38/05/03
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/05/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: حكومة حديث لا ضرر ولا حرج على قاعدة الاحتياط
المحاولة الثالثة: - لتصحيح ما ذكره المحقق الخراساني – أنه لا مانع من جعل الاحتياط الوجوبي في المقام بملاك اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية الالزامية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية حتى في موارد الاشتباه والالتباس المقرونة بالعلم الإجمالي فإن هذا الاهتمام من المولى يصلح لأن يكون ملاكا لجعل وجوب الاحتياط شرعا كما هو ملاك لحكم العقل بوجوب الاحتياط باعتبار أن حكم العقل بوجوب الاحتياط مبني على اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية اللزومية بما لها من الملاكات والمبادئ حتى في موارد الاشتباه والالتباس فهذا الاهتمام ملاك لحكم العقل بوجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي كما أنه يصلح ان يكون ملاكا لوجوب الاحتياط بجعل هذا الوجوب من قبل الشارع فإذا كان هذا الاحتياط ضرريا أو حرجيا فلا مانع من تطبيق قاعدة لا ضرر ولا حرج عليه ورفع وجوب الاحتياط ولكن لا يمكن رفع وجوب الاحتياط إلا برفع ملاكه وهو اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية حتى في موارد الاشتباه والالتباس المقرونة بالعلم الإجمالي فإن ارتفاع وجوب الاحتياط شرعا وانتفائه بقاعدة لا ضرر ولا حرج إنما هو بنفي ملاكه لما ذكرناه غير مرة من ان حقيقة الحكم وروحه سواء كان حكما واقعيا ام كان حكما ظاهريا ملاكه واما الحكم بما هو اعتبار فلا قيمة له ولا أثر له، ورفع الحكم الظاهري وهو وجوب الاحتياط شرعا إنما يكون برفع ملاكه وهو اهتمام المولى في الحفاظ عل الأحكام الواقعية بما لها من الملاكات والمبادئ حتى في موارد الاشتباه والالتباس المقرونة بالعلم الإجمالي هذا مضافا إلى أن الأحكام الظاهرية ليست أحكاما مولوية نفسية بل هي أحكام طريقية ولا شأن لها غير تنجيز الواقع عند الإصابة والتعذير عند الخطأ ولهذا لا ملاك في متعلق الأحكام الظاهرية ولا مثوبة على موافقتها ولا عقوبة على مخالفتها ومن هنا لا تكون الأحكام الظاهرية أحكاما مولوية شرعية فمن هذه الناحية لا يمكن رفعها الا بارتفاع ملاكها فإذا ارتفع ملاك الحكم الظاهري كان لازم ارتفاعه الترخيص من قبل الشارع في ارتكاب أطراف العلم الإجمالي وحينئذ ينتفي حكم العقل بوجوب الاحتياط بانتفاء موضوعه لأن موضوع حكم العقل هو هذا الاهتمام من المولى ومعنى انتفاء اهتمام المولى هو الترخيص في ارتكاب أطراف العلم الإجمالي فيكون العلم الإجمالي كلا علم من هذه الناحية بارتفاع موضوعه.
وعلى هذا فلا مانع مما ذكره المحقق الخراساني(قده) من ان مفاد قاعدة لا ضرر ولا حرج نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.
والجواب عن ذلك: أنه لا يمكن جعل إيجاب الاحتياط في المقام لا ثبوتا ولا إثباتا.
أما ثبوتا: فإن استقلال العقل بوجوب الاحتياط في المقام من جهة اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية حتى في موارد الاشتباه والالتباس مانع عن جعل وجوب الاحتياط من قبل الشارع لأنه لغو، وهذا نظير أمر الشارع بالإطاعة فإنه لا يحمل على المولوية فرارا من اللغوية بعد استقلال العقل بوجوب إطاعة المولى وقبح معصيته، وعلى هذا لا يمكن ان يكون وجوب الطاعة وجوبا مولويا شرعيا ولا يمكن ان تكون حرمة المعصية حرمة مولولية شرعية. هذا على المشهور بين الأصحاب.
ولكن ذكرنا في محله أنه لا مانع ثبوتا من أن يكون الأمر بالإطاعة أمرا مولويا ولا مانع ثبوتا من أن يكون النهي عن المعصية نهيا مولويا ولا تلزم اللغوية طالما أمكن حمل حكم الشارع في المقام على التأكيد لحكم العقل وجدانا بمعنى أنه اجتمع على طاعة المولى محركان: هما حكم العقل فإنه محرك للعبد نحو الطاعة ويدعوه إليها وحكم الشارع فإنه أيضا يكون محركا للمكلف نحو طاعة المولى ويدعوه إليها، فإذا اجتمع كلا المحركين كانت دعوتهما إلى الطاعة أقوى من دعوة كلا منهما منفردا فمن أجل ذلك لا تكون مولوية أمر المولى بالطاعة لغوية بل هي تأكيد لداعوية حكم العقل ومحركيته وكذلك لا تكون مولوية نهي المولى عن المعصية لغوية لأنها مؤكدة لحكم العقل بقبح المعصية.
فالنتيجة: انه لا مانع من جعل الشارع وجوب الاحتياط في المقام فإنه لا يكون لغوا بل هو مؤكد لحكم العقل بوجوب الاحتياط بملاك اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية حتى في موارد الاشتباه والالتباس، وكذلك الشارع فإنه أوجب هذا الاحتياط بنفس هذا الملاك وحكم الشارع هذا مؤكد لحكم العقل فلا يكون لغوا.
وعليه لا مانع من كون وجوب الاحتياط في المقام وجوبا شرعيا.
هذا بحسب مقام الثبوت.
واما في مقام الإثبات: فإنه لا دليل على جعل وجوب الاحتياط شرعا كما أنه لا دليل على كون الأمر بالإطاعة أمرا مولويا والنهي عن المعصية نهيا مولويا، بل أن جميع أوامر الإطاعة وجميع النواهي عن المعصية مفادها الإرشاد إلى حكم العقل، وحقيقة الإرشاد هو الإخبار وكأن المولى أخبر عن حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية فلا يكون هنا أمر مولوي بالإطاعة ولا نهي مولوي عن المعصية كما انه ليس هنا أي دليل على وجوب الاحتياط شرعا، وعلى هذا يكون القصور في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت.
هذا أولاً.
وثانياً: مع الإغماض عن ذلك وتسليم أن وجوب الاحتياط مجعول من قبل الشارع ولا مانع من جعله شرعا، ولكن ملاك وجوب الاحتياط شرعا هو اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية حتى في موارد الاشتباه والالتباس أي في موارد الشبهات الحكمية المقرونة بالعلم الإجمالي، واما ملاك حكم العقل بوجوب الاحتياط فهو تنجيز العلم الإجمالي لا أنه اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية.
وعلى هذا: فإذا كان وجوب الاحتياط شرعا ضرريا او حرجيا فهو مرفوع بحديث لا ضرر ولا حرج وذلك برفع ملاكه وهو اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية، واما ملاك حكم العقل بوجوب الاحتياط فهو باق على حاله فلا يكون مرفوعا.
وعلى هذا لا تنافي بين وجوب الاحتياط شرعا وبين وجوب الاحتياط عقلا لأن وجوب الاحتياط شرعا ناشئ من ملاك مخالف لملاك وجوب الاحتياط عقلا.
هذا كله على مسلك المحقق الخراساني(قده).