37/08/07
تحمیل
الموضوع:- أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
ثم إنه لأجل الاحاطة بصورة مجملة بأطراف الموضوع المذكور - أعني أنه لماذا يلزم الرجوع إلى الحاكم الشرعي وما يترتب على ذلك - بصورة مجملة نذكر بعض النكات في هذا المجال:-
النكتة الأولى:- ينبغي التفرقة بين عنوانين عنوان مجهول المالك وعنوان اللقطة ، والمقام - أعني أموال الشركة الحكومية - داخلٌ في عنوان مجهول المالك وليس في عنوان اللقطة.
والفارق بينهما هو أنّ اللقطة قد أخذ فيها عنصر الضياع فهناك مالٌ لا يعرف مالكه وهو ضائع ، فإذن يعتبر شيآن في اللقطة الأوّل أنه لا يعرف مالكه والثاني هو ضياعه من مالكه ، بينما عنوان مجهول المالك هو أوسع من ذلك فهو كلّ مالٍ لم يعرف مالكه ولم يؤخذ فيه عنصر الضياع ، فمثلاً يأتي زائرون في زيارة الأربعين إلى بيتنا ثم يتركوا بعض أشيائهم على أنهم يرجعون إليها بعد الزيارة لكنهم ذهبوا ولم يرجعوا وكان الزائرون عندنا متعدّدون ولا ندري من المالك منهم لهذا ومن المالك لذاك لأنهم جاءوا عندنا سواد ليلة مثلاً وذهبوا ولا نعرف عنهم أيّ شيء أبداً ، فهنا لا يوجد ضياعٌ بل هم تركوا هذه الأمتعة ولكن نحن لا نعرف المالك فهذا ينطبق عليه عنوان مجهول المالك وليس عنوان اللقطة.
أو كطلبة المدارس الدينية ، فالطالب أحياناً لديه غرفة فيها كتبه وأغراضه وما شاكل ذلك فيترك الغرفة لسببٍ وآخر ويسافر وتنقطع أخباره وهكذا الطالب الثاني .... وهكذا وتبقى كتب وأمتعة كثيرة من هذا القبيل وسوف يبتلي متولي المدرسة بمثل هذه الأمور وربما لا يعرف المالك لهذا الشيء أو لذاك وأنّ هذا الشيء إلى أين ذهب مالكه فهل سافر إلى بلاد الهند ولعلّ الثاني سافر إلى بلادٍ أخرى ..... وهكذا فهذا أيضاً لا يوجد فيه ضياع وإنما هو من عنوان جهول المالك.
ومن هذا القبيل الشخص الذي يصلح التلفزيونات أو الثلاجات أو الوسائل الأخرى ، فربما يأتي له شخص بتلفزيون مثلاً ويضعه عنده لغرض لإصلاحه على أساس أنه يرجع لأخذه بعد مدّة معيّنة ولكن انقطعت أخبار صاحب التلفزيون ولا يعرف عن صاحبه شيئاً فهذا أيضاً ليس ضياعاً لأنه هو الذي أتى به وأودعه عند صاحب المحل لإصلاحه.
إذن هنا نلاحظ أنّ المالك مجهول ولا يوجد ضياع فيكون من مجهول المالك وليس من اللقطة.
وأموال الدولة وأموال الشركات الحكومية على هذا الأساس هل تكون من باب اللقطة أو تكون من باب مجهول المالك على هذه التفرقة التي أشرت إليها ؟
إنه إذا كان لابد من إدخالها تحت أحد العنوانين فمن المناسب ادخالها تحت عنوان مجهول المالك فإنّ الضياع ليس موجوداً وإنما كلّ ما في البين هو أنّ الأموال مجهولة ليس لها مالك لأنها أموال نفطٍ ومن هذا القبيل ولا يوجد لها مالك معيّن فهي من مجهولة المالك.
وبهذا يتّضح أنّ النسبة بين عنوان مجهول المالك وبين عنوان اللقطة هي نسبة العموم والخصوص المطلق ، لأنّ كلّ لقطة هي مجهول المالك وليس كل مجهول المالك لقطة ، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الجواهر(قده) بما نصّه:- ( الفرق بين موضوعي مجهول المالك واللقطة هو اعتبار صدق اسم الضياع من المالك في الثاني دون الأوّل )[1] .
