35/08/05
تحمیل
الموضوع : التجري
كان كلامنا في المانع الثاني الذي ذكره سيدنا الاستاذ (قده) من عدم تطبيق قاعدة الملازمة بين حكم العقل بالحسن وبين حكم الشارع بالوجوب وحكم العقل بالقبح وحكم الشارع بالحرمة، وهذه القاعدة لو تمت فهي لا تنطبق على قبح التجري لمانعين وقد تقدم الكلام في المانع الاول ونقده، واما المانع الثاني فقد ذكر السيد الاستاذ (قده) انه لا بد من التفصيل بين الحسن والقبح في مراتب علل الاحكام وبين الحسن والقبح في مراتب معلولات الاحكام .
اما الحسن والقبح اذا كان في مرتبة علل الاحكام فالملازمة ثابتة، فاذا حكم العقل بحسن رد الامانة فالشارع يحكم بالوجوب واذا حكم العقل بقبح الخيانة فالشارع يحكم بحرمتها، او اذا حكم العقل بحسن الصدق وقبح الكذب فالشارع يحكم بالوجوب في الاول وبالحرمة في الثاني، فالملازمة في هذه الموارد ثابتة بين حكم العقل بالحسن وبين حكم الشرع بالوجوب وحكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة، فهذه الملازمة على تقدير ثبوتها فهي ثابتة في هذه الموارد
اما في موارد علل الاحكام كحكم العقل بحسن الطاعة، فان حكم العقل معلول لثبوت الحكم في المرتبة السابقة او حكم العقل بقبح المعصية، فان هذا الحكم العقلي معلول للحكم الشرعي الثابت في المرتبة السابقة،فهذه الملازمة غير ثابتة في موارد معلولات الاحكام فحكم العقل بحسن الطاعة لا يستلزم حكم الشارع بوجوب الطاعة وحكم العقل بقبح المعصية لا يستلزم حكم الشارع بحرمتها، ومن هنا يكون الامر بالطاعة والنهي عن المعصية ارشادي وليس مولوي، فان الملازمة بين حكم العقل بالحسن وبين حكم الشرع بالوجوب المولوي غير ثابتة وكذلك الملازمة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة المولوية .
وقد افاد (قده) في وجه ذلك : ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية إن كان كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب والابتعاد عن الحرام فلا مقتضي لجعل الوجوب الشرعي المولوي في مورده أي مورد حكم العقل بحسن الطاعة لأنه لغو وبلا فائدة لان الغرض من وراء هذا الجعل هو تحريك المكلف والمفروض ان حكم العقل بذلك يكفي للمحركية والداعوية فجعل الحكم الشرعي المولوي بهذا الغرض لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل .
فإذن لا بد من حمل الامر اذا ورد بالطاعة على الارشاد، و لا يمكن ان يكون امرا مولويا .
واما اذا لم يكن حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب والابتعاد عن الحرام (والجامع دعوة المكلف الى طاعة المولى واداء حقه وهو حق الطاعة) اذا لم يكن حكم العقل كافيا في ذلك فلا فرق بين الوجوب الاول والوجوب الثاني، فاذا جعل المولى الوجوب الثاني المتعلق بالطاعة وجوبا شرعيا مولويا بهذا الغرض فحكم العقل بحسن اطاعته ايضا لا يكفي لتحريك المكلف ودعوته الى امتثاله، كما ان حكم العقل بقبح معصية هذا الوجوب الثاني لا يكفي الى تحريك المكلف ودعوته الى الابتعاد عنه، اذ لا فرق من هذه الناحية بين الوجوب الاول وبين الوجوب الثاني، فاذا لم يكن حكم العقل بحسن اطاعة الوجوب الاول كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب كذلك لا يكون حكم العقل بحسن اطاعة الوجوب الثاني كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب فمن اجل ذلك لا يمكن جعل الحكم الشرعي المولوي المتعلق بالطاعة او جعل الحرمة الشرعية المولوية المتعلق بالمعصية، هكذا ذكره السيد الاستاذ (قده) .
وللمناقشة فيه مجال .
