37/08/02
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
.......يختلف عن ذاك، باعتبار أنّ اصحاب ذاك الرأي يرون أنّ الحديث ناظر إلى عالم التشريع والتقنين، ومفاده مباشرة هو نفي الحكم الشرعي المسبب للضرر، والوجه فيه هو التقريبات السابقة التي تقدّمت، ومنها: ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) من أنّ المراد بالضرر هو منشأ الضرر وسببه الذي هو الحكم الشرعي، فلا ضرر تعني لا حكم يوجب الضرر، فالمنفي هو الحكم الشرعي المسبب للضرر، فيكون الحديث ناظراً إلى عالم التشريع وينفي الحكم المسبب للضرر بأحد الوجوه المتقدّمة لتقريبات هذا القول، وواحد منها يقول بأنّ هناك نوعاً من التجوّز في استعمال الضرر، ويُراد من الضرر الحكم، أو ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) من وجود علاقة سببية ومسببية توليدية، ويكون المراد من الضرر المنفي هو الحكم الضرري، في حين أنّ هذا الوجه يفترض أنّ الحديث ليس ناظراً إلى عالم التشريع، وإنما ناظر الى العالم الخارجي، وينفي الضرر الحقيقي بوجوده الخارجي، يعني أنّ مفاده هو نفي الضرر الخارجي، غاية الأمر هو لا ينفي الضرر الخارجي على إطلاقه، وإنما ينفي الضرر الخارجي الناشئ من جانب الشارع، ولازم نفي الضرر الخارجي المقيد بأن يكون ناشئاً من الشريعة، لازمه هو نفي الحكم المسبب للضرر، وإلاّ إذا لم يُنفَ الحكم المسبب للضرر لكان الضرر الخارجي الناشئ من الشريعة متحققاً في الخارج، وهذا كذبٌ بحسب الفرض وخلاف الواقع.
فإذن: كلٌ من الرأيين يتفقان في استفادة نفي الأحكام الضررية، ويفترقان في أنّ رأي المحقق النائيني(قدّس سرّه) يرى أنّ هذا هو المدلول المباشر للحديث، نفي الأحكام الضررية هو مفاد لا ضرر، فيستفيده مباشرة من الحديث، بينما هذا الرأي الآخر فيقول: أنّ مفاد الحديث هو نفي الضرر الخارجي الناشئ من الشريعة. نعم، لازم هذا النفي هو نفي الأحكام الضررية وإلاّ إذا لم تنتف الأحكام الضررية، لكان الضرر الخارجي الناشئ من الشريعة متحققاً، وهذا خلاف الحديث، فالحديث على الرأي الثاني وإن كان دالاً على نفي الأحكام الضررية، لكنّ ذلك ليس هو مفاد الحديث؛ بل هو لازم مفاد الحديث.
استُدل على هذا الرأي بما حاصله: أنّ فقرة (لا ضرر) لو خُلّيت ونفسها لكان فيها عدّة ظهورات، وهذه الظهورات العديدة إذا أردنا التحفظ عليها جميعاً، يعني نؤمن بكل هذه الظهورات الآتية، وهذا غير ممكن أصلاً؛ لأنّه يلزم منه أن ننفي وجود كل ضرر في الخارج، وهذا كذب وخلاف الواقع، إذا أردنا التحفظ على كل هذه الظهورات، يذكر سبعة ظهورات في لا ضرر :
الظهور الأوّل: هو ظهور أنّ لا النافية لا ناهية، وهذا ظهور ثابت، الأصل في(لا) أن تكون نافية لا أن تكون ناهية، وهذا عندما تدخل على اسم الجنس لا عندما تدخل على الفعل، فإذن(لا) في الحديث لها ظهور في أنها نافية وليس ناهية.
الظهور الثاني: هو ظهور الكلام في عدم تقدير شيءٍ يكون هو المنفي، ظاهر الكلام أنّ المنفي هو ما ذُكر فيه وهو(الضرر) أمّا أن نقدّر شيئاً محذوفاً يكون هو المنفي، وهو الحكم الضرري، فهذا خلاف الظاهر، الظهور الأولي للكلام أنّ المنفي هو نفس ما دخلت عليه(لا النافية) الذي هو الضرر نفسه.
