37/11/24
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/11/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ـــــــــ آية النفر
ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) من الإشكال مبني على نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: أن الآية المباركة قد قيدت إنذار المنذر بالدين ولا تدل على إنذار المنذر مطلقا.
النقطة الثانية: أن يكون إنذار المنذر بالدين مطابقا للواقع.
وما ذكره(قده) من الإشكال يدور مدار هاتين النقطتين.
ولكن كلتا النقطتين خاطئتين ولا واقع موضوعي لها.
أما النقطة الأولى: فإن الدين ليس شيئا زائدا على الأحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة من الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية فالوجوب هو الدين وليس الدين شيئا زائدا على الوجوب أو الحرمة وما شاكلهما من الأحكام الشرعية والدين مفهوم عام لجميع الأحكام الشرعية ومصاديقه في الخارج هي نفس الأحكام الشرعية فالإخبار بالوجوب أو الحرمة أو بصحة شيء إخبار بالدين فمن أخبر عن وجوب شيء فقد أخبر بالدين.
فالوجوب هو المخبر به وليس شيئا زائدا على المخبر به كما إذا أخبر شخص عن عدالة زيد فتكون عدالة زيد هي المخبر به غاية الأمر أن الإخبار عن الوجوب لا يثبت أن الوجوب من الدين إلا بشمول دليل الحجية للإخبار فإذا شمل دليل الحجية للخبر فالخبر حينئذ يدل على ثبوت الجوب تعبدا وشرعا ويدل على ثبوته تنجزا فيتصف الوجوب بالوجوب الشرعي وأما قبل حجية الخبر فلا يكون الوجوب متصفا بالوجوب الشرعي فاتصافه بالوجوب الشرعي وتنجزه واستحقاق العقوبة والإدانة على مخالفته والمثوبة على موافقته كل ذلك مترتب على ثبوته شرعا بخبر الواحد وإنما ثبت شرعا بخبر الواحد إذا كان الخبر حجة ومشمولا لدليل الحجية، فالإخبار عن الوجوب إنذار بالدين إذا كان الخبر حجة وحينئذ يثبت وجوب الشيء تعبدا وشرعا وتنجزا وعندئذ يترتب على مخالفته الإدانة والعقوبة وعلى موافقتها الثواب.
ومن هنا يظهر أن ما قيل من أن موضوع حجية الخبر إنذار المنذر المقيد بالدين فلا بد من إحراز موضوع الحجية في المرتبة السابقة حتى يثبت حكمه؛ لاستحالة ثبوت الحكم بدون ثبوت الموضوع، فلو توقف ثبوت الموضوع على حجية الإنذار لدار؛ فإن حجية الإنذار تتوقف على ثبوت الموضوع بتمام قيوده ومنها قيد الدين، فلو توقف ثبوت الموضوع على ذلك أي على حجيته لدار.
ومن هنا يظهر أن ما قيل غير تام ولا يرجع الى معنى محصل، وقد ذكرنا أن الدين ليس قيدا زائدا في المخبر به بل الدين هو نفس المخبر به فإذا أخبر عن وجوب شيء فهو إنذار بالوجوب وإخبار عن الدين وهذا الوجوب لا يتصف بالوجوب الشرعي وبالتنجز وبالثبوت الشرعي الا إذا كان الخبر حجة ومع صيرورة الخبر حجة بدليل حجيته يثبت الوجوب تعبدا وشرعا وتنجزا ويترتب عليه استحقاق العقوبة والإدانة على مخالفته والمثوبة على موافقته.
فالنتيجة ان هذه النقطة لا ترجع الى معنى محصل؛ فإن التقييد بالدين ليس شيئا زائدا؛ لأن الإخبار عن الوجوب هو إخبار عن الدين، فواقع الدين نفس هذه الأحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة من الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية.
واما النقطة الثانية: فهو شيء غريب من مثل الشيخ(قده)فلا شبهة في أن الخبر لا يدل على أن مدلوله مطابق للواقع او غير مطابق للواقع بل لا بد من إحراز ذلك من الخارج، فنفس الإخبار لا يدل على ذلك وإنما يدل على ثبوت الوجوب لو كان الإخبار عن وجوب شيء سواء كان على القول المشهور الذي يتبنى القول بدلالة الجملة الخبرية بالوضع على الثبوت أو على قول السيد الاستاذ(قده) من دلالة الجملة الخبرية على قصد الحكاية بالدلالة التصديقية واما انها تدل على ثبوت هذا الشيء في الواقع أو ليس بثابت فالخبر لا يدل على ذلك، بل كون كل خبر إنما يدل على ثبوت مدلوله شيء في غاية الوضوح إما ثبوت مدلوله وجدانا فيما إذا كان الخبر متواترا وقطعيا او تعبدا فيما إذا كان الخبر خبر واحد وكان حجة وأما انه مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع فهو لا يدل على ذلك.
