37/08/02
تحمیل
الموضوع: أدلة حجية أخبار الآحاد ـــ آية النبأ.
ذكرنا أن شمول أدلة الحجية للأخبار مشروط بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: ان يكون الخبر عن ثقة. وأما إذا لم يكن عن ثقة فلا يكون مشمولا لأدلة الحجية.
الشرط الثاني: أن يكون الخبر عن حس.
الشرط الثالث: أن يكون المخبر به حكما شرعيا في نفسه او موضوعا لبحكم شرعي.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الأخبار بلا واسطة او مع الواسطة. إما إذا كان الخبر بلا واسطة عن الإمام فإذا توفرت هذه الشروط بأن يكون المخبر ثقة ويكون اخباره عن قول الإمام عن حس والشرط الثالث متوفر أيضا حيث أن قول الإمام أما ان يكون بنفسه حكما شرعيا أو يكون موضوعا لحكم شرعي. فمع توفر هذه الشروط فيكون الخبر مشمولا لأدلة الحجية فيكون حجة.
وأما إذا كان الخبر مع الواسطة كما إذا أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم وهو عن أبيه وأبوه عن الإمام فهل تشمل أدلة حجية أخبار الآحاد هذه الخبار مع الواسطة أو لا؟.
فهنا إشكالان:
الإشكال الأول: أن خبر الكليني متوفر فيه الشرط الأول والثاني لأن خبره خبر ثقة وعن حس حيث أنه سمع عن علي بن إبراهيم.
وإما الشرط الثالث وهو كون خبر علي بن إبراهيم أثرا شرعيا في نفسه أو موضوعا لأثر شرعي فالمفروض أنه ليس أثرا شرعيا في نفسه ولا موضوعا لأثر شرعي. نعم أنه موضوع للحجية الثابتة لخبر الكليني فعندئذ يلزم محذور اتحاد الحكم مع الموضوع لأن الحكم هو حجية الخبر فإذا كان حجية خبر علي بن إبراهيم أثرا شرعيا والمفروض أن الأثر الشرعي مأخوذ في موضوع دليل الحجية فإذاً يلزم اتحاد الحكم مع الموضوع أي يلزم ان تكون الحجية حكما وموضوعا لنفسها وهذا مستحيل فمن أجل ذلك لا يمكن ان تكون ادلة الحجية شاملة للخبر مع الواسطة لاستلزامه اتحاد الحكم مع الموضوع.
وبعبارة أخرى ان الكليني إذا أخبر عن علي بن إبراهيم فموضوع دليل الحجية مركب من امرين إخبار الثقة عن شيء محسوس وكون ذلك الشيء أثرا شرعيا في نفسه أو موضوعا للأثر الشرعي فإذا تحقق كلا الأمرين وكلا الجزئين تحققت الحجية ويكون مشمولا لأدلة الحجية.
فإذاً موضوع أدلة الحجية مركب من امرين: أخبار الثقة عن شيء محسوس وكون ذلك الشيء حكما شرعيا في نفسه أو موضوعا لحكما شرعيا. وأما إذا كان ذلك الشيء خبر علي بن إبراهيم مثلا فإنه ليس حكما شرعيا في نفسه ولا موضوعا لحكم شرعي كالوجوب او الحرمة.
نعم هو موضوع لأثر شرعي وهو الحجية والمفروض ان الحجية حكم لهذا الأثر إذ هذا الأثر المترتب على المخبر به مأخوذ في موضوع الحجية فإذا كان الأثر نفس الحجية لزم اتحاد الحكم مع الموضوع وهو مستحيل.
الإشكال الثاني: أن الكليني إذا أخبر عن علي بن إبراهيم فخبر الكليني ثابت لنا بالوجدان باعتبار أنا سمعنا من الكليني هذا الخبر وأما خبر علي بن إبراهيم فثبوته يتوقف على حجية خبر الكليني لأن ثبوته ليس وجدانيا فإذا كان خبر الكليني حجة فهو يثبت خبر علي بن إبراهيم تعبدا من جهة حجية خبر الكليني والمفروض ان ثبوت خبر علي بن ابراهيم موضوع للحجية فيلزم تقدم الحكم على الموضوع وتأخر الحكم عن الموضوع فيلزم محذور توقف ثبوت الموضوع على ثبوت الحكم وهذا مستحيل لأن ثبوت الحكم يتوقف على ثبوت الموضوع لا العكس. وفي المقام يتوقف ثبوت الموضوع على ثبوت الحكم بأن يكون الموضوع في طول الحكم ومتأخرا عن الحكم رتبة وهذا مستحيل.
فمن أجل هذا المحذور لا يمكن شمول أدلة الحجية للأخبار مع الواسطة لاستلزامه تقدم الحكم على الموضوع وتأخر الموضوع عن الحكم.
ثم أن هذين الإشكالين مختلفان ملاكا وموردا.
أما ملاكا فإن ملاك استحالة الإشكال الأول اتحاد الحكم مع الموضوع وملاك استحالة الإشكال الثاني توقف الموضوع على الحكم وتأخره عنه رتبة وهو مستحيل.
