33/03/21
تحمیل
(بحث يوم الثلاثاء 21 ربيع الأول 1433 هـ 75)
كان الكلام في ما يرتبط بباب الإقرار من الأبحاث وقد ذكرنا أنها أربعة وقد تقدّم البحث الأول منها :
البحث الثاني : هل يُشترط في استناد الحاكم إلى الإقرار وصيرورة حكمه نافذاً وقوعه أمامه أم يكفي ثبوته عنده بحجة معتبرة
[1]
؟
الظاهر أن هذا الاشتراط ليس له عين ولا أثر في الروايات أو في كلمات الفقهاء بل وكذا ما سيق من الأدلة أي على نفوذ الإقرار وعمدتها الارتكاز حيث لا يفرق فيه بين وقوعه أمام القاضي وعدمه بل المهم في المقام هو أصل ثبوت الإقرار وتحقّقه فإذا حصل جاز للحاكم أن يستند إليه مطلقاً سواء اطّلع عليه وجداناً أو ثبت عنده تعبّداً
[2]
وهذا هو مقتضى إطلاقات الأدلة المتقدّمة الدالة على نفوذ الإقرار مطلقاً .
نعم .. وردت في أبواب خاصة بعض الروايات التي ظاهرها اشتراط أن يقع الإقرار أمام الحاكم لكي يكون نافذاً ومن ذلك روايتان بهذا الشأن
[3]
في حدّ القذف :
الأولى :
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) :
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) :
" في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك ، قال : عليه حدّ واحد لقذفه إياها ، وأما قوله : أنا زنيت بك فلا حدّ فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام "
[4]
، والمقصود بالشهادة هنا هو الإقرار كما هو واضح .
الثانية :
مرسلة الصدوق :
مرسلة الصدوق :
" قال : وسئل الصادق (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته : يا زانية ، فقالت : أنت أزنى مني ، قال : عليها الحدّ في ما قذفته به ، وأما في إقرارها على نفسها فلا تحدّ حتى تقرّ بذلك عند الإمام أربع مرات "
[5]
.
والشاهد في هاتين الروايتين قوله (عليه السلام) : (عند الإمام) حيث يُفهم منه أنه يُعتبر في قبول الإقرار ونفوذه في حدّ القذف أن يقع أمام الحاكم فإذا تمّت هاتان الروايتان سنداً ودلالة فلا بد من الالتزام بهما في موردهما بالخصوص ولا يعني هذا تعميم الحكم إلى غير ذلك من الموارد كما لا يخفى .
الفرع الثالث : هل يتوقف حكم الحاكم بالمُقَرّ به استناداً إلى الإقرار على طلب المدّعي أم لا بل هو من وظيفة الحاكم محضاً ؟
هذا الفرع من المسائل التي وقع الخلاف فيها بين علمائنا حيث انقسموا إلى فريقين : فبعضٌ يرى التوقف بمعنى أن حكم القاضي استناداً إلى الإقرار يتوقف على طلب المدّعي منه الحكم فإذا حكم من غير طلب منه فلا أثر لحكمه ، وبعض يرى عدم التوقف وأن الحكم من وظيفة الحاكم محضاً ولا علاقة له بطلب المدّعي فالحكم له جائز والأثر عليه مترتّب ولو لم يكن بطلب من المدّعي .
قال في مفتاح الكرامة مشيراً إلى هذا الاختلاف تعليقاً على قول العلامة في القواعد : " فإذا أقرّ وكان جائز التصرف
[6]
حكم عليه إن سأله المدّعي " فقال معلّقاً عليه : " وإن لم يسأله يتوقف وفاقاً للمبسوط والسرائر والشرايع والإرشاد والنافع والدروس والمسالك والروضة والمفاتيح وغيرها وخلافاً لظاهر النهاية والكافي والمراسم والغنية وظاهر الشرايع في أول البحث حيث نسبه إلى القيل
[7]
وصريح المجمع وحاشية الدروس واحتمله في التحرير " فيظهر أن المسألة خلافية .
وقد ذُكر نظير هذه المسألة
[8]
في كلماتهم بالنسبة إلى جواب المدّعى عليه فقالوا بأن طلب القاضي من المُدّعى عليه أن يجيب
[9]
على دعوى المدّعي هل يتوقف على طلب المدّعي أم لا ؟
فيظهر أنه قد وقع الكلام عندهم بلحاظ كلتا المسألتين
[10]
من حيث توقفهما على طلب المدّعي وعدمه.