فان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية وان كان كافيا في نفسه لتحريك المكلف نحو الاتيان بالواجب وامتثاله ودعوته الى الابتعاد عن الحرام والجامع ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية كافٍ لتحريك المكلف ودعوته الى اطاعة المولى واداء حقه وهو حق الطاعة ولكن مع ذلك ان المولى قد يرى مصلحة في تأكيد هذا الحكم العقلي بجعل الوجوب الشرعي المولوي المتعلق بالطاعة وبجعل الحرمة الشرعية المولوية المتعلقة بالمعصية فان هذا الوجوب قد احدث ملاكا جديدا للطاعة وهو حق طاعة المولى واحدث داعيا جديدا للمكلف ومن الواضح اذا ضممنا الداعي الثاني الى الداعي الاول فالمجموع اقوى واكد من كل واحد منهما في نفسه، فلا يكون جعل الوجوب الشرعي المولوي المتعلق بالطاعة لغوا وبلا فائدة، فانه يؤكد داعوية وجوب الاول فداعوية المجموع يكون اكد واشد من داعوية كل منهما في حد نفسه، اذ لا شبهة في ان المولى يرى ان الملاكات الواقعية وتحصيلها اهم من كل شيء، اهتمام المولى بالحفاظ على الملاكات الواقعية وعدم رضائه بتفويتها يدعو المولى الى جعل الوجوب الشرعي المولوي للطاعة والى جعل الحرمة الشرعية المولوية للمعصية، فان هذا الوجوب قد احدث ملاكا جديدا وداعٍ الى الطاعة وكذلك الحرمة، فمن اجل ذلك لا يكون جعل الوجوب المولوي لغوا، لان حكم العقل لا يتطلب ما يراه المولى من الاهمية فان المولى يرى اهمية الملاكات الواقعية والحفاظ عليها وعدم تفويتها والعقل لا يدرك الا بمقدار ان الملاكات الواقعية لازمة اما انها اقوى واشد من ذلك فالعقل لا يدرك ذلك فان العقل يكشف الملاك من الوجوب ولا يكشف من الوجوب الا بمقدار ان هذا الملاك لازم اما انه اكبر من ذلك درجة فلا طريق له اليه، اما المولى اذا رأى ان الملاك اكبر من ذلك ولهذا يرى وجوب حفظ الملاك ولا يرضى بتفويت هذا الملاك، فمن اجل ذلك اهتمام المولى بالملاك يدعوه الى جعل وجوب مولوي متعلق بالطاعة والى جعل حرمة مولوية متعلقة بالمعصية .
فإذن هذا الوجوب يكون داعيا ثانيا، واذا ضممنا هذا الوجوب الى الوجوب الاول تتأكد الداعوية ومسؤولية العبد فكيف يكون جعل هذا الوجوب لغوا، ولا فرق حينئذ بين ان يكون حكم العقل بالحسن او القبح في مرتبة علل الاحكام او في مرتبة معلولاتها، كما ان حكم العقل بالحسن او القبح في مرتبة علل الاحكام يستلزم الوجوب والحرمة كذلك حكم العقل بالحسن والقبح في مرتبة معلولات الاحكام ايضا يستلزم حكم الشارع بالوجوب والحرمة .
وبعبارة اخرى : ان الامر الثاني تعلق بنفس ما تعلق به الامر الاول غاية الامر ان الامر الاول تعلق بالفعل بعنوانه الاولي والامر الثاني تعلق بنفس الفعل بعنوانه الثانوي، مثلا الامر الاول تعلق بالصلاة بعنوانها الاولي وباسمها الخاص وبعنوانها المخصوص واما الامر الثاني تعلق بنفس الصلاة بعنوان ثانوي وهو عنوان الاطاعة، وكذلك الحال في الحرمة .
فإذن الامر الثاني تعلق بنفس الامر الاول وكلا الامرين يدعوان الى الاتيان بالصلاة فكما ان الامر الاول يدعو المكلف الى الاتيان بالصلاة فكذلك الامر الثاني، والعقل كما يحكم بحسن اطاعة الامر الاول كذلك يحكم بحسن اطاعة الامر الثاني، فان العقل يدرك استحقاق المثوبة على امتثال الامر الاول كذلك يدرك استحقاق المثوبة على امتثال الامر الثاني، وكذلك يدرك استحقاق العقوبة على مخالفة الامر الاول ويدرك استحقاق العقوبة على مخالفة الامر الثاني ومن الواضح ان منشأ تحريك المكلف ودعوته الى طاعة المولى اذا كان امرين فهو اقوى من ان يكون امرا واحدا، واذا كان عقوبتين فهو اقوى من ان يكون عقوبة واحدة فان المكلف اذا رأى انه اذا ترك الصلاة استحق عقوبتين فلا شبهة في ان ذلك منشأ اقوى لدعوته الى الاتيان بالصلاة من استحقاقه لعقوبة واحدة على ترك الصلاة .
