34/08/13
تحمیل
الموضوع: مسألة 107
خلاصة ما تقدم في الدرس السابق ان الاية المباركة ظاهرة في وجوب التحمل ولو بمعونة الروايات الكثيرة التي فسرتها بالتحمل على مابيناه في الدرس السابق، والتعبير بلاينبغي في الروايات لاينافي الوجوب ،فإذا دل على الوجوب دليل يؤخذ به من دون محذور في ذلك ويضاف الى هذا ان الوجوب محل اتفاق علمائنا ولم يخالف في ذلك الا الشيخ بن ادريس باعتبار انه لايرى العمل بالاخبار وان الاية ظاهرة في الاداء لافي التحمل ، لكن من يعمل بالاخبار لابد من ان يحمل الاية على التحمل وقلنا ان الاية لها ظهور ابتدائي في الوجوب فلايرفع اليد عنه بلا مبرر ، ويؤيد ذلك رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا دعيت إلى الشهادة فأجب
[1]
.
فانه ليس فيها التعبير بلا ينبغي حتى يستشكل في ظهورها في الوجوب وانما هي امر بصيغة افعل وهي ظاهرة في الوجوب ،وانما قلنا يؤيد ذلك باعتبار ان الرواية غير تامة سنداً لان جراح المدائني لم تثبت وثاقته .
ثم بعد ذلك يقول الماتن (قده) : مع عدم الضرر .
قيد وجوب تحمل الشهادة اذا دعي اليها بعدم الضرر ،فمع عدم الضرر يجب التحمل واما إذا لزم من تحمله الشهادة الضرر فلايجب عليه ، وهذا القول ذكره غيره من الفقهاء تطبيقا للقواعد العامة باعتبار ان قاعدة لاضرر تقتضي عدم وجوب التحمل عندما يلزم منه الضرر.
ثم ان الفقهاء بعد اتفاقهم على وجوب التحمل ، أختلفوا في ان هذا الوجوب هل هو وجوب عيني او وجوب كفائي ؟
ذهب المتأخرون كافة كما ذكروا ذلك الى انه وجوب كفائي وحكي هذا القول عن الشيخ في المبسوط والنهاية والفاضلين والشهيدين والصيمري وغيرهم ، وحكي القول الاخر عن المفيد وابي الصلاح الحلبي وابن البراج والديلمي سلاّر وابن زهرة ، والذي يفهم من كلماتهم ان المراد بالعينية هو ان من يدعى الى الشهادة يجب عليه القبول والتحمل حتى إذا دعي اليها من يتحملها وكان به الكفاية ،فإذا فرض ان شخصاً ما دعى الى الشهادة رجلين عادلين او دعى رجل وامراتين وهؤلاء بهم الكفاية في باب الشهادة ودعى ايضاً رجل اخر فيجب عليه القبول وتحمل الشهادة .
وبطبيعة الحال يقابله الوجوب الكفائي الذي يرى ان من به الكفاية إذا دعي الى التحمل وتحمل الشهادة فلا يجب على غيره القبول والتحمل إذا دعي اليها لان الوجوب كفائياً وقد قام به الغير فيسقط عن الاخر .
ولكن يفهم من كلام السيد الماتن انه يفسر العينية بتفسير اخر- إذ انه يذهب الى كون الوجوب عينياً وهو ان من يدعى الى الشهادة يجب عليه القبول حتى إذا كان هناك من يمكن اشهاده واما إذا دعي غيره الى تحمل الشهادة وتحقق تحمل الشهادة من هذا الغير فلا يجب عليه القبول ، ويظهر الفرق بين التفسرين في حالة ماإذا دعي من له اهلية تحمل الشهادة وتحمل الشهادة ثم دعى شخصاً ثالثاً ، فعلى التفسير الاول للعينية يجب عليه القبول ،واما على التفسير الثاني للعينية فلايجب عليه القبول في هذه الحالة . هذا ولكن الذي يظهر من كلمات الفقهاء الذين اختاروا العينية هو التفسير الاول بمعنى انه إذا دعي الى الشهادة يجب عليه القبول مطلقاً سواء كان هناك من له اهلية تحمل الشهادة او لم يكن وسواء تحملها من به الكفاية او لم يتحملها .
