الجواب :
إن الوقت لا یتسع لایراد كل ما یمكن قوله في هذا المجال مما یمكن أن یساعد في علاج الوسوسة والحدّ من مضاعفاتها ولكن نتبرّك أولاً بذكر حدیث شریف عن الإمام الصادق (علیه السلام) ثم نردفه ببیان بعض النقاط.
أما الحدیث فهو ما رواه عبدالله بن سنان ـ أحد أجلة أصحاب الإمام (علیه السلام) ـ قال: ذكرت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجلاً مبتلی بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله: وأيّ عقل له وهو یطیع الشیطان؟ فقال سله الذي یأتیه من أي شيء هو فإنه یقول لك من عمل الشیطان.
وأما النقاط التي یهمّنا إیرادها فهي:
۱ ـ إنّ مرض الوسواس لیس له علاج ناجع إلا عدم الإعتناء بالوسوسة وعدم ترتیب الأثر علیها لمدّة طویلة، وكلما زادت مدة الإصابة بالمرض یتوقف العلاج منه علی ممارسة عدم الإعتناء مدة أطول، فالذي بدأ معه الوسواس قبل شهر أو شهرین ربما یذهب عنه لو قاومه بعدم الإعتناء بضع شهور وأما الذي بدأ معه منذ سنوات فمن المؤكد أنه لا یذهب عنه الا بعدم الإعتناء مدة طویلة جداً.
۲ ـ السؤال المهم الذي یطرح في هذا المجال هو أنه كیف یمكن إقناع الوسواسي بعدم الإستجابة لنداء الوسوسة الذي هو نداء شیطاني؟
والجواب ان الطریق إلی ذلك هو إفهامه بصورة واضحة لا لبس فیها بأنه لا یتحمّل إثماً ولا یستحق عقاباً یوم القیامة إذا لم یعتن بالوسوسة وإن وقع في خلاف الواقع، فإن الذي یدعو الوسواسي إلی العمل وفق الوسوسة هو خوفه من بطلان عمله وإستحقاقه العقاب علی ذلك ولكن لو جعلناه یقتنع تماماً بأنه لا یتحمّل جراء مخالفته للوسوسة وعدم الإعتناء بها أي ذنب أبداً وإن لم یصح عمله في الواقع ویكون معذوراً أمام ربه فإن هذا سیساهم بكل تأكید في الحدّ من إعتنائه بالوسوسة.
۳ ـ كیف یكون الوسواسي معذوراً أمام الله تعالی إذا لم یعتن بوسوسته وإن كان عمله خلاف الواقع؟ مثلاً: إذا شك في طهارة بدنه وبنی علی الطهارة وتوضأ وصلی وكان في علم الله تعالی بدنه متنجساً ووضوؤه باطلاً وصلاته باطلة ألا یتحمل مسؤولیة ذلك أمام الله یوم القیامة؟
الجواب قطعاً بالنفي والوجه في ذلك ببساطة هو أنه عمل وفق واجبه الشرعي في عدم الإعتناء بالوسوسة فكیف یعاقبه الله علی ذلك؟!
ولتوضیح الفكرة نقول: إن فتوی الفقیه حجّة للمكلف أي أن المكلف إذا عمل بها وكانت في علم الله مخالفة للواقع لم یعاقب یوم القیامة علی مخالفته، مثلاً إذا أفتی الفقیه بطهارة الإسبرتو واستند المكلف إلی فتواه في عدم التجنب عنه في لباسه وبدنه فتوضأ وصلی ولكن كان الاسبرتو نجساً في حكم الله تعالی لم یعاقب المكلف یوم القیامة علی صلواته الباطلة لأن حجّته أمام الله هي كالتالي:
یا ربّي إنك رخصت لي العمل بفتوی الفقیه، والفقیه أفتی بطهارة الاسبرتو فلذلك لم اتجنبها في بدني وملابس صلاتي فهل تعاقبني مع ذلك؟
ویأتي الجواب: إنك معذور یا عبدي ولا شيء علیك.
وهكذا حال الوسواسي تماماً، فإن جمیع الفقهاء یفتون بكل صراحة ووضوح ـ تبعاً للنصوص الشرعیة ـ بأن وظیفة الوسواسي هو عدم الإعتناء بوسوسته والبناء علی طهارة كل ما یشك في طهارته بل حتی لو تأكد من نجاسة شيء ـ علی خلاف ما یحصل لسائر الناس من العلم بذلك ـ فلا عبرة بعلمه وواجبه أن یبنی علی الطهارة.
فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوی الشرعیة وبنی علی طهارة كل مشكوك الطهارة، بل ومتیقن النجاسة فهو معذور أمام الله تعالی وإن كان عمله علی خلاف الواقع ووقعت صلاته في النجاسة أو كان أكله متنجساً.
نتمنی أن تقرأي هذا البیان عدة مرات لتتأكدي من صوابه ثم تعقدي العزم علی عدم الإعتناء بالوسوسة بعد الیوم، اعقدي العزم علی عدم غسل ما تتصورین أنه قد أصابته النجاسة. اعقدي العزم علی البناء علی طهارة كل شيء لم تجدي عین النجاسة فیه بام عینیك.
سیأتي الشیطان ویقول لك: ان وضوءك باطل وصلاتك باطلة وبدنك متنجس و... وقولي في الجواب: فلیكن: لا یهمني ذلك ما دمت معذورة أمام الله تعالی وانه لا یعاقبني یوم القیامة في حال من الأحوال.
٤ ـ من الأحكام الفقهیة التي ینبغي الإلتفات إلیها هو أن المتنجس بملاقاة المتنجس ینجس ملاقیه فیما إذا لم تتعدد الوسائط بینه وبین عین النجاسة وإلا فلا یكون موجباً لتنجسه، مثلاً إذا لاقت الید الیمنی البول فهي تتنجس، فإذا لاقتها الید الیسری مع الرطوبة حكم بنجاستها أیضاً، وكذا إذا لاقی الید الیسری مع الرطوبة شيء آخر كالثوب فإنه یحكم بنجاسته ولكن إذا لاقی الثوب شيء آخر مع الرطوبة سواء أكان مانعاً أم غیره فهو لا یوجب نجاسته.
و هذا باب ینفتح منه ألف باب في عدم حصول العلم بنجاسة معظم ما ذكرت في رسالتك أنها تتنجس بالواسطة.
و في الختام أسأل الله تبارك وتعالی لك العافیة التامّة والتوفیق لما یحب ویرضی.