37/08/06
تحمیل
الموضوع:- أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
ثم إنّ السيد الحكيم(قده) في منهاجه فصّل:- بين ما إذا كانت المعاملة بيعاً فيحكم بالبطلان وبين ما إذا كانت صلحاً فيحكم بالصحّة.
ولعلّ النكتة في ذلك:- هو أنه لو كان بيعاً حيث إنّ الورقة لا مالية لها بنظره فيصير البيع باطلاً ، وهذه بخلاف ما إذا كانت صلحاً فإنّ الصلح يتحمل ما لا يتحمله غيره فيحكم بصحته.
ولكن قد عرفت أنّ الورقة ذات مالية لأنها تمكّن صاحبها من الدخول في عملية القرعة وهذا موجبٌ لتنافس العقلاء فيثبت أنّ لها المالية كبطاقة الطائرة ، بل والرصيد في زماننا فهذا الرصيد يمكن أن يقال هو من هذا القبيل فإنّ هذه الورقة تمكّن صاحبها من الاتصالات بخلاف الذي ليست عنده هذه الورقة ولا يُدخِل هذا الرقم لموجود عليها فإنه لا يتمكّن من ذلك.
ثم إنه من باب الكلام يجر الكلام ذكر السيد الحكيم(قده)[1] بعد أن فصّل التفصيل السابق قضيّةً:- وهي أنه لو كان هناك جماعة كعشرة أشخاص وهبوا لشخصٍ آخر كلّ منهم عشرة دنانير ولكن بشرط أن يجري بينهم قرعةً – أي بين العشرة - ومن خرجت القرعة باسمه يعطيه هذا المال فهل هذه العملية جائزة أو لا ؟ حكم(قده) بالجواز ، والوجه واضحٌ لأنّ الدفع الأوّل هبة فهو كسائر الهبات غايته أنها مشروطة بشرطٍ وقاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) تشمل هذ المورد ، وهذا شرطٌ لا بأس به فهو ليس شرطاً حراماً بل هو شرط سائغ ، فهذه هبة وهي مشمولة لعمومات الهبة وهذا شرطٌ سائغٌ أيضاً فيشمله قانون ( المؤمنون عند شروطهم ) فلا موجب للتوقّف في مثل ذلك ، ومن الغريب أنّ السيد الشهيد(قده) علّق على هذا الموضع وقال ( الأظهر هو البطلان ) ولا نعرف وجهاً لما استظهره(قده).
هذا كلّه في الجهة الأولى التي نبحثها في أوراق اليانصيب وهي صحّة بيع الورقة وقد اتضح أنّ المناسب هو صحّة ذلك - أي صحة بيع نفس الورقة -.
الجهة الثانية:- حكم نفس المعاملة على بيع هذه الأوراق تكليفاً ، يعني هل بيع ورقة اليانصيب هو حرام تكليفاً أو لا ؟
وقد اتضح الجواب عن ذلك:- فإنّ بيع الورقة لا موجب لحرمته تكليفاً ، نعم إذا فرض أنّ الثمن جعل مقابل الجائزة وحكمنا بصدق القمارية فمن المناسب آنذاك الحكم بالحرمة التكليفية لحرمة القمار تكليفاً ، ولكن ذكرنا أنّ صدق القمار مشكلٌ باعتبار أنه قد أخذ في القمار المغالبة وهنا لا توجد مغالبة لا في نفس عملية البيع والشراء كما هو واضح ولا في تحصيل الجائزة فإنّ الذي يجري القرعة هو الشركة أو البنك ولا مغالبة بين المشتركين ، فالمغالبة غير متصوّرة ، كما أنّه ذكرنا أنَّ اللعب لعلّه يقال هو مأخوذٌ في مفهوم القمار وهنا لا يوجد لعب ، والنتيجة هي أنّ كون المورد من مصاديق القمار إن لم نقل هو جزمي العدم فلا أقل من كونه مشكوكاً وحينئذٍ أدلة حرمة القمار لا يمكن التمسّك بها لأنه من قيل التمسّك بالعام أو بالمطلق في الشبهة الموضوعية أو المصداقية وهو لا يجوز كما هو واضح.
