38/05/02
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/05/02
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: حاكمية حديث لا ضرر ولا حرج على قاعدة الاحتياط.
إلى هنا قد تبين أن ما ذكره صاحب الكفاية(قده) من أن مفاد حديث لا ضرر نفي الحكم حقيقة بلسان نفي الموضوع ونفي المتعلق لا يمكن المساعدة عليه لما تقدم من الإشكالين اللذين أوردهما السيد الاستاذ(قده) على ذلك وما ذكره السيد الاستاذ متين جدا.
ولكن مع ذلك توجد مجموعة من المحاولات يمكن من خلالها تصحيح ما ذكره صاحب الكفاية(قده) في مفاد حديث لا ضرر ولا حرج:
المحاولة الأولى: قد يدعى شمول لا ضرر ولا حرج للاحتياط الثابت وجوبه بحكم العقل على أساس أن وجوب الاحتياط تابع لتنجز الأحكام اللزومية الواقعية في الواقع بالعلم الإجمالي وتنجز تلك الأحكام يوجب الاحتياط فوجوب الاحتياط تابع لها ولا مانع من التمسك بقاعدة لا ضرر ولا حرج لنفي وجوب الاحتياط بنفي منشأه تبعا لأن منشأ وجوب الاحتياط هو الأحكام الشرعية اللزومية المنجزة بالعلم الإجمالي ولا مبرر لتخصيص قاعدة لا ضرر بالأحكام الشرعية فقط.
والجواب عن ذلك: أن قاعدة لا ضرر ولا حرج ظاهرة في نفي الحكم بلسان نفي الموضوع إذا كان الموضوع ضرريا وظاهر حديث لا ضرر ولا حرج هو ان يكون متعلق الحكم الشرعي بنفسه ضرريا أو حرجيا والمفروض في المقام ان الحكم الشرعي ليس ضرريا ولا حرجيا فإن متعلقه ليس ضرريا ولا حرجيا والضرر إنما نشأ من الجمع بينه وبين سائر المحتملات في أطراف العلم الإجمالي والحاكم بهذا الجمع هو العقل من جهة تنجز الحكم التكليفي وهو المعلوم بالإجمال المردد بين هذه الأطراف فهذا الجمع يكون ضرريا والمفروض أن هذا الجمع ليس هو متعلقا للحكم الشرعي بل هو متعلق لحكم العقل ومن الواضح ان حديث لا ضرر لا يدل على نفي الحكم العقلي بنفي موضوعه لا ثبوتا ولا إثباتا.
نعم لا مانع ثبوتا من دلالة حديث لا ضرر على نفي حكم العقل بوجوب الاحتياط بنفي منشأه وهو الحكم الشرعي المنجز ولكن في مقام الإثبات لا يدل حديث لا ضرر على ذلك، بل هو ظاهر في نفي الحكم الشرعي بنفي موضوعه كما في سائر الأدلة مثل لا ربا بين الوالد والولد ولا رهبانية في الإسلام وما شاكل ذلك.
والحاصل: ان الحديث وإن أمكن ثوبتا نفي وجوب الاحتياط فيه بنفي منشأه وهو الحكم الشرعي المنجز في العلم الإجمالي إلا أنه في مقام الإثبات قاصر عن الدلالة على ذلك.
وعلى هذا لا يتم ما ذكر في هذه المحاولة.
المحاولة الثانية: ان متعلق التكليف بنفسه ليس ضرريا ولا حرجيا إلا أن ذات المتعلق ذو حصتين: حصة منها مقترنة بالاحتياط أي بالجمع بين المحتملات في أطراف العلم الإجمالي، وحصة اخرى منها لم تكن مقترنة مع الاحتياط.
اما الحصة الأولى: فالضرر إنما هو في الجمع بينها وبين سائر المحتملات في أطراف العلم الإجمالي لا في نفس الحصة إذ الحصة بنفسها ليست حرجية ولا ضررية باعتبار ان الحرج والضرر إنما هو في الجمع بينها وبين سائر المحتملات في أطراف العلم الإجمالي والمفروض أن الجمع بينها وبين سائر الأطراف ليس متعلقا للحكم الشرعي لأن الحاكم به العقل فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر أو لا حرج لنفي الحكم العقلي باعتبار انه حديث شرعي مختص بنفي الأحكام الشرعية إذا كانت ضررية أو حرجية ولا تعم الأحكام العقلية.
