفة الصادرة من الأصحاب، كلّها تشير إلى معنى واحد وهو ما ذكره من أنّ الاستصحاب هو عبارة عن الحكم ببقاء حكم، أو موضوع ذي حكمٍ يُشك في بقائه، وقلنا أنّ السيد الخوئي (قدّس سرّه) اعترض عليه بأنّه لا معنى لتعريف الاستصحاب بشيءٍ واحد وذلك لأنّ المباني في الاستصحاب مختلفة، وأي تعريف يُفرض يتفق مع بعض المباني ولا يتفق مع البعض الآخر، فلابدّ حينئذٍ من التفصيل بأن نعرّف الاستصحاب بناءً على كونه أمارة له تعريف خاص به كما أنّ الاستصحاب بناءً على كونه أصلاً عملياً لابدّ من تعريفه بتعريفٍ آخر، ولا يمكن أن نفترض تعريفاً واحداً للاستصحاب ينسجم مع كونه أمارة وينسجم مع كونه أصلاً عملياً، فإن قلنا أنّ الاستصحاب أمارة بناءً على هذا المبنى لابدّ من تعريفه كأمارة، يعني لابدّ من الإشارة في تعريفه إلى نكتة الأمارية وسبب كونه أمارة؛ وحينئذٍ يصح تعريفه بما تقدّم من أنه كون الشيء متيقناً سابقاً مشكوك لاحقاً، باعتبار أنّ اليقين السابق هو نكتة الأمارية، وهو الكاشف عن البقاء، فلابدّ من تعريفه باليقين السابق، فنقول أنّ الاستصحاب بناءً على أنه أمارة، أي أنّ الاستصحاب هو اليقين السابق والشك اللاحق، ولا معنى لأن نقول بأنّ الاستصحاب هو الحكم بالبقاء؛ لأنّ هذا لا يشير إلى كونه أمارة، بخلاف تعريفه باليقين السابق؛ لأنّ اليقين السابق هو الأمارة على البقاء، كما أنه بناءً على كونه اصلاً عملياً؛ حينئذٍ يصح ما ذكره الشيخ وصاحب الكفاية(قدّس سرهما) من التعريف بأنّه عبارة عن الحكم ببقاء ما كان. هذا شيء ينسجم مع كونه أصلاً عملياً وعدم كونه أمارة.
هذا المطلب الذي ذكره، من جهة فقط ملاحظة صغيرة على أنه بناءً على الأمارية تكون الأمارة هي اليقين السابق، الظاهرة أنّ هذا ليس تامّاً؛ لأنّ الأمارة ليست هي اليقين السابق، وإنما اليقين هو طريق مثبت للأمارة والأمارة هي شيء آخر، الأمارة هي الحدوث، أصل الحدوث هو الأمارة عند من يقول بذلك، بدعوى أنّ الغالب في ما يحدث أنه يبقى، فيكون الحدوث أمارة ظنّية على البقاء؛ لأنّ أغلب الأشياء التي تحدث هي باقية، نسبة ما يبقى ممّا يحدث إلى ما يزول بعد الحدوث نسبة كبيرة جداً؛ حينئذٍ يكون الحدوث أمارة وموجباً للظن بالبقاء، عندما نشك في حادث حدث سابقاً ونشك في بقائه فالحدوث أمارة على البقاء، باعتبار غلبة أنّ ما يحدث يبقى، فالأمارة هي نفس الحدوث واليقين بها كاليقين بخبر الواحد لا معنى لأن نقول أنّ اليقين بخبر الواحد هو الأمارة، الأمارة هو خبر الواحد واليقين محرز له وطريق إليه، كذلك اليقين بالحدوث، اليقين ليس هو الأمارة، وإنّما الأمارة هي عبارة عن نفس الحدوث واليقين هو مجرّد طريق إلى هذا الحدوث الذي يكون هو الملازم للبقاء، بين ذات الحدوث وليس اليقين بالحدوث، بينه وبين البقاء توجد ملازمة ظنّية، يعني الغالب في ما يحدث أنه يبقى، فالملازمة قائمة بين الحدوث وبين البقاء لا بين اليقين بالحدوث وبين البقاء. هذه ملاحظة جانبية .