الظهور الثالث: لا تجوّز في كلمة الضرر، يعني أنّ الضرر استُعمل في معناه الحقيقي، افتراض أنّ كلمة الضرر استُعملت في معنى آخر ليس هو معناها الحقيقي، هذا خلاف الظهور. إذن: الرواية فيها ظهور في أنّ كلمة الضرار يُراد بها معناها الحقيقي، وكلمة الضرر يُراد بها معناها الحقيقي الذي هو الضرر لا أن يُراد بها من باب التجوّز الحكم الضرري، فيقال أنّ الضرر استُعمل مجازاً في الحكم الضرري، فيكون الحكم الضرري هو المنفي، وهذا خلاف الظاهر، فالظاهر هو أنّ المراد بالضرر هو الضرر، ولم تُستعمل كلمة الضرر في غير معناه الحقيقي ، وافتراض أنّه استُعمل في غير معناه الحقيقي يحتاج إلى قرينة، فيكون مخالفاً للظهور.
الظهور الرابع: هو عدم وجود عناية في هذا الحديث، فافتراض وجود عناية يحتاج إلى قرينة، وإلا فهو خلاف الظهور، من قبيل أن يراد من نفي الضرر نفي حكمه بعناية من العنايات التي ذُكرت لتوجيه كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه) عندما افترض أنّ النفي نفي للحكم، لكن بلسان نفي الموضوع، تُبذل هنا عنايات لكون المراد هنا هو نفي الحكم، لكن بلسان نفي الموضوع، بأن يكون الحكم لازماً من لوازم الموضوع؛ فحينئذٍ ينفى الحكم لكن بلسان نفي موضوعه، هذه العناية وغيرها من العنايات المتقدمة لتوجيه كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، كلّها عنايات مخالفة للظهور، فإذن: يوجد ظهور للحديث الشريف في عدم وجود عناية مبذولة لتصحيح هذه الأشياء.
الظهور الخامس: ظهور في أنّ المنفي في (لا ضرر) هو الوجود الحقيقي للضرر وليس الوجود الغير حقيقي للضرر الذي هو الوجود التشريعي، في عالم التشريع الضرر لا وجود له حقيقة، فالمنفي هو الوجود الحقيقي للضرر وليس الوجود التشريعي للضرر، في عالم التشريع لا وجود للضرر، يعني أنّه لم يقع موضوعاً لحكم، كلا، الظاهر أنّ المنفي هو الوجود الحقيقي للضرر.
الظهور السادس: أنّ الضرر في الحديث الشريف ظاهر في أنّه مأخوذ على نحو الموضوعية لا على نحو الطريقية، المحقق النائيني(قدّس سرّه) في مقام تقريب ما اختاره وفاقاً للشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) يقول هذا الظهور ينفي الاحتمال الذي ذهب إليه الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه)؛ وذلك لأنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) جعل الضرر عنواناً للحكم، باعتبار أنّ بينهما علاقة السببية والمسببية ويقول أنّ الحكم سبب توليدي للضرر، وفي الأسباب والمسببات التوليدية لا مشكلة في أن يُطلق المسبب التوليدي على سببه التوليدي، فيقال لإبقاء الشيء في النار أنّه إحراق، مع أنّ الإبقاء هو سببٌ للإحراق، والإحراق مسببٌ عن الإلقاء، لكن بهذه العلاقة صح إطلاق المسبب على السبب، فيقال للإلقاء في النار أنه إحراق، طبّقها على محل الكلام وقال أنّ الحكم سبب توليدي للضرر، والضرر مسبب توليدي للحكم، فيقول هذا يصحح إطلاق الضرر على الحكم، فعندما يقول لا ضرر، يكون المقصود هو(لا حكم يسبب الضرر).
