37/08/01
تحمیل
الموضوع:- تتمة حكم الشطرنج إذا تحول إلى وسيلة علمية ، أوراق اليانصيب- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
ثم إنه من خلال ما ذكرناه يتضح النظر فيما أجاب به السيد الخوئي(قده) حينما سئل عن حكم الشطرنج إذا تحوّل إلى وسيلةٍ عليمةٍ ومن دون رهان فأجاب(قده) بما نصّه:- ( لا يجوز مطلقاً )[1] .
ووجه النظر:- هو أنه إذا تحوّل إلى وسيلة علمية وخرج عن كونه آلة قمارية فلا معنى لبقاء الحرمة ، اللهم إلا أن يفهم من دليل وجوب الاجتناب عن الشطرنج الذي أشرنا إليه فيما سبق - وهو ﴿ واجتنوا الرجس من الاوثان ﴾ وفُسّر بالشطرنج - أنه يجب الاجتناب مطلقاً يعني وإن خرج عن حالة التقامر ، فإذا فهم الاطلاق فيصحّ آنذاك التمسّك بذلك ويتمّ ما أفاده(قده).
ولكن قلنا هذا ليس بوجيه ، لأنّ المتكلّم لو ظهر وسئل وقيل له لماذا أطلقت ولم تقيّد والحال أنّ مرادك المقيّد - يعني مادام يتقامر به - ؟ فيتمكن أن يعتذر ويقول إنَّ الحالة العامّة هي التقامر به ، بل لو قيّد فذلك قد يكون مستهجناً ومرفوض عرفاً ، فإذن انعقاد الاطلاق شيءٌ مشكل.
وأضاف(قده) أيضاً:- إنه يحرم حتى لو كان من دون رهان ، ونحن نقول:- إنه إذا خرج عن كونه آلة قمار وأيضاً لا رهان فلماذا تثبت الحرمة حينئذٍ ؟!! ، فسلّمنا أنّ اللعب بالشطرنج حرام حتى لو تبدّل إلى وسيلةٍ علميّةٍ لإطلاق الدليل ولكن إذا فرض أنّه كان من دون رهانٍ والمفروض أنه ليس قماراً فعلى هذا الأساس لا موجب لثبوت التحريم.
وذكر الشيخ التبريزي(قده) ما نصّه:- ( إذا خرج عن كونه آلة قمار بحيث لا يقامر به أصلاً ولو في بلدٍ ما فلا بأس باللعب به بلا رهان ).
ولغة الشيخ التبريزي أقلّ جموداً مما أفاده السيد الخوئي(قده) ، يعني هو أعمل شيئاً من المناسبات ولم يجمد على ألفاظ النصّ جموداً كاملاً كما صنع السيد الخوئي(قده) ، ولكن يظهر من عبارته أنّ المدار على أن يخرج عن كونه آلة قمار في جميع العالم بحيث لا يكون آلة قمار حتى في بلدٍ ما ، بل المهمّ أنه لا يكون آلة قمار في جميع الدنيا.
ويرد عليه:- أنّ هذا شيء لا معنى للالتزام به ، فإنّ عنوان المكيل والموزون في الربويّات وغير ذلك يدور المدار على البلد ، ففي بلدنا لو فرض أنه لا يتقامر به وخرج عن كونه آلة قمار فمن المناسب كفاية ذلك سواء فرض أنه يتقامر به في بلدٍ آخر أو لا ، فمن المناسب في مثل هذه الحالة هو الجواز ، وليس المدار على خروجه عن التقامر في جميع البلدان فإنه شيءٌ مرفوض.
بل نتمكّن أن نصعّد اللهجة ولكن هذا أقوله علميّاً:- وهو أنه لو فرض أنّ الطرفين لا يتقامران به بأن يفترض أنّه في البلد يتقامر به ولكن نحن كفردين لا نتقامر به بل نتخذه وسيلةً رياضيةً لا أكثر ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال بالجواز بناءً على مبنانا في باب الاطلاق ، فإنه حتى إذا لم يقيّد المتكلّم بذلك - أي لم يقيد ولم يقل يحرم فيما إذا لم تستعملاه أيها اللاعبان كوسيلةٍ رياضيةٍ - فحتى إذا لم يقيد بذلك لا يستهجن منه الاطلاق لما أشرنا إليه من أنّ الحالة المتعارفة هي التقامر به ، بل لو قيّد ذلك فسوف يستهجن هذا التقييد في تلك الفترة الزمنية.