فإذن منشأ تحريك المكلف اذا كان عقوبتين فهو اقوى من ان يكون عقوبة واحدة ومن هنا يظهر ان ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من ان حكم العقل بالحسن وبالقبح اذا كان كافيا فلا مبرر لجعل الوجوب الشرعي المولوي في مورده لأنه لغو يظهر انه لا يكون لغوا، فان جعل الوجوب الشرعي المولوي في مورده بملاك اهتمام المولى بالملاكات الواقعية هو الحفاظ عليها وعدم رضاه بتفويت تلك الملاكات في كل حال، فهذا يدعو المولى الى جعل وجوب اخر وهو احدث ملاكا جديدا للطاعة وداعٍ جديدا لتحريك المكلف فكيف يكون لغوا .
واما ما ذكره (قده) من ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية لو لم يكن كافيا لتحريك المكلف فأيضا لا معنى لجعل الوجوب الشرعي المولوي للطاعة، فان حكم العقل بحسن طاعته وقبح معصيته ايضا لا يكفي لتحريك المكلف فان الوجوب الثاني كالوجوب الاول و لا فرق بينهما .
هذا الذي افاده (قده) مبني على الخلط بين المقام وبين ما اذا كان الوجوب الثاني مقابل الوجوب الاول وفي عرضه، واما في المقام فالوجوب الثاني في طول الوجوب الاول ومتعلق بنفس ما تعلق به الوجوب الاول وبذلك تتأكد داعويته ومحركيته غاية الامر بعنوان ثانوي، وما ذكره (قده) انما يتم في الوجوبين العرضيين كوجوب الصدق ووجوب رد الامانة، فان وجوب رد الامانة اذا كان حكم العقل بحسن طاعته وقبح معصيته لا يكفي لتحريك المكلف كذلك الحال في وجوب الصدق، فان حكم العقل بحسن اطاعته وقبح معصيته ايضا لا يكفي فما ذكره انما يتم في الوجوبين العرضيين لا في المقام اذ الوجوب الثاني في طول الوجوب الاول ومتعلق بنفس ما تعلق به الوجوب الاول .
فالنتيجة، ان ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من التفصيل بين الحسن والقبح في موارد علل الاحكام وبين الحسن والقبح في مراتب معلولات الاحكام لا وجه له .
كان كلامنا في المانع الثاني الذي ذكره سيدنا الاستاذ (قده) من عدم تطبيق قاعدة الملازمة بين حكم العقل بالحسن وبين حكم الشارع بالوجوب وحكم العقل بالقبح وحكم الشارع بالحرمة، وهذه القاعدة لو تمت فهي لا تنطبق على قبح التجري لمانعين وقد تقدم الكلام في المانع الاول ونقده، واما المانع الثاني فقد ذكر السيد الاستاذ (قده) انه لا بد من التفصيل بين الحسن والقبح في مراتب علل الاحكام وبين الحسن والقبح في مراتب معلولات الاحكام .
اما الحسن والقبح اذا كان في مرتبة علل الاحكام فالملازمة ثابتة، فاذا حكم العقل بحسن رد الامانة فالشارع يحكم بالوجوب واذا حكم العقل بقبح الخيانة فالشارع يحكم بحرمتها، او اذا حكم العقل بحسن الصدق وقبح الكذب فالشارع يحكم بالوجوب في الاول وبالحرمة في الثاني، فالملازمة في هذه الموارد ثابتة بين حكم العقل بالحسن وبين حكم الشرع بالوجوب وحكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة، فهذه الملازمة على تقدير ثبوتها فهي ثابتة في هذه الموارد
اما في موارد علل الاحكام كحكم العقل بحسن الطاعة، فان حكم العقل معلول لثبوت الحكم في المرتبة السابقة او حكم العقل بقبح المعصية، فان هذا الحكم العقلي معلول للحكم الشرعي الثابت في المرتبة السابقة،فهذه الملازمة غير ثابتة في موارد معلولات الاحكام فحكم العقل بحسن الطاعة لا يستلزم حكم الشارع بوجوب الطاعة وحكم العقل بقبح المعصية لا يستلزم حكم الشارع بحرمتها، ومن هنا يكون الامر بالطاعة والنهي عن المعصية ارشادي وليس مولوي، فان الملازمة بين حكم العقل بالحسن وبين حكم الشرع بالوجوب المولوي غير ثابتة وكذلك الملازمة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة المولوية .
