33/11/09
تحمیل
(بحث يوم الأربعاء 9 ذو القعدة 1433 هـ 171)
الموضوع : الكلام في المسألة الخامسة والأربعين : ذكر ما يُلاحظ على الجواب عن الروايتين الأُوْلَيْين - معتبرة إبراهيم بن عمر وصحيحة الحلبي - / الدليل الثاني : التمسّك بالأصل العملي / الخلاف الثاني / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
كان الكلام في الرأي الثاني من الخلاف الأول وهو اعتبار القرعة في القسمة وعدم الاكتفاء بالتراضي في تحققها
[1]
وذكرنا أنه قد استُدلّ عليه بعمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها بدعوى شمولها لمحلّ الكلام فلا تصحّ القسمة من دون إجراء القرعة وقلنا إنه اعترض عليه باعتراضين تقدّم الجواب عن الثاني منهما ووصل الكلام الى الجواب عن الاعتراض الأول وكان حاصله أن دعوى اختصاص القرعة بما له تعيّن في الواقع وتردّد في مقام الظاهر ممنوعة فإن للقرعة بحسب الاستقراء موردين : ما له تعيّن واقعاً وما ليس له تعيّن في الواقع وهي تجري في كلا الموردين من دون اختصاص بأحدهما ونقلنا روايات ثلاثاً ساقها السيد الماتن (قده) شواهد لجريان القرعة في ما لا تعين له واقعاً وأجبنا عن الرواية الثالثة منهما وقلنا إن الروايتين الأُوْلَيْين يمكن أن يُجاب عنهما بأن موردهما وإن كان يدخل في ما لا تعيّن له في الواقع إلا أنه جارٍ في صورة التنازع ولو كان شأنيّاً وحينئذ تخرج عن محلّ الكلام الذي هو صورة التراضي ومن هنا خصّ الشيخ الانصاري (قده) جريان القرعة في ما لا تعيّن له في الواقع بصورة التنازع وقد مَثّل لذلك بالتزاحم الواقع بين إمامين على إقامة الجماعة أو الجمعة لغرض تحصيل الثواب فيتشاحّان في ذلك فيُقرَع بينهما .
ولكن يمكن أن يلاحظ على ما تقدّم :
أولاً : إن التنازع إذا كان شأنيّاً فهو مما لا يخلو عنه مورد فيجري حتى في محلّ الكلام فإن طبيعة الاشتراك والإشاعة مدعاة للتنازع ولو شأناً فيلغو حينئذ اشتراط تحقق التنازع لجريان القرعة كما تقدّم عن الشيخ الأعظم (قده) .
وثانياً : إن دعوى اختصاص أدلة القرعة بصورة التنازع ناشئة من الخلط بين دلالة الأدلة على الاختصاص وكون التنازع مورداً لها والذي يُفهم من الروايات المتقدّمة هو الثاني .
وثالثاً : إن ما ذُكر من قضية تزاحم الإمامين على صلاة الجمعة أو الجماعة ونظائرها الظاهر أنها أجنبية عن محلّ الكلام فإنها في الحقيقة راجعة الى أن من لم تخرج القرعة له يرفع اليد عن حقّه إلى من خرجت القرعة له فمردّ إجراء القرعة في باب التشاحّ الى التراضي بأن يرفع أحدهما يده عن حقّه ويقول ليأخذ هذا إمامة الجماعة أو الجمعة ولذا لا إشكال في عدم توقف هذا على إجراء القرعة في ما إذا حصل التراضي بينهما وتنازل أحدهما للآخر ، وأما ما نحن فيه فشيء آخر
[2]
فإنّا لا نقول هنا بأن أحدهما يرفع يده عن حقه وإنما نقول إن كل واحد منهما يشخّص تمام الحقّ الثابت له في سهم معيّن قبل تقسيم المال المشترك فالتراضي في المقام غير التراضي في مسألة التشاحّ على إمامة الجماعة والاكتفاءُ بالتراضي فيها لا يستلزم التراضي في محل الكلام .
ومن هنا يتبيّن أن الصحيح في المقام ما ذكره السيد الماتن (قده) من أن القرعة تجري في ما لا تعيّن له واقعاً كما تجري في ما له تعيّن في الواقع والتردّد بحسب الظاهر والصحيح أيضاً أن الأدلة في جريان القرعة في ما لا تعيّن له واقعاً ليست مختصة بصورة التنازع والتشاحّ بل تجري حتى في صورة التراضي .
