37/12/22
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/12/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ــــ الاجماع
كان كلامنا في أدلة حجية خبر الواحد وقد تقدم الكلام في الاستدلال بالكتاب والسنة، وقد انتهى كلامنا إلى الاستدلال بالإجماع، فقد يستدل على حجية خبر الواحد بالإجماع ونقصد به أعم من الإجماع القولي والإجماع العملي.
أما الإجماع القولي: فإن أريد بالإجماع الإجماع المنقول بخبر الواحد فلا يمكن الاستدلال به على حجية خبر الواحد؛ لأنه بمثابة خبر الواحد وقد تقدم أن الاستدلال على حجية خبر الواحد بخبر الواحد غير ممكن لاستلزامه توقف الشيء على نفسه وعليّة الشيء لنفسه وهو مستحيل، فالاستدلال على حجية خبر الواحد بالإجماع المنقول بخبر الواحد غير ممكن.
وأما الإجماع المحصّل: بين العلماء من المتقدمين والمتأخرين فليس بإمكاننا إحراز مثل هذا الإجماع، إذ لو فرضنا ثبوت مثل هذا الإجماع بين المتأخرين سواء في المسائل الفقهية أو في المسائل الأصولية كحجية خبر الواحد، فلا طريق لنا إلى إحراز أن هذا الإجماع قد وصل إلى المتأخرين من الفقهاء المتقدين، ولا طريق لنا إلى إحراز موافقة المتقدمين للمتأخرين في حجية خبر الواحد، إذ المنقول في كتب المتأخرين إنما هي فتاوي العلماء المتقدمين والفتوى لا تدل على أن مدركها في المسألة الاجماع؛ لأنه كما يمكن أن يكون مدرك الفتوى الاجماع كذلك يمكن ان يكون مدركها غير الاجماع، والمنقول في كتب المتأخرين هو فتاوي المتقدمين لا إجماعاتهم فمن أجل ذلك لا يمكن إحراز موافقة المتقدمين للمتأخرين في دعوى الاجماع. كما أن ليس للمتقدمين كتب استدلالية بين أيدينا حتى نستطيع إحراز استنادهم إلى الإجماع، إما لأنه ليس لكل واحد منهم كتاب استدلالي أو كان ولكنه لم يصل إلينا حتى نرجع إليه ونحرز انه موافق للإجماع او ليس موافقا له.
وعليه: فليس لنا طريق إلى إحراز أن الاجماع الثابت بين المتأخرين قد وصل إليهم من العلماء المتقدمين فضلا عن وصول هذا الاجماع من زمن الأئمة عليهم السلام إلينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة، فلا أثر لهذا الاجماع، لأن الاجماع في نفسه لا يكون حجة وإنما حجيته من جهة وصوله إلينا من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة، وقد عرفت أنه لا طريق لنا إلى إحراز ذلك.
فالنتيجة: أن الاجماع الثبات بين المتأخرين لا يمكن إحراز ثبوته بين المتقدمين وانه قد وصل منهم إلينا كذلك، فضلا عن ثبوت هذا الاجماع بين أصحاب الأئمة(ع) ووصوله إلينا يدا بيد، ولا فرق في ذلك بين الاجماع في المسائل الفقهية والاجماع في المسائل الأصولية كحجية خبر الواحد.
وأما الاجماع العملي: كعمل الفقهاء المتأخرين جميعا بأخبار الثقة فأيضا الأمر كذلك، ولكن لا يمكن إحراز موافقة المتقدمين لهم في ذلك، بل نعلم بمخالفة المتقدمين لهم في ذلك؛ فإن السيد المرتضى وغيره لا يقولون بحجية اخبار الآحاد وإن كانت من الثقات، فالإجماع العملي غير ثابت بين العلماء المتأخرين والمتقدمين فضلا عن وصوله من زمن الأئمة(ع) إلينا.
فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد على الاجماع في شيء من المسائل الفقهية ولا في المسائل الأصولية.
