37/08/03
تحمیل
الموضوع:- مبحث الضد.
وهكذا رفض السيد الخيمني(قده)[1] أيضاً الرأي المذكور - أي اعتبار القدرة في متعلّق التكليف-:- وقد ذكر وجهين لإثبات ذلك - يعني لعدم اعتبار القدرة في متعلّق التكليف وإنما هي معتبرة في مرحلة الامتثال -.
إذن السيد الخيمني والسيد الخوئي يتفقان في هذه القضية إذ يرى كلّ منهما أنّ القدرة ليست معتبرة في متعلّق التكليف وإنما هي معتبرة في مرحلة الامتثال فقط ، فواضحٌ أنها معتبرة في مرحلة الامتثال لحكم العقل بأنّ طلب الامتثال من العاجز غير ممكن ، أمّا أنّ القدرة تعتبر في متعلّق التكليف أو لا تعتبر فيه فكيف توجيهه الفنّي ؟ إنّ السيد الخوئي(قده) ووجهه بأنّ التكليف اعتبارٌ والاعتبار سهل المؤونة ونحن علقنا بما تقدّم.
وأمّا السيد الخميني فقد ذكر وجهين:-
الوجه الأوّل:- إنه لو كانت القدرة معتبرة في متعلق التكليف فمن الذي يعتبرها ؟ إنّه لابد وأن تقول هو العقل ، وحينئذٍ نسأل:- هل العقل هو يحكم بأنّ القدرة معتبرة في متعلّق الأحكام الشرعية أو أنه يدرك بمعنى الكشف ؟ فإذا كان بمعنى أنه هو الذي يحكم فهذا لا معنى له لأنّ كلّ حاكمٍ هو له الحق في أن يوسّع دائرة حكمة أو يضيّقها أمّا أن يأتي آخر ويريد أن يتدخّل في دائرة أحكام الآخرين بالتوسعة والتضييق فهذا ليس حقّاً له ، بل الحاكم نفسه هو الذي يجعل متعلّق التكليف موسّعاً أو مضيّقاً كالصلاة مع القدرة أو الصلاة مطلقاً ولو من دون قدرة ، أما أن يأتي العقل يقول أنا أقيد متعلّق حكمك بأن يكون مقدوراً فهذا تصرّف في سلطان الآخرين ، والعقل لا يقوم بهذا بل يقول أنا أقيّد أحكام نفسي أما أحكام الآخرين فلا ولاية لي عليها ، إذن الصحيح هو الاحتمال الثاني يعني أنّ دور العقل هو دور الكاشف والمدرك لا أنه يحكم على الشارع ، وحينئذٍ العقل يقول أنا لا أحكم بل أستكشف أنّ الله عزّ وجلّ يعتبر القدرة في متعلّق أحكامه لا حكماً عليه بل أقول هو لا يفعل إلا ذلك ، فأنا أدرك أنه لا يفعل إلا ذلك ، يعني لا يكلّف إلا بالمقدور كاستكشافٍ لا حكماً عليه ، وإذا كان هذا هو المقصود فهو له وجاهة.
ولكن نقول[2] :- العقل لا يستكشف هذا وإلا تلزم محاذير وذكر ثلاثة محاذير:-
المحذور الأوّل:- لو كانت القدرة يعتبرها الشرع حقاً في متعلّق التكاليف يلزم أني إذا شككت بأني قادر في هذا اليوم على الصلاة أو لا أو قادر على الحج أو لا في هذه السنة أو قادر على الصوم أو لا فأشك في توجه التكليف لي فأجري أصل البراءة ، وهل تلتزم بهذا فنجري أصل البراءة في موارد الشك في القدرة - وطبيعي ليس في القدرة الآن بل في القدرة بالمستقبل - ؟ ، فأنا هل أتمكن أن أبقى على الصوم إلى الغروب أو لا ؟ إني لا أستطيع أن أقول أنا حتماً سوف أقدر على ذلك بل قد أصاب بمرضٍ في أثناء النهار ولم استطع اكمال الصوم ولازم هذا الاحتمال أنّ أجري البراءة عن وجوب الصوم ، وهكذا الحج فأنا ما يدريني بأني قادر على أن أأتي بالحج إلى اليوم الثالث عشر بل لعله يعترضني مانع أثناء الطواف ولا استطيع الاكمال فهذا الاحتمال موجودٌ وإذا كان هناك احتمال فسوف أشك في تعلّق التكليف باعتبار أني أشك في تحقّق القدرة فيلزم أيضاً إجراء البراءة.
هذه لوازم لاعتبار القدرة في متعلّق التكليف ، فلو كانت القدرة معتبرة في متعلّق التكليف يلزم أن التكاليف - ولا أقول كل التكاليف بل أيّ تكليفٍ تشك في القدرة عليه مثل الصوم والصلاة والحج - سوف اجري البراءة عنها ، فإذن يلزم أن نرفع اليد عن القدرة كشرطٍ في متعلّق التكاليف حتى لا يلزم هذا المحذور.
المحذور الثاني:- إنه يلزم جواز تفويت القدرة ، فإذا كان التكليف مشروطاً بالقدرة فأنأ أفوّت القدرة على نفسي وبذلك أزلت الوجوب من أساسه بسبب أني فوّت الموضوع فزال التكليف ، فأشرب دواءً يجعلني أنام ولا أستطيع الصلاة لعلّه يوماً كاملاً ، ولازمه أنّ هذا يجوز لأنّه إذا كان التكليف مشروطاً بالقدرة فقد فوّتُ القدرة ففوّتُ الموضوع ، وهذا ليس عصياناً للتكليف بل هو إزالة لموضوع التكليف فصار سالبة بانتفاء الموضوع لأني أزلت القدرة فزال التكليف ، وهل تلتزم بأنه يجوز ذلك ؟!!
ثم ذكر شيئاً ثالثاً:- وهو أنه لو كانت القدرة معتبرة عقلاً يلزم اعتبار العلم أيضاً في متعلّق التكاليف ، فإنّ العقل إذا قال القدرة لازمة إذ من دونها لا يمكن الامتثال يلزم أن يقول العلم بالتكليف لازمٌ في ثبوت التكليف لعدم الفرق من هذه الناحية؛ إذ غير العالم كغير القادر لا يمكنه الامتثال ، فيلزم أن يكون العلم شرطاً وقيداً في متعلّق التكاليف والحال أنّ المعروف بيننا معاشر الامامية أنّ التكاليف عامّة للعالم والجاهل لا أنها تختصّ بالعالم.
فإذن القدرة ليست شرطاً في متعلّق التكليف.