أمّا أصل المطلب الذي ذكره: هو أنّه بناءً على كون الاستصحاب أمارة، ما الضير في أن نعرفه بأن يكون الاستصحاب عبارة عن الحكم بالبقاء الثابت بهذه الأمارة، يعني نجعل الأمارة هي اليقين كما ذكر ـــــــ بناء على أنّ الأمارة هي اليقين ـــــــ لكن لا نسمّي هذه الأمارة بالاستصحاب، وإنّما نسمّي الحكم بالبقاء الثابت ببركة هذا اليقين بالاستصحاب، فبناءً على الأمارية لا يتعيّن أن نسمّي الاستصحاب باليقين، بحيث نقو أنّه لابدّ من تعريف الاستصحاب بناءً على أنه أمارة باليقين السابق، بناءً على أنه أمارة ونعترف بأنّ اليقين السابق هو الأمارة على البقاء ما ينتجه هذا اليقين السابق، وما يثبت بهذه الأمارة هو الحكم بالبقاء، نسمّي الحكم بالبقاء استصحاباً ثابتاً بهذه الأمارة، في التسمية لا ضير في أن نسمّي الحكم بالبقاء استصحاباً مع الاعتراف بأنّ اليقين السابق أمارة على البقاء، لكن لا نسمّي هذا اليقين استصحاباً، وإنّما نسمّي الحكم بالبقاء، أو بعبارة أخرى: ما يثبت بهذا اليقين السابق نسميّه استصحابا. لعل السيد الخوئي (قدّس سرّه) ناظر إلى مجرّد أنّ هذا هو المستظهر من كلام الاصحاب، يعني يريد أن يقول أنّ المستظهر من كلام الأصحاب الذين يقولون بالأمارية أنهم يريدون بالاستصحاب هو اليقين السابق، ولا يريد أن يقول بوجود ملازمة بين كونه أمارة وبين ضرورة تعريفه باليقين السابق، نبني على كونه أمارة لكن لا نسميه استصحاباً، وإنّما نسمّي الحكم الثابت به استصحاباً. لعلّه ناظر إلى شيءٍ آخر وهو المستظهر من كلمات الاصحاب الذين يقولون بالأمارية أنهم يريدون بالاستصحاب اليقين السابق، وكأنّ الاستصحاب بناءً على الأمارية المراد به في كلمات الأصحاب هو اليقين السابق؛ لأنّهم قالوا أنّ الاستصحاب أمارة، ومن الواضح أنّ الأمارة هي اليقين السابق وليس الحكم بالبقاء، فعندما يقولون أنّ الاستصحاب أمارة مرادهم بالاستصحاب قطعاً هو اليقين السابق؛ لأنّ اليقين السابق هو الأمارة بناءً على الأمارية وبناءً على غض النظر عن الملاحظة السابقة وليس الأمارة هي الحكم بالبقاء، الحكم بالبقاء ليس أمارة، وإنّما هو شيء يثبت بالبقاء، لعلّه ناظر إلى هذا .
هذا أيضاً لا يثبت ضرورة تعريفه باليقين السابق بناءً على الأمارية وعدم تعريفه به، وإنّما لابدّ من تعريفه بتعريف آخر بناءً على عدم كونه أمارة؛ لأنّه حتى المنكرين للأمارية أيضاً يمكن أن يُستظهر من تعبيرهم أنّ المقصود بالاستصحاب هو اليقين السابق، يعني الذين ينكرون الأمارية ويقولون أنّ الاستصحاب ليس أمارة، مقصودهم بالاستصحاب لابدّ أن يكون مقصودهم اليقين السابق؛ لأنّهم لا ينفون الأمارية عن الحكم بالبقاء، الحكم بالبقاء من الأمور البديهية أنه ليس أمارة ولا داعي للتصدّي لنفي الأمارية عن الحكم بالبقاء، الذي يُتوهم كونه أمارة هو اليقين السابق، هم يقولون أنّ الاستصحاب ليس أمارة مقصودهم بالاستصحاب هو اليقين السابق، اليقين السابق ليس أمارة ، فمرادهم بأنّ الاستصحاب ليس أمارة يعني اليقين السابق؛ لأنّ ما يمكن نفيه ويُتوهم كونه أمارة هو اليقين السابق لا الحكم بالبقاء، فإذن: القائلون بالأمارية والمنكرون لها من تعبيراتهم نستظهر أنّ مرادهم بالاستصحاب هو اليقين السابق، فلنعرّف الاستصحاب باليقين السابق على كل المباني ولا داعي لهذا التفصيل .
