37/12/01
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الفقه
37/12/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: خــتــام.
كان كلامنا في المسالة السابعة ، وكلمات الاصحاب حول هذه المسالة مشوشة ، فجماعة منهم يقولون بانحلال العلم الاجمالي حقيقة ، وجماعة منهم يقولون بانحلال العلم الاجمالي حكما لا حقيقة ، وجماعة لا يقولون بالانحلال ، وبعضهم فرق بين ان يكون طرفا العلم الاجمالي من جنس واحد او من جنسين مختلفين فعلى الاول ينحل العلم الاجمالي دون الثاني ، والصحيح في المقام ان يقال ان الكلام يقع في هذه المسالة في مرحلتين.
المرحلة الاولى:- فيما اذا كانت الاعيان الزكوية موجودة في الخارج وغير تالفة سواء أكانت الاعيان الزكوية من المثليات كالغلاة الاربعة والنقدين او القيميات كالانعام الثلاثة.
المرحلة الثانية:- فيما اذا كانت الاعيان الزكوية تالفة ، والزكاة تنتقل الى ذمة المالك.
اما الكلام في المرحلة الاولى فتارة يقع البحث في المثليات وأخرى في القيميات.
البحث الاول:- في المثليات ، كما اذا علم اجمالا ان الزكاة اما تعلقت بحنطته او بشعيره او علم اجمالا ان الزكاة اما تعلقت بتمره او بزبيبه او علم اجمالا ان الزكاة اما تعلقت بديناره او بدرهمه ، فان الزكاة حكم وضعي وليس في موردها حكم تكليفي ، فان الحكم التكليفي منتزع من الحكم الوضعي ، والامر الوارد في إيتاء الزكاة وإعطاء الزكاة أمر ارشادي وليس امرا مولويا ، بل هو ارشاد الى ان الزكاة واجبة ، كالأمر بأجزاء الصلاة فان هذه الاوامر اوامر ارشادية ، فالامر بالقراءة في الصلاة ارشاد الى جزئية القراءة فيها والامر بالركوع ارشاد الى جزئية الركوع في الصلاة والامر بالسجود ارشاد الى جزئية السجود والامر بالقيام ارشاد الى شرطية القيام في الصلاة ، وكذا الامر بتطهير البدن او الثوب ارشاد الى شرطية الطهارة والامر بالوضوء او الغسل ارشاد الى شرطية الوضوء او الغسل للصلاة وليست هذا الاوامر اوامر مولوية بل هي اوامر ارشادي ، والامر المولوي تعلق بالصلاة بمجموع اجزائها المقيدة بشروطها وقيودها ، كما ان النهي الوارد عن منافيات الصلاة وموانعها نهي ارشادي كالنهي عن التكلم في الصلاة فانه ارشاد الى مانعية التكلم وليس هذا النهي نهي مولوي ، ولذا لو تكلم في الصلاة عامدا بطلت صلاته لا انه عصى الله فليس هنا أي معصية.
نــعــم لو قلنا بان ابطال الصلاة محرم فيكون قد ارتكب الحرام من هذه الناحية ، اما انه لو قلنا ان ابطال الصلاة لا دليل على حرمته فلم يرتكب الحرام حينئذ.
وكذا الامر بإيتاء الزكاة والخمس هو امر ارشادي ، والمجعول هو وضع الزكاة على اموال الاغنياء وهو العشر او نصف العشر ، والفقير شريك مع الاغنياء في هذا المقدار ، فان هذا هو المجعول في الشريعة المقدسة.
ولكن على المشهور ـــ في مقام الامتثال ـــ المكلف مخير بين ان يعطي الزكاة من نفس النصاب او يعطي الزكاة من النقدين او يعطي الزكاة من جنس اخر ، فالواجب هو الجامع بين هذه الافراد ولكن لا بوجوب مولوي بل بوجوب عقلي ، وهذا الجامع منجز بالعلم الاجمالي ، فالعلم الاجمالي يوجب التنجيز في جميع هذه المراحل لأنه لم ينحل ، اذن العلم الاجمالي بتعلق الزكاة اما بحنطته او بشعيره لم ينحل سواء اعطى الزكاة من نفس الحنطة او اعطى الزكاة من النقدين او اعطى الزكاة من جنس اخر ، فالعلم الاجمالي منجز للجميع ولا ينحل هذا العلم الاجمالي لا حقيقة ولا حكما ، لذا وجب الاحتياط في جميع هذه المراتب.
ومن هنا يظهر ان ما ذكره الماتن (قدس سره) من احتمال الانحلال اذا اعطى الزكاة من النقدين غير تام وهذا غريب من الماتن (قدس سره) وان اشكل فيه ايضا.
وكذا على القول الثاني وهو انه يجوز اعطاء الزكاة من النقدين فقط ، أي ان المالك مخير في مقام الامتثال بين ان يعطي زكاته من نفس النصاب او يعطي زكاته من النقدين ولا يجوز اعطائها من جنس اخر بمعنى انه لا تبرأ ذمته لا انه حرام ، الا اذا كان بإذن من الامام (عليه السلام) في زمن الحضور او من الحاكم الشرعي في زمن الغيبة.
