38/01/29
تحمیل
الأستاذ السيد علي السبزواري
بحث الفقه
38/01/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شرائط الوضوء.
كان الكلام في الاخلاص فقد ذكر السيد الماتن (رحمه الله) ان الشرط الثالث عشر في الوضوء وفي مطلق العبادات هو الاخلاص في العبادة.
الامر الثاني:- البحث في الضميمة وهي التي تكون مع النية في العبادة ، فتارة تكون ضميمة محرمة مانعة من صحة العبادة ، وتارة لا تكون كذلك فربما تكون الضميمة مرجوحة وربما تكون الضميمة مباحة وربما تكون غير ذلك مما سياتي ذكره.
البحث في المقام هو في الضميمة التي تكون مانعة من صحة هذه العبادة وهي منحصرة في الرياء فهو من الضمائم المحرمة الموجبة لبطلان العبادة.
البحث في الرياء يقع من جهات.
الجهة الاولى:- في حرمة الرياء وقد استدل على حرمة الرياء بالأدلة الثلاثة.
الدليل الاول:- وهو الكتاب.
منها:- قوله تبارك وتعالى:- ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾[1] .
ومنها:- قوله تبارك وتعالى:- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[2] .
ومنها:- قوله تبارك وتعالى:- ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[3] .
هذه جملة من الآيات وهناك آيات اخرى تدل على ان الرياء منهي عنه في العمل اما في مطلق العمل او في خصوص العبادات فهي القدر المتيقن.
الدليل الثاني:- وهو السنة المتواترة التي وردت وتدل على النهي عن الرياء وكلها تدل على حرمة الرياء ، وهذه الروايات وردت بالسنة مختلفة ، منها التعبير بان الرياء شرك وهي روايات متعددة فيها ضعاف وغير ضعاف.
منها:- معتبرة مسعدة ابن زياد عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل : فيما النجاة غدا؟ فقال : إنما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم ، فإنه من يخادع الله يخدعه ، ويخلع منه الإيمان ، ونفسه يخدع لو يشعر ، قيل له : فكيف يخادع الله؟ قال : يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره ، فاتقوا الله في الرياء ، فإنه الشرك بالله ، إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء : يا كافر ، يا فاجر ، يا غادر ، يا خاسر ، حبط عملك ، وبطل أجرك ، فلا خلاص لك اليوم ، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له)[4] .
وذكر السيد الخوئي (قدس سره) ان هذه الرواية هي الصحيحة والروايات الاخرى ضعاف ، ولكن عرفت مكررا ان هذا لا حاجة الى ذكره أبداً لأنه اذا ورد مضمون في رواية معتبرة وورد نفس هذا الكلام في روايات اخرى ضعاف فيكفي هذه الرواية المعتبرة في الوثوق بصدور تلك الروايات الاخرى.
مع انه لا حاجة الى النقاش السندي في المقام بعد ادعاء الكل ان هذه الروايات متواترة.
ومنها:- رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به ، فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل : اجعلوها في سجين ، إنه ليس إياي أراد به)[5] .
ومنها:- عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (صلوات الله عليهم) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يؤمر برجال إلى النار ـ إلى أن قال ـ فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ، ما كان حالكم؟ قالوا : كنا نعمل لغير الله ، فقيل لنا : خذوا ثوابكم ممن عملتم له)[6] .
وغيرها من الروايات الواردة في المقام التي تبلغ حد التواتر.
الدليل الثالث:- الاجماع المحقق عند المسلمين على حرمة الرياء بل اعتبروه من الضروريات فلا اشكال في حرمة الرياء.
ويمكن اقامة الدليل العقلي ولكن موضوعه في علم الكلام وليس في المقام.
الجهة الثانية:- في حرمته وضعاً ، فهل الرياء المحرم اذا وقع في عبادة يوجب بطلان هذا العمل وفساده او لا؟
الجواب:- الذي نستفيده من تلك الروايات انه يوجب فساد العمل وبطلان العبادة ، فكل الروايات التي ذكرناه ظاهرة في ان العمل المرآئى به باطل ، ولانه محرم فان هذه العبادة اشتملت على محرم فلا يمكن التقرب بها ، ولا ريب ولا اشكال وانه من القطعيات ان صلاحية المقربية في العبادة من القطعيات ، فاذا اشتمل هذا العمل على محرم فلا يمكن التقرب به باعتبار انه مبغوض ولا صلاحية له للتقرب به.
ولكن توجد بعض المناقشات في المقام.
المناقشة الاولى:- انه وان ورد في هذه الروايات مثل بطل عملك وخذ اجرك وغيرها الا انه في روايات اخرى يستفاد منها بطلان الثواب ولا ريب ان فقد الثواب وسقوط الثواب لا يدل على فساد العمل فهو اعم من ذلك فان في بعض الروايات لا ثواب على تلك العبادة التي فيها رياء.
وجوابه:- ان العمل المبغوض لا يمكن التقرب به كما ذكرنا وصلاحية المقربية من القطعيات وهذا لا اشكال فيه.
مضافا الى ان عدم القبول مساوق لبطلان العمل في بعض الروايات فقد ورد في بعض الروايات كما في موثقة ابن بكير الواردة لباس المصلي فقد ذكر الامام انه لا ثواب وقد استفيد منها بطلان العبادة.
والرواية هي عن ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله ، ثمّ قال : يا زرارة ، هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه
الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه)[7] .
اذن عدم القبول مساوق للبطلان لا انه اعم ، كما ورد ايضا في عدم قبول من صلى بغير طهور ايضا ورد انه لا يقبل منه هذه الصلاة فيستفاد منها مساوقته للبطلان.
المناقشة الثانية:- ان العمل الذي صدر من هذا المكلف هو عمل جامع للشرائط وان الرياء في خصوص القصد وليس في العمل الخارجي فاذا كان في خصوص القصد وليس في العمل الخارجي فلماذا يوجب بطلان ذلك العمل.
ولكن هذا مردود بتلك الروايات التي ذكرناها مثل (حبط عملك) (بطل اجرك) وامثالها اليت نستفيد منها بطلان العمل.
وبناء على هذا يظهر ضعف ما نسب الى السيد المرتضى (رحمه الله) حيث قال ان الرياء يوجب حبط الثواب وقلته ولا يوجب بطلان العمل ، فان كان مراده مجرد نقصان الثواب فهذا غير صحيح من ما ذكرنا من الروايات وظواهرها الدالة على البطلان.
الجهة الثالث:- هل الرياء مختص بخصوص العبادات فتوجب بطلانها وحرمة العمل او يشمل غير ذلك.
لا ريب ولا اشكال في مرجوحية الرياء ومبغوضية الرياء اذ الرياء شرك كما في تلك الرواية والشرك بجميع مراتبه مبغوض لدى المولى ، ولكن هذه المبغوضية هل توجب بطلان العمل في خصوص العبادة ام تشمل غيرها من الاعمال التوصلية؟
هذا سياتي بيانه ان شاء الله تعالى.