إذن لا يلزم أن يخرج عن القمارية في جميع البلدان وإنما يكفي في بلد اللعب ، بل حتى في بلد اللعب يكفي أن يكون هما لم يتخذاه وسيلةً للتقامر فهذا مع ذلك يمكن القول بجوازه ، ولكن أبقى أأكد على ما أكدت عليه سابقاً وهو أنّه من المناسب للفقيه أن يعمل الدبلوماسية ، يعني لا يعطي زمام الأمر بيد المكلّف لأنّه سوف تحصل حالة انسياب وتساهل وتسامح ، فالفقيه لابدّ وأن يتحفّظ من هذه الناحية في مقام الفتوى.
فإذا صار وسيلةً رياضيةً في كلّ البلد لا أقل فوضع الرهان هل هو جائز أو ليس بجائز على ما سلكناه ؟
إنه يكون جائزاً ، لأنّ هذا الرهن هو رهنٌ على أهدافٍ عقلائية مطلوبة فلا يصدق حينئذٍ عنوان التقامر وأدلة حرمة الشطرنج قلنا ليس فيها إطلاق لهذه الحالة ، فإذن لا محذور في جعل الرهان وأخذه ، هذه تتمة ينبغي الالتفات إليها.
بقي شيء آخر يرتبط بالنقطة الثانية وهو حكم الشطرنج في الأجهزة الحديثة:- فربّ قائل يقول:- هناك صورة أخرى للّعب بالشطرنج في الأجهزة الحديثة وهي أن يلعب الشخص وحده لا أنه يلعب اثنان بأن رُكِّبَ الجهاز بشكلٍ يتمكّن أن يلعب فيه شخص واحد فما هو حكم اللعب به ؟ ونحن فيما سبق قلنا إذا فرض أنه يلعب اثنان فحينئذٍ يثبت التحريم لأنه كون آلات التقامر هي بذلك الشكل - من حديد أو من غير ذلك - فهذا ليست له مدخلية عرفاً فيتعدّى إلى كلّ ما يقوم مقام ذلك ، وهذا قبلناه وقلنا بالتحريم في اللعب بالوسائل الحديثة ، ولكن هنا يوجد شخصٌ واحدٌ يلعب فهل يحكم بالتحريم أو لا ؟
والجواب:- تارةً يفترض أنه لا توجد حالة تسابق ، وأخرى يفترض أنه توجد حالة تسابق بحث صمّم بشكلٍ يوجد طرف ثاني ويحصل التسابق معه ، فإذا فرض أنه لا يصدق عنوان التسابق فلا مشكلة لأنّ القمار يلزم فيه عنوان التسابق وهذا لا يوجد فيه تسابق ، وأما إذا فرض أنه يصدق عنوان التسابق فبناءً على ما ذهبنا إليه سابقاً من الاحتياط ولو من دون رهنٍ يكون المناسب أنّ اللعب به مع صدق التسابق ولو من دون رهنٍ يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي هو الترك كما أشرنا إليه فما سبق.
فإذن نحن نفصّل بين حالتين ، بين حالة عدم صدق التسابق فيجوز ، وبين حالة صدق التسابق فالأحوط وجوباً الترك حتى من دون رهنٍ لما أشرنا إليه.
النقطة الرابعة:- أوراق اليانصيب:-
والكلام في ذلك يقع في أربع جهات:-
الجهة الأولى:- حكم التعامل على الأوراق وضعاً.
الجهة الثانية:- حكم التعامل عليها تكليفاً.
الجهة الثالثة:- حكم الجائزة التي يأخذها الفائز.
الجهة الرابعة:- توجيه أخذ اللجنة لأثمان البطاقات.
وقبل أن ندخل في هذا المطلب يجدر الالتفات إلى قضية:- وهي أنّ السيد الماتن(قده) سوف يبحث أوراق اليانصيب في مسألة ( 41 ) ، ولكن كان من المناسب فنّياً أن تذكر في ذيل مسألتنا - أي تذكر كمسألة برقم 20 - لأنه توجد فيها شبهة أنها من القمار ، فكان من المناسب فنّياً ذلك ، وعلى أيّ حال نحن نقدّمها ونبحثها هنا لأّن بعض الألة - التي هي في القمار - تأتي هنا فلذلك من المناسب بحثها هنا.
الجهة الأولى:- ربما يقال إنّ شراء ورقة اليانصيب وبيعها باطل وذلك لوجوه:-
الوجه الأوّل:- إنّ الثمن يبذل مقابل هذه الورقة وهذه الورقة لا قيمة لها سوى أنها قد تصير سبباً لاحتمال الفوز بالجائزة وهو احتمال ضعيفٌ جداً ، لأنه إذا كان عدد المشتركين كثيراً كنصف مليون شخص مثلاً فيكون احتمال فوزه هو واحد إلى نصف مليون ، فإذن يكون هذا بذلاً للثمن ازاء لا شيء - أي ازاء ما لا مالية له وإن شئت عبّر هو أكلٌ للمال بالباطل لأنه ازاء لا شيء - فلا يجوز آنذاك من هذه الناحية - يعني وجود ثمنٍ بلا مثمن - فيكون ذلك باطلاً.