وقد افاد (قده) في وجه ذلك : ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية إن كان كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب والابتعاد عن الحرام فلا مقتضي لجعل الوجوب الشرعي المولوي في مورده أي مورد حكم العقل بحسن الطاعة لأنه لغو وبلا فائدة لان الغرض من وراء هذا الجعل هو تحريك المكلف والمفروض ان حكم العقل بذلك يكفي للمحركية والداعوية فجعل الحكم الشرعي المولوي بهذا الغرض لغو وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل .
فإذن لا بد من حمل الامر اذا ورد بالطاعة على الارشاد، و لا يمكن ان يكون امرا مولويا .
واما اذا لم يكن حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب والابتعاد عن الحرام (والجامع دعوة المكلف الى طاعة المولى واداء حقه وهو حق الطاعة) اذا لم يكن حكم العقل كافيا في ذلك فلا فرق بين الوجوب الاول والوجوب الثاني، فاذا جعل المولى الوجوب الثاني المتعلق بالطاعة وجوبا شرعيا مولويا بهذا الغرض فحكم العقل بحسن اطاعته ايضا لا يكفي لتحريك المكلف ودعوته الى امتثاله، كما ان حكم العقل بقبح معصية هذا الوجوب الثاني لا يكفي الى تحريك المكلف ودعوته الى الابتعاد عنه، اذ لا فرق من هذه الناحية بين الوجوب الاول وبين الوجوب الثاني، فاذا لم يكن حكم العقل بحسن اطاعة الوجوب الاول كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب كذلك لا يكون حكم العقل بحسن اطاعة الوجوب الثاني كافيا لتحريك المكلف ودعوته الى الاتيان بالواجب فمن اجل ذلك لا يمكن جعل الحكم الشرعي المولوي المتعلق بالطاعة او جعل الحرمة الشرعية المولوية المتعلق بالمعصية، هكذا ذكره السيد الاستاذ (قده) .
وللمناقشة فيه مجال .
فان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية وان كان كافيا في نفسه لتحريك المكلف نحو الاتيان بالواجب وامتثاله ودعوته الى الابتعاد عن الحرام والجامع ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية كافٍ لتحريك المكلف ودعوته الى اطاعة المولى واداء حقه وهو حق الطاعة ولكن مع ذلك ان المولى قد يرى مصلحة في تأكيد هذا الحكم العقلي بجعل الوجوب الشرعي المولوي المتعلق بالطاعة وبجعل الحرمة الشرعية المولوية المتعلقة بالمعصية فان هذا الوجوب قد احدث ملاكا جديدا للطاعة وهو حق طاعة المولى واحدث داعيا جديدا للمكلف ومن الواضح اذا ضممنا الداعي الثاني الى الداعي الاول فالمجموع اقوى واكد من كل واحد منهما في نفسه، فلا يكون جعل الوجوب الشرعي المولوي المتعلق بالطاعة لغوا وبلا فائدة، فانه يؤكد داعوية وجوب الاول فداعوية المجموع يكون اكد واشد من داعوية كل منهما في حد نفسه، اذ لا شبهة في ان المولى يرى ان الملاكات الواقعية وتحصيلها اهم من كل شيء، اهتمام المولى بالحفاظ على الملاكات الواقعية وعدم رضائه بتفويتها يدعو المولى الى جعل الوجوب الشرعي المولوي للطاعة والى جعل الحرمة الشرعية المولوية للمعصية، فان هذا الوجوب قد احدث ملاكا جديدا وداعٍ الى الطاعة وكذلك الحرمة، فمن اجل ذلك لا يكون جعل الوجوب المولوي لغوا، لان حكم العقل لا يتطلب ما يراه المولى من الاهمية فان المولى يرى اهمية الملاكات الواقعية والحفاظ عليها وعدم تفويتها والعقل لا يدرك الا بمقدار ان الملاكات الواقعية لازمة اما انها اقوى واشد من ذلك فالعقل لا يدرك ذلك فان العقل يكشف الملاك من الوجوب ولا يكشف من الوجوب الا بمقدار ان هذا الملاك لازم اما انه اكبر من ذلك درجة فلا طريق له اليه، اما المولى اذا رأى ان الملاك اكبر من ذلك ولهذا يرى وجوب حفظ الملاك ولا يرضى بتفويت هذا الملاك، فمن اجل ذلك اهتمام المولى بالملاك يدعوه الى جعل وجوب مولوي متعلق بالطاعة والى جعل حرمة مولوية متعلقة بالمعصية .
