33/10/20
تحمیل
(بحث يوم السبت 20 شوال 1433 هـ 159)
الموضوع :- المسألة السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / الأقوال في ثبوت القضاء بشاهد ويمين ، وهي ثلاثة / استعراض روايات المسألة وهي على طوائف ثلاث / كتاب القضاء للسيد الخوئي(قده).
قال (قده) في المسألة (37) وما بعدها
[1]
:
" تثبت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي والمشهور على أنه يعتبر في ذلك تقديم الشهادة على اليمين فلو عكس لم تثبت وفيه إشكال وإن كان لا يخلو من وجه ، هذا كله في الدعوى على غير الميت ، وأما الدعوى عليه فقد تقدم الكلام فيها ، [و] الظاهر ثبوت المال المُدّعى به بهما مطلقاً عيناً كان أو ديناً، وأما ثبوت غير المال من الحقوق الأُخَر بهما ففيه إشكال والثبوت أقرب " .
صدّر السيد الماتن (قده) هذه المسألة المهمة التي تترتب عليها ثمرات عملية في باب القضاء تحت عنوان : (حكم اليمين مع الشاهد الواحد) ، ويقع البحث فيها في أنه متى يجوز القضاء بالشاهد الواحد واليمين
[2]
فأقول :
ثبوت الدعوى في الجملة بشاهد واحد ويمين مما لا إشكال فيه عندنا في مقابل بعض العامة الذين أنكروا كونه من طرق الإثبات القضائي حتى في مستوى القضية الجزئية وسيأتي استعراض بعض الأخبار التي تشير إلى اعتراض بعض فقهائهم على الأئمة (عليهم السلام) في قضائهم بالشاهد الواحد واليمين ، وقد دلّت النصوص المستفيضة المعتبرة على ذلك وبعضها دلّ على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) قد قضيا بهما .
نعم .. وقع الكلام في أن القضاء بهما هل يختص بالديون فقط أم يشمل مطلق الأموال سواء كانت ديناً أو عيناً وسواء كانت مالاً بنحو مباشر كالدين والقرض أو ما قُصد به المال كمطلق المعاوضات من البيع والإجارة والهبة وغيرها أم يشمل مطلق حقوق الناس التي هي أعمّ من الديون والأعيان من قبيل حقّ القصاص وحقّ الوكالة وحقّ النسب وحقّ الطلاق وغيرها ، وأما شموله لما هو أعمّ من ذلك من الحقوق سواء كانت حقوقاً للناس أو حقوقاً لله تعالى من قبيل الحدود والتعزيرات فالظاهر أنه لم يُفرَد له قول ولم يتضمّنه نصّ كما سيأتي ، ولا بد أولاً من بيان الأقوال واستعراض النصوص :
أما بالنسبة إلى الأقوال فهي ثلاثة :
القول الأول : الاختصاص بالديون فلا يشمل الأعيان وإن كانت معدودة من الأموال ، وهذا القول منسوب إلى الشيخ الطوسي في النهاية - كما حُكي عنه - وفي الاستبصار ، وهو محكي أيضاً عن الغنية والمراسم والكافي للحلبي بل في الغنية الإجماع عليه .
القول الثاني : التعميم للأموال فيشمل ما كان ديناً أو عيناً وما كان مالاً مباشرة أو كان مقصوداً به المالية ، وهذا القول هو اختيار المشهور ، وقد ادّعى الإجماع عليه الشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر والعلامة في المختلف .
القول الثالث : التعميم لمطلق حقوق الناس فيشمل ما كان مالاً ديناً أو عيناً وما كان حقّاً محضاً كحقّ القصاص ، وهذا القول اختيار جمع قليل منهم من المتأخرين السيد الماتن (قده) ومال إليه المحقق السبزواري في الكفاية .
وأما بالنسبة إلى النصوص فهي كثيرة ويمكن تقسيمها إلى طوائف ثلاث :
الطائفة الأولى : ما دل على جواز القضاء بشاهد ويمين في الجملة وبنحو القضية المهملة فتصلح لمقابلة بعض العامة القائلين بالمنع الكلي ، وهي روايات ثلاث :
الأولى : معتبرة حماد بن عيسى :
" قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : حدّثني أبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى بشاهد ويمين "
[3]
.
والمفهوم من هذه الرواية حكاية فعل خارجي ولا يُفهم منها الإطلاق وإنما هي قضية مهملة يُستفاد منها كما قلنا إثبات الموجبة الجزئية في قبال السلب الكلي الذي يقول به بعض العامة كأبي حنيفة .
وهذه الرواية كسابقتها لا يُفهم منها أيضاً أكثر من الموجبة الجزئية .
الثانية : رواية البزنطي :
" قال : وسمعت الرضا (عليه السلام) يقول : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله (عليه السلام) : تجتزئون بشاهد واحد ويمين ؟ قال : نعم قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقضى به علي (عليه السلام) بين أظهركم بشاهد ويمين فتعجّب أبو حنيفة ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أعجب من هذا أنكم تقضون بشاهد واحد في مئة شاهد وتجتزئون بشهادتهم بقوله ، فقال له : لا نفعل ، فقال : بلى .. تبعثون رجلاً واحداً فيسأل عن مئة شاهد فتجيزون شهاداتهم بقوله وإنما هو رجل واحد "
[4]
.
