38/01/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/01/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.
وقد يقول قائل:- لماذا قلتم أنَّ المقدّمة الأساسية هي الثانية ، بل حتى المقّدمة الأولى أساسية - وهي تضاد الأحكام - ، فإنه إذا رفضناها وقلنا إنَّ الأحكام ليست متضادّة فلا مانع من الاجتماع ولا يثبت الامتناع ، وهكذا إذا أنكرنا المقدّمة الثالثة أو الرابعة ، فكلّ مقدّمة إذا أنكرناها فبالتالي سوف لا يثبت الامتناع ، فلماذا قلت إنّ المقدّمة الثانية هي الأساسية ؟!
والجواب:- إني قلت إنّ الثانية هي الأساسية لأجل أنّ الأولى والثالثة والرابعة تقريباً متّقفٌ عليها وإن كان سيأتينا خلاف من الشيخ النائيني(قده) ولكن هذه المقدّمات واضحة ومسلّمة ، فلا أحد يقول بأنّ الأحكام ليست متضادّة ، ولا يوجد أحد يقول إنَّ المعنون يتعدّد بتعدّد العنوان ، فالمهم هي المقدّمة الثانية فباعتبار إنَّ بقيّة المقدّمات مسلّمة ولا يحتمل فيها خلاف فلذلك صارت الثانية هي الأساسية ، وهذه قضية جانبية.
وناقش الشيخ النائيني(قده)هذا الدليل:- وذلك من خلال المقدّمة الثالثة - وهي أنَّ المعنون لا يتعدّد بتعدّد العنوان - ، فهو أراد أن يقول بل هو يتعدّد المعنون بتعدّد العنوان.
وسوف أبيّن لكم روح كلامه أوّلاً ثم ندخل في التفاصيل:- وما أذكره هو جمعٌ بين أجود التقريرات وفوائد الأصول ، فالشيخ النائيني(قده) قال إنَّ العناوين على قسمين بعضها إذا تعدّد لا يتعدّد المعنون كما قال الشيخ الأعظم(قده) ، وبعضها إذا تعدّد يتعدّد المعنون ، والصلاة والغصبيّة هي من القبيل الثاني . إذن بتعدّد الصلاة والغصبية - أي العنوانين - تعدّد المعنون فلا مشكلة ، هذه روح المطالب التي يريد أن يبيّنها الشيخ النائيني(قده).
والآن ندخل في التفاصيل:-
أما بالنسبة غلى القسم الأوّل من العناوين:- يعني الذي بتعدّده لا يتعدّد المعنون فقال:- مثاله الأوصاف الاشتقاقية مثل عالم وعادل ، فهذا وصفٌ اشتقاقي ، فهو مشتق ، ومبدأ اشتقاق العالم هو العلم والعادل هو العدالة ، ولكن عادل وعالم وصفٌ اشتقاقي ، وتعدّد الوصف الاشتقاقي لا يوجب تعدّد المعنون ، وإنما الذي يوجب تعدّد المعنون هو تعدّد مبدأ الاشتقاق لا تعدّد الوصف الاشتقاقي ، ولماذا تعدّد الوصف الاشتقاقي لا يوجب تعدّد المعنون ؟ لأنَّ التركيب بين وصف العالم ووصف العادل فيما بينمهما تركيب اتحادي يعني حمل هو هو ، وهكذا بينهما وبين الذات ، أما بينهما فيوجد تركيب اتحادي فإنّ العالم متّحدٌ مع العادل فالعالم هو العادل والعادل هو العالم - حمل هو هو فيوجد بينهما اتحاد - ، وهكذا بينهما وبين الذات فتقول هذه الذات وهي زيد هو عالم وهو عادل ، وتستطيع أن تقول بالعكس العالم هو زيد والعادل هو زيد ، فلاحظ أنّ كلّ حمل هو هو صحيح ، فبين الوصفين حمل هو هو صحيح ، وبين الوصفين والذات حمل هو هو صحيح ، فهذا يدلّ على أنَّ التركيب بينهما اتحادي ، ولماذا صار التركيب بينهما اتحادياً ؟ إنَّ منشأ ذلك هو أنّ وصف العلم والعدالة أخذا بنحو الحيثية التعليلية دون الحيثية التقييدية ، يعني العالم يحمل على الذات ، فذات زيد عالم لكن العلّة التي جعلته عالماً وصحّحت حمل العلم عليه هي العلم لا أنّ العالم محمول على العلم وإنما محمول على الذات المصحّح لحمل العالم على الذات هو حيثية العلم ، فحيثية العلم صارت علّة لصحّة حمل العالم على الذات لا قيديّة يعني بحيث هي محطّ الحمل بحيث يحمل عالم على العلم ، فليس من الصحيح أن نقول العلم عالم أو العدالة عادل فإنّ هذا خطأ ، بل نقول زيد عالم أو عادل والذي صحّح حمل العالم أو العادل على ذات زيد هي حيثية العلم أو العدالة ، فصارت حيثية العلم والعدالة علّة لصحّة الحمل لا قيداً - يعني الحيثية التقييدية هي مصبُّ الحكم - لا أنها هي الموضوع ، فالعلم والعدالة ليس هو موضوعاً للعالم والعادل ، وإنما الموضوع هو ذات زيد ، فإذا صارت ذات زيد هي الموضوع للعالم والعادل وذات زيد واحدة فعلى هذا الأساس لا تعدّد في البين ، لأنّ ذات زيد هي العالم ، والعادل هي ذات زيد ، فلا يوجد تعدّد.
نعم إذا كان العلم حيثية تقييدية صارت الذات غير العلم وغير العالم وصار تعدّد ، لكن المفروض أنَّ حيثية العلم حيثية تعليلية يعني محطّ الحمل - محطّ عالم وعادل - هي الذات ، فالذات عالم والذات عادل ، وحيث إنَّ الذات واحدة فلا تعدّد حينئذٍ ، فلذلك انتهى(قده) إلى هذه النتيجة وهي أنّ القسم الأوّل من الأوصاف - وهي الأوصاف الاشتقاقية - تعدّدها لا يوجب تعدّد المعنون مثل العلم والعادل فإنَّ التركيب بينها وبين الذات وبينهما تركيب اتحادي ، يعني يصحّ حمل هو هو ، وإنما صار الأمر كذلك لأجل أنَّ حيثية العلم والعدالة حيثية تعليلية لا حيثية تقييدية.