والظاهر أن هذه المسألة خلافية أيضاً بل ظاهر عبارة الشيخ في المبسوط دعوى الإجماع على أن طلب الحاكم من المدّعى عليه الجواب على دعوى المدّعي يتوقف على طلب المدّعي نفسه .
وقد استُدلّ على التوقف بأن حكم الحاكم وجواب المُدّعى عليه حقّ للمدّعي فيتوقفان على طلبه ومساءلته .
وقد يُوجّه هذا من جهة أنه لا إشكال عندهم في أن المدّعي له حقّ رفع اليد عن الدعوى حتى بعد إقامتها فلا يجوز للحاكم حينئذ أن يحكم سواء صرّح المدّعي برفع يده عنها أو ظهر منه عدم الرضا بالحكم فيها فيُفهم منه أن الحكم له نحو ارتباط بالمدّعي وأن المدّعي له نحو حقّ فيه حيث إن بإمكانه أن يرفع يده عن الدعوى فلا يكون ثمة موضوع للحكم حينئذ .
واستُدلّ لعدم التوقف بأدلة - بعضها واضح الضعف وإن صدرت من الأعاظم - ، وهي :
الدليل الأول :
ما نُقل عن العلامة في المختلف من أنه ربما يجهل المدّعي أن ذلك حقّ له فيضيع عليه حقُّه ، ومقصوده أن الحكم لو كان حقّاً للمدّعي فهو قد يكون جاهلاً بكونه حقّاً له فلا يطالِب به فيضيع عليه حقّه بخلاف ما لو قلنا بعدم التوقف فلا يكون حقّاً له فلا يضيع في حالة الجهل شيء له إذ تكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع .
ما نُقل عن العلامة في المختلف من أنه ربما يجهل المدّعي أن ذلك حقّ له فيضيع عليه حقُّه ، ومقصوده أن الحكم لو كان حقّاً للمدّعي فهو قد يكون جاهلاً بكونه حقّاً له فلا يطالِب به فيضيع عليه حقّه بخلاف ما لو قلنا بعدم التوقف فلا يكون حقّاً له فلا يضيع في حالة الجهل شيء له إذ تكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع .
وجوابه واضح كما أشاروا إليه وهو أن غاية ما يقتضي هذا هو أن الحاكم يُنبّه المدّعي بأن له حقّاً في الحكم فلا يضيع عليه حقّه في حالة الجهل فلا يُبرّر مجرّد هذا
[11]
حكم الحاكم من دون طلب المدّعي ومساءلته لأن المفروض أننا نحتمل دخالة ذلك في جواز حكم الحاكم فمسألة ضياع الحقّ لا تنفي هذا الاحتمال .
الدليل الثاني :
ما ذكره الشهيد في المسالك من قيام شاهد الحال على إرادة المدّعي الحكم من الحاكم فإن إقامته الدعوى كاشفة عن إرادته الحكم ورضاه به فلا بد حينئذ من أن يطلب القاضي الجواب من المُدّعى عليه إذ من المعلوم أن المتظلّم لا يريد إقامة الدعوى إلا لأجل فصل الخصومة بينه وبين خصمه وهو يتوقف على الحكم الذي يتوقف على جواب المُدّعى عليه على دعوى المدّعي وشاهد الحال موجود دائماً فإذاً يجوز للحاكم أن يحكم دائماً [12] .
ما ذكره الشهيد في المسالك من قيام شاهد الحال على إرادة المدّعي الحكم من الحاكم فإن إقامته الدعوى كاشفة عن إرادته الحكم ورضاه به فلا بد حينئذ من أن يطلب القاضي الجواب من المُدّعى عليه إذ من المعلوم أن المتظلّم لا يريد إقامة الدعوى إلا لأجل فصل الخصومة بينه وبين خصمه وهو يتوقف على الحكم الذي يتوقف على جواب المُدّعى عليه على دعوى المدّعي وشاهد الحال موجود دائماً فإذاً يجوز للحاكم أن يحكم دائماً [12] .
ولكن هذا الدليل لا يُجدي في إثبات القول الثاني لأن مفاده الالتزام بالقول الأول - غاية الأمر أن طلب المدّعي تارة يثبت بالتصريح وأخرى يثبت بشاهد الحال - فكيف يكونه حجة على مقابله
[13]
.