وهذه الرواية يرويها الشيخ صاحب الوسائل عن كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، وطريق الشيخ إلى كتاب قرب الإسناد - الذي هو من مصادره - تام ظاهراً فإنه يعدّه من الطائفة الأولى من الكتب التي ينقل عنها والتي ذكر قرائن كثيرة في إثبات صحة نسبتها إلى مؤلفيها من قبيل خطوط العلماء عليها وذكر أن هذه قضية مقطوع بها فهو عندما ينقل مباشرة عن مثل كتاب قرب الإسناد فلأنه قد ثبت عنده انتسابه إلى مصنّفه بقرائن قطعية .. وعلى هذا فيمكن تصحيح سند هذه الرواية .
الثالثة : رواية العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وهي كالرواية السابقة بل هي في الحقيقة نفسها ولكن بطريق آخر
[5]
.
الطائفة الثانية : ما دل على جواز القضاء بهما في الديون ، وهي خمس روايات :
الرواية الأولى : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
" قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم يكن يجيز في الهلال إلا شاهدي عدل "
[6]
.
وهذه الرواية صريحة في جواز القضاء بهما في الديون .
الرواية الثانية : معتبرة أبي بصير :
" قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال : فقال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين "
[7]
.
وهذه الرواية كسابقتها في التصريح بجواز القضاء بهما في الدين .
الرواية الثالثة : معتبرة حماد بن عثمان بطريق الوشّاء :
" قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : كان علي (عليه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي "
[8]
.
وهذه الرواية صريحة أيضاً في المطلوب .
الرواية الرابعة : رواية القاسم بن سليمان :
" قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة رجل مع يمين الطالب
[9]
في الدين وحده "
[10]
.
والمفهوم من هذه الرواية اختصاص القضاء بهما في الدين فضلاً عن أصل جواز ذلك فيه .
الرواية الخامسة : رواية حماد بن عثمان المتقدّمة ولكن بطريق صفوان
[11]
.
هذه هي روايات الطائفة الثانية وهي وإن كان في بعضها مجال للمناقشة في أسانيدها إلا أنه لا إشكال في أن هذه الطائفة تشتمل على روايات معتبرة ومهمة وسيأتي التعرّض لها مفصّلاً والقدر المتيقّن من دلالتها هو جواز القضاء بشاهد ويمين في الديون .
الطائفة الثالثة : ما يظهر منه التعميم لمطلق حقوق الناس وإن لم تكن من الديون أو الأموال في قبال حقوق الله سبحانه وتعالى فتشمل مثل حقّ القصاص وحقّ الطلاق .
وعمدتها رواية واحدة وهي صحيحة محمد بن مسلم أبي جعفر (عليه السلام) :
" قال : لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس فأما ما كان من حقوق الله عز وجل أو رؤية الهلال فلا "
[12]
.
وهذه الرواية تامة سنداً بلا إشكال وهي صريحة في التعميم لمطلق حقوق الناس في قبال حقوق الله تعالى .
ثم إن هناك روايات اشتملت على لفظ الحقّ كمعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق"
[13]
، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) : " قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق "
[14]
، ورواية أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) : " قال : أجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة شاهد مع يمين طالب الحق إذا حلف أنه الحق "
[15]
، ومرسلة الصدوق : " قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة شاهد ويمين المدعي ، وقال (صلى الله عليه وآله) : نزل عليّ جبرئيل (عليه السلام) بالحكم بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق ، وحكم به أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعراق "
[16]
.
وهذه الروايات إذا فُسّر الحقّ فيها بالدين فتكون داخلة في الطائفة الثانية وإذا فُسّر بمطلق الحقّ الأعم من الحقوق المالية فتصلح أن تكون من روايات الطائفة الثالثة التي تعمّم جواز القضاء بالشاهد واليمين لمطلق حقوق الناس .
وللكلام تتمة ستأتي إن شاء الله تعالى .
[1] وهي المسألة الثامنة والثلاثون وقد دمج الأستاذ (دامت بركاته) هاتين المسألتين في هذا الشرح وجعلهما بمنزلة مسألة واحدة لتعلّق إحداهما بالأخرى ، ومتابعة له (دامت بركاته) سنتعامل معهما في هذا التقرير على أنهما مسألة واحدة .
[2] بعد الفراغ عن جواز القضاء بالبيّنة التي تعني شاهدين عادلين (منه دامت بركاته) .
[3] الكافي مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الرابع مج27 ص265 .
[4] قرب الإسناد ص359، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث السابع عشر مج27 ص269.
[5] عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : " قال : إن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال له أبو حنيفة : كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد ؟ فقال جعفر (عليه السلام) : قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقضى به علي (عليه السلام) عندكم ، فضحك أبو حنيفة فقال جعفر (عليه السلام) : أنتم تقضون بشهادة واحد شهادةَ مئة ، فقال : ما نفعل ، فقال : بلى تشهد مئة فترسلون واحداً يسأل عنهم ثم تجيزون شهادتهم بقوله " التهذيب مج6 ص296 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الثالث عشر مج27 ص268 .
[6] الكافي مج7 ص386 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الأول مج27 ص264 .
[7] الكافي مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الخامس مج27 ص265 .
[8] الكافي مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الثالث مج27 ص265 .
[9] أي المدّعي .
[10] التهذيب مج6 ص237 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث العاشر مج27 ص268 .
[11] التهذيب مج6 ص275 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الحادي عشر مج27 ص268 .
[12] التهذيب مج6 ص273 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الثاني عشر مج27 ص268 .
[13] الكافي مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الثاني مج27 ص264 .
[14] الكافي مج7 ص385 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث الثامن مج27 ص267 .
[15] التهذيب مج6 ص273 ، الوسائل الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم الحديث التاسع مج27 ص267 .
[16] الفقيه مج3 ص54 ، الوسائل مج18 ص196 (الإسلامية) .