38/04/29
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الفقه
38/04/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: زكاة الفطرة.
ذكر الماتن (قدس الله نفسه): (مسألة 2): لا يشترط في وجوبها الإسلام فتجب على الكافر لكن لا يصح أداؤها منه ، وإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه، وأما المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه)[1] .
يقع الكلام في هذه المسالة في مقامين.
المقام الاول: في اصل تكليف الكفار بالزكاة وبغيرها من الاحكام الفرعية.
المقام الثاني: اذا كان الكفار مكلفون بالفروع فهل تصح منهم الصلاة والزكاة وغيرها من العبادات او لا تصح منهم؟
اما الكلام في المقام الاول فقد تقدم الكلام فيه وبقي بعض الخصوصيات ولا باس بالتعرض اليها وذكرنا ان الكفار ليس مكلفين بالفروع طالما لم يكونوا عاملين بالاصول فان تكليفهم بالفروع فرع إيمانهم بالاصول فاذا كانوا مؤمنين بالاصول فحينئذ يكونوا مكلفين بالفروع ، والنكتة في ذلك واضحة فان الاسلام متمثل بكلمتين كلمة التوحيد وكلمة الرسالة فمن آمن بهما فهو مسلم محقون الدم والعرض والمال سواء أكان شيعيا ام سنيا ام زيديا او ما شاكل ذلك من الطوائف فأي طائفة اذا كان مؤمنا بهاتين الكلمتين فهو مسلم ، هذا هو اساس الاسلام والقاسم المشترك بين جميع المسلمين ، ومن الواضح ان الايمان بالرسالة يستلزم الايمان بما اشتملت عليه الرسالة من الاحكام الشرعية الالزامية من الوجوبات والتحريمات وغيرهما من الاحكام الوضعية فان رسالة النبي الاكرم مشتملة على جميع الاحكام الفرعية ومنها ولاية الائمة الاطهار عليهم السلام وولاية علي ابن ابي طالب عليه السلام واولاده الطاهرين فهي مشتملة على ذلك ومن لم يؤمن برسالة الرسول الاكرم فكيف يكون مكلفا بالفروع؟! فان التكليف بالفروع فرع الايمان بالرسالة فمن لم يؤمن برسالة النبي الاكرم فكيف يكون مكلفا بالفروع؟! ولهذا التكليف بالفروع لا يمكن ان يكون في عرض تكليفهم بالاصول بل هي في طولها فان التكليف بالفروع في طول التكليف بالاصول والايمان بالفروع في طول الايمان بالاصول ولهذا ما هو المشهور بين الاصحاب ـــ الا بعض الاخباريين وبعض الاصوليين الذين قالوا بان الكفار ليس مكلفين بالفروع طالما لم يكونوا مؤمنين برسالة النبي الاكرم ـــ من ان الكفار مكلفين بالفروع في عرض التكليف بالاصول لا يمكن اثبات ذلك بدليل وان استدلوا على ذلك بجملة من الآيات فان كثير من الآيات الخطاب موجه الى المؤمنين والى المسلمين ولكن هناك آيات فيها خطاب موجه الى الكافرين.
منها: قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾[2] وذكرنا سابقا ان عدم الاتيان بالزكاة صفة مميزة بين المشركين والمسلمين لا ان عقاب المشركين من جهة تركهم الزكاة فان شركهم يكفي في عقابهم فلا تصل النوبة الى ترك الصلاة والزكاة ، فهذه صفة مميزة بين المسلمين الملتزمين بإعطاء الزكاة وبين المشركين الذي لا يدفعون الزكاة ولا اقل من الاجمال.
ومنها: قوله تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ،حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾[3] ، لا شبهة في ان تكذيبهم بالدين هو سبب للعقوبة والادانة ولعذابهم فلا يصل الامر الى ترك الصلاة وترك الاطعام فليس في اطعام المسكين عقاب الا في بعض الموارد فالظاهر من قوله تعالى (لم نكن من المصلين) أي لم نكن من المسلمين حتى نكون من المصلين ونكون نطعم المسكين فالظاهر ان هذه الكلمة مقدرة ولا اقل من الاجمال.