فإذن هذا الوجوب يكون داعيا ثانيا، واذا ضممنا هذا الوجوب الى الوجوب الاول تتأكد الداعوية ومسؤولية العبد فكيف يكون جعل هذا الوجوب لغوا، ولا فرق حينئذ بين ان يكون حكم العقل بالحسن او القبح في مرتبة علل الاحكام او في مرتبة معلولاتها، كما ان حكم العقل بالحسن او القبح في مرتبة علل الاحكام يستلزم الوجوب والحرمة كذلك حكم العقل بالحسن والقبح في مرتبة معلولات الاحكام ايضا يستلزم حكم الشارع بالوجوب والحرمة .
وبعبارة اخرى : ان الامر الثاني تعلق بنفس ما تعلق به الامر الاول غاية الامر ان الامر الاول تعلق بالفعل بعنوانه الاولي والامر الثاني تعلق بنفس الفعل بعنوانه الثانوي، مثلا الامر الاول تعلق بالصلاة بعنوانها الاولي وباسمها الخاص وبعنوانها المخصوص واما الامر الثاني تعلق بنفس الصلاة بعنوان ثانوي وهو عنوان الاطاعة، وكذلك الحال في الحرمة .
فإذن الامر الثاني تعلق بنفس الامر الاول وكلا الامرين يدعوان الى الاتيان بالصلاة فكما ان الامر الاول يدعو المكلف الى الاتيان بالصلاة فكذلك الامر الثاني، والعقل كما يحكم بحسن اطاعة الامر الاول كذلك يحكم بحسن اطاعة الامر الثاني، فان العقل يدرك استحقاق المثوبة على امتثال الامر الاول كذلك يدرك استحقاق المثوبة على امتثال الامر الثاني، وكذلك يدرك استحقاق العقوبة على مخالفة الامر الاول ويدرك استحقاق العقوبة على مخالفة الامر الثاني ومن الواضح ان منشأ تحريك المكلف ودعوته الى طاعة المولى اذا كان امرين فهو اقوى من ان يكون امرا واحدا، واذا كان عقوبتين فهو اقوى من ان يكون عقوبة واحدة فان المكلف اذا رأى انه اذا ترك الصلاة استحق عقوبتين فلا شبهة في ان ذلك منشأ اقوى لدعوته الى الاتيان بالصلاة من استحقاقه لعقوبة واحدة على ترك الصلاة .
فإذن منشأ تحريك المكلف اذا كان عقوبتين فهو اقوى من ان يكون عقوبة واحدة ومن هنا يظهر ان ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من ان حكم العقل بالحسن وبالقبح اذا كان كافيا فلا مبرر لجعل الوجوب الشرعي المولوي في مورده لأنه لغو يظهر انه لا يكون لغوا، فان جعل الوجوب الشرعي المولوي في مورده بملاك اهتمام المولى بالملاكات الواقعية هو الحفاظ عليها وعدم رضاه بتفويت تلك الملاكات في كل حال، فهذا يدعو المولى الى جعل وجوب اخر وهو احدث ملاكا جديدا للطاعة وداعٍ جديدا لتحريك المكلف فكيف يكون لغوا .
واما ما ذكره (قده) من ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية لو لم يكن كافيا لتحريك المكلف فأيضا لا معنى لجعل الوجوب الشرعي المولوي للطاعة، فان حكم العقل بحسن طاعته وقبح معصيته ايضا لا يكفي لتحريك المكلف فان الوجوب الثاني كالوجوب الاول و لا فرق بينهما .
هذا الذي افاده (قده) مبني على الخلط بين المقام وبين ما اذا كان الوجوب الثاني مقابل الوجوب الاول وفي عرضه، واما في المقام فالوجوب الثاني في طول الوجوب الاول ومتعلق بنفس ما تعلق به الوجوب الاول وبذلك تتأكد داعويته ومحركيته غاية الامر بعنوان ثانوي، وما ذكره (قده) انما يتم في الوجوبين العرضيين كوجوب الصدق ووجوب رد الامانة، فان وجوب رد الامانة اذا كان حكم العقل بحسن طاعته وقبح معصيته لا يكفي لتحريك المكلف كذلك الحال في وجوب الصدق، فان حكم العقل بحسن اطاعته وقبح معصيته ايضا لا يكفي فما ذكره انما يتم في الوجوبين العرضيين لا في المقام اذ الوجوب الثاني في طول الوجوب الاول ومتعلق بنفس ما تعلق به الوجوب الاول .
فالنتيجة، ان ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من التفصيل بين الحسن والقبح في موارد علل الاحكام وبين الحسن والقبح في مراتب معلولات الاحكام لا وجه له .