38/04/26
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/04/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: دليل الانسداد
بقي هنا مسألتان:
المسألة الأولى: هل للفقيه الانسدادي الرجوع إلى سائر القواعد كقاعدة الاستصحاب وقاعدة القرعة وفتوى الفقيه الذي يرى انفتاح باب العلمي أم لا يجوز له ذلك؟
والجواب عن ذلك: أما الاستصحاب فإن كان الدليل على حجيته الروايات ــــ كما هو كذلك ـــ فلا يكون حجة لأن الروايات لا تكون حجة على القول بالانسداد، فلا أثر للاستصحاب إلا إذا كان الدليل عليه الروايات المتواترة او بناء العقلاء الممضى شرعا.
ولكن هذا الاستصحاب باعتباره نافيا للتكليف لا يجري في أطراف العلم الإجمالي لاستلزامه المخالفة القطعية العملية أو الخروج من الدين، ومن هنا لا يمكن التمسك بهذا الاستصحاب كما لا يمكن التمسك بالبراءة العقلية لعدم جريانها في أطراف العلم الإجمالي.
واما الاستصحاب المثبت للتكليف في الشبهات الحكمية فهو قليل ولا يجدي في انحلال العلم الإجمالي ولا أثر له.
ومع ذلك فقد أجيب عن هذا الاستصحاب بجوابين:
الجواب الأول: أن هذا الاستصحاب من قبيل الاستصحاب في الشبهات الحكمية وهو غير جار فيها ـــ كما بنى عليه السيد الاستاذ (قد) وبنينا عليه أيضا ــ بل هو مختص بالشبهات الموضوعية.
الجواب الثاني: ما ذكره شيخنا الانصاري(قده) والمحقق النائيني من ان هناك مانع من جريان الاستصحاب غاية الامر ان شيخنا الانصاري يرى ان المانع إثباتي والمحقق النائيني يرى ان المانع من جريان هذا الاستصحاب ثبوتي لا إثباتي.
بيان ذلك: إن هناك تعارض بين إطلاق صدر أدلة الاستصحاب وإطلاق ذيلها فإنه قد ورد فيها: ( لا تنقض اليقين أبدا بالشك)[1] ومقتضى إطلاق ذلك أنه يشمل الشبهات البدوية ويشمل الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ولكن ذيل هذه الروايات: ( وإنما تنقضه بيقين آخر) والمراد من اليقين الآخر أعم من اليقين التفصيلي واليقين الإجمالي ولازم إطلاق الذيل ان الاستصحاب لا يجري في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي باعتبار ان اليقين الإجمالي موجود وهو ناقض للاستصحاب وهذا يعني اختصاصه بالشبهات البدوية. فيقع التعارض بين مقتضى إطلاق الصدر ومقتضى إطلاق الذيل. فيسقطان معا من جهة المعارضة إذ لا مرجح في البين.
فتصبح روايات الاستصحاب مجملة ولا إطلاق لها والقدر المتيقن منها جريان الاستصحاب في الشبهات البدوية وحينئذ لا يجري في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي.
والجواب عن ذلك واضح: وهو أن المراد من اليقين في الذيل: ( ولكن تنقضه بقين آخر) هو اليقين التفصيلي لا الأعم منه ومن الإجمالي لأن اليقين الإجمالي لا يصلح لأن يكون ناقضا إذ اليقين الناقض لا بد ان يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق واليقن الإجمالي ليس كذلك لأنه متعلق بالجامع واما اليقين التفصيلي فهو متعلق بالفرد وذلك كما إذا علم إجمالا بطهارة احد إناءين بعد العلم بنجاستهما فالعلم الإجمالي تعلق بالجامع وهو طهارة أحد الإناءين والعلم التفصيلي تعلق بخصوص نجاسة الإناء الشرقي والإناء الغربي ومن الواضح أن العلم الإجمالي لا يصلح أن يكون ناقضا لأن متعلقه غير متعلق اليقين التفصيلي باعتبار ان متعلق اليقين التفصيلي الفرد بحده الفردي ومتعلق اليقين الإجمالي الجامع فكيف يكون ناقضا له.
وعلى هذا فلامحالة يكون المراد من اليقين الناقض في ذيل الرواية هو اليقين التفصيلي. ويترتب عليه أنه لا تعارض بين إطلاق ذيل روايات الاستصحاب وإطلاق صدرها. هذا مضافا إلى أن روايات الاستصحاب على طائفتين:
الطائفة الأولى: تكون مذيلة بهذا الذيل: ( ولكن تنقضه بيقين آخر).
الطائفة الثانية: لا تكون مذيلة بهذا الذيل بل هي مطلقة؛ لأنه قد ورد فيها: (فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً)[2] ، وبإطلاقها تشمل الشبهات البدوية والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي.