فالنتيجة ان ما ذكره شيخنا الأنصاري من الإشكال لا يمكن المساعدة عليه.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن وجوب الحذر هل هو وجوب مولوي أو انه وجوب ظاهري طريقي أو انه وجوب إرشادي أو أنه وجوب عقلي؟
لا شبهة في أن وجوب التحذر ليس وجوبا مولوياً بأن يكون له ملاك ومبدأ، واما كونه وجوبا طريقيا كإيجاب الاحتياط وكحجية الأمارات إذ هي حجة طريقية بمعنى أن الأمارات جعلها الشارع حجة للحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية في موارد الاشتباه والالتباس فجعل الحجية جعل طريقي ومعنى الطريقية أن لا شأن له غير الحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات ولا ملاك للأحكام الطريقية غير ملاك الأحكام الواقعية ولا عقوبة على مخالفتها غير العقوبة على مخالفة الأحكام الواقعية ولا مثوبة على امتثالها غير المثوبة على امتثال الأحكام الواقعية ولهذا لا شأن لها في مقابل الأحكام الواقعية بل شأنها الحفاظ على الأحكام الواقعية فقط بما لها من المبادئ والملاكات في موارد الاشتباه والالتباس كإيجاب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص او في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فهو وجوب طريقي لأجل الحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات.
ولكن وجوب التحذر ليس وجوبا طريقيا.
واما انه وجوب إرشادي إرشاد إلى إيجاب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص والشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي او إرشاد الى جعل الحجية لأخبار الآحاد وإنذار المنذرين للمنذرين (بالفتح)، والظاهر أنه لا دليل على ذلك أيضا فإن إيجاب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص لا يحتاج الى دليل بل هو على القاعدة فإن احتمال التكليف بنفسه منجز طالما لم يكن هنا أصل مؤمن في البين وحيث أن الأصل المؤمن لم يجر في الشبهات الحكمية فاحتمال التكليف منجز وكذلك الحال في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فإن احتمال ثبوت التكليف في كل طرف من أطرافه منجز حيث لم يكن أصل مؤمن في البين فإن الأصول المؤمنة لا تجري في أطراف العلم الاجمالي إما من جهة قصور المقتضي أي قصور دليلها او من جهة التعارض وسقوطها بالمعارضة فمن أجل ذلك يكون احتمال التكليف في كل طرف من أطراف العلم الاجمالي منجز وحينئذ لا حاجة الى الدليل الخارجي على وجوب الاحتياط.
والظاهر ان وجوب التحذر وجوب عقلي فإن العقل يحكم عند إنذار المنذرين( بالكسر) المنذرين( بالفتح) فإذا كان إنذارهم حجة فهو يثبت الوجوب تعبدا وتنجزا وكذلك يثبت الحرمة تعبدا وشرعا وتنجزا وإذا ثبت الوجوب تنجزا وتعبدا فالعقل يحكم بالحذر عن مخالفته لأن العقل يدرك ترتب استحقاق العقوبة والإدانة على مخالفته.
والظاهر أن وجوب الحذر وجوب عقلي لأن الحاكم بوجوب الحذر عن الإدانة والعقوبة إنما هو العقل لا الشرع.
فإذن وجوب الحذر في الآية المباركة وجوب عقلي وليس وجوبا مولويا ولا طريقيا ولا إرشاديا.
ومن ناحية ثالثة أن الآية المباركة ليست في مقام التأسيس بل مفادها إنما هو تقرير ما سبق عند العقلاء وجرت عليه سريتهم بما هو مرتكز في أذهانهم حيث أن التفقه في الدين في كل ملة عند العقلاء موجود فإن قيام المنذرين( بالكسر) بإنذار المنذرين( بالفتح) وتحذيرهم من هذا الإنذار لهو امر ثابت عند العقلاء والآية المباركة في مقام تثبيت ذلك وتقرير وليست في مقام التأسيس.