37/08/10
تحمیل
الموضوع:- النقطة الثالثة ( مبحث الترتب ) - مبحث الضد.
وربما يقال في إثبات إمكان فكرة الترتب:- إنّ الرتبة مختلفة ، أي أنّ رتبة الأمر بالمهم والأمر بالأهم مختلفة ، ومع اختلاف الرتبة لا محذور في توجههما إلى المكلّف واجتماعهما في حقّه بعد اختلاف الرتبة.
وحاصل بيان اختلاف الرتبة أن يقال:- إنّ الأمر بالمهم في طول ترك الأهم ، فإذا ترك المكلّف الأهم جاء آنذاك الأمر بالمهم - الصلاة - ، فالأمر بالمهم في طول - أي متأخر - ترك الأهم ، يعني لابد وأن نفترض في مرحلةٍ أسبق ترك الأهم فحينذاك يأتي الأمر بالمهم ، فعدما تترك الازالة يأتي الأمر بالصلاة ، فإذن الأمر بالمهم في طول ترك الأهم هذه مقدّمة ، وهناك مقدّمة ثانية وهي أن ترك الأهم مع فعل الأهم هما في رتبةٍ واحدة لأنهما نقيضان والنقيضان في رتبةٍ واحدة ، ثم نضمّ مقدّمة ثالثة وهي أنّ فعل الأهم في طول الأمر بالأهم يعني أنَّ فعل الازالة التي هي الأهم هو في طول الأمر بالإزالة لأنّ المكلّف يأتي بالإزالة إذا أُمِرَ بها ، فالأمر يصير محرّكاً نحو الازالة ، ففعل الازالة في طول الأمر بالإزالة أي هو متأخر عنه ، والنتيجة هي أنّ الأمر بالمهم في طول الأمر بالأهم ، يعني هو متأخر عن الأمر بالأهم من حيث الرتبة ، ولماذا يلزم ذلك ؟ لأنا فرضنا أنّ الأمر بالمهم متأخر عن ترك الأهم والذي ترك الأهم مع فعل الأهم متأخران عن الأمر بالأهم والمتأخر عن المتأخر عن شيءٍ متأخرٌ عن ذلك الشيء ، وهذا مطلب نقله الشيخ الأصفهاني(قده) بلسان قيل في نهاية الدراية[1] .
وجوابه واضح:-
أوّلاً:- سلّمنا اختلاف الرتبة ولكن المجدي في رفع المشكلة هو اختلاف الزمان لا اختلاف الرتبة ، فإذا فرض أنّ الأمر بالمهم كان في زمانٍ وكان الأمر بالأهم في زمانٍ ثانٍ ارتفع التنافي بينهما ، أما إذا كانا متوجهين إلى المكلّف في زمانٍ واحدٍ فالآن الأمر بالمهم يقول للمكلف صلِّ والأمر بالأهم يقول له أزِل فهنا حصل التنافي ، فلتكن الرتبة مختلفة ولكن هذا لا ينفع شيئاً مادام الزمان واحداً ، فأنت حاول أن توجد اختلافاً في الزمان لا أن توجد اختلافاً في الرتبة فإنّ اختلاف الرتبة لا يسمن ولا يغني من جوع.
ثانياً:- من قال إنّ الرتبة مختلفة ؟! إلا بضميمة مقدّمةٍ وهي أنّ المتأخر عن المتأخر عن شيءٍ متأخرٌ عن ذلك الشيء ، وهذه المقدّمة لا نسلّم بها وقد أشرنا في أبحاثٍ سابقةٍ إلى هذه القضيّة وقلنا مثلاً العلّة متقدّمة رتبةً على المعلول والمعلول متأخر رتبةً عن العلّة ووجود المعلول وعدم المعلول هما في رتبةٍ واحدةٍ لأنهما نقيضان ولكن هل يلزم أن تكون العلّة متقدّمة على عدم المعلول ؟! إنّ هذا مرفوضٌ أشدّ الرفض ، ففي تقدّم العلة على المعلول فنعم لأنّ وجود المعلول معلولٌ للعلة ، أما عدم المعلول فليس معلولاً للعلّة حتى يكون متأخراً عن رتبتها ، فإذن هذا باطل.
ونفس هذا الكلام نأتي به هنا ونقول إنّ وجود الأمر بالمهم متأخر عن ترك الأهم وهذا صحيح لأنّ ترك الأهم موضوعٌ للأمر بالمهم فلابد وأن يتحقّق الموضوع أوّلاً ثم يأتي الحكم فهنا يوجد ملاكٌ ونكتةٌ لتأخر الأمر بالمهم رتبةً عن ترك الأهم وهو أنّ ترك الأهم موضوعٌ للأمر بالمهم وتحقّق الموضوع متقدّم رتبةً على الحكم ، ونسلّم أنّ فعل الأهم وترك الأهم هما في رتبةٍ واحدةٍ لنكتةٍ وهي أنهما نقيضان ، ونسلّم أن فعل الأهم متأخر عن الأمر بالأهم لأنه معلولٌ له لأنه إذا لم يكن هناك أمرٌ بالأهم فهنا سوف لا يأتي المكلف بفعل الأهم ففعل الأهم معلول للأمر بالأهم ، ولكن أنت بعد ذلك قلت:- إذن الأمر بالمهم متأخرٌ رتبةً عن الأمر بالأهم ، وهذا يحتاج إلى نكتةٍ وملاك ولا ملاك إلا القضية التي أفدتها أنت وهي أنَّ المتأخر عن المتأخر عن شيءٍ متأخرٌ عن ذلك الشيء ، وهذه لا نسلّمها فإنّ هذه القضية تتمّ في الزمانيات فأنا إذا كنت متأخراً عن أبي وأبي متأخر عن جدّي فأنا متأخر عن جدّي ، أما في عالم الرتب فليس بتام فإنّ التقدّم والتأخّر والوحدة يحتاج إلى ملاك والملاك ليس بموجودٍ إلا في الدوائر التي أشرنا إليها.