في المقام السيد (قدّس سرّه) يقول: أنّ هذا أيضاً مخالف للظهور، هذا الكلام لو صح، وآمنا أنّ العلاقة علاقة سببية ومسببية، الإلقاء والإحراق واضح، فإلقاء الشيء في النار هو سبب توليدي للإحراق، هذا كلّه صحيح، لكن هذا لا يعني أنّ مفهوم الإحراق سيكون له فردان، فرد حقيقي الذي هو الإحراق الحقيقي الخارجي، وفرد آخر وهو الإلقاء في النار، بحيث يكون لمفهوم الإحراق فردان، ويكون استعماله في كل واحدٍ منهما من باب استعمال المطلق في أحد أفراده، يقول هذا لا يستوجب هذا، وإنّما المقصود أنّ هذه العلاقة السببية والمسببية التوليدية الموجودة بينهما تصحح فقط أن يطلق المسبب على السبب، تصحح فقط أن يُطلق الإحراق على الإلقاء، لكنن هذا لا ينافي أن نقول عند عدم وجود قرينة إذا استُعمل المسبب في جملةٍ، هنا لا نستطيع أن نحمله على السبب، حمل الإحراق إذا استعمل في جملةٍ على الإلقاء يحتاج إلى قرينة حتى في المسببات التوليدية. نعم، يصح إطلاقه عليه بقرينة، لكن عند عدم وجود قرينة واستعمل لفظ الإحراق، وقال ـــــ مثلاً ـــــ كان الإحراق شديداً، لا يُفهم منه أنّ المقصود به هو الإلقاء، وإنّما يُراد الإحراق بمعناه الحقيقي. هكذا في محل الكلام إذا آمنا بهذا، في محل الكلام هذا الكلام يصحح إطلاق الضرر على الحكم، لكن عندما تكون هناك قرينة، فيصح إطلاق الضرر على الحكم، هما مفهومان مختلفان، لكن لمّا كانت بينهما علاقة السببية والمسببية، هذه العلاقة هي التي توجب صحّة استعمال المسبب في السبب، لكن عندما يُستعمل الضرر من دون وجود قرينة، فالظهور الأولي له هو أنّه مأخوذ على نحو الموضوعية لا أنّه هو عنوان كما يقول للحكم بحيث يكون المنفي هو الحكم الضرري؛ بل نفس الضرر، وهذا هو مقصوده من أنّ الكلام ظاهر في أنّ الضرر مأخوذ على نحو الموضوعية لا على نحو الطريقية.
الظهور السابع: هو الظهور الإطلاقي في أنّ المنفي هو مطلق الضرر لا حصّة خاصة من الضرر.
يقول: إنّ هذه الظهورات إذا أخذنا بها جميعاً، فمعناه نفي بوقوع الضرر في الخارج، وهذا خلاف الوجدان، ومن هنا لابدّ من رفع اليد عن بعض هذه الظهورات، لكن حيث أنّ هذه الظهورات، أو قسمٍ منها متكافئة ومتساوية لا نستطيع أن نرشّح هذا الظهور للسقوط في مقابل الظهورات الأخرى؛ حينئذٍ لكي نلتزم بسقوط أحد هذه الظهورات ونلتزم ببقية الظهورات، ونفسّر الحديث على أساس باقي الظهورات التي التزمنا بها مع إسقاط ذاك الظهور، هذا لابدّ له من قرينة ولابدّ من إقامة الدليل عليه، ما هو الدليل الذي نستدل به لسقوط هذا الظهور دون باقي الظهورات، هذا أشبه بالترجيح بلا مرجّح بعد فرض التكافؤ والتساوي، فلابدّ من إقامة دليل وقرينة على أنّ هذا الظهور هو المرشح للسقوط ورفع اليد عنه دون تلك الظهورات.
هو يدّعي ويقول: أنّ المرشح للسقوط في المقام ورفع اليد عنه هو الظهور السابع الأخير، وهو ظهور الجملة في أنّ المنفي هو مطلق الضرر لا حصّة خاصة من الضرر، هذا الإطلاق لابدّ من رفع اليد عنه ونأخذ بباقي الظهورات، لكن لو تمّ هذا الكلام، يعني رفعنا اليد عن إطلاق الضرر وحملناه على حصّة خاصة من الضرر، والحصة الخاصة من الضرر هي الضرر الخارجي الناشئ من الحكم الشرعي، هذا هو المنفي لا مطلق الضرر، وأخذنا بباقي الظهورات، سوف ينتج ما اختاره من أنّ الحديث ظاهر في نفي الضرر بوجوده الخارجي الحقيقي، لكن مع تقييد هذا الضرر المنفي بأن يكون ناشئاً من الشريعة، فنأخذ بالظهورات الأخرى الباقية، لكن نقول أنّ المنفي هو حصة خاصة من الضرر لا مطلق الضرر، يعني الضرر الذي يكون ناشئاً من الشريعة، وقلنا بأنّ لازم هذا المعنى هو نفي الحكم المسبب للضرر، وإلاّ من دون نفي الحكم المسبب للضرر لكان الضرر الناشئ من الشريعة متحققاً، فيعود الإشكال وهو الكذب وخلاف الوجدان.
