37/11/18
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/11/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ــ آية النفر
تحصل مما ذكرنا أن تعليل الأمر بشيء بعلة ظاهر في أن وجود ذلك الشيء المأمور به شرط لوجود العلة لا شرط لوجوبها، كما إذا أمر بالمولى بالتوضؤ لكي تصلي فإنه ظاهر في أن وجود الوضوء شرط لوجود الصلاة لا أنه شرط لوجوبها، بل لا يمكن أن يكون شرطا لوجوبها؛ لأن وجوب الصلاة ثابت سواء توضأ المكلف أم لم يتوضأ وكذلك إذا أمر المولى بالاغتسال قبل الفجر في شهر رمضان لكي تصوم غدا فإنه ظاهر في أن وجود الغسل شرط لوجود الصوم لا لوجوبه؛ فإن وجود الغسل مقدمة وجودية وليس مقدمة وجوبية وهو شرط لوجود الصوم غدا، وأما وجوب الصوم فهو ثابت أغتسل المكلف أم لم يغتسل فلا يمكن ان يكون شرط لوجوب العلة، بل هو شرط لوجودها، فإذا أمر المولى بالنذر لكي يفي به فلا يمكن ان يكون وجود النذر شرط لوجوب الوفاء فإن وجوب الوفاء معلول للأمر بالنذر فلا يعقل أن يكون الأمر بالنذر مسبب عن وجوب الوفاء ومعلول له ولا يعقل أن يكون شرطا للحكم.
والكلام إنما هو في تطبيق هذه الكبرى على الآية المباركة؛ إذ قد ورد الأمر في الآية المباركة بالنفر للتفقه وتعليل الأمر بالنذر للتفقه ظاهر في أن وجود النفر شرط لوجود التفقه لا لوجوبه فوجوب التفقه ثابت في الواقع سواء نفر أم لم ينفر وكذلك الأمر بالتفقه للإنذار فإن تعليل الأمر بالتفقه للإنذار ظاهر في أن وجود التفقه شرط لوجود الإنذار وليس شرطا لوجوبه وكذلك الحال في الإنذار فإن أمر المولى بالإنذار للحذر فإنه ظاهر في أن وجود الإنذار شرط لوجود الحذر لا أنه شرط للوجوب.
فإذاً الآية المباركة بجميع فقراتها وجملها ظاهرة في أن الشرط شرط لوجود العلة لا أنه شرط لوجوبها.
ونتيجة ذلك: أن وجوب التفقه ثابت في الواقع في المرتبة السابقة سواء تحقق النفر أم لم يتحقق، وكذلك وجوب الإنذار ثابت في الواقع في المرتبة السابقة سواء تفقه وتعلم الأحكام الشرعية أم لم يتعلم، وكذلك وجوب التحذر فإنه ثابت في الواقع وفي المرتبة السابقة سواء أنذر المكلف أو لم ينذر.
ونتيجة ذلك: اختصاص الآية المباركة بالشبهات الحكمية التي يكون المرجع فيها قاعدة الاشتغال وهي الشبهات الحكمية قبل الفحص؛ فإن وجوب التحذر من مخالفة الأحكام الشرعية ثابت فيها في المرتبة السابقة سواء أنذر المكلف أو لم ينذر، فالإنذار شرط لوجود التحذر لا لوجوبه؛ لأن وجوبه ثابت في الواقع.
ولكن لا يمكن تطبيق الآية المباركة على الشبهات الحكمية التي يكون المرجع فيها الأصول المؤمنة كأصالة البراءة أو استصحاب عدم التكليف أو أصالة الطهارة وإلا لزم تعليل الأمر بالنذر بوجوب التحذر لا بوجوده، وهو لا يمكن؛ فإن وجوب التحذر لا يمكن أن يكون سببا لوجوب الإنذار أي للأمر بالإنذار فإن الأمر بالإنذار هو سبب لوجوب التحذر فلا يمكن تعليل الأمر بالإنذار بوجوب التحذر فالآية المباركة لو كانت شاملة للشبهات الحكمية التي يكون المرجع فيها الأصول المؤمنة كقاعدة البراءة أو الاحتياط أو استصحاب عدم التكليف فإنها إذا كانت شاملة لزم تعليل الأمر بالإنذار بوجوب التحذر، وهذا مما لا يمكن.