الدليل الثالث :
ما استدل به الشيخ صاحب الجواهر (قده) وحاصله أن مقتضى إطلاق الأدلة أن الحكومة [14] ومقدماتها [15] راجعة إلى القاضي - ما لم يرفع المدّعي يده عن الدعوى - فلا تتوقف على إجازة من المدّعي .
ما استدل به الشيخ صاحب الجواهر (قده) وحاصله أن مقتضى إطلاق الأدلة أن الحكومة [14] ومقدماتها [15] راجعة إلى القاضي - ما لم يرفع المدّعي يده عن الدعوى - فلا تتوقف على إجازة من المدّعي .
وأشار السيد صاحب العروة (قده) في ملحقاتها إلى نظير هذا الكلام ولكن لم يعبّر عنه بالإطلاق حيث قال : " إن مقتضى الأدلة بعد الرجوع إلى الحاكم جواز تصدّيه
[16]
لها بجميع كيفياتها
[17]
من دون حاجة إلى سؤال من المدّعي أو المُدّعى عليه
[18]
" .
ولكن هذا الدليل غير واضح لاسيما بالنسبة إلى الإطلاق الذي ورد في عبارة الشيخ صاحب الجواهر (قده) إذ ليس لدينا دليل في البين أصلاً حتى يُدّعى أن له إطلاقاً بحيث يكون مثبتاً لكون الحكومة حقّاً للحاكم حتى في حالة عدم مطالبة المدّعي فإن أدلة القضاء ليست ناظرة إلى هذه الجهة وإنما هي ناظرة إما إلى بيان أصل نصب المجتهد حاكماً وقاضياً وإلى الشروط المعتبرة فيه أو لبيان ماذا يترتب على حكم الحاكم من الآثار ولا يوجد في البين دليل يكون ناظراً إلى إطلاق حكم الحاكم أو تقييده بصورة طلب المدّعي ، نعم .. من المسلّم به من غير إشكال أن الحكومة وظيفة الحاكم ولكن الكلام حدود هذه الوظيفة وإطلاقها لصورة عدم طلب المدّعي .. وهذه الجهة لا يتكفّل بتأمينها هذا الدليل فلا يصلح للاستدلال به في المقام .
الدليل الرابع :
يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى .
يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى .
[1] أي ولو لم يقع أمامه .
[2] أي بحجة معتبرة .
[3] أي في اشتراط أن يقع الإقرار أمام الحاكم لكي يكون نافذاً .
[4] الكافي مج7 ص211 ، الوسائل أبواب الحدود الباب الثالث عشر الحديث الأول مج28 ص195 .
[5] الفقيه مج4 ص73 ، الوسائل أبواب الحدود الباب الثالث عشر الحديث الثالث مج28 ص195 .
[6] هذه إشارة إلى ما يُعتبر من الشروط في المقرّ .
[7] وهذا يُشعر بتضعيفه ومعناه أنه يرى عدم التوقف ولذا عدّه بالنظر إلى هذه العبارة من أصحاب القول الثاني أي عدم التوقف في حين أنه عدّه بلحاظ ما ذكره في نفس البحث من أصحاب القول الأول . (منه دامت بركاته)
[8] أي توقف حكم الحاكم - استناداً إلى الإقرار - على طلب المدّعي .
[9] وقد تقدّم أن جوابه إما اقرار او إنكار او سكوت .
[10] الأولى هي حكم الحاكم في الدعوى ، والثانية طلبه من المدّعى عليه الجواب على دعوى المدّعي .
[11] أي دعوى أنه لو قلنا بالتوقف فربما يجهل المدّعي أن ذلك حقّ له فيضيع عليه حقّه حيث لا يعلم به ليطالِب به.
[12] أي اعتماداً على شاهد الحال .
[13] أي القول الثاني وهو عدم التوقف .
[14] أي الحكم .
[15] لعل في هذا إشارة إلى المسألة الثانية المتقدمة وهي جواب المُدّعى عليه فإنه من مقدمات الحكم كما لا يخفى . (منه دامت بركاته) .
[16] أي الحاكم .
[17] أي من شروطها ومقدماتها .
[18] غاية الأمر أن المدّعي له حقّ رفع اليد عن الدعوى .