ولكن مع ذلك قد يستدل على حجية خبر الواحد بعدة طرق ووجوه:
الوجه الأول: أن الروايات المتقدمة الواردة بألسنة مختلفة وبعناوين متعددة تدل على اهتمام الأصحاب وعلماء الطائفة بها في مقام العمل ومن الواضح أنه من غير المحتمل أنهم لا يعملون بها إلا إذا كانت قطعية بالتواتر أو بالقرائن الخارجية، بل لا شبهة في أنهم يعملون بالروايات التي يكون رواتها من الثقات في مقابل عدم عملهم بروايات المجهولين أو بروايات الكذابين والوضاعين، ومن الواضح أن اهتمام الأصحاب وعلماء الطائفة بهذه الروايات في مقام العمل كاشف عن قيام سيرتهم على ذلك ووصولها إلينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.
ولكن الجواب عن ذلك: واضح.
أولا: انه لا طريق لنا إلى إحراز وصول هذه السيرة من زمن أصحاب الأئمة(ع) إلينا، وليس بإمكاننا إثبات هذه السيرة المتشرعية بين أصحاب الأئمة وصولها إلينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.
وعلى تقدير تسليم ذلك إلا أنه من المحتمل أن اهتمام الأصحاب بالعمل بهذه الروايات وعمل علماء الطائفة بها يكشف عن وجود السيرة، ولكن كونها سيرة متشرعية أو سيرة عقلائية فهذا ما لا يمكن كشفه من قيام هذه السيرة، إذ لعل هذه السيرة امتداد لسيرة العقلاء المرتكزة في أذهانهم من العمل بأخبار الثقات وهذه السيرة ممضاة شرعا وبعد الإمضاء تصبح السيرة العقلائية سيرة متشرعية.
فاهتمام الأصحاب بهذه الروايات جميعا وعمل علماء الطائفة بها لو فرض أنه كاشف عن قيام السيرة بين الأصحاب ولكن لا يمكن إحراز أنها سيرة متشرعية مستحدثة من زمن أصحاب الأئمة(ع) من مجرد قيام السيرة على ذلك بين أصحاب الأئمة(ع) لاحتمال أنها سيرة العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة الممضاة شرعا، وبعد إمضائها تتولد سيرة متشرعية على العمل بأخبار الثقة، فعمل الأصحاب بها لا يكون كاشف عن أنها سيرة مستحدثة متشرعية.
الوجه الثاني: أن عمل العلماء بأخبار الثقة في تمام أبواب الفقه من البداية إلى النهاية، لا يمكن أن يكون جزافاً، ولا يحتمل أن يكون مدرك هذا العمل الروايات القطعية الواصلة إليهم، إذ لو كانت هناك روايات قطعية في جميع أبواب الفقه لكانت معروفة وواضحة بينهم ولكانت مدونة في كتبهم مع أنه لا عين ولا أثر لها.
والجواب عن ذلك: أن هذا الوجه إنما يتم بتمامية مقدمتين:
المقدمة الأولى: ثبوت أن هناك إجماع بين الأصحاب والفقهاء من المتقدمين والمتأخرين على العمل بأخبار الثقة في تمام أبواب الفقه.
المقدمة الثانية: أن لا يكون لهذا الاجماع مدرك.
ولكن كلتا المقدمتين غير صحيحة.
أما المقدمة الأولى: فهي غير تامة من جهة أن جماعة من المتقدمين وبعض المتأخرين لا يرون العمل بأخبار الثقة، وأما الروايات الموجودة في الكتب الأربعة فهي وإن كانت أخبار آحاد صورة ولكنها قطعية الصدور وليست بأخبار آحاد حقيقة.
ومن هنا لا يكون هناك إجماع بين المتقدمين والمتأخرين على ذلك.
وأما المقدمة الثانية: فمن المحتمل أن يكون مدرك هذا الاجماع أحد الأدلة المتقدمة أو السيرة العقلائية، وحينئذ لا يكون مثله كاشفا عن وجود سيرة متشرعة بين أصحاب الأئمة(ع) لأنه محتمل المدرك.