37/08/09
تحمیل
الموضوع:- النقطة الثالثة ( مبحث الترتب ) - مبحث الضد.
وفيه:- إنّ اجتماع الأمرين في وقتٍ واحد لا يؤدّي إلى طلب الجمع بن الضدّين ، بدليل لو فرض أنّ المكلف - من باب فرض المحال وهو ليس بمحال - أمكنه أن يجمع بين الصلاة والازالة فحينئذٍ نسأل أنّه لو جمع بينهما هل يقعان على صفة المطلوبيّة ؟ كلا ، لأنه إنما يريد الصلاة عند عدم الاشتغال بالأهم - الازالة - والمفروض أنّه اشتغل بالأهم فلا يريد الصلاة ، فكيف تقول هذا الأمران عند اجتماعهما يطلبان الأمر بالضدّين ؟!!
المانع الثالث:- أن نقول:- صحيحٌ أنّه لا يلزم طلب الجمع بين الضدّين ولكن يلزم التنافي في عالم المحّركية والدفع ، ببيان:- أنّ المكلّف إذا لم يشتغل بالإزالة فسوف يتوجه الأمر بالصلاة فيحرّكه نحو الصلاة ويقول له صلِّ ، وإذا قال له صلِّ وحرّكه نحو الصلاة ، يعني بعّده عن الإزالة ، يعني ائت بالصلاة واترك الازالة ، بينما أمر أزِل الذي هو موجودٌ مطلقاً يقول أزِل واشتغلت الازالة ويقول بالالتزام اترك الصلاة ، فكلّ واحدٍ منهما يجرّ النار إلى قرصه ويدفعها عن قرص غيره ، فهما يؤديان إلى التنافي في عالم التحريك والدفع وهو لا يمكن أيضاً.
والجواب:-
أمّا أمر صلِّ فصحيحٌ أنه يدفع نحو الصلاة ولكن لا يقول اترك الازالة وإنما يقول إن تركت الازالة فأنا أقول لك صلِّ ، وفي كلّ لحظةٍ لحظة يبقى يكرّر هذا الشيء ويقول أنا أريد الصلاة ولكن إذا تركت الازالة ولا أقول اترك الازالة ، والمفرض أنّ أمر صلِّ مقيٌّد بعدم الاشتغال بالأهم فهو لا يقول اترك الازالة ولكن يقول إذا تركت الازالة فصلِّ ، والحكم لا يحرك نحو تحقيق موضوعه وشرطه ، فـ ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع ﴾ هو يقول لك ( من استطاع ) ولا يقول لك اذهب وحصّل الاستطاعة ، فالأمر لا يحرك نحو تحقيق موضوعه وشرط ثبوته وإنما يقول لو تحقّق شرطي وموضوعي فرتّب الحكم ، فهنا إذن شرط فعلية الأمر بالمهم - أمر صلِّ - هو ترك الازالة ، فإذن أمر صلِّ لا يقول اترك الازالة بل يقول إن تركت الازالة فصلِّ ، وحتى حينما تشتغل أنت بالصلاة فكبّرت وقرأت فأمر صلِّ بَعدُ يقول إن لم تشتغل بالإزالة وإذا أردت أن تشتغل بالإزالة فاترك الصلاة واشتغل بالإزالة ، فهو يقول مادمت تاركاً للإزالة إلى نهاية الصلاة فأنا أقول لك ائت بالصلاة إلى آخرها ، أما أني لا أدعوك إلى ترك الازالة فإنّ الأمر لا يدعو إلى تحقيق شرطه.