ويدل على ان المستفاد من كلمات الفقهاء هو هذا المعنى من العينية هو ان من الادلة التي استدل بها القائلون بالكفائية الأولوية ومقصودهم من الأولوية هو ان أداء الشهادة بالاتفاق واجب كفائي ، وإذا كان أداء الشهادة واجب كفائي فتحملها اولى ان يكون واجبا كفائياً ، وقد اجاب عن هذا الدليل القائل بالعينية بالمنع من قياس مقام التحمل بمقام الاداء وأقامة الشهادة بأعتبار ان أداء الشهادة يحصل الغرض منه بمجرد أقامة الشهادة من قبل عادلين او من قبل رجل وامراتين في موارد قبول ذلك واقامة الشهادة من قبل غيرهما لايترتب عليه أي أثر فعندما يقيم من به الكفاية للشهادة يسقط عن الباقي أداء الشهادة ، وأما في محل تحمل الشهادة فإنه يمكن تصور فائدة لتحمل الشهادة بالرغم من تحمل من به الكفاية لها وهو انه يحتمل ان يعرض الموت او الفسق او الغيبة لمن تحمل الشهادة فيقوم غيره مقامه ممن تحملوا الشهادة ، وهذا الكلام ظاهر في ان مقصودهم من العينية خلاف ما يقوله السيد الماتن فان المقصود ان الشخص إذا دعي الى تحمل الشهادة يجب عليه القبول حتى إذا تحمل الشهادة من به الكفاية لإحتمال ان يموت احد الشاهدين او يغيب ، وليس مقصودهم انه يجب عليه القبول في صورة إذا كان هناك من له أهلية تحمل الشهادة .
واما ما هو الصحيح منهما فنؤخر الكلام فيه الى مابعد استعراض الادلة .
واما ان وجوب التحمل هل هو عينياً و كفائياً؟ فالظاهر ان الكل يسلمون ان الظهور الاولي من الادلة كتاباً وسنةً هو ان الوجوب عينياً كما هو الحال في سائر الاوامر فان الاصل فيها ان تكون عينية لاكفائية ،فالادلة التي تأمر بتحمل الشهادة مقتضاها ان يكون الوجوب عينياً فكل من دعي الى تحمل الشهادة لاينبغي له ان يقول لاأشهد كما ذكرت الروايات ، وهكذا الحال في الاية الشريفة (ولايأب الشهداء إذا مادعو) فانه يجب على الانسان القبول إذا دعي الى التحمل بناءً على تفسير الاية بالتحمل -كما تقدم - وهذا مقتضاه ان الوجوب عينياً سواء تحملها من به الكفاية او لم يتحملها من به الكفاية .
إذاً الظهور الاولي للادلة هو ان الوجوب عينياً لاكفائيياً.
وقد اعترف بهذا الظهور بعض من يقول بالكفائية كالسيد في الرياض لكنه ذكر بان اطباق المتأخرين على الكفائية يرجحه أي يرجح القول بالكفائية بالرغم من ان الظهور الاولي للادلة تقتضي العينية ، واستدل له بالأولوية كما اشرنا اليه من قبل .
وأقول : انه لايخفى بعد الاعتراف بان مقتضى الادلة كتاباً وسنةً هو العينية لا الكفائية فلا مجال لرفع اليد عن هذا لظهور بإطباق المتأخرين على الكفائية مع ذهاب جماعة من المتقدمين كما نقلنا الى العينية ،وأما الأولوية فقد تقدم الجواب عنها .