ما هو الدليل الذي يرشّح هذا الظهور للسقوط في قبال سائر الظهورات الأخرى ؟ هو يذكر وجوهاً وقرائن على ذلك:
الوجه الأول: إنّ هذا الظهور هو ظهور إطلاقي، ومقتضاه هو أنّ المنفي هو مطلق الضرر، بخلاف الظهورات الأخرى فهي ظهورات وضعية، ولا إشكال في أنّ الظهور الإطلاقي يكون مرجوحاً إذا دار الأمر بين رفع اليد عنه وبين رفع اليد عن الظهورات الوضعية، فلابدّ من الأخذ بالظهورات الوضعية ورفع اليد عن الظهور الإطلاقي كما يُذكر في محله، وتخريجه هو أنّ الظهورات الإطلاقية ثابتة بمقدمات الحكمة، وواحدة من مقدمات الحكمة عدم وجود القرينة والبيان، وهذا الظهور الوضعي يصلح أن يكون بيناً.
الوجه الثاني: وهي قضية أخرى ترتبط بكون الظهور السابع هو إطلاق في طرف الموضوع، ويقول في مباحث التعارض ثبت أنّ الإطلاق في طرف الموضوع يكون مرجوحاً بالنسبة إلى الإطلاقات الوضعية في طرف المحمول والحكم، إذا دار الأمر بين ظهور في طرف الحكم وبين ظهور في طرف الموضوع، يُرجّح الإطلاق في طرف الحكم والمحمول على الظهور الموجود في طرف الموضوع، هناك نكتة لا يُفرّق فيها بين أن يكون الظهور في جانب المحمول والحكم ظهوراً وضعياً، كلا، حتى إذا كان ظهوراً إطلاقياً في جانب الحكم والمحمول بناءً على هذا الشيء يُقدّم على الظهور الإطلاقي الموجود في جانب الموضوع، كانوا دائماً عندما يتعارض هذان الظهوران سواء كانا وضعيين أو إطلاقيين الترجيح يكون في جانب الظهور الموجود في طرف الحكم والمحمول لا في جانب الظهور الموجود في طرف الموضوع. الظهور السابع في طرف الموضوع؛ لأنّه في الضرر، والضرر موضوع، بينما الظهورات الأخرى كلّها في طرف الحكم والمحمول، فيُقدّم الظهور في طرف المحمول والحكم على الظهور في طرف الموضوع، فيُرشّح للسقوط.
الوجه الثالث: (والظاهر أنّه الوجه الذي يعتمد عليه) أنّ القرينة على ترشّح هذا الظهور للسقوط ورفع اليد عنه موجودة وهي عبارة عن :
أولاً: وجود الأضرار التكوينية خارجاً كثيراً؛ فحينئذٍ يكون نفي الضرر الخارجي على الإطلاق يكون واضح الكذب. هذه قرينة على تقييد الضرر التكويني الخارجي المنفي بحصّة خاصّة منه وهي الناشئ من الشريعة، فوجود الأَضرار التكوينية الخارجية بشكل كثير هو قرينة على أنّ المنفي ليس هو مطلق الضرر التكويني الخارجي، وإنّما هو حصة منه.
ثانياً: أنّ المتكلّم هو النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والكلام يصدر منه بما هو مشرّع لشريعة، وليس بما هو خالق الأشياء ومكونها. هذه النكتة أيضاً تنسجم مع نفي الضرر الخارجي الناشئ من الشريعة ولا تنسجم مع افتراض نفي الضرر الخارجي التكويني على الإطلاق، هذا لا يصدر من النبي بما هو مشرّع، وإنّما المناسب لكونه مشرّعاً هو أن يكون المقصود هو نفي الضرر التكويني الخارجي الناشئ من الشريعة، هذا ينسجم مع كونه مشرعاً ومقنناً.
إذن: هذان أمران كلٌ منهما يكون قرينة على تقييد الضرر المنفي بما إذا كان ناشئاً من الشريعة، فهذا يكون دليلاً على هذا التقييد، وبالتالي يكون دليلاً على رفع اليد عن الظهور السابع، وإبقاء الظهورات الأخرى على حالها، وهذا ينتج ما قاله من أنّ الحديث ينفي الضرر التكويني بوجوده الخارجي، لكن المقيّد بهذا القيد، ولازمه هو نفي الحكم الضرري.