فإذا فرضنا سقوط الطائفة الأولى من جهة المعارضة عن الاعتبار وأصبحت مجملة فلا مانع من التمسك بالطائفة الثانية.
وعلى هذا فلا يمكن المساعدة على ما ذكره شيخنا الأنصاري من الإشكال الإثباتي.
وأما ما ذكره المحقق النائيني(قده): فقد ذكر انه لا قصور في أدلة الاستصحاب عن شمولها لأطراف العلم الإجمالي ولكن يوجد مانع من ذلك ثبوتي، فلو فرض أن المكلف توضأ في ماء ثم شك في انه نجس أم طاهر، فإنه يتولد من هذا الشك شكان:
احدهما: الشك في ان أعضاء وضوئه هل تنجست أم انها باقية على الطاهرة؟ فإن كان الماء نجسا تنجست أعضاء وضوئه وإن كان طاهرا فهي باقية على طهارتها.
الثاني: أن هذا الوضوء رافع للحدث أو لا يكون كذلك، فإن كان الماء طاهرا فالوضوء صحيح ورافع للحدث وأن كان نجسا فلا يكون صحيحا ولا رافعا للحدث. ففي مثل ذلك هل يجري استصحاب بقاء طاهرة أعضاء الوضوء واستصحاب بقاء حدث المكلف مع العلم الإجمالي ببطلان أحدهما؟
ومن أمثلة ذلك: ما إذا علم تفصيلا بنجاسة كلا الإناءين: الأبيض والأسود ثم علمنا بطهارة احدهما إما باتصاله بالكر او بالمكاء الجاري او بماء المطر فهل هذا العلم الإجمالي مانع عن استصحاب بقاء نجاسة كل منهما او لا يكون مانعا؟
الصحيح: انه لا يكون مانعا فإن المانع عن جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي لزوم المخالفة القطعية العملية وفي المقام لا تلزم المخالفة القطعية العملية لا في المثال الأول ولا في المثال الثاني، وإنما تلزم المخالفة القطعية الالتزامية وهي لا تكون مانعة عن جريان الأصول المؤمنة في أطراف العلم الإجمالي.
ولكن المحقق النائيني منع جريان كلا الاستصحابين لأن معنى ذلك هو التعبد على خلاف العلم الوجداني لأن المكلف يعلم وجدانا بطهارة أحد الإناءين.
ولكن لا يمكن المساعدة عليه؛ إذ ليس هذا التعبد على خلاف العلم الوجداني لأن العلم الوجداني قد تعلق بالجامع وهو طهارة احدهما واما الاستصحاب فقد تعلق بالفرد وهو بقاء نجاسة الإناء الأبيض بخصوصه وبقاء نجاسة الإناء الأسود بخصوصه فما تعلق به التعبد غير ما تعلق به العلم الوجداني فلا يكون التعبد على خلاف العلم الوجداني حتى يقال بعدم إمكان جريان هذا الاستصحاب.
فالنتيجة: عدم تمامية شيء من هذين الإشكالين.
ثم أن صحاب الكفاية[3] (قده) ذكر ان عملية الاستصحاب تدريجية في المسائل الفقهية ولا يمكن ان تكون دفعية بل تطول إلى فترة زمنية طويلة.
وعلى هذا ففي كل مسألة يقوم المجتهد بعملية الاستنباط في كل طرف من أطراف العلم الإجمالي الكبير وابتلى بالاستصحاب فلا مانع من جريانه لأنه غافل عن الاستصحاب في سائر أطراف العلم الإجمالي فموضوع الاستصحاب متحقق في هذه المسألة لا في سائر المسائل فلا مانع من جريان الاستصحاب فيها وعدم جريانه في سائر المسائل وهكذا إلى ان ينتهي من عملية الاستنباط.
والجواب عن ذلك أيضا واضح: أنه نعم هو في حال عملية الاستنباط ربما كان غافلا عن سائر المسائل في أطراف العلم الإجمالي الكبير إلا أنه بعد تمامية عملية الاستنباط يعلم إن بعض هذه الاستصحابات مخالف للواقع فكيف يمكنه الافتاء بالجميع مع علمه بمخالفة بعض هذه الفتاوى للواقع وحينئذ.
فما ذكره صاحب الكفاية(قده) لا يحل المشكلة أيضا.
واما القرعة: فدليلها الروايات والمفروض أنها لا تكون حجة على القول بالانسداد مضافا إلى اختصاص القرعة في الشبهات الموضوعية ولا تجري في الشبهات الحكمية، وما نحن فيه هو الشبهات الحكمية.
واما فتوى الفقيه الانفتاحي فليس للمجتهد الانسدادي الرجوع إليه لأنه يرى خطأ هذه الفتوى باعتبار أنه يرى عدم الدليل على حجية الأخبار لقصور الدليل عليها ولأجل ذلك يقول بالانسداد.
هذا تمام كلامنا في هذه المسألة.