38/01/14
تحمیل
الأستاذ السيد علي السبزواري
بحث الفقه
38/01/14
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شرائط الوضوء.
كان الكلام في انه يعتبر في الوضوء ان يؤتى به بداعي الامر المتعلق به وهذا معنى قصد التقرب ، وفي كل عبادة ومنها الوضوء لابد ان يؤتى بتلك العبادة بقصد القربى الى الله تعالى ن وقد ذكرنا ما يدل على اعتبار قصد التقرب وان كان هناك بعض الاشكالات وقد اجبنا عنها.
ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله) انه تارة يؤتى بالوضوء لأجل ان يتقرب الى الله تعالى لأنه اهل للطاعة واخرى يأتي بداعي الحصول على الثواب والجزاء وثالثة ان يأتي بالوضوء لأجل الخوف من النار وان لا يدخل النار ، هذه ثلاث مراتب ذكرها السيد الماتن في عبارته.
هذا الذي ذكره السيد الماتن وذكره الفقهاء وان نية القربى لها مراتب ودرجات وهذه المراتب تختلف بحسب حالات المتعبدين ومقاماتهم فان البعض يتعبد لان الله اهل للعبادة والبعض يتعب حبا لله تبارك وتعالى او يتعبد شكرا لله تبارك وتعالى والبعص لأجل دفع مرض او لأجل ثواب دنيوي او ثواب أخروي او عقاب دنيوي او عقاب أخروي.
ذكرنا فيما سبق ان عبادية العمل تتقوم بإضافة تلك العبادة الى الله تبارك وتعالى فبدون هذه الاضافة لا يكون هذا العمل عبادة ، والاضافة لها مراتب متعددة مثلا يأتي بالعمل بداعي الامر او بداعي التقرب الى الله والطاعة له او بداعي الشكر او بداعي الحب او بدواعي اخرى ، وعلى هذا جميع المسلمين بل مرتكزات العقلاء في عباداتهم ن فكل من يتعبد شيئا سواء كان ذلك الشيء هو الله تبارك وتعالى او غيره فانه يريد ان يأتي بشيء يترقب به الى المعبود ويضيف تلك العبادة الى المعبود فهناك اضافة بين ما يصدر من هذا العبد وبين المعبود ، الا ان هذه الاضافة لها مراتب متعددة وهذه المراتب كثيرة ولكنها وردت في بعض الروايات ما يدل عليه.
ومن تلك الروايات:-
الرواية الاولى:- قَالَ عليٌ (عليه السلام): (إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ ـ وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ ـ وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ)[1] .
الرواية الثانية:- هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : العبادة ثلاثة : قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة)[2] .
هذه الرواية فيها حبا له وهي عبادة الاحرار وفي تلك الرواية المروية في نهج البلاغة شكرا له ، فيتبين ان عبادة الاحرار اما ان يأتي بالعبادة شكرا له او يأتي بها حبا له او يأتي بها طاعة لأنه اهل للطاعة ، فهذه كلها تشير الى مرتبة واحدة.
الرواية الثالثة:- قول امير المؤمنين (عليه السلام): (ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك).
هذه الرواية رواها الكاشاني في الوافي مرسلا ورواها المجلسي (رحمه الله) في بحار الانوار وفي مرآة العقول ، ولكن المحدث العاملي في الوسائل يذكر انها رواية عامية وليست من الروايات التي وردت عند الشيعة.
وكيفما كان فان هذه الرواية تشير الى عبادة الاحرار وان عبادة الاحرار انما تكون شكرا لله او تكون حبا لله او تكون اهلا للطاعة.
ولكن استشكل بعض الفقهاء في عبادة العبيد وعبادة التجار والاجراء باعتبار ان اتيان العبادة رغبة في الثواب او اتيان العبادة دفعا للعقاب لا يكون بداعي الامر ولذا الشهيد (رحمه الله) في القواعد استشكل على هذه النية وقال ان هذه النية موجبة لبطلان العبادة ، وذكر العلامة في المسائل المهناوية ان مثل هذه العبادة لا ثواب عليها ن وذكر الفخر الرازي في تفسيره ان جميع المسلمين على بطلان هذه العبادة ، مما عدا البعض ان يقول انه لابد ان تكون هذه العبادة بنية الشكر او الحب او كونه اهلا للطاعة.
وذكر بعضهم انه تارة نأتي بعبادة بداعي الامر وداعي الامر يدعوا الى نأتي بهذه العبادة لأجل الثواب او لأجل دفع العقاب فحينئذ هو اتى بها بداعي الامر وقصد الامر ولكن قصد الامر داعيه هو الثواب او العقاب ، وتارة عكس ذلك فياتي بالعبادة من اجل الثواب مما يدعوه الى قصد الامر ، والقسم الاول هو الصحيح والقسم الثاني هو الباطل ن والذي يحكمون ببطلانه هو القسم الثاني ، فقالوا لعل الشهيد (رحمه الله) في القواعد والعلامة وغيرهما انما حكموا ببطلان العبادة اذا كان بداعي الرغبة او الرهبة وهما يدعوان الى قصد الامر وهذا باطل.
ولكن هذه المحاولة غير مجدية لأنه ذكرنا انه في العبادة نحتاج الى اضافة الى المعبود ، وبلا اشكال ان قوام هذه العبادة بهذه الاضافة ، وهذه الاضافة لها مراتب كثيرة ، فمنها ما يكون في اعلى الدرجات ومنها ما يكون في ادنى الدرجات ، وسهولة الشريعة وسماحتها يقتضيان صحة مثل هذه العبادة ولو كانت بأدنى الدرجات بل مقتضى اصالة البراءة صحة هذه العبادة لما ذكرنا في بحث الاصول ان الشروط التي نشك فيها في العبادة ليس الرجوع في هذا الشرط المشكوك الى قاعدة الاشتغال بل نرجع الى قاعدة البراءة لان في المقام دوران الامر يكون بين الاقل والاكثر ، فالأقل هو ان يأتي بها لأجل الطاعة والاكثر يشمل جميع المرتب.
واما في المقام فان الاضافة التي هي قوام العبادة لها مراتب متعددة وهذه المرتب هي التي ذكرناها ، وقد ورد في النصوص سواء كان كتابا او سنة وردت ادلة كثيرة تدل على ان العبادة اذا اتي بها بعنوان الرغبة او بعنوان الرهبة فهي صحيحة ولا اشكال فيها.
ومن هنا من يراجع كلمات السيد الخوئي (قدس سره) في المقام يرى ان كثيرا منها مخالفة للروايات ولإطلاقات الادلة التي وردت في العبادات وهو محاولة منه للجمع بين الكلمات وهذه المحاولة غير سديدة.
اذن هذه العبادة بإتيان تلك المراتب صحيحة ولا اشكال فيها اذ المدار ان يأتي بتلك العبادة بداعي الاضافة اليه تبارك وتعالى