وفيه:-
أوّلاً:- إنه لا يشترط في البيع ماليّة العوضين وإن ذكر صاحب المصباح أنه تبديل مالٍ بمال ، ولكن عرفاً يصدق البيع بتبديل مالٍ بشيءٍ وإن كان ذلك الشيء ليس بمال ، كما مثّلنا فيما سبق بورقةٍ قديمة عاديّة موجودةٌ عند شخصٍ يريد اتلافها ولكن فيها خطّ والدي وأنا أحبّ أن أحتفظ بها فهو حينما عرف أنّ فيها خطّ والدي رفض إعطائها لي إلا بثمن فهذا بيعٌ عرفاً ولا بأس بذلك ، فعرفاً لا يشترط مالية العوضين كما ذكرنا في بداية البحث عن المكاسب المحرّمة.
نعم تأتي شبهة:- أنّ هذه معاملة سفهية لأنه إذا كان هذا ليس بمال فبذل مالك بإزاء ما لا مالية له يكون معاملة سفهية وهي ليست مشمولة للدليل.
ويمكن الجواب عن ذلك:- بأنّ الباطل هو معاملة السفيه ، فالذي ثبت بالدليل هو بطلان معاملة السفيه ، وأمّا المعاملة السفهية فلم يدلّ دليل على بطلانها مادام قد صدرت من شخصٍ رشيد ، نعم نحن في هذا المورد كنا نميل إلى أنه حتى المعاملة السفهية يمكن أن يدّعى أنّ اطلاقات ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ لا تشملها ومنصرفة عنها ، فهي ناظرة إلى المعاملات العقلائية أمّا السفهية فلا يبعد أن يدّعى أّن الأدلة منصرفة عنها ، وهذا احتمالٌ صرنا إليه وهو شيء وجيه ، ولكن حتى لو بنينا عليه فلا يضرّنا في المقام فإنّ هذه المعاملة يمكن أن يقال هي ليست سفهية باعتبار أنه يوجد لي هدفٌ في شراء هذه الورقة التي فيها خطّ والدي فإني أعتزّ بحطّه وهذه لا يقال أنها معاملة سفهية بل لا بأس بها.
وهكذا الحال في ورقة اليانصيب فهي ليست معاملة سفهية لأنه يحتمل أنه سوف يحصل الفوز بالجائزة ، ولذلك ترى الناس يقبلون جماعاتٍ على الشراء وهذا منبهٌ على كونها ليست سفهية وإنما هي عقلائية مادام هذا الاحتمال موجوداً.
ثانياً:- إنّ هذه الورقة مالٌ ، فإن مالية المال بالتنافس عليه ، فمتى ما تنافس الناس على شيءٍ صار مالاً والذهب إنّما صار ذهباً وله قيمة عالية بسبب شدّة تنافس الناس عليه ، وهذه الورقة يتنافس الناس عليها ولو لهذا الاحتمال ، خصوصاً إذا التفتنا إلى أنّ الاحتمال وإن كان ضعيفاً إلا أنّ المحتمل حيث أنه مهم كأن يحصل على سيارةٍ مثلاً أو قضيةٍ أخرى فقوّة المحتمل يعطي ماليةً لهذه الورقة ، وربما يشبّه ذلك بالشبكة المنصوبة التي يحتمل أنّ فيها السمكة الجيدة وذات القيمة العالية ولكن لا نجزم بذلك فالصيّاد لو قال أنا أبيع هذا الذي في الشبكة بدينارٍ ويحتمل أنه يوجد في الشبكة سمكة جيدة جداً أو سمكتين ويحتمل أنه لا يوجد اثنين فهل يكون بيع الشبكة بيعاً للمال أو ليس بيعاً للمال ؟ يمكن أن يقال هو بيع للمال باعتبار أنّ هذا الاحتمال أو أهمّية المحتمل هو يصير سبباً للتنافس وبالتالي يصير سبباً لكون هذا مالاً ، نظير بطاقة الطائرة أو القطار أو السيارة فهل نبيعها أو لا ؟ نعم نبيعها لأننا نحصّل بها على شيءٍ ، غايته أني أحصّل من بيعها شيئاً جزمياً ، بينما هنا سوف أحصّل على شيءٍ احتمالي وهذا لا يؤثر ، فصحيحٌ أنها ورقة ولكن لأجل أني أحصّل بها على شيءٍ صارت مالاً ، وهنا أيضاً مادام يحتمل أنّي سوف أحصل بها على شيء فسوف تصير مالاً غاية الأمر تصير الماليّة أضعف من ماليّة بطاقة الطائرة أو ما شاكلها.