والنتيجة هي تمامية ما استُدلّ به من عمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها
[3]
لاعتبارها في القسمة وعدم الاكتفاء بالتراضي في تحقّقها .. ولكن هل يكفي هذا لإثبات هذا القول في مقابل القول الأول وهو كفاية التراضي في القسمة ؟
الظاهر أنه لا يكفي وذلك لوجود فرق بين محلّ الكلام والموارد الأخرى التي تشترك معه في عدم التعيّن الواقعي كمورد الروايات المتقدمة فإن أدلة القرعة وإن جرت في مورد الروايات ودلّت على عدم كفاية التراضي فيه ولزوم إجراء القرعة إلا أنها في محلّ الكلام لا تجري ، والسرّ في ذلك أن القضية في مورد الروايات ليست مُتمحِّضة بالمتنازعين وإنما هناك جهة أخرى لها ارتباط وهي حقّ الله تعالى حيث إنه لا يكفي تراضي العبيد في ما بينهم في اختيار واحد من بينهم ليكون هو المُعتق فإن هذا كما لو كان تعيين الشاة الموطوءة في ضمن قطيع بالتراضي مع المالك ومن المعلوم عدم صحة هذا، وبعبارة أخرى إن التراضي ليس هو الطريق الشرعي في هذه القضية لتحديد من يُعتَق من هؤلاء العبيد بل لا بد من مراجعة الشرع لمعرفة الطريق الذي عيّنه في المقام
[4]
، وأما في محل الكلام
[5]
فليس هناك جهة لها ارتباط بالقضية غير الشريكين نفسيهما فإن الأدلة العامة دلّت على أن الانسان له حقّ التصرّف في أمواله كيفما شاء فيهبها كلاً أو بعضها مجاناً أو بالتعويض فلا مانع لدى الشرع في ما لو اتّفق الشريكان وتراضيا على أن يقتسما العين المشتركة في ما بينهما بحسب نسبة كل منهما فالتراضي هاهنا يكفي من غير حاجة إلى القرعة بخلافه في مورد الروايات فإن معنى قسمة العين بين الشريكين وإزالة الشيوع فيها هو أن يتنازل أحدهما للآخر عن حقّه الموجود في هذه الحصة مقابل أن يتنازل الآخر للأول عن حقّه الموجود في الحصة الأخرى ومثل هذا الأمر مما لا تمنع منه الأدلة بل تُبيحه ولا مقتضي لإجراء القرعة فيه .
وبعبارة أَوضح إن هناك قصوراً في أدلة القرعة في الشمول لمحلّ الكلام بالرغم من أننا قلنا بأنها تشمل ما له تعيّن واقعاً فتجري فيه القرعة كما أنها تشمل صورة التراضي فتجري فيه أيضاً
[6]
، ومنشأ هذا القصور
[7]
هو أنه بعد تراضي الطرفين في تحديد حصة كل منهما وعدم منع الأدلة من ذلك فلا يكون ثمة موضوع للقرعة حينئذ .
هذا بالنسبة الى الدليل الأول
[8]
وقد تبيّن أنه غير تام .
الدليل الثاني : وهو التمسّك بالأصل العملي فإنه عندما تكون الأدلة اللفظية غير واضحة ويستحكم الشكّ في المقام في أنه هل يكفي التراضي أو لا يكفي وهل تجب القرعة أو لا تجب تصل النوبة إلى التمسّك بالأصل العملي ولا ريب أنّا إذا شككنا في ترتّب الأثر بعد التقاسم بالتراضي فمقتضى الاستصحاب بقاء الشركة وعدم ترتب الأثر فيبقى حق كل واحد منهما في تمام المال على حاله ولا يوجد موجب لارتفاعه فإذا أُريد فضّ الشركة ورفع حالة الإشاعة فلا بد من إجراء القرعة فيثبت بذلك القول الثاني وهو عدم صحة القسمة من دون إجراء القرعة .
ولكن هذا الدليل مخدوش فإن النوبة لا تصل الى التمسّك بالأصل العملي وذلك لقيام الدليل على كفاية التراضي وعدم اعتبار القرعة في باب التقسيم وهو ما أشرنا إليه من أن مقتضى الادلة العامة كقاعدة السلطنة الدالة على أن الانسان حرّ في التصرّف بما يملك بشتى أنواع التصرفات ومنها التنازل المشروط وغير المشروط عن ملكه فإذا تراضى الشريكان على القسمة بأن يتنازل كل منهما عن حصته في السهم الذي وصل للآخر بعد التقسيم كفى ذلك من غير حاجة إلى أن يقترعا بعد ذلك .
هذا وقد تبيّن من خلال هذا البحث أن الأقرب في الخلاف الأول
[9]
بحسب ما يُفهم من الادلة هو كفاية التراضي وعدم اعتبار القرعة في تحقق القسمة .
الخلاف الثاني : في أنه هل يُكتفى بالتراضي المقارن للقسمة أو لا بد من التراضي بعدها ؟
وهذا خلاف أشرنا الى المخالفين فيه سابقاً ، والظاهر أن هذا الخلاف الثاني ليس متفرعاً على أحد القولين في الخلاف الأول بل يجري على كل تقدير لأن القسمة سواء اكتفينا فيها بالتراضي - كما هو الصحيح أو اشترطنا فيها القرعة يمكن تصوّر جريان هذا النزاع فيها وهو أنه بناء على الاكتفاء بالتراضي هل يُحتاج الى تراضٍ آخر أم يُكتفى بالتراضي الأول ، وبناء على الحاجة إلى القرعة وعدم الاكتفاء بالتراضي فهل يُحتاج الى تراضٍ متأخر عن القرعة او لا يُحتاج ؟
هذا ما سيأتي الكلام عنه في البحث اللاحق إن شاء الله تعالى .
[1] أي القسمة .
[2] وهذا الكلام مع الشيخ الأنصاري الذي يكتفي بالتراضي .
[3] وهو الدليل الأول .
[4] وذلك الطريق هو القرعة .
[5] وهو القسمة بين الشركاء .
[6] كما تقدّم في مورد الروايات حيث لا يكفي تراضي العبيد على اختيار واحد منهم بالتحديد لأن يُعتق .
[7] أي الذي يمنع أدلة القرعة من أن تجري في المقام .
[8] وهو التمسّك بعمومات أدلة اعتبار القرعة وإطلاقاتها بدعوى شمولها لمحلّ الكلام .
[9] وهو في أن القرعة معتبرة في مفهوم القسمة أو غير معتبرة .