إذن اتضح من خلال هذا أنّ المناسب هو الصحّة وضعاً وعدم الحرمة تكليفاً.
الجهة الثالثة:- حكم الجائزة إذا فاز بها الشخص.
وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده) أنّ الشركة القائمة بهذا العمل تارةً تكون حكومية وأخرى تكون أهلية.
فإن كانت حكومية فالجائزة المأخوذة لا يمكن تملكها إلا بمراجعة الحاكم الشرعي لأنّ أموال الشركات الحكومية يطبّق عليها أحكام مجهول المالك وأمر مجهول المالك يرجع إلى الحاكم الشرعي.
وأما إذا كانت أهلية ففي مثل هذه الحالة تارةً نفترض أنّ المعاملة باطلة من الأساس كما في الشق الأوّل الذي حكم فيه بالبطلان - وهو أن يكون الثمن مقابل نفس الجائزة المحتملة - وأخرى يفترض أنه في مشروع خيري فهذه المعاملة حكم بصحتها ، فهنا يمكن أن نحكم بالجواز باعتبار أنّ الشركة الأهلية راضية بأخذ الجائزة من قبل من فاز سواء كانت المعاملة صحيحة أم باطلة ، فحتى على تقدير بطلان هذه المعاملة نفس الشركة لا تبالي من هذه الناحية وهي راضية عادةً فحينئذٍ يجوز أخذ المال من دون توقّفٍ معلّقاً على رضاها والمفروض أنّ رضاها محرز.
وأما في الشق الثاني - يعني الذي تكون فيه المعاملة صحيحة والشركة أهلية - فحينئذٍ يجوز الأخذ بلا توقّفٍ على مسألة الرضا لأنّ المعاملة صحيحة.
وأمّا على ما ذكرناه نحن من أنّ المعاملة إذا كانت مقابل الورقة فهي صحيحة ، ففي مثل هذه الحالة إذا كانت الشركة أهلية فيجوز الأخذ بلا تعليقٍ على رضاها لأنّ المعاملة صحيحة أيضاً على ما ذهبنا إليه ، وإنما نحتاج إلى الرضا في حالة فساد المعاملة كما هو رأي السيد الخوئي(قده) فهنا لابد وأن ترضى الشركة الأهلية وعادةً هي راضية ، أمّا على ما ذهبنا إليه فالمعاملة صحيحة فحينئذٍ يجوز الأخذ بلا تعليقٍ على رضاها.
ونلفت النظر في هذا المجال إلى أنه حينما يقول الفقهاء ( إذا كانت الشركة حكومية لابد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي ) فقد يتصوّر البعض أنّ الحاكم الشرعي يتمكّن أن يقول نعم أو لا كيفما أحبَّ نظير أن يتصرّف الإنسان في أمواله فإنه إذا تصرّف في أمواله كما أحبّ كأن قال اعطوا لفلان مئة دينار وفلان لا تعطوه وأنت تصرّف في أموالي وذاك الآخر لا أرضى بأن يتصرّف فيها ، ففي الأموال الخاصّة لي ولك لنا الحقّ أن نصنع فيها ما نشاء وكيفما نحبّ بشرط أن لا يكون التصرّف محرّماً - كما لو قلت ارموا أموالي في النهر فإنّ هذا حرامٌ لأنه تبذير ، أو اشتروا بها شيئاً محرّماً - فهل الحاكم الشرعي حينما نقول لابدّ من الرجوع إليه في أموال مجهول المالك والأمر منوط به هل يقصد هذا المعنى ؟ كلا ليس المقصود أن يأذن كما أحبَّ وشاء وكما يتصرّف في أمواله الخاصّة ، وإنما هو يتصرّف على طبق المصلحة ، فما يراه مصلحةً يأذن به وما لا يراه مصلحةً لا يأذن به ، وهذا جانب ينبغي الالتفات إليه.