نعم يمكن تعليل الأمر بالإنذار بوصول وجوب التحذر وتنجزه على المكلف فإن وصول وجوب التحذر إلى المكلف وتنجزه عليه منوط بإنذار المنذرين، وهذا لا مانع منه فإن وصول الأحكام الشرعية إلى المكلف تارة يكون بالعلم الوجداني وأخرى يكون بالاطمئنان والوثوق، وثالثة يكون بالعلم التعبدي أي بحجية أخبار الاحاد فيسمى بالعلم التعبدي، ورابعة يكون بالتنجز كما في موارد قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب المثبت للتكليف، فإن في هذه الموارد يصل التكليف الى المكلف بالتنجز لا بالعلم الوجداني ولا بالاطمئنان ولا بالعلم التعبدي وإنما وصل بالتنجز فقط فالحكم الواقعي في موارد قاعدة الاشتغال والاحتياط منجز كما في الشبهات قبل الفحص فإن الأحكام الواقعية لم تصل إلى المكلف لا بالوجدان ولا بالاطمئنان والوثوق ولا بالعلم التعبدي لعدم وجود إمارة معتبرة فيها وإنما وصلت بقاعدة الاشتغال ووصولها بالتنجز فقط فالأحكام الواقعية منجزة، وهذا يعني أن احتمال التكليف من الوجوب والحرمة منجز طالما لم يكن هناك أصل مؤمن كأصالة البراءة أو قاعدة الطهارة او استصحاب عدم التكليف وهو ما يسمى بالاستصحاب الترخيصي، فالتكليف في هذه الموارد قد وصل تنجزه لا ذاته كما في الشبهات قبل الفحص فإن احتمال التكليف من الوجوب والحرمة منجز باعتبار أن الأصول المؤمنة لا تجري في الشبهات الحكمية قبل الفحص فإذا لم تجر كان احتمال التكليف منجز فوصول التكليف إنما هو بالتنجز لا بالعلم الوجداني ولا بالاطمئنان والوثوق ولا بالعلم التعبدي.
وفي المقام: الآية المباركة تدل بالنسبة إلى الأحكام الواقعية على أن وجود النفر شرط لوجود التفقه لا لوجوبه ووجود التفقه شرط لوجد الإنذار لا لوجوب الإنذار ووجود الإنذار شرط لوجود الحذر لا لوجوبه هذا بالنسبة إلى الأحكام الواقعية.
لكن لا شبهة في أن إنذار المنذر إذا كان حجة وفرضنا أن الآية المباركة تدل على أن إنذار المنذر يكون حجة فإذا كان حجة فهي موجبة لوصول الأحكام الواقعية تعبدا وتنجزا فالأحكام الواقعية في موارد الأمارات المعتبرة كأخبار الآحاد واصلة الى المكلف تعبدا وتنجزا فإن اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية وعدم رضائه بتفويتها بما لها من الملاكات والمبادئ اللزومية التي هي حقيقة الأحكام وروحها اهتمام المولى بالحفاظ على الأحكام الواقعية وعدم رضائه بتفويتها بما لها من الملاكات والمبادئ اللزومية هو الداعي والمحرك للمولى في جعل الأمارات حجة في موارد الاشتباه والالتباس، وإذا كانت أخبار الاحاد حجة فهي موجبة لوصول الأحكام الواقعية ظاهرا وتنجزا، وإذا كان إنذار المنذر حجة فهو موجب لوصول وجوب التحذر ظاهرا وتنجزا ولا يمكن أن يكون موجبا لوصول وجوب التحذر واقعا؛ إذ ان وصول وجوب التحذر واقعا منوط بالعلم الوجداني أو بالوثوق والاطمئنان وأما الأمارات المعتبرة التي يكون موردها الشبهات الحكمية وموارد الالتباس والشبهات فإنها توجب وصول الأحكام الواقعية ظاهرا وتنجزا.
فالنتيجة: أن الآية المباركة تدل على أن إنذار المنذر شرط لوجود التحذر لا لوجوبه واقعا ولكن في نفس الوقت أن إنذار المنذر إذا كان حجة فهو شرط لوصول وجوب التحذر ظاهرا وتنجزا ولا بد من العمل به.