البحث الثاني:- واما الكلام في القيميات ، فأيضا الامر كذلك فاذا علم اجمالا اما ان الزكاة تعلقت بشياته او تعلقت بأبقاره ، فهو يعلم اجمالا ان الواجب عليه اما شاة او تبيع.
اما على المشهور ـــ في مقام الامتثال ـــ المكلف مخير بين ان يدفع التبيع او يدفع قيمته من احد النقدين او يدفع قيمته من جنس اخر ، وكذا بالنسبة الى الشاة هو مخير بين ان يدفع نفس الشاة او يدفع قيمتها من النقدين او قيمتها من جنس اخر ، فعلى المشهور المكلف مخير بين هذه الامور الثلاثة والعلم الاجمالي في المقام ايضا لا ينحل لا حقيقة ولا حكما وهذا التخيير مستند الى ترخيص المولى تسهيلا على المكلفين وامتنانا عليهم.
واما بناء على ما قويناه من انه لا دليل على اعطاء الزكاة في القيميات من احد النقدين ايضا ولابد اعطاء الشاة فقط واعطاء التبيع ولا تبرا ذمته اذا اعطى بدل التبيع من النقدين او بدل الشاة من النقدين ، فالواجب عليه اعطاء شاة من اربعين شاة واعطاء تبيع من ثلاثين بقرة ولا يجوز اعطاء جنس اخر حتى من النقدين وحينئذ لا شبهة في ان العلم الاجمالي منجز لان العلم الاجمالي بين امرين متباينين وهما الشاة والتبيع ، هذا كله في المرحلة الاولى.
ولا فرق في هذه المرحلة ايضا بين ان يكون طرفا العلم الاجمالي من جنس واحد كما لو كان طرفاه من الحنطة والشعير باعتبار ان الغلاة من جنس واحد وبين ان يكون من جنسين مختلفين كالأغنام والابقار والابل فهما جنسان مختلفان ، ففي كل ذلك العلم الاجمالي منجز فيما اذا كانت الاعيان الزكوية موجود في الخارج.
واما الكلام في المرحلة الثانية وهي ما اذا كانت الاعيان الزكوية تالفة ، والبحث تارة يكون في المثليات واخرى في القيميات.
البحث الاول:- الكلام في المثليات ، كما اذا فرضنا انه عزل زكاة الحنطة وزكاة الشعير وتلفت بتقصير من المالك فقد اشتغلت ذمته بالمثل لان الحنطة مثلية ولان الشعير مثلي ، اذن يعلم اجمالا ان ذمته اما مشغولة بالحنطة او مشغولة بالشعير فهذا العلم الاجمالي بين المتباينين ويجب الاحتياط حينئذ.
وبناء على المشهور المالك حينئذ مخير بين ان يعطي زكاته من نفس الحنطة او من النقدين او من جنس اخر فهو مخير بين الامور الثلاثة المتساوية في المالية ، وكذا في الشعير فهو مخير بين ان يعطي زكاته من الشعير او من احد النقدين او من جنس اخر.
واما على غير المشهور فالمالك مخير بين امرين اما ان يعطي الزكاة من نفس الحنطة او احد النقدين وكذا الحال في الشعير ، فالعلم الاجمالي على كلا التقديرين منجز ويجب الاحتياط بالجمع بين الامرين.
اذن في المثليات لا فرق بين ان تكون الزكاة موجودة او تكون تالفة ، فعلى كلا التقديرين العلم الاجمالي لا ينحل لا حقيقة ولا حكما.
البحث الثاني:- واما في القيميات ، كما اذا فرضنا ان الشاة تلفت والتبيع ايضا تلف وحينئذ تنتقل الى ذمة المالك قيمة الشاة وانتقلت الى ذمته قيمة التبيع ، اذن قيمة التبيع وقيمة الشاة قد اجتمعتا في شيء واحد وهو ذمة المالك ، وحينئذ ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بالاقل وشك بدوي في الزائد ، لان محل كلتا القيمتين هو ذمة المالك ، فذمة المالك اشتغالها بالاقل معلوم واما بالزائد فهو مشكوك فاذا فرضنا ان قيمة الشاة عشرين دينارا وقيمة التبيع ثلاثين دينارا فذمة المالك مشغولة بعشرين دينار على كل تقدير وهو متيقن بان ذمته مشغولة بعشرين دينارا سواء اكانت قيمة الشاة ام كانت قيمة التبيع.
واما الزائد فيشك في اشتغال ذمته بالزائد فحينئذ لا مانع من الرجوع الى الاصل المؤمن في الزائد كاستصحاب عدم اشتغال ذمته بالزائد ، والعلم الاجمالي ينحل حقيقة الى علم تفصيلي بالاقل والى شك بدوي بالزائد.
النتيجة تختلف القيميات عن المثليات في مورد التلف باعتبار ان القيميات اذا تلفت اشتغلت ذمة المالك بالقيمة ، اذن ذمة المالك مشغولة بكلتا القيمتين والمفروض انه لا ميز بين القيمتين ، اذن يعلم تفصيلا ان ذمته مشغولة بعشرين دينار قطعا واما لزائد فهو مشكوك اذن ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بالاقل والى شك بدوي في الزائد.
هذا تمام كلامنا في هذه المسالة ، ويأتي الكلام في المسالة الاتية ان شاء الله تعالى.