هذا ولكن المحقق النراقي في المستند استدل بدليل اخر كما ذكر في الرياض فقال : الاحسن ان يستدل على انه واجب كفائي بغير ماتقدم وحاصل ماذكره : التمسك بظاهر الاية الشريفة (ولايأب الشهداء إذا ما دعو ) باعتبار ان ظاهر الاية ان الله سبحانه وتعالى أمر اولاً بإستشهاد شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ثم قال (ولايأب الشهداء إذا ما دعو) وقيل ان اللام في الشهداء للعهد الذكري وحينئذٍ يكون المعنى ولايأب الرجلان او الرجل وامراتان عن الاجابة فالنهي عن الاباء الذي يستفاد منه وجوب القبول انما هو للرجلين او للرجل والمراتين لا لكل احدٍ ،وحينئذٍ إذا اجاب هؤلاء وتحملوا الشهادة فلا يكون هناك مايدعوا الاخرين الى تحمل الشهادة إذ لايوجد نهي عن اباءهم حتى يستكشف وجوب التحمل بالنسبة الى اليهم .
فيكون ظاهر الاية ايضاً كون الوجوب كفائياً لاعينياً .
ولكن يمكن التأمل في ماذكره من ان اللام في قوله تعالى (الشهداء ) للعهد الذكري ،إذ يحتمل ان تكون اللام في الاية للجنس أي لايأب جنس من له قابلية تحمل الشهادة عن القبول وهو عام للرجلين وغيرهم فلا داعي لتخصيص الشهادة بهؤلاء بدعوى ان اللام للعهد الذكري .
ولو تنزلنا وقلنا ان اللام للعهد الذكري ولكن يمكن ان يقال ان المعهود ليس هما الرجلان او الرجل والمراتان بل يمكن ان يكون المعهود هو الشهداء المذكور قبل الاية مباشرةً لان الاية تقول(فان لم يكونا رجلين فررجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء ولايأب الشهداء إذا ما دعو) فانه أقرب ومن الممكن ان يكون الشهداء عهداً ذكرياً والظاهر ان المراد من الشهداء في قوله تعالى (ممن ترضون من الشهداء ) ليس هو خصوص الرجلين او الرجل وامراتين بل هو معنى عام لان من للتبعيض بحسب الظاهر فيراد به مايشمل الرجلين وغيرهم أي من له قابلية تحمل الشهادة ثم تقول الاية ان هؤلاء الذين لهم قابلية تحمل الشهادة لايأبوا عن تحملها إذا مادعو اليها فلا يختص النهي بخصوص الرجلين او بالرجل وامراتين .
وعلى كل حال يبدو انما ذكره المحقق النراقي لايمكن التعويل عليه للقول بان دلالة الاية ظاهرة في الوجوب الكفائي .
ومن هنا يكون ماذهب اليه جماعة من المتقدمين وجماعة من المتأخرين جداً كالسيد الماتن وغيره من ان وجوب التحمل عينياً هو الصحيح .
هذا ولكن هذه النتيجة يوجد قبلها امران لابد من التحقق منهما حتى يمكن الالتزام بالعينية :
الاول: ما قيل من ان البناء على العينية يستلزم وجوب البناء على ان المائة او المئتين إذا دعو الى التحمل يجب عليهم الاجابة وهو بعيد .
الثاني : وقد ذكره السيد الماتن وهو ان المفهوم من الاية الشريفة وجوب الاجابة على من دعي الى تحمل الشهادة عند الاستشهاد وهو مختص بحسب ظاهر الاية بالرجلين او الرجل والمراتين المذكورين في صدر الاية، فكأنه قال الرجلان الذين استشهدا يجب عليهم تحمل الشهادة او الرجل والمراتان كذلك ، واما غيرهم فالاية ليس فيها دلالة على وجوب قبولهم للشهادة .فنصل الى نفس النتيجة التي وصل اليها المحقق النراقي غاية الامر ان الوجوب عنده كان كفائياً واما السيد الماتن يقول انه ليس كفائيا بل هو عينياً وليس المراد من الوجوب العيني ان كل من دعي الى تحمل الشهادة يجب عليه القبول وانما معناه ان من دعي الى تحمل الشهادة يجب عليه القبول حتى إذا كان هناك من له قابلية تحمل الشهادة واما إذا تحملها من به الكفاية فلا يجب على غيره تحملها .
[1] وسائل الشيعة(آل البيت) ج27،ص310، باب1من ابواب الشهادات ،ح3