ومنها: قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ، وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ، وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾[4] فالظاهر ان الآية راجعة الى بني اسرائيل لا الى المشركين في زمن النبي الاكرم لان لكل دين صلاة وصيام تختلف عن الصلاة في الاسلام ، فاذن الآية الظاهر انها راجعة الى بني اسرائيل في عصرهم لا الى المشركين عصر النبي الاكرم.
واما الروايات التي يستدل بها على ان الكفار مكلفون بالفروع فهي اكثرها ضعيفة من ناحية السند الا رواية واحدة وهي رواية سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أخبرني عن الفرائض التي فرض الله على العباد ، ما هي؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلوات الخمس ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، والولاية ، فمن أقامهن ، وسدد ، وقارب ، واجتنب كل مسكر ، دخل الجنة)[5] . وهذه الرواية لا تدل على ان الكفار مكلفون بالفروع فهذه الرواية في مقام بيان تعداد الواجب من الاصول والفروع وليست في مقام بيان ان تكليف الكفار فرع تكليفهم بالاصول او في عرض تكليفهم بالاصول.
واما الروايات التي تدل على ان الكفار ليس مكلفين بالفروع طالما لم يكونوا مؤمنين بالاصول فهذه الروايات وان كانت اكثرها ضعيف الا ان هنا رواية صحيحة وهي صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق ؟ فقال: إن الله عز وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فإن معرفة الإمام منا واجبة ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ، فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة ان من لم يؤمن بالله ورسوله فكيف يجب عليه معرفة الامام ورسوله ويعرف حقهما ؟ ! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على اولئك حق معرفتكم ؟ قال: نعم أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا ؟ قلت: بلى، قال: أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلا الله تعالى)[6] ، مع ان معرفة الامام من الفروع وليست من الاصول فهذه الصحيحة واضحة الدلالة على ان الكفار ليس مكلفين بالفروع إذ لا خصوصية لمعرفة الامام فطبعا جميع الاحكام الفرعية لا يكون الكافر مكلفا بها طالما لم يؤمن بالله ورسوله ولا يكون مكلفا بالاحكام الفرعية ومنها الامامة.
هذا ملخص كلامنا في تكليف الكفار بالفروع وعدم تكليفهم بها وظهر ان الصحيح هو ان الكفار ليس مكلفين بالفروع طالما لم يكون مؤمنين بالاصول.
واما الكلام في المقام الثاني وهو ما اذا فرضنا ان الكفار مكلفون بالفروع فهل يصح اداء الفروع واداء العبادة منهم او لا يصح؟
الجواب: المعروف والمشهور بين الاصحاب انه لا يصح ولكن هذا غير صحيح فان المعروف والمشهور ان قصد التقرب لا يتمشى من الكافر من جهة انه مبغوض وهذا ليس دليلا اذ لا مانع من قصد التقرب من الكافر فان قصد التقرب ناشئ من أبغض من الكافر كالناصب لأهل البيت بحسب الروايات فهو أبغض من الكافر مع انه مسلم ويتمشى منه قصد القربى ، اذن ليس عدم الصحة من هذه الناحية ولا مانع تمشي قصد القربى من الكافر اذ معنى قصد القربى هو الاتيان بالفعل لله تعالى ولهذا يعتبر في قصد القربى ان يكون الفعل محبوبا واما اذا لم يكن محبوبا لله تعالى فلا يمكن التقرب به لله تعالى هذا هو الشرط في صحة قصد القربى اما الفاعل لهذا القصد أي شخص كان كافرا او ناصبيا او مسلما او مشركا فلا مانع من هذه الناحية.
نعم قد استدل على بطلان عبادة الكافر بجملة من الروايات نتكلم فيها ان شاء الله تعالى.