الصحيح في المقام أن يقال: نحن في محل الكلام عندما نريد أن نعرّف الاستصحاب لابدّ أن نعرّفه بتعريفٍ يصلح أن يكون محوراً لكل هذه الآراء الموجودة في باب الاستصحاب، بمعنى أنّه يكون محلاً للنفي والاثبات على جميع المباني، المبنى الذي يقول أنه أمارة، والمبنى الذي ينكر كونه أمارة، المبنى الذي يستدل عليه بالأخبار يجعل الدليل عليه هي الأخبار، والمبنى الذي يستدل عليه ببناء العقلاء والآخر الذي يستدل عليه بالعقل، أحد الأدلة كما قيل هو العقل، حكم العقل، أو إدراك العقل للبقاء ظنّاً. عندما نريد أن نعرّف الاستصحاب كمحورٍ للبحث القادم، في البحوث القادمة عندما نقول استصحاب نشير إلى شيءٍ معيّنٍ يكون محوراً للنفي والإثبات وعلى جميع المباني لابدّ من تعريفه تعريفاً يصلح أن يكون كذلك، يعني منسجماً مع كل المباني ومع كل الأدلة التي يمكن أن يُستدل بها على الاستصحاب، إذا كان هذا هو الغرض، يعني لابدّ من تعريفه بهذا الشكل بحيث يكون محوراً لكل المباني؛ حينئذٍ يظهر من هذا أنه لا يصح تعريفه بجملة من التعريفات السابقة، ما أشار إليه الشيخ(قدّس سرّه) من أنه عبارة عن إبقاء ما كان، لكن الشيخ لم يكتفِ بهذا، ففسّر إبقاء ما كان بأنه عبارة عن الحكم بالبقاء، يقول: والمقصود ليس إبقاؤه تكويناً، وإنّما فسّره بالحكم، لو كان أبقى(ما كان ) على حاله كان أفضل، وإنّما هو فسّره بــــ(الحكم بالبقاء). المحقق الخراساني (قدّس سرّه) أيضاً فسّره بالحكم ببقاء حكمٍ أو موضوع ذي حكمٍ شرعي ...الخ. أيضاً فسّره بالحكم. المحقق النائيني(قدّس سرّه) أيضاً نقلنا عنه سابقاً أنه فسّره بالحكم، كل هذه التعريفات للاستصحاب بأنه حكم ينبغي إبعادها، هذه لا يمكن أن تكون محوراً لجميع المباني ويُستدل عليها بالأدلة المختلفة؛ لأنّه عندما نفترض أنّ الاستصحاب حكم بالبقاء، هذا لا يمكن الاستدلال عليه بالعقل وبناء العقلاء؛ لأنّه ليس من شأن العقل أن يحكم، وإنّما من شأن العقل الإدراك، عندما نستدل على الاستصحاب بالأخبار نستطيع أن نعرّفه بأنّه عبارة عن حكمٍ بالبقاء الذي يُستفاد من قوله(عليه السلام) في روايات زرارة: (لا تنقض اليقين بالشك). هذا حكم شرعي بالبقاء، فينسجم مع الاستدلال عليه بالأخبار، أمّا عندما نفترض أنّ الدليل عليه هو العقل، فالعقل لا يحكم بالبقاء، وإنّما العقل يدرك البقاء، متعلّق الحكم العقلي هو ذات البقاء لا الحكم بالبقاء؛ لأنّ الحكم ليس من شأن العقل، والعقل لا يحكم بشيء، وإنّما العقل يدرك الأشياء، فإذا كان الشيء حادثاً سابقاً وشُكّ في بقائه، العقل يدرك بقاء الشيء بعد حدوثه ظنّاً وليس يقيناً لا أنه يحكم بالبقاء، ونفس الكلام يقال لو كان الدليل عليه هو بناء العقلاء، العقلاء لا يحكمون، وإنّما لهم بناء عملي على الأخذ بالحالة السابقة، هذا ليس حكماً بالبقاء، الحكم بالبقاء إنّما يصح فيما إذا كان مدرك ودليل الاستصحاب هو الأخبار يصح تعريفه بأنّه الحكم بالبقاء، أمّا بناءً على أنّ دليل الاستصحاب هو العقل أو بناء العقلاء، فلا يصح تعريفه بأنه عبارة عن الحكم بالبقاء؛ لذلك لابدّ من استبعاد هذه التعريفات.