وأما موردا فإن مورد الإشكال الأول هو خبر الكليني لا الخبر المباشر عن الإمام (ع) فإنه ليس موردا لهذا الإشكال باعتبار أن المخبر به بهذا الخبر هو قول الإمام (ع) وهو حكم شرعي في نفسه او موضوع لحكم شرعي. فمورد هذا الإشكال هو خبر الكليني باعتبار ان المخبر به بخبر الكليني هو خبر علي بن إبراهيم وهو ليس بحكم شرعي في نفسه ولا موضوعا لحكم شرعي فمن أجل ذلك مورد هذا الإشكال خبر الكليني أي الخبر في أول سلسلة هذه الأخبار. واما الخبر الأخير المباشر لقول المعصوم(ع) فلا إشكال في حجيته.
وأما مورد الإشكال الثاني فهو خبر الواسطة لا خبر الكليني أي خبر علي بن إبراهيم وكذلك خبر أبيه فالخبر المباشر لقول الإمام(ع) هو مورد هذا الإشكال فإن ثبوته تعبدا يتوقف على حجية خبر الكليني أو على حجية خبر علي بن إبراهيم فيلزم محذور توقف ثبوت الموضوع على ثبوت الحكم وتأخر الموضوع رتبة عن الحكم وهو مستحيل ولا يمكن.
هذان هما الإشكالان في عدم شمول أدلة الحجية للأخبار مع الواسطة.
والجواب عن ذلك: يقع في مراحل ثلاثة طولية:
المرحلة الأولى: أن كلا الإشكالين مبني على ان المجعول في أدلة حجية الأمارات حجية واحدة شخصية حيث أن المجعول في باب الأمارات إذا كان هو حجية واحدة شخصية لزم اتحاد الحكم مع الموضوع ولزم توقف ثبوت الموضوع على ثبوت الحكم.
ولكن الأمر ليس كذلك بل هذا ليس معقول فلا يعقل أن يكون المجعول في باب الأمارات حجية واحدة شخصية لأنه لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل. لأن أدلة حجية الأمارات من القضايا الحقيقية والحكم المجعول في القضايا الحقيقية مجعول لأفراد موضوعها من الأفراد المحققة في الخارج والأفراد المقدرة فيه فالشارع يجعل الحجية لكل فرد من أفراد خبر الثقة فكل فرد من أفراد خبر الثقة حجة بحجية مستقلة كما هو الحال في الأحكام التكليفية فكما ان وجوب الصلاة ينحل بانحلال أفراد المكلف فيثبت لكل فرد من أفراد المكلف وجوب مستقل وكذلك وجوب الحج على المستطيع حيث أنه ينحل بانحلال أفراد المستطيع في الخارج فيثبت لكل فرد من أفراده وجوب مستقل.
وما نحن فيه أيضا كذلك فإن مفاد أدلة حجية أخبار الآحاد سواء كانت الأدلة من الأدلة اللفظية ام كانت من الأدلة العملية كالسيرة العقلائية فمفادها قضايا حقيقية والحكم المجعول في القضايا الحقيقية منحل بانحلال أفرادها في الخارج من الأفراد المحققة في الخارج والأفراد المقدرة الوجود في الخارج.
فإذاً لكل فرد من أفراد خبر الثقة حجية مستقلة فيكون المجعول لكل فرد من أفراد خبر الثقة حجية مستقلة فلا مجال لهذين الإشكالين ولا موضوع لهما.
أما الإشكال الأول فلا يلزم اتحاد الحكم مع الموضوع فإن فرد من الحجية حكم وفرد آخر من الحجية موضوع ولا مانع من ذلك فهما فردان متباينان وموجودان مستقلان في الخارج فأحد الفردين حكم والفرد الآخر مأخوذ في موضوعه فلا مجال لهذا الإشكال ولا موضوع له.
واما الإشكال الثاني فأيضا كذلك فإن ثبوت خبر علي بن إبراهيم وإن كان متوقفا على حجية خبر الكليني إلا أن حجية خبر الكليني ليست حكما لخبر علي بن إبراهيم حتى يلزم محذور تأخر الموضوع عن الحكم وتقدم الحكم على الموضوع بل خبر علي بن إبراهيم فرد آخر من الحجية ثبوته يتوقف على حجية خبر الكليني فإذا ثبت ترتب عليه فرد آخر من الحجية فلا يلزم تقدم الحكم على الموضوع وتأخر الموضوع عن الحكم.
فالنتيجة أن كلا الإشكالين مبني على أن يكون المجعول في أدلة الحجية حجية واحدة شخصية وهذا غير معقول وغير ممكن صدوره من المولى الحكيم لأنه لغو.
وأما إذا كان الدليل على حجية أخبار الثقة سيرة العقلاء فالأمر واضح فإن السيرة العقلائية قد جرت على العمل بكل خبر ثقة وان كل خبر ثقة حجة لدى العقلاء فلا شبهة في تعدد الحجية بتعدد الخبر وأن الحجية متعددة . فلا موضوع لهذين الإشكالين.