وأما الأمر بالإزالة فهو يقول أزِل والمفروض أنه مطلقٌ وليس مقيداً بترك الصلاة فهو يقول أزِل ، ولعلّك تقول:- إذن المشكلة سوف تثبت هنا لأّن أمر أزل يقول أزِل وبالالتزام يقول اترك الصلاة فتحصل المنافاة من طرف أمر أزِل ويكفي في تحقّق المنافاة أن تكون ثابتة من أحد الطرفين ولا يلزم أن تكون ثابتة من كلا الطرفين ، نظير أن يوجد شخصان هذا يضع يده إلى جانب بحيث تمع الآخر من الجلوس والآخر يضع يده أيضاً في مقابله بنفس الطريقة فلا يمكن أن يجلسا في مكانٍ واحد ، ومرّةً أحدهما يضع يده في المكان بتلك الطريقة فهنا أيضاً لا يمكن أن يجلسا في مكانٍ واحد ، فيكفي في المنافاة أن تكون من طرفٍ واحدٍ وهذا من الواضحات ، فهنا يكفي في المنافاة أن يكون أمر أزِل يقول أزِل وبالالتزام يقول لا تصلِّ وإن كان أمر صلِّ لا يقول اترك الازالة ولكن أمر أزِل يقول أزِل واترك الصلاة فتحصل المنافاة ، وعلى هذا ماذا تصنع ؟
والجواب:- إنّ هذا المقدار لا يأباه أمر صلِّ ، فنسلّم أن أمر أزِل يقول أزِل وبالتالي لا تصلِّ ولكن هذا المقدار يقبله أمر صلِّ ، باعتبار أنّ أمر أزِل حينما يقول أزِل يعني لا تحقّق شرط الأمر بالصلاة لأنّ شرط الأمر بالصلاة هو عدم الازالة ، فشرطه وموضوعه عدم الاشتغال بالإزالة ، وأمر أزِل يقول حقق الازالة يعني اعدم موضوع الأمر بالصلاة ، وهذا لا يأباه أمر صلِّ فإنّ أمر صلِّ يدفع نحو الصلاة عند تحقّق شرطه ولا يقول حقّق شرطي أو حافظ على شرطي بأن لا تشتغل بالإزالة.
إذن أمر أزِل يقول شيئاً لا يأباه أمر صلِّ ، حيث يقول أمر أزِل حقّق الازالة يعني لا تحقّق شرط صلِّ فإنّ شرط صلِّ هو ترك الازالة وهذا يقول حقّق الازالة يعني لا تحقّق شرط وموضوع صلِّ ، وهذا لا يأباه صلِّ فإنّ صلِّ لا يدعو إلى تحقيق شرطه أو الحفاظ على شرطه ، فإذن أمر أزِل يقول شيئاً لا يأباه أمر صلِّ ولا يحرّك نحو تحريكٍ يأباه أمر صلِّ.
هذه طريقة لإثبات إمكان الترتّب بلا حاجة إلى مقدّماتٍ خمس طويلة بل هي بطريقة مختصرة وفنّية بديعة.
إذن فكرة الترتّب ممكنة بل هي واقعة في حياتنا اليومية ، فترى الوالد يقول لولده ( اذهب إلى المدرسة وإذا لم تذهب إلى المدرسة فاجلس في البيت واقرأ القرآن ) فهنا يوجد أهم ومهم ، والأهم هو ( اذهب إلى المدرسة ) حتى يتعلّم وهذا مطلوبٌ مطلقاً حتى إذا جلس الولد في البيت فإنّ الوالد بعدُ يحبّ الذهاب إلى المدرسة ، فإذن هو مطلوب مطلقاً ، ( فإن لم تشتغل بالذهاب فاجلس في البيت واقرأ القرآن أو أنت تعلّم الحروف بنفسك ) وهذا طلبٌ للمهم على تقدير عدم الاشتغال بالأهم ، أو نقول له تزوّج بنت عمّك وإذا لم ترد أن تتزوّجها فتزوّج بنت خالك ، وهذا أيضاً هو فكرة الترتّب ، فالزواج ببنت العمّ مطلوب مطلقاً وإذا لم يتزوجها فيتزوج بنت خاله وهذا طلب الأهم ، ومن أمثلة ذلك طهي الطعام فلو كان الشخص يريد أن يطبخوا طعاماً معيّناً ولكنه قال لهم إن لم تطبخوها فاطبخوا كذا فهنا أيضاً تأتي فكرة الترتّب فالأكلة التي يريدها مطلوبة مطلقاً وإذا لم يشتغلوا بها فيطبخوا هذه الأكلة الثانية ....... وعلى هذا المنوال أمثلة كثيرة.
إذن فكرة الترتّب فكرة نمارسها في حياتنا اليومية لا أنها ممكنة فقط بل هي واقعة .