ومن هنا يقال: أنّ أحسن ما يمكن أن يعرّف به الاستصحاب، هو أن يقال بأنّ الاستصحاب عبارة عن بقاء المتيقّن السابق عند الشكّ في بقائه، يعني ثبوت المتيقن سابقاً حتى نخلص من مشكلة (الحكم بالبقاء) فالتعبير بالحكم يولّد لنا مشكلة؛ لأنه لا يكون محوراً لكل المباني في محل الكلام، أمّا إذا قلنا بأنّ الاستصحاب هو عبارة عن بقاء الحكم السابق عند الشك في بقائه، هذا البقاء ينسجم مع كل المباني، نستطيع أن نستدل عليه بالأخبار ونقول أنّ الشارع حكم بالاستصحاب، يعني حكم بثبوت المتيقّن السابق عند الشك في بقائه، ونستدل عليه بالعقل، أيضاً نقول أنّ العقل أدرك بقاء المتيقن السابق عند الشك في بقائه؛ لأننا قلنا أنّ وظيفة العقل الأدراك ومتعلّق الأدراك هو البقاء، فنقول أدرك الاستصحاب، يعني أدرك بقاء المتيقن السابق عند الشك في بقائه. وهكذا بناء العقلاء، لهم بناء عملي على بقاء المتيقن السابق عند الشك في بقائه، فتعريف الاستصحاب بهذا التعريف يسلم من الإشكالات السابقة ويمكن أن يكون محوراً لكل هذه المباني. وهكذا ما عرّفه بعض من أنّه مرجعية الحالة السابقة، هذه أيضاً الملحوظ فيها التخلص من الإشكالات السابقة، مرجعية الحالة السابقة هي أشبه شيءٍ بما قلناه من أنه عبارة عن بقاء المتيقن السابق عند الشك في بقائه، مرجعية الحالة السابقة يمكن أن نستدل عليها بالأخبار، فتقول أنّ الأخبار دلّت على مرجعية الحالة السابقة عند الشك في بقائها، العقل أيضاً أدرك ذلك، والعقلاء أيضاً لهم بناء عملي على مرجعية الحالة السابقة عند الشك في بقائها، هذا التعريف يكون أبعد عن الإشكال كما تقدّم. كما أنّ هذا التعريف أيضاً يصلح لأن يكون محوراً لمبنى الأمارية وللمبنى الآخر الذي ينكر كون الاستصحاب أمارة، كل منهما ينسجم مع هذا التعريف، باعتبار أنّ بقاء المتيقن سابقاً، أو ثبوت المتيقّن، أو مرجعية الحالة السابقة التي كلّها تشير إلى معنى واحد يمكن أن يكون ثابتاً على أساس أمارية الحدوث على البقاء، نكتة الاستصحاب هذه الملازمة الظنّية بين الحدوث والبقاء، أنّ الغالب فيما يحدث أنه يبقى على اساس أمارية الحدوث على البقاء؛ حينئذٍ الشارع حكم بالبقاء على أساس هذه الأمارية، والعقلاء بنوا على البقاء عملاً على أساس هذه الأمارية، والعقل أيضاً أدرك البقاء عند الشك في البقاء على أساس هذه الأمارية.