واما الجامع بين هذه الحصة المقترنة بالجمع بين المحتملات في أطراف العلم الإجمالي والحصة الأخرى غير مقترنة بالاحتياط هذا الجامع ليس ضرريا ولا حرجيا لأن الجمع بين الحصة الضررية والحصة غير الضررية غير ضرري كالجمع بين المقدور وبين غير المقدور فإنه مقدور لأن الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور، وفي المقام الجامع بين الحصة الحرجية أو الضررية وهي الحصة غير المقترنة بالاحتياط والحصة الحرجية أو الضررية وهي الحصة المقترنة بالاحتياط الجامع بين هاتين الحصتين غير حرجي أو غير ضرري حتى يكون مرفوعا بحديث لا حرج ولا ضرر إلا أن الحصة غير المقترنة بالاحتياط التي هي متعلق التكليف الشرعي في الواقع من ناحية جهل المكلف بها وترددها بين أطراف العلم الإجمالي فلا يعلم تمثلها في هذا المحتمل او في ذاك لا تكون مقدورة للمكلف فعندئذ يكون الجمع بينها وبين الحصة المقترنة بالاحتياط حرجي وضرري فإنه جمع بين الفعلين الضررين أو الحرجيين والجمع الذي يكون كذلك ضرري او حرجي.
ونظير ذلك ما إذا علم المكلف أنه مكلف بالصلاة ولكن لا يدري انه مكلف بالصلاة في مسجد الكوفة او بالصلاة في الحرم وكانت الصلاة في مسجد الكوفة حرجية او ضررية والصلاة في الحرم غير مقدورة فبطبيعة الحال يكون الجمع بين الحصتين من الصلاة ضرري أو حرجي، ولكن هذا الجمع مرفوع بحديث لا ضرر ولا حرج.
والجواب عن ذلك واضح: فإن الحصة غير المقترنة وإن كانت غير مقدورة من جهة جهل المكلف بها إلا أن ذلك لا يوجب كون متعلق التكليف الواقعي حرجيا او ضرريا إذ لا شبهة في ان متعلق التكليف الواقعي ليس بضرري ولا حرجي في حال انفتاح باب العلم والعلمي.
وبعبارة أخرى: إن متعلقات التكاليف الواقعية بنفسها ليست بحرجية ولا ضررية سواء كان المكلف قادرا عليها أم لم يكن قادرا عليها؛ لأن الضرر والحرج إنما نشأ من الجمع بينها وبين المحتملات في أطراف العلم الإجمالي والجمع ليس متعلقا للحكم الشرعي لأن الحاكم به العقل والمفروض أن حكم العقل ليس مشمول لحديث لا ضرر، ولا يقاس ذلك بمثال الصلاة فإن الأمر إذا دار بين الصلاة في مسجد الكوفة والصلاة في الحرم وفرض أن الصلاة في الحرم غير مقدورة وحينئذ يتعين الاتيان بالصلاة في مسجد الكوفة حال كون المكلف يعلم بوجوب أحداهما فإذا فرض أن الصلاة في مسجد الكوفة ضررية او حرجية فوجوبها مرفوع بحديث لا ضرر وبحديث لا حرج.
وفي المقام ليس الأمر كذلك لأن كلتا الحصتين في المقام حرجية أو ضررية اما ضررية الحصة المقترنة بالاحتياط أي بالجمع بين أطراف العلم الإجمالي فواضحة واما الحصة غير المقترنة بالاحتياط فضرريتها وحرجيتها من جهة عدم قدرة المكلف عليها حال كونها مجهولة وعدم العلم بتمثلها في محتمل بعينه.
وعلى هذا فما هو حرجي وضرري ليس هو متعلقا للتكليف وما هو متعلق التكليف الشرعي في الواقع ليس بحرجي وضرري فمن أجل ذلك لا تتم هذه المحاولة.