38/03/19
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
هنا إشكالان على جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي: أحدهما إثباتي والآخر ثبوتي.
أما الإثباتي فقد أبداه شيخنا الأنصاري(قده) بدعوى أن روايات الاستصحاب قاصرة عن شمول أطراف العلم الإجمالي لأن شمولها لأطراف العلم الإجمالي يلزم منه التناقض بين إطلاق صدرها وإطلاق ذيلها، ذلك لأن الوارد في صدر روايات الاستصحاب قوله(ع) (لا تنقض اليقين بالشك)[1] أو (ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك)، والوارد في ذيل هذه الروايات (ولكن تنقضه بيقين آخر)، وإطلاق الصدر يشمل الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي والشبهات البدوية.
فصدر هذه الروايات بإطلاقه يشمل الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي والشبهات البدوية، وأما ذيلها فبإطلاقه يشمل اليقين التفصيلي واليقين الإجمالي معا، لصدق اليقين على كلاهما وصدر هذه الروايات يدل على حرمة نقض اليقين بالشك حرمة وضعية وإما ذيلها فبإطلاقه يدل على وجوب نقض اليقين باليقين أعم من كونه يقينا تفصيليا أو يقينا إجماليا والمفروض ان اليقين الإجمالي موجود في أطراف العلم الإجمالي وهذا يعني ان المكلف مأمور بنقض اليقين السابق بالقين الموجود في أطراف العلم الإجمالي وهو اليقين الإجمالي فعندئذ يلزم التناقض بين إطلاق الصدر الدال على حرمة نقض اليقين بالشك وبين إطلاق الذيل الدال على وجوب نقض اليقين السابق وهو اليقين التفصيلي باليقين وإن كان إجماليا.
وعلى هذا فلا يمكن أن تكون روايات الاستصحاب شاملة لأطراف العلم الإجمالي لاستلزامه التناقض بين إطلاق الصدر وإطلاق الذيل.
ولكن للنظر فيما أفاده(قده) مجال، لأن المراد من اليقين في ذيل هذه الروايات هو خصوص اليقين التفصيلي لا الأعم منه ومن اليقين الإجمالي وذلك بقرينة قطعية وهو أسناد النقض إليه؛ إذ اليقين إنما يكون ناقضا لليقين السابق فيما إذا تعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق، وإما إذا تعلق اليقين السابق بشيء واليقن اللاحق تعلق بشيء آخر فلا معنى للنقض لعدم ارتباط أحد اليقينين بالآخر ولا صلة بينهما، فإذا تيقنا بعدالة زيد ثم حصل اليقين بعدم عدالته فيصدق على اليقين اللاحق أنه ناقض لليقين السابق أي اليقين بعدالة زيد لأنه تعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق وكذا لو تيقن بموت زيد ثم حصل له اليقين بعدم موته.
وفيما نحن فيه اليقين الإجمالي لا يصلح أن يكون ناقضا لليقين السابق؛ لأن متعلق اليقين الإجمالي الجامع بحده الجامعي وهو عنوان أحدهما او عنوان أحدها ومتعلق اليقين التفصيلي الفرد بحده الفردي فيكون متعلق اليقين الإجمالي شيء ومتعلق اليقين التفصيلي شيء آخر فلا يكون اليقين الإجمالي ناقضا لليقين التفصيلي لعدم الصلة الارتباط بينهما.
ومن هنا لو علمنا بطهارة أحد الإناءين وكانا في السابق نجسين فاليقين التفصيلي تعلق بنجاسة كل منهما بحده الفردي أي بنجاسة الإناء بحده الغربي وبنجاسة الإناء الآخر بحده الشرقي، وأما اليقين الإجمالي فقد تعلق بطهارة أحدهما وهو الجامع الانتزاعي وعلى هذا لا يعقل ان يكون اليقين الإجمالي بطهارة أحدهما ناقضا لليقين بنجاسة كل منهما، وإنما الناقض لليقين التفصيلي بنجاسة الإناء بحده الغربي هو اليقين بعدم نجاسته وكذلك اليقين بعدم نجاسة الإناء الشرقي هو الناقض لليقين بنجاسته.
فالنتيجة أن ما ذكره شيخنا الأنصاري من المعارضة بين إطلاق صدر روايات الاستصحاب وإطلاق ذيلها لا يمكن المساعدة عليه بل لا يرجع إلى معنى صحيح.
هذا أولاً.
وثانياً: مع الإغماض عن ذلك وفرض التسليم بأن المراد من اليقين في ذيل روايات الاستصحاب هو ما يعم اليقين الإجمالي إلا أن روايات الاستصحاب على طائفتين: احداهما: تدل بإطلاق صدرها على حرمة نقض اليقين بالشك مطلقا في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي والشبهات البدوية وبإطلاق ذيلها تدل على وجوب نقض اليقين باليقين الأعم من اليقين التفصيلي واليقين الإجمالي.
واما الطائفة الثانية من هذه الروايات فلا تكون مذيلة بهذا الذيل فهي إذاً مطلقة وتدل على حرمة نقض اليقين بالشك.
وعلى هذا فما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) لو تم فإنما يتم في الطائفة الأولى من هذه الروايات فإنه استنادا إلى هذه الطائفة لا يمكن التمسك بجريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ولكن لا مانع من الاستدلال بالطائفة الثانية عل جريانه في أطراف العلم الإجمالي لأن الطائفة الثانية مطلقة وغير مذيلة بذيل(ولكن تنقضه بقين آخر).
فالنتيجة أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي إذا لم يستلزم المخالفة القطعية العملية.
واما الإشكال الثبوتي فقد أبداه المحقق النائيني(قده)[2] بدعوى ان المانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي هو مانع ثبوتي لا إثباتي، ذلك أنا لو فرضنا ان المكلف توضأ بماء ثم شك في نجاسة هذا الماء وطهارته فيتولد من هذا الشك شكان: أحدهما الشك في نجاسة أعضاء وضوئه فإن هذا الماء لو كان نجسا فقد تنجست أعضاء وضوئه، وثانيهما الشك في صحة هذا الوضوء وفساده لأن الماء إن كان طاهرا فوضوؤه صحيح ورافع للحدث وإن كان الماء نجسا فوضوؤه باطل وغير رافع للحدث، وفي مثل ذلك لا مانع من جريان كلا الاستصحابين استصحاب بقاء طهارة كل أعضاء وضوئه لأنه قبل استعمال هذا الماء كانت أعضاء وضوئه طاهرة ويشك بعد الوضوء بهذا الماء في بقاء هذه الطهارة فلا مانع من استصحاب بقائها. وكذلك في الفرض الثاني لا مانع من استصحاب بقاء الحدث فإنه قبل الوضوء بهذا الماء كان محدثا واما بعد الوضوء به فيشك في بقائه فلا مانع من استصحاب بقاء حدثه ولا تنافي بين الاستصحابين، لأن الاستصحاب لا يثبت مثبتاته حتى يقع التنافي بينهما.
ومن ذلك ما لو علم بنجاسة كلا الإناءين الأبيض والأسود ثم علم بطهارة احدهما إما بإصابة المطر أو بملاقاته للماء الجاري او الماء الكر وعلم بان احدهما أصابه المطر او لاقى الماء الجاري أو الماء الكر وهذا يعني علمه بطهارته ولكنه لا يدري أنه الإناء الأبيض أو الأسود ففي مثل ذلك لا مانع من جريان استصحاب بقاء نجاسة كل منهما أي نجاسة الإناء الأبيض ونجاسة الإناء الأسود وهذا العلم الإجمالي لا يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في أطرافه؛ إذ مانعيته عن جريان الاستصحاب لا محالة تكون بأحد أمرين:
الأول: ان يكون العلم الإجمالي رافعا لموضوع الاستصحاب، والمفروض أنه لا يكون رافعا له فإن موضوع الاستصحاب اليقين السابق والشك اللاحق وهو موجود بعد العلم الإجمالي بطهارة أحدهما أيضا.
الثاني: لزوم المخالفة القطعية العملية وفي المقام غير لازم؛ لأن المعلوم بالإجمالي حكم ترخيصي، والمحذور إنما يلزم لو كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا فعندئذ لا يمكن جريان الاستصحاب المثبت للحكم الترخيصي في أطرافه لاستلزامه المخالفة القطعية وأما إذا كان المعلوم بالإجمال حكما ترخيصيا كما في المقام فلا مانع من جريان الاستصحاب المثبت للتكليف الالزامي أي استصحاب بقاء نجاسة الإناء الأبيض واستصحاب بقاء نجاسة الإناء الأسود فعليه الاجتناب عن كلا الإناءين ظاهرا.
ولكن المحقق النائيني في هذين المثالين وما شاكلهما من الأمثلة منع عن جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي وذكر أن المانع ثبوتي.