فإذن: هذا التعريف ينسجم مع كل هذه المباني جميعاً. المنكر للأمارية يمكن أن يكون بقاء المتيقن سابقاً عند الشك في بقائه قائماً على اساس إنكار الأمارية والبناء على أنه وظيفة عملية تعطى للشاك بقطع النظر عن إحراز الواقع، ليس فيها كشف، وليس فيها أمارية، وإنما بقاء ما كان هو وظيفة عملية يحكم بها الشارع عندما يُفترض أنّ الاستصحاب أصل عملي. بناء العقلاء، يقولون بأنّ العقلاء يبنون على بقاء الحالة السابقة وبقاء المتيقّن سابقاً ليس من باب الأمارة، وليس من باب أنّ الحدوث كشف عن البقاء، وإنّما باعتبار أنّ المكلف حتى لا يبقى متحيراً ومتردداً، فيُعطى له وظيفة عملية حتى يخرج من هذه الحالة من دون أن يكون له نظر إلى الواقع، أصل عملي، فيبنون على بقاء الحالة السابقة، وبقاء المتيقن السابق عند الشك في بقائه، فيمكن أن يكون هذا التعريف محوراً لكل المباني من حيث كون الاستصحاب أمارة، أو اصلاً عملياً، ومن حيث أنّ الدليل عليه هو الأخبار، أو هو بناء العقلاء، أو هو العقل.
ومن هنا يظهر أيضاً أنّ بعض التعريفات التي عُرّف بها الاستصحاب من قبيل ما عُرّف بأنه عبارة عن الأخذ بمقتضى المتيقن السابق، أو بأنه عبارة عن إبقاء ما كان الذي هو تعريف الشيخ (قدّس سرّه) الذي ذكره في الرسائل وقلنا أنه فسّره بأنّ المقصود به هو الحكم بالبقاء، كلا هذا التفسير نعزله، إبقاء ما كان، الأخذ بمقتضى المتيقّن السابق بعد عروض الشك في بقائه، تعريف الاستصحاب بالأخذ وتعريفه بإبقاء ما كان ناظر إلى أنّ الاستصحاب ليس من مقولة الأحكام، وإنّما هو عمل يمارسه المكلف، فإذا كان الاستصحاب عملاً يمارسه المكلف ويحتاج ثبوته وجوازه إلى دليل؛ حينئذٍ ينبغي تعريفه بأنه الأخذ بالحالة السابقة؛ لأنّ المكلف يأخذ بالحالة السابقة، يأخذ بمقتضى المتيقن السابق، أو يبقي ما كان، فلابدّ من تعريف بالإبقاء أو بالأخذ بالحالة السابقة.
أقول: هذا التعريف هو سنخ آخر من التعاريف، السنخ الأول كان يُعرّف الاستصحاب بأنه حكم بالبقاء، الثاني المقترح الذي ذكرناه يُعرّف الاستصحاب بأنه عبارة عن بقاء الحالة السابقة، ثبوت الحالة السابقة، مرجعية الحالة السابقة، هذا السنخ يعبّر عنه بفعل المكلف، الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما كان، والمكلف هو الذي يبقي ما كان، كأنه ينظر إليه ويجعله من سنخ الأعمال، فيفترض هذا ويعرّفه بذلك، هذا التعريف أيضاً فيه مشكلة وترِد عليه نفس المشكلة السابقة وهي أنّ العقل الذي هو أحد الأدلة التي يستدل بها على الاستصحاب لا يُدرك الأخذ والإبقاء، وقلنا أنّ العقل ليس من شأنه الحكم، وإنّما من شأنه الإدراك، وما يدركه العقل هو بقاء الحالة السابقة ظنّاً، العقل لا يدرك الأخذ بالحالة السابقة، أو إبقاء ما كان سابقاً، هذه كلها أمور لا يدركها العقل؛ لأنه ليس من شأنه الحكم، وإنّما ما يدركه العقل هو بقاء الحالة السابقة ظنّاً لا على نحو الجزم واليقين، فيواجه نفس المشكلة السابقة. هذا كله إذا كان لابدّ من تعريف الاستصحاب تعريفاً يكون محوراً لكل هذه الفروض، فأحسن شيءٍ تعريفه بما ذكرناه قبل قليل . هذا البحث لا تترتب عليه ثمرة عملية واضحة .