ثم إنّ هذين العنوانين كما يختلفان موضوعاً يختلفان حكماً ، فحكم اللقطة هو الفحص لفترة سنة ثم بعد ذلك يتخيّر المنتظِر بين أن يبقيها أمانةً بيده وبين أن يستملكها وبين أن يتصدّق بها ، هذا هو المعروف بين الأصحاب على ما ذكر صاحب الجواهر(قده)[2] ، بينما حكم مجهول المالك ليس الفحص سنة بل الفحص إلى حدّ اليأس ، فإذا فرض أنّ اليأس لا يحصل بفترة سنة فلابد من الزياد وإذا فرض أن اليأس كان حاصلاً في اليوم الأوّل أو الثاني فحينئذٍ يكفي هذا المقدار بلا حاجة إلى زيادة سنةٍ أو سنين ، فالمهم هو الفحص حتى اليأس فإذا حصل اليأس يتصدّق به على الفقراء مع إجازة الحاكم الشرعي - مع الاحتياط أو بدونه على الاختلاف وسوف نلاحظ ملابسات الموضوع والنكات إن شاء الله تعالى - ، هذا هو الفرق بين العنوانين موضوعاً وحكماً.
يبقى أنّ نبيّن مدرك حكم مجهول المالك[3] :- أما بالنسبة إلى مجهول المالك حيث ذكرنا أن المعروف بين الأصحاب هو الفحص إلى حدّ اليأس ثم بعد ذلك يتصدّق به - مع إذن الحاكم أو لا وسنأتي إلى هذه القضية - فتدلّ عليه صحيحة يونس بن عبد الرحمن:- ( قال:- سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام وأنا حاضر إلى أن قال ، فقال:- رفيقٌ[4] كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شيءٍ نصنع به ؟ قال:- تحملونه حتى تحتملوه إلى الكوفة ، قال:- لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع ؟ قال:- إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه ، قال له:- على من جعلت فداك ؟ قال:- على أهل الولاية )[5] ، هذا ما هو موجود في الوسائل وفي التهذيب ، ولكن الموجود في الكافي هو :- ( قال:- تحملونه حتى تلحقوهم إلى الكوفة )[6] ، والغريب أن المحقّق أنّه لم يذكر هذا الاختلاف ، ولكن هذه مشكلة لفظيّة وليست معنوية وهي لا تؤثر على الاستدلال.
ودلالة الرواية واضحة حيث إنّ الامام عليه السلام أوجب الفحص إلى أن فرض السائل أنه لا يمكن ذلك فحينها أمر بالتصدّق ، وهل يلزم التصدق بالثمن أو يكفي التصدّق بنفس العين ؟ إنّ هذا سيأتي وسوف نقول إنه يكفي أحد الاثنين لأنّ الإمام عليه السلام وإن قال هنا تبيع وتتصدّق بالثمن ولكن هذا من باب أنّ التصدق الثمن أسهل وإلا فلا يوجد احتمال خصوصية للبيع وتوزيع الثمن ، بل نفس العين إذا كانت قابلة للتوزيع فبها ، وسيأتينا هل يلزم أن يكون المتصدَّق عليه فقيراًً أو لا فإن الإمام عليه السلام لم يقل يلزم أن يكون فقيراً وإنما قال ( على أهل الولاية ) ؟ إنه سيأتي الكلام في أنه هل يمكن أن نستظهر من كلمة ( تصدق ) اعتبار الفقر أو لا ولكن هذه قضايا جانبية نتركها الآن ، والمهم أنّا عرفنا أن حكم مجهول المالك هو الفحص حتى اليأس وإلا فالحكم هو التصدّق.
وربما توجد روايات أخرى في هذا المجال ولكن نحن الآن لسنا بصدد استعراض كلّ الروايات بل مجرّد إشارة.
نعم هناك راية أو روايتان قد يفهم منهما المعارضة وأنّ حكم مجهول المالك هو الطلب والفحص فقط أما التصدّق فلا وهي:-
من قبيل:- رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رجلٌ كان له على رجلٍ حقٌّ ففقده[7] ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أ حيٌّ هو أم ميّت ولا يعرف له داراً ولا نسباً ولا ولداً ، قال:- اطلب ، قال:- إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به ؟ قال:- اطلبه )[8] ، إنها دلت على لزوم الطلب والإمام عليه السلام لم يفسح مجالاً للتصدّق وإنما الوظيفة هي الفحص ، فلابد من الفحص ، وقد جاء في بعض الروايات أنه يفحص ثم يفحص فإذا قرب منه الموت فإنه يوصي ورثته بأن يفحصوا عن مالكها ... وهكذا.
فالمهم أنَّ الرواية دلّت على أنه يلزم أن يفحص لا أنّه يتصدّق فتصير معارضة بين هذه الرواية وبين تلك فماذا نصنع؟
لا يبعد أن يقال:- إنّ الإمام عليه السلام عرف أنّ هذا الشخص لم يفحص بشكلٍ صحيح فإنّ بعض الناس نعرف أنهم متسامحون فلو قالوا فحصنا ولم نجد المالك فسوف نقول لهم اذهبوا وافحصوا من باب أنا علمنا أنهم متسامحون ، فمن الوجيه أن نحمل هذه الرواية جمعاً بينها وبين تلك الرواية على فرض أنّ هذا الشخص متسامح ولم يحصل اليأس من المالك فالإمام عليه السلام عرف أنه لم يحصل اليأس من المالك فأمره بالفحص ، خصوصاً إذا التفتنا إلى نكتةٍ وهي أنه من البعيد أن يكون الفحص واجباً بنحو الموضوعية دون الطريقية ، يعني الفحص لا يحتمل أنه واجبٌ بما هو هو ، بل الفحص يستبطن في أحشائه الطريقية وإلا فبما هو هو لو فرض أني جزمت أنّ المالك لا يمكن العثور عليه كما لو وجدنا شيئاً في موسم الحج فهنا لا يمكن الفحص فهل يمكن أن يقول الشرع يلزمك الفحص ؟!! كلا فإني أجزم بأني لا أستطيع أن أجد صاحبه فالأمر بالفحص ليس عقلائياً فإنه لا يحتمل ذلك ، فإذن هذه قرينة على أنّ الإمام عليه السلام حينما قال افحص يعني كان يحتمل العثور عليه.
ولا تقل:- هذه قضية في واقعة .
فنجيب:- بأنه في القضية في واقعة يكون صاحب القضية مشخّصاً ، وهنا هو لم يفرض للإمام عليه السلام أنّه فلان حتى نقول إنّ الامام عليه السلام كان مطّلعاً على ملابسات القضيّة بل قال له ( رجلٌ له على رجلٍ حقّ ) وهذا كلّه كلّيٌ في كلّي فاحتمال القضية في واقعة ليس موجوداً ، فينبغي التفرقة ، فالقضية في واقعة لا تصير إلا إذا كانت القضية جزئية وجزئية بمعنى أنّ الشخص معيّن ففلان سألني أو فلان رأيته وهكذا .... فإما أن يكون الإمام عليه السلام هو قد افترض شخصاً جزئياً أو السائل قد افترض شخصاً جزئياً كأن يقول السائل للإمام عليه السلام ( ابن عمي فلان فعل كذا وكذا ) فهنا نقول يمكن أن تكون هذه قضية جزئية ونقول إن الإمام عليه السلام مطّلع على ابن عمه فأجابه على طبق قرائن وملابسات موجودة يعرفها الإمام ، أما إذا قال له ( رجلٌ له على رجلٍ حقٌّ ) فهذا كلّي في كلّي فقضيةٌ في واقعة لا تصير ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.
فإن قلت:- من أين عرف الإمام عليه السلام أنّ هذا كان متساهلاً ؟
فنقول:- لعلّ الإمام عليه السلام احتمل في مثل هذه الحالة أنّ هؤلاء أناسٌ متساهلون ، فالحمل على أنه متساهل هو شيء ممكن.
إذن هذه الرواية يمكن تجاوزها ولا تسبب لنا مشكلة.
تبقى القضية من حيث السند:- فقد رواها صاحب الوسائل(قده) بالإسناد المتقدّم في الرواية السابقة وهو إسناد جيد ( عن أبي يثابت وابن عون عن معاوية بن وهب ) ، والسند إلى يونس الموجود في الرواية السابقة لا مشكلة فيه ، وأما معاوية بن وهب فهو ثقة ، إنما الكلام عن أبي ثابت وابن عون فهما مجهولان ، اللهم إلا أن يقول قائل هما اثنان وليس بواحدٍ وقد روى عنهما يونس الذي هو من أجلّة أصحابنا والرواية أيضاً قد رواها الحمّدون الثلاثة في كتبهم الأربعة ، فلعلّ ضمّ هذه الأمور بعضها إلى بعضٍ قد يشكّل قرينةٍ على الاطمئنان ، فإنّ تمّ هذا فتكون معتبرة وإلا فتكون ضعيفة ، وإذا كانت ضعيفةً فسوف